عندما يبلغ الإنسان سن الأربعين، تبدأ العديد من العمليات الحيوية في الجسم بالتباطؤ تدريجياً، ومن أبرزها معدل التمثيل الغذائي (الأيض) المسؤول عن تحويل الطعام إلى طاقة.
تشير الدراسات إلى أن معدل الحرق الطبيعي قد ينخفض بمقدار 250 إلى 300 سعر حراري يومياً مقارنة بما كان عليه في سن الثلاثين، وهو ما يؤدي غالباً إلى زيادة تدريجية في الوزن تتراوح بين 5 و12 كيلوغراماً سنوياً إذا لم يُجرِ الفرد تعديلات على نمط حياته الغذائي والبدني.
لكن الخبر السار أن هذا التراجع ليس قدراً محتوماً؛ إذ يمكن عكسه أو الحدّ منه من خلال تعديلات بسيطة في النظام الغذائي وزيادة النشاط الجسدي.
وتوصي الدكتورة “باميلا بييك”، مؤلفة كتاب العناية بجسدك مدى الحياة وأستاذة الطب المساعد في جامعة ماريلاند، باتباع خطة غذائية متوازنة مدعومة بنشاط بدني منتظم لاستعادة الحيوية وزيادة معدل الحرق.
تناول الحبوب الكاملة
ابدأ يومك بالأطعمة الغنية بالحبوب الكاملة مثل الأرز البني، الشوفان، الشعير، والخبز الأسمر. فهذه الأطعمة تُهضم ببطء وتمنحك شعوراً أطول بالشبع، مما يقلل من الميل لتناول الوجبات الخفيفة غير الصحية.
وقد أظهرت دراسة أجرتها كلية طب هارفارد على أكثر من 74 ألف شخص أن من تناولوا الحبوب الكاملة بانتظام كانت أوزانهم أقل، ونسب الدهون لديهم أقل من أولئك الذين اعتمدوا على الكربوهيدرات المكررة مثل الخبز الأبيض والمعجنات.
عزّز طاقتك بالبروتينات
البروتين هو الوقود الحيوي لبناء العضلات، وكلما زادت كتلة العضلات زاد استهلاك الجسم للطاقة حتى في حالة الراحة. ينصح الخبراء بتناول مصادر البروتين قليلة الدهن مثل صدر الدجاج، الأسماك، بياض البيض، والبقوليات.
فالجسم يحتاج إلى طاقة أكبر لهضم البروتين مقارنة بالدهون أو الكربوهيدرات، وهي عملية تُعرف باسم “التأثير الحراري للغذاء”. كما أن البروتين يساعد على الحفاظ على كتلة العضلات التي تبدأ بالتراجع تدريجياً مع التقدم في السن.
تناول وجبات صغيرة ومتكررة
يعتقد كثير من الناس أن تقليل عدد الوجبات يساعد في إنقاص الوزن، لكن الحقيقة أن تناول وجبات صغيرة كل 3-4 ساعات يحافظ على نشاط عملية الأيض ويمنع الجسم من الدخول في “وضع الجوع”، الذي يدفعه لتخزين الدهون.
كل وجبة يمكن أن تحتوي على نحو 300 سعر حراري تتوزع بين البروتين والكربوهيدرات المعقدة والدهون الصحية.
لا تهمل منتجات الألبان
أظهرت دراسة نُشرت في مجلة السمنة الدولية (International Journal of Obesity) أن تناول ثلاث حصص من الألبان قليلة الدسم يومياً ساعد المشاركين على فقدان ما يصل إلى 60% من الدهون مقارنة بمن لم يتناولوها.
الكالسيوم الموجود في الحليب واللبن والجبن يساعد على تنشيط الإنزيمات المسؤولة عن تكسير الدهون. ويمكن الاعتماد على أنواع مثل الجبنة القريش أو الجودا أو اللبن الزبادي الطبيعي لتحقيق أفضل النتائج.
الماء هو المفتاح
الماء ليس فقط لترطيب الجسم، بل هو محفز مباشر لعملية الأيض. فقد أثبتت دراسة ألمانية أن تناول نحو نصف لتر من الماء يمكن أن يرفع معدل الحرق بنسبة 30% خلال 40 دقيقة بعد الشرب.
لذلك احرص على شرب الماء على مدار اليوم، خصوصاً قبل الوجبات وبعد التمارين، فالجفاف البسيط قد يبطئ الحرق بشكل ملحوظ.
الشاي الأخضر: حارق الدهون الطبيعي
يُعتبر الشاي الأخضر من أشهر المشروبات الداعمة لحرق الدهون، وذلك لاحتوائه على مركبات الكاتيشين (Catechins) ومضادات الأكسدة التي تساعد على تحسين أكسدة الدهون وتنظيم مستوى السكر في الدم.
وقد وجدت دراسات في معهد الطب الصيني أن تناول كوبين إلى ثلاثة أكواب يومياً من الشاي الأخضر يمكن أن يزيد من معدل الأيض بنسبة تصل إلى 4% يومياً.
اجعل وجباتك الدسمة في بداية اليوم
الوجبات الكبيرة في الصباح أو وقت الغداء تُستهلك بشكل أفضل لأن الجسم يكون في ذروة نشاطه، بينما تناولها ليلاً يزيد من احتمالية تخزينها كدهون. وإن لم تستطع ذلك، فقم بتقسيم وجبة العشاء إلى وجبتين صغيرتين تفصل بينهما ساعتان على الأقل.
النشاط البدني هو العامل الحاسم
النظام الغذائي المتوازن وحده لا يكفي، فمفتاح الحرق الحقيقي هو التمرين المنتظم. توصي الدراسات الحديثة بمزيج من تمارين المقاومة (مثل رفع الأوزان) والتمارين الهوائية (مثل المشي السريع أو السباحة).
تُظهر الأبحاث أن الرجال بعد الأربعين يفقدون نحو 1% من كتلة عضلاتهم سنوياً في حال عدم ممارسة الرياضة، وهو ما يقلل من معدل الأيض الأساسي.
ابدأ بخمس جلسات أسبوعياً مدة كل منها 30–45 دقيقة، واجعل هدفك رفع معدل ضربات القلب بشكل معتدل مع دمج تمارين القوة للحفاظ على الكتلة العضلية.
في الختام، يمكن القول إن الحفاظ على وزن صحي بعد الأربعين لا يعتمد على الحرمان أو الحميات القاسية، بل على ذكاء التغذية وتنظيم الحركة. ومع الالتزام بعادات بسيطة كالإكثار من الماء، وتناول البروتين والحبوب الكاملة، وممارسة التمارين، يمكن للجسم أن يستعيد قدرته الطبيعية على حرق الدهون ويحتفظ بنشاطه لسنوات طويلة.
آفاق علمية وتربوية موقع متخصص بالثقافة العلمية والتربوية