تجهيز بيانات البحث العلمي وتصنيفها

عبد الرحمن الواصل

بعد أن يُتِمَّ الباحثُ جمع بيانات ومعلومات دراسته بأيٍّ من أدوات جمعها السابقة تبدأ المرحلةُ السادسة من مراحل البحث بهذه الخطوة التي تٌسْـبَقُ عادةً باستعداداتٍ ضروريَّة لها تتمثَّل بمراجعة البيانات والمعلومات المجموعة مراجعة علميَّة لتلافي القصور والأخطاء وعدم فهم أسئلة أداة جمع المادة العلميَّة فهماً يتَّسق مع مطلب الباحث ومقصوده، وللتأكُّد من أنَّ هناك إجابات على مختلف أسئلة أداة جمع البيانات أو احتوائها على استجابات بنسبة معقولة تسمحُ باستخلاص نتائج ذات دلالة.

وتجهيز البيانات وتصنيفها خطوةٌ لا تنفصل عن الخطوات السابقة، فجميع خطوات البحث العلميِّ تترابطُ مع بعضها في خطَّة متماسكة متكاملة واضحة؛ أي أنَّ المقدِّمات في البحث العلميِّ تترابط مع النتائج، ومن هنا كان التصنيفُ جزءاً من التخطيط العام للبحث؛ ولذلك فإنَّ الباحثين المتقنين للبحث العلميِّ لا يرجئون عمليَّات التصنيف هذه والتفكير فيها إلى ما بعد مرحلة تجميع البيانات، والهدف من تصنيف البيانات هو تجميع البيانات المتشابهة مع بعضها وترتيبها في فئاتٍ ومفردات متشابهة، وهناك بعض الملاحظات التي ينبغي للباحث أن يأخذَها في اعتباره عند تصنيف البيانات الكيفيَّة (التي تتَّصل بالصفات التي يصعب عدَّها أو قياسها) والبيانات الكميَّة المجمَّعة، وهذه الملاحظاتُ يمكن اعتبارها مجرد أهدافٍ للباحث يواجه بها مختلف المشكلات في عمليَّات التصنيف، مع الأخذ بعين الاعتبار الملاحظات التالية :

1) أن يكونَ لدى الباحث بيانات صالحة للتصنيف مثل: الأعمار، المؤهِّلات، الجنسيَّة، الدرجات، أنواع الوسائل التعليميَّة، أنواع طرائق التدريس، سنوات الخدمة للمعلِّمين.
2) أن تكونَ المفردات المصنَّفة مع بعضها متجانسة ومتشابهة بحيث لا توضع مفردةٌ واحدة في عدَّة أماكن من نفس المجموعـة.
3) أن يتَّبعَ الباحث في تصنيفه نظاماً منطقيّاً من العام إلى الخاص أو من الكبير إلى الصغير أو من الكثير إلى القليل أو بالعكس، أو أيِّ نظام منطقيٍّ آخر، ولعلَّ ذلك يعدُّ من أهم أغراض وأهداف التصنيف.
4) أن يتَّبعَ الباحث نظام التدريج في عمليَّة التصنيف من الأقسام أو الفئات العريضة (سعوديُّون، غير سعوديِّين) إلى الفئات أو الأقسام الفرعيَّة إذا استدعى الأمر، فيقسَّم السعوديُّون بحسب الجنس إلى ذكور وإناث.
5) أن يكونَ نظامُ التصنيف شاملاً لمختلف الاستجابات الموجودة والبيانات المجموعة؛ أي أن يكونَ النظام نفسه مرناً يتَّسع لبعض التعديلات التي تتلاءم مع طبيعة البيانات المجمَّعة.
6) أن تحدَّدَ مفاهيم ومعاني الفئات التي سيقوم الباحثُ بتصنيفها، ويبدو هذا الأمر يسيراً، ولكن واقع الأمر يشير إلى أنَّ كثيراً من الباحثين يستخدمون ويفهمون الفئات المختلفة بطريقةٍ سطحيَّة غير محدَّدة.
7) أن يحدِّدَ الباحثُ الحالات التي سيركِّز عليها بحثه في المشكلة؛ وذلك لأنَّ تحديد المشكلة بعناية سيضيِّق من المجالات التي سيقومُ بوصفها والحالات التي سيلاحظها ويصنِّفها.
8) أن يكونَ هناك تقنيٌن وتوحيدٌ للأسس المتَّبعة في ملاحظة المفردات؛ ذلك أنَّ هناك اهتماماً مباشراً في بعض الأحيان بالأشياء التي يمكن ملاحظتها وغالباً ما تمثِّل هذه الأشياء الأفكار الأكبر أو المجتمع الأكبر.
9) أن يختارَ الباحث المقاييس الدالَّة على الفئات المحدَّدة المختلفة، وهذه الملاحظة مرتبطة إلى حدٍّ كبير بالملاحظة السابقـة.

وفي الوقت الذي قام به الباحثُ بمراجعة المادة العلميَّة المجموعة يكون قد أتمَّ التفكيرَ والتخطيطَ والإعداد لبرنامجه الحاسوبيِّ الخاص المناسب لتفريغ البيانات والمعلومات، وإعداد البرامج الحاسوبيَّة الأخرى لاستخراج البيانات وتصنيفها وتبويبها وعرضها بالأساليب والصور المناسبة لتحليلها في الخطوة اللاحقـة، إذْ من الضروريِّ عرض بيانات الدراسة بشكل يسهِّل على الباحث استخدامها وتحليلها واستخلاص النتائج منها، وقبل ذلك يجب على الباحثُ أن يتهيأَ للتخلي عن قدرٍ كبير من البيانات والحقائق والملاحظات التي جمعها في المرحلة السابقة، وعموماً فهناك طرقٌ عديدة لتصنيف وعرض المادة العلميَّة المجموعة قد يستخدم الباحثُ إحداها أو قد يستخدم أكثر من واحدة منها، وأهمُّها الآتي:

1- عرض البيانات إنشائيّاً: وفي هذه الطريقة يتمُّ وصف البيانات بجمل وعباراتٍ إنشائيَّة توضِّح النتائج التي قد تُسْتَخْـلَصُ منها كأن يقول الباحثُ: إنَّه توجد علاقةٌ طرديَّة بين مؤهِّلات معلِّمي المرحلة الابتدائيَّة وبين استخدامهم الوسائل التعليميَّة، وتوجد علاقةٌ عكسيَّة بين عدد سنوات الخدمة للمعلِّمين وبين تنوُّع طرائق التدريس لديهم، وتوجد علاقةٌ إيجابيَّة بين استخدام المعلِّمين للوسائل التعليميَّة وبين مستويات التحصيل الدراسيِّ لطلاَّبهم.

2- عرض البيانات جدوليّاً: وهذه الطريقة أكثر طرق عرض البيانات شيوعاً، كما أنَّها وسيلةٌ لتخزين كميَّات كبيرة من البيانات، ففي هذه الطريقة تصنَّف البيانات الكميَّة في جداول ليسهل استيعابها ومن ثمَّ تحليلها وتصنيفها في فئاتٍ واستخلاص النتائج منها، فعادة ما يعبَّر عن الحقائق الكميَّة بعددٍ كبير من الأرقام، فإن لم تعرض هذه الحقائق بطرق منظَّمة فإنَّه لا يمكن اكتشاف أهميَّتها ومن ثمَّ الاستفادة منها، وتعدُّ الجداولُ وسيلة شائعة لتخزين البيانات الإحصائيَّة وتصنيفها تصنيفاً أوليّاً وعرضها لتصنيفها إلى فئات، ومن ميزات هذه الطريقة أنَّ حقائقها تستوعب بطريقةٍ أسهل، وتتنوَّع الجداول الإحصائيَّةُ إلى جداول عاديَّة وجداول تكراريَّة، بل وتتنوَّع الجداول بما يمكِّن من تصنيف بياناتها بطرقٍ متعدِّدة، منها:

1) تصنيفات تعتمد على اختلافات في النوع.
2) تصنيفات تعتمد على اختلافات في درجة خاصيَّة معيَّنة، وتسمَّى بالتصنيفات الكميَّة.
3) تصنيفات تعتمد على التقسيمات الجغرافيَّة.
4) تصنيفات السلاسل الزمنيَّة.

3- عرض البيانات بيانيّاً: وذلك بعرض البيانات المجموعة في رسومٍ بيانيَّة توضِّح مفرداتها، ومنها يحاول الباحثُ اكتشاف العلاقة بينها بمجرَّد النظر إليها، فالعرض البيانيُّ يوضِّح العلاقة بين البيانات؛ وبذلك تمتاز هذه الطريقة على سابقتيها، وللرسوم البيانيَّة أنواع، منها الأعمدة والدوائر النسبيَّة والمربَّعات والمستطيلات والمنحنيات، ومنها كذلك المدرَّج والمضلَّع التكراري، والمنحنى التكراري المتجمِّع، وقد تستخدم الخرائط لعرض البيانات الإحصائيَّة بأشكال رسومها السابقة.

التوزيع التكراريُّ:

إنَّ من أهمِّ المهارات التي يجب على الباحث معرفتها هو كيفيَّة اختزال العدد الكبير من البيانات الكميَّة ليسهل التعامل معها وتصنيفها تهيئةً لتحليلها، ويلجأ الباحثون أمام هذه المشكلة إلى تصنيف بياناتهم في مجموعات أو ما يسمَّى الفئات التكراريَّة، وفيما يلي المبادئ الرئيسةُ لوضع مجموعات (فئات) في جداول التوزيع التكراريِّ:


1) يجب ألاَّ يكون عدد فئات جداول التوزيع التكراريِّ كبيرة جدّاً بحيث يقلِّل ذلك من فوائد التلخيص ولكن يجب البعد عن المغالاة في التكثيف أيضاً فيكون عدد الفئات كافياً لبيان الخصائص الرئيسة للبيانات.
2) يجب أن تكونَ فئاتُ جداول التوزيع التكراريِّ متساوية الطول قدر الإمكان؛ فتساويها يجعل التحليل الكمِّي لاحقاً أسهل، ولكن إذا احتوت البيانات على مفردات صغيرة أو كبيرة جدّاً فإنَّه من المتعذِّر وضع فئات متساوية، كما أنَّه قد تظهر خصائص البيانات بشكلٍ أفضل إذا استخدمت فئات غير متساوية.
3) يصبح من الضروريِّ عندما تبتعد أطراف التوزيع عن المركز وضع فئة نهايتها مفتوحة ففي تصنيف السكَّان بحسب بيانات السنِّ تأتي فئة 65 سنة فأكثر، ممَّا يؤدِّي إلى الاستغناء عن عدد كبير من الفئات التي تظهر فيها تكرارات قليلة أو لا تحتوي على أيِّ تكرار.
4) يستحسن اختيار الفئات بحيث تكون نقطة الوسط عدداً صحيحاً؛ إذ لا يكون لنقطة البدء في كلِّ فئة أهميَّة إلاَّ في ظروف خاصَّة.
5) يجب تحديد أطراف الفئة بدقَّة ويتوقَّف تحديد طرفي الفئة على طبيعة المتغيِّرات من حيث كونها مستمرة أو غيرة مستمرَّة.

عن فريق التحرير

يشرف على موقع آفاق علمية وتربوية فريق من الكتاب والإعلاميين والمثقفين

شاهد أيضاً

دور تكنولوجيا المعلومات في تعزيز التعليم ورفع كفاءة المعلم

شهد العقد الأخير تطورًا ملحوظًا في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، مما أدى إلى تغيرات جوهرية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *