لطالما كانت الطبيعة مصدر إلهام للعلماء في ابتكار حلول مستدامة للطاقة. ومن بين العمليات الطبيعية الأكثر تعقيدًا وإثارة للاهتمام، تأتي عملية التمثيل الضوئي photosynthesis التي تقوم بها النباتات لتحويل ضوء الشمس إلى طاقة كيميائية.
المهندس أمجد قاسم
في خطوة رائدة، نجح فريق من العلماء في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) وجامعة تينيسي ومختبرات البحرية الأمريكية في تصنيع أول خلية كهروضوئية صلبة تحاكي هذه العملية الطبيعية، مما يمهد الطريق نحو ثورة في إنتاج الطاقة المتجددة.
إنجاز علمي غير مسبوق
تمكن الباحثون من تطوير “خلية البناء الضوئي في الحالة الصلبة”، وهي خلية كهربائية متطورة تعمل على تحويل أشعة الشمس إلى طاقة كهربائية بكفاءة عالية.
يشير الدكتور ماركو بالدو، أحد أعضاء الفريق البحثي في MIT، إلى أن هذا الإنجاز يمثل خطوة كبيرة في دمج البروتينات الجزيئية المعقدة ضمن أجهزة إلكترونية صلبة، مما كان يشكل تحديًا علميًا كبيرًا لفترة طويلة.
سر عبقرية التمثيل الضوئي
يُعد التمثيل الضوئي العملية الحيوية الأهم لاستمرار الحياة على الأرض، حيث تستخدم النباتات الخضراء والطحالب والكائنات الدقيقة ضوء الشمس لتحويل ثاني أكسيد الكربون والماء إلى سكر الجلوكوز، وهو مصدر الطاقة الأساسي للكائنات الحية.
يتم هذا التحويل بفضل مادة الكلوروفيل، التي تمتص الطاقة الشمسية وتساعد في فصل جزيئات الماء إلى أكسجين وهيدروجين وإلكترونات.
ما يجعل هذه العملية مثيرة للإعجاب هو أن شطر جزيئات الماء يتطلب طاقة هائلة قد تؤدي عادةً إلى تدمير الجزيئات البيولوجية، لكن النباتات تنجح في القيام بذلك يوميًا دون أضرار جانبية.
وقد استطاع فريق بحثي بقيادة العلماء جيم باربر وسو إيواتا من المجمع العلمي الملكي في لندن عام 2004 من فك شفرة هذه الآلية الكيميائية، مما شكل نقطة تحول في فهم التمثيل الضوئي وإمكانية محاكاته صناعيًا.
التحديات والابتكارات
سعى العلماء لسنوات إلى استنساخ آلية التمثيل الضوئي داخل المختبر لتطوير خلايا تولد الطاقة بكفاءة مشابهة للنباتات.
إلا أن هذه المحاولات اصطدمت بعقبة رئيسية؛ إذ إن الخلايا البيولوجية تحتاج إلى بيئة غنية بالماء والأملاح، وهو ما يتسبب في تآكل المكونات الإلكترونية.
وللتغلب على هذه المشكلة، قام فريق MIT بقيادة ماركو بالدو بتطوير ببتيد خاص يثبّت البروتينات على الأسطح الصلبة ويحافظ على استقرارها في بيئة جافة نسبياً.
تقنية الساندويتش البروتيني
استخدم العلماء أوراق السبانخ للحصول على البلاستيدات الخضراء التي تقوم بعملية التمثيل الضوئي. وبعد فصل البلاستيدات باستخدام تقنية الطرد المركزي، تم تنقيتها وإذابتها في محلول مائي، ثم وضعها على شريحة زجاجية مغلفة بطبقة من الذهب ومواد شبه موصلة، مغطاة بطبقة معدنية إضافية.
وعند تعريض هذه الشريحة لأشعة الليزر، وجد الباحثون أنها تستطيع تحويل 12% من الضوء إلى طاقة كهربائية، وهي نسبة واعدة لكنها تحتاج إلى تحسين.
آفاق واعدة للمستقبل
يعمل العلماء حاليًا على تحسين كفاءة هذه الخلايا من خلال زيادة عدد الطبقات الفعالة، مما يرفع نسبة التحويل إلى أكثر من 20%. كما يسعون لإطالة عمر الخلايا، إذ إن البروتينات المستخدمة تحافظ على فعاليتها لمدة ثلاثة أسابيع فقط حتى الآن.
وقد نُشرت هذه الأبحاث الرائدة في دورية “نانوليترز” (Nano Letters) المتخصصة في تقنيات النانو، حيث يعكف الباحثون على تطوير تطبيقات عملية تعتمد على التمثيل الضوئي الاصطناعي، مثل إنتاج الكهرباء والهيدروجين والوقود الحيوي بطرق مستدامة وبتكلفة منخفضة.
أخيرا وبعد مرور 5.2 مليارات سنة على ظهور الحياة، يواصل العلماء سعيهم لمحاكاة هذه المعجزة الطبيعية داخل المختبرات، في محاولة لإيجاد مصادر طاقة متجددة تسهم في حل أزمة الطاقة العالمية.
إن تحقيق التمثيل الضوئي الاصطناعي بكفاءة عالية يمكن أن يكون المفتاح لعالم يعتمد بالكامل على الطاقة النظيفة، مما يعزز مستقبلًا مستدامًا للأجيال القادمة.