تاريخ استخدام بصمات الأصابع في التعرف على الأشخاص واستخداماتها

يقول الله تعالى: ( بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ )

لا يستطيع أحد أن يدرك ما في تسوية البنان (طرف الإصبع) من دلالة عظيمة، إلا إذا أدرك الحقيقة ، العجيبة، التي توصل إليها العلماء ، بعد بحث ، ودراسة ، واستقراء ، عبر السنين ، في مختلف أنحاء الأرض ، وهي أنه يستحيل أن تتطابق بصمتان لشخصين مختلفين .

أفليس هذا دليلا على قدرة الخالق، جل وعلا؟ وأليس دليلا على أن محمد صلى الله عليه وسلم، لم يأت بالقرآن من عنده كما يرجف المرجفون؟ وإلا.. فكيف له أن يعرف – وهو الأمي الذي لا يكتب ولا يقرأ – ما بذل فيه علماء العالم، في مختلف البلاد ، وعلى مر العصور ، الجهود تلو الجهود ، حتى أدركوه ، وأمكنهم الإفادة منه ؟ و من يدري، فربما كانت بعض أسراره لا تزال خافية ، وقد يكتشفها الناس في الأجيال القادمة !

لقد استطاع العام – منذ عهد غير بعيد – أن يضع طريقة خاصة لحفظ بصمات الأصابع وذلك في عام 1890، وأن يبين أوجه الإفادة منها.

ومنذ عام تسعمائة وألف ، بعد الميلاد ، اطرد التقدم في الإفادة من بصمات الأصابع في شتى الوجوه ، والمرافق ، التي تتطلب تحقيق شخصية الأفراد. ولقد أمكن حصر بصمات المجرمين الدوليين، ووضع نظام لترتيب بصمات أصابع اليد ، وحفظها ، ونظام آخر لبصمات الأقدام . وسوف نظام حاسوبي لتخزين تلك البصمات ، ليسهل تعقب الجناة – أينما كانوا – و تحقيق شخصية الأفراد ، بأقصى قدر من السرعة .

بداية استخدام بصمات الأصابع

سطا لص على أحد المستشفيات في اليابان عام ثمانين وثمانمائة وألف، بعد أن تسلق إحدى المداخن ، فترك آثار سوداء ، واضحة لبصمات أصابعه ، على أثاث المستشفى الناصع البياض ، فقام أحد أطباء المستشفى ، بفحص هذه الآثار ، ومقارنتها – عن طريق المجهر – ببصمات الفاعل ، الذي ضبط فيما بعد، فتبين أنها مطابقة لبصماته .

وهكذا بدأ التفكير في الإفادة من البصمات الفردية ، في كشف الحوادث الجنائية الغامضة ، ولكن ذلك اقتصر على إقامة الدليل في إثبات التهمة على الفاعل، وضبطه . وكانت الإفادة منه متوقفة ، على دقة التحريات ، ومدی نجاحها ، في إدخال الفاعل ، ضمن المشتبه فيهم .

ثم تقدمت وسائل إظهار البصمات الخفية ، و رفعها ، في أماكن الحوادث الجنائية ، ووضع نظام التسجيل للبصمات الفردية ، لمن اعتادوا الاعتداء على النفس والمال ، وذلك لمقارنتها بالبصمات التي ترفع من أماكن ارتكاب الجريمة ، ثم تقدمت نظم تسجيل البصمات ، حتى أصبح في الإمكان التعرف على شخصية المجرم المجهول ، الذي يترك بصماته في مكان الحادث ، ولو لم يترك وراءه سوی بصمة واحدة .

وتعد البصمات الآن، دليلا علميا قاطعا ، لا يتطرق إليه الشك ، أمام القضاء، و أمام جميع الهيئات التي تماثله ، حتى ولو لم تدعمها أدلة أخرى. ولقد أصدرت المحاكم أحكاما كثيرة ، في جميع بلاد العالم ، آخذة بالدليل المستمد من البصمات ، وذلك اعتمادا على الحقائق المؤكدة الثابتة ، من أنه على الرغم من أن معامل تحقيق الشخصية في العالم بأسره ، قد فحصت ملايين عديدة من البصمات ؛ فإنه لم يعثر – مطلقا – على بصمتين متطابقتين لشخصين مختلفين و قد أثبتت الطرق العلمية، التي استخدمها علماء البصمات ، استحالة تطابق بصمتين لشخصين مختلفين ، بل لإصبعين مختلفين لشخص واحد، و ذلك لأن احتمال وجود هذا التطابق ، لا يحدث إلا بين عدد يبلغ أضعافا مضاعفة العدد لسكان الكرة الأرضية ، وبعبارة أخرى ، لا يمكن أن يوجد احتمال تكرر بصمة واحدة لشخصين مختلفين، إلا بين أربعة وستين مليار من الأشخاص .

ولا يمكن أيضا تطابق بصمات الأصابع العشرة في شخصين مختلفين – على سبيل الاحتمال – إلا مرة واحدة ، في كل سبعة وثلاثين وثلاثمائة قرن . وستين وستمائة ألف ، و أربعة ملايين من القرون !! فإذا علمنا أن سكان الأرض كلها – اليوم – نحو 7.75 مليار نسمة، أدركنا الاستحالة التامة لوجود أي تطابق في البصمات.

والبصمات ينتفع بها، في عديد من الأوجه، لا تكاد تقع تحت حصر، لأنها بعيدة عن مواطن الشك في إثبات الشخصية، ويصلح استعمالها في جميع المرافق، والمهام ، التي يراد بها تعيين فرد بذاته ، تستوي في ذلك الأغراض المدنية والتجارية ، و الوظيفية ، و الجنائية .

ومن الأمثلة التي تستخدم فيها بعض الدول بصمات الأصابع ، أن بعض مستشفيات الولادة ، التي يقضي النظام فيها بإبعاد الأطفال عن أمهاتهم ، فترة من الزمن . و تؤخذ بصمات قدمي الطفل على لوحة خاصة ، خشية وقوع خطاء . في نسبة الوليد إلى أمه . وتستخدم بعض الجيوش البصمات للجنود ، وقت قبولهم في الخدمة العسكرية . بقصد التعرف على من يتوفى منهم ، أو يفقد أو يهرب . وقد وضعت بعض الدول أنظمة . تمنع ارتكاب الغش ، والتزوير في الصكوك ، والمستندات الوظيفية . والمدنية ، والتجارية ، وذلك باستخدام بصمات الإصبع، بدلا من التوقيع .

وتستخدم البصمات – أيضا – في منع اشتغال المجرمين ، في الوظائف ، والمهن ، والخدمات التي تتطلب الأمانة ، والاستقامة في أربابها .

وتستخدم البصمات في التعرف على الهاربين من وجه العدالة، مهما بلغت مهارتهم في التنكر، وتضليل من يقفون آثارهم . وتنقل البصمات – عن طريق نظام حاسوبي، وفقا لقانون خاص بها – من دولة إلى أخرى، للمساعدة في كشف المجرمين الدوليين. وتؤدي بصمات الأصابع، خدمات جليلة في تحقيق شخصيات الأفراد، في مجالات جوازات السفر، والامتحانات العامة ، والمصارف ، وصناديق التوفير ، والوصايا ، والمواريث ، و بطاقات الهوية، وتشغيل اجزة الحاسوب وفتح الأجهزة الخلوية إلى غير ذلك من الخدمات ، التي لا تقع تحت حصر .


وتجدر الإشارة إلى أن الشكل الظاهري، لبصمات الأصابع، يمكن الاستدلال منه على عمر صاحبه إذ إن الحيز الذي تشغله خطوط البصمات، يتزايد مع الكبر. كما أنه يستدل من البصمات على مهنة الشخص؛ فالتآكل في راحة اليد مثلا، يشير إلى أن صاحبها يشتغل بالبناء ، أو بالطلاء ، أو بالأحماض، ووخز الإبر يدل على الاشتغال بحرفة الخياطة ؛ فسبحان الخلاق العظيم ، جلت قدرته، وتناهت عظمته .

مصدر الصورة
pixabay.com

عن فريق التحرير

يشرف على موقع آفاق علمية وتربوية فريق من الكتاب والإعلاميين والمثقفين

شاهد أيضاً

في المستقبل المزارع العمودية داخل بنايات المدن الحديثة

على غرار حدائق بابل المعلقة والتي اعتبرت من عجائب الدنيا، برزت فكرة بناء المزارع العمودية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *