• فلسفة الترشيد
• واجب وطني
• التربية المائية
• دور الفرد في حماية موارد الماء
• الحكمة ضالة كل مسؤول
عماد سعد *
دعونا في البداية نبدأ من الأسئلة المشروعة التي قد تخطر على بال كل منا وهي:
هل نحن بحاجة لترشيد المياه؟ هل توجد مشكلة في إنتاج أو استهلاك المياه؟ هل شركة التوزيع مقصرة بتوفير المياه للمجتمع؟ ولو كان فيه مشكلة لماذا لا تتم زيادة الطاقة الانتاجية أو لماذا لا نرفع السعر على المستهلك؟ وهل المستهلك مقصر في سداد فاتورة المياه؟ وهل يستطيع المستهلك دفع الفاتورة الحقيقية للمياه؟ هل من جدوى لمشاركة الفرد في ترشيد استهلاك المياه؟ وهل توجد فوائد لترشيد استهلاك المياه على الفرد والمجتمع؟ هـــل ولمـاذا؟ كلهــا وغيرهــا… أســـئلـة مشـروعة فمن أين نبدأ؟
سوف أدخل على الموضوع من واقع استهلاك المياه في دولة الامارات العربية المتحدة كنموذج عملي لاستهلاك الفرد في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
لو نظرنا إلى البيانات القطاعية التي أوردتها هيئة البيئة – أبوظبي عام 2006 فهي تشير الى إجمالي الانبعاثات في أبوظبي من محطات الكهرباء وتحلية المياه يقدر بحوالي 13.5 مليون طن من الغازات والجسيمات العالقة في السنة، ويشكل ثاني أكسيد الكربون 99.65٪ من هذه الانبعاثات. ولهذا فإن إنتاج المياه ونقلها واستهلاكها في أبوظبي يرافقه انبعاث غازات الدفيئة لأن هذه العمليات تعتمد على طاقة الوقود الأحفوري لتحلية المياه وضخها وتوزيعها ومعالجتها”.
وأن معدل استهلاك الفرد بالإمارات من المياه والطاقة يعادل ضعف المعدل العالمي؟ بحسب بيانات اوردتها الهيئة الاتحادية للكهرباء والماء اشارت الى ان معدل استهلاك الفرد من المياه العذبة في الامارات 550 ليتر باليوم مقابل 170 – 300 ليتر باليوم هو معدل استهلاك الفرد من المياه العذبة على مستوى العالم. أي نحن في الامارات نستهلك ضعف معدل استهلاك الفرد على مستوى العالم.
فلسفة الترشيد
لو عدنا الى نتائج الاستبيان الذي أجريناه في جمعية أصدقاء البيئة بالإمارات لمعرفة الخلفية الذهنية لأفراد المجتمع حول مفهوم الترشيد في ذهن الناس لوجدنا أن الترشيد في رأي الناس هو التقشف وضغط التكاليف إلى أدنى حد ممكن… كما هو ضوابط وإجراءات صارمة تقيد حرية الاستخدام… أو هو أسلوب خاص للتوفير وتقليل الاستهلاك… في حين أن روح المسؤولية المجتمعية تركز على أن كل منا يستطيع أن يكون له دور ايجابي وفاعل في خدمة أي موضوع مثل الترشيد من موقع احساسه بالمسؤولية المجتمعية اتجاه محيطه الحيوي فقط. فأنا أستطيع وأنت تستطيع وبالتالي نحن جميعاً نستطيع أيضاً.
فتغيير سلوك الفرد في مسألة ترشيد استهلاك المياه يمكن أن يشارك بها كافة أفراد المجتمع… فالجميع لهم قدرة وأثر ايجابي على ترشيد المياه على قاعدة السلوك المسؤول عبر مجموعة من الاجراءات البسيطة التي تساعد أفراد المجتمع على تطبيق أفضل الممارسات بما يضمن لهم أفضل النتائج للإنسان ومحيطه الحيوي فالانجازات العظيمة تبدأ بمبادرات بسيطة.
واجب وطني
كما قلنا إن الزيادة المستمرة في تعداد السكان بدول مجلس التعاون وارتفاع مستوى معيشة الفرد بالإضافة إلى التوسع في المشروعات الزراعية والصناعية قد أدى بطبيعة الحال إلى زيادة الطلب على المياه العذبة.
ومن جهة ثانية فإن المستهلك لا يدفع القيمة الحقيقية لما يستهلكه من طاقة ومياه حتى أن بعض الفئات لا تدفع كلياً في بعض دول مجلس التعاون، ما شجع على الإفراط في الاستهلاك في كافة قطاعات المجتمع أدى إلى استنزاف المياه الجوفية. مما حذا بالجهات المختصة إلى بذل جهود جبارة ومضنية لتوفير المياه الصالحة للاستخدام وفق المواصفات العالمية للمياه. من خلال تحلية مياه البحر والحفاظ على مخزون المياه الجوفية وإقامة السدود. إلا أن ندرة المياه العذبة تفرض علينا كأفراد أن نكون عوناً لهذه الجهات. وأن نكون أكثر حرصاً في الحفاظ عليها من الهدر وسوء الاستخدام. لأن ذلك يعتبر واجب وطني وشرعي بامتياز قبل كل شيء.
التربية المائية
هناك من الدلائل ما يفيد سوء استغلال الإنسان لبيئته المائية متمثلاً ذلك في استنزاف الموارد المائية العذبة وتلويث مجاريها ومسطحاتها، وبالرغم من الأهمية القاطعة للمياه التي تفرض على الإنسان مسؤولية الحفاظ عليها, لأنها جزء من الحفاظ على حياته وحياة الكائنات الحية المسخرة له، فلا بقاء لهذه الكائنات بدون الماء، كما أنه لا بقاء للبيئة كلها في ظل عدم توفر الماء العذب الصالح للاستخدام. ومشكلة نقص وتلوث المياه ليست مشكلة جهة دون أخرى، بل هي مسؤولية مشتركة تطال كافة مؤسسات القطاع العام وشركات القطاع الخاص والمجتمع الأهلي والأفراد على قاعدة كلنا شركاء في المسؤولية والبناء، وذلك عن طريق نشر ثقافة المسؤولية في التربية المائية تركز على إنماء الوعي المائي وتنمية المهارات والسلوكيات السليمة لدى كافة فئات المجتمع المحلي وخصوصاً الأطفال.
انطلاقاً من إمكانية إعداد الفرد المتفهم لموارده المائية، والمدرك لظروفها, والواعي بما يواجهها من مشكلات وما يتهددها من أخطار، والقادر على المساهمة الايجابية في التغلب على هذه المشكلات والحد من تلك الأخطار؛ عن طريق برامج التربية المائية المسؤولة مجتمعياً. ومن هنا برزت أهمية التربية والتثقيف بقضايا ومشكلات المياه وتفاعلات الإنسان معها, فذلك هو أحد المداخل السليمة لترشيد سلوك الإنسان وتبصيره بالتوابع البيئية والمجتمعية لأعماله وقراراته وأدق تعاملاته مع الموارد المائية, حتى يستعيد الإنسان الانسجام بين حياته ومتطلباتها وبين الاتزان السليم في نظام البيئة المائية التي يعيش معتمداً عليها في جميع نشاطاته, وهذا ما يعرف بالتربية المائية المسؤولة مجتمعياً.
دور الفرد في حماية موارد الماء
تقع على عاتق كل فرد منّا مسؤولية مجتمعية وواجب وطني يتعين علينا القيام بهما، امتثالاً لأمر الله عز وجل بقوله (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) إذ أن توفير قطرة ماء اليوم يعني توفير سبل الحياة الكريمة لأولادنا وأحفادنا.. إن ترشيد استهلاك المياه يمكن القيام به بقليل من الجهد ولا يتطلب أية خبرة وذلك من خلال مجموعة من التطبيقات البسيطة في مختلف مرافق الحياة والمجتمع.
الحكمة ضالة كل مسؤول
فالحكمة في استهلاك المياه تعود بالمنفعة علينا جميعاً، فهي تبقي الموارد الحالية قادرة على سد احتياجاتنا لوقت أطول. لأن الحفاظ على موارد الماء هو حفاظ على استمرار التنمية للأجيال القادمة. فنحن جميعاً شركاء في استهلاك المياه ونستطيع أن نكون شركاء أيضاً في الحفاظ عليها إذا أوقفنا ما نراه من أشكال الهدر لأن كل نقطة من المياه يتم هدرها.. تساوي حياة للكثير. فالحفاظ على المياه هو أمر بالمعروف، والنهي عن الهدر هو بلا شك نهي عن منكر.
*المهندس عـمـاد سـعـد: استشاري استدامة ومسؤولية مجتمعية للمؤسسات
*رئيس مجلس ادارة مجموعة نايا للتميز – ابوظبي info@nayaexcellence.ae
المصدر
موقع بيئة ابو ظبي
صحيفة انماء