كثير من الكائنات الحية تقف اليوم على حافة الانقراض بسبب التدهور البيئي المستمر / pixabay

انقراض الكائنات الحية: تهديد يتصاعد ومستقبل الكوكب على المحك

يُعد انقراض الكائنات الحية من أخطر الظواهر البيئية التي تهدد التوازن الحيوي على كوكب الأرض، وقد بات هذا التهديد أكثر وضوحًا في ظل تسارع الأنشطة البشرية غير المستدامة وتغير المناخ.

المهندس أمجد قاسم *

كاتب علمي متخصص في الشؤون العلمية

تشير التقارير البيئية الدولية إلى أن استمرار هذه الظاهرة يمكن أن يؤدي إلى انهيار سلاسل الحياة البيئية، مما ينعكس بشكل مباشر على بقاء الإنسان نفسه.

أسباب رئيسة وراء انقراض الكائنات الحية

من أبرز الأسباب التي تقف خلف تفاقم معدلات انقراض الكائنات الحية:

  1. تدمير المواطن الطبيعية: يعتبر فقدان المواطن البيئية مثل الغابات والمراعي والأنهار من أبرز الأسباب التي تهدد بقاء الحيوانات والنباتات، إذ يتم تجريف الموائل الطبيعية لتلك الكائنات الحية، لصالح الزراعة أو التوسع العمراني، ما يؤدي إلى طرد الكائنات من بيئاتها الأصلية أو تعريضها للقتل.
  2. التغير المناخي: ساهمت ظاهرة الاحتباس الحراري وارتفاع درجات الحرارة في تغيير نمط الحياة البيئية، مما أثر سلبًا على بعض الأنواع الحساسة مثل الكائنات القطبية أو الكائنات التي تعتمد على أنظمة مناخية معينة للتكاثر أو الهجرة.
  3. الصيد الجائر والتجارة غير المشروعة: يؤدي صيد الحيوانات المهددة، سواء لأغراض طبية أو غذائية أو ترفيهية، إلى تقليص أعدادها بشكل كارثي، خاصة بالنسبة لبعض أنواع الثدييات مثل القردة والفيلة والنمور.
  4. التلوث البيئي: تلوث المياه والهواء والتربة يُضعف صحة الأنواع المختلفة ويقلل من فرصها في التكاثر، ناهيك عن التأثيرات المدمرة للمواد الكيميائية والبلاستيكية على الحياة البحرية.

تقارير الأمم المتحدة: إنذارات متكررة من كارثة بيئية تهدد الحياة

أطلقت الأمم المتحدة عبر منصاتها البيئية المتعددة خلال السنوات الماضية عدة تقارير تحذر من التدهور المتسارع في التنوع البيولوجي، وارتفاع معدلات انقراض الكائنات الحية على نحو غير مسبوق في تاريخ البشرية.

تقرير “التقييم العالمي للتنوع البيولوجي” 2019 – (IPBES Global Assessment Report)

يُعد تقرير التقييم العالمي للتنوع البيولوجي لعام 2019، الصادر عن المنبر الحكومي الدولي للعلوم والسياسات في مجال التنوع البيولوجي وخدمات النظم البيئية (IPBES)، أحد أهم الوثائق البيئية التي دقت ناقوس الخطر. شارك في إعداد هذا التقرير أكثر من 145 خبيرًا من 50 دولة، واستند إلى تحليل أكثر من 15 ألف دراسة علمية.

جاء في فحوى التقرير أن:

  • حوالي مليون نوع من النباتات والحيوانات معرضة لخطر الانقراض خلال العقود القليلة المقبلة.
  • معدل انقراض الأنواع الحالي هو أعلى بمئات المرات من المتوسط الطبيعي خلال العشرة ملايين سنة الماضية.
  • حوالي 75% من البيئة البرية و66% من البيئة البحرية قد تضررت نتيجة الأنشطة البشرية.
  • هناك تدهور في النظم البيئية التي يعتمد عليها الإنسان لتوفير الغذاء والمياه والهواء النقي.

وأكد التقرير أن استمرار النمط الحالي من الاستغلال غير المستدام للموارد الطبيعية سيؤدي إلى انقراض أعداد هائلة من الكائنات، مما سيتسبب في خلل بيئي قد لا يمكن إصلاحه.

تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) – “توقعات البيئة العالمية” 2019 (Global Environment Outlook 6)

تزامنًا مع تقرير IPBES، أصدر برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) في عام 2019 تقريره السادس حول توقعات البيئة العالمية (GEO-6). وقد وصف التقرير الوضع البيئي العالمي بأنه “حرج للغاية”، مشيرًا إلى أن استمرار تدهور البيئة العالمية، بما في ذلك فقدان التنوع البيولوجي، يهدد استقرار الكوكب.

ومن أبرز النقاط التي تناولها التقرير:

  • تراجع التنوع البيولوجي نتيجة الأنشطة الزراعية المكثفة، والتحضر، والتلوث.
  • ازدياد معدلات انقراض الكائنات الحية بسبب تدمير المواطن الطبيعية وتغير استخدامات الأراضي.
  • الحاجة إلى تغيير جذري في النظم الاقتصادية والاجتماعية لضمان استدامة الحياة على الأرض.

تقرير الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي 2021 – تحذير بعدم تحقيق الأهداف

في عام 2021، أصدر اتفاق التنوع البيولوجي (CBD) التابع للأمم المتحدة تقريرًا جديدًا أشار فيه إلى فشل معظم الدول في تحقيق أهداف “أيتشي للتنوع البيولوجي التي وُضعت عام 2010. وذكر التقرير أن التدهور في أعداد الأنواع لم يتباطأ، بل استمر بوتيرة أسرع في بعض المناطق، خصوصًا في الدول ذات التنوع البيولوجي العالي.

ومن بين الحقائق المقلقة التي ذكرها التقرير:

  • استمرار تدهور الموائل البيئية الحيوية، مثل الغابات المطيرة والشعاب المرجانية.
  • تراجع أعداد الحشرات الملقحة مثل النحل والفراشات، ما يهدد الزراعة والإنتاج الغذائي.
  • استمرار الصيد الجائر والنقل غير المشروع للكائنات البرية رغم القوانين.

أهمية هذه التقارير وخطورتها

تشترك هذه التقارير في التحذير من أن انقراض الكائنات الحية لم يعد خطرًا بعيدًا، بل هو واقع نعيشه حاليًا، وهو مرشح للتفاقم ما لم يتم اتخاذ إجراءات فورية وجريئة. كما أنها تُظهر ترابط الأزمات البيئية مثل فقدان التنوع البيولوجي، وتغير المناخ، وتدهور الأراضي، وتلوث المياه، موضحة أن أي تهاون في أحدها يفاقم الأخرى.

توصي هذه التقارير بمجموعة من الإجراءات، منها:

  • حماية 30% على الأقل من اليابسة والبحار بحلول عام 2030.
  • وقف تدهور المواطن الطبيعية وإعادة تأهيلها.
  • الحد من استخدام المبيدات الحشرية والكيماويات الضارة.
  • الاستثمار في الاقتصاد الأخضر والطاقة المتجددة.

هذا وتشكل تقارير الأمم المتحدة مرجعًا أساسيًا لصناع القرار، وتعكس الإجماع العلمي العالمي على أن الوقت قد بدأ ينفد أمام إنقاذ ما تبقى من الكائنات الحية. وكل تأخير في تنفيذ التوصيات يعني اقترابنا أكثر من نقطة اللاعودة التي قد تُفقد الأرض تنوعها البيولوجي الثمين، وتضع مستقبل البشرية بأسره في مهب الريح.

الثدييات في مهب الريح: تحذيرات متصاعدة من الجمعية الدولية لحماية الثدييات

في خضم التحذيرات المتزايدة بشأن انقراض الكائنات الحية، سلّطت الجمعية الدولية للحيوانات الثديية (International Union for Conservation of Nature – IUCN) الضوء على الوضع الحرج الذي تواجهه الثدييات في مختلف أنحاء العالم. فبحسب سلسلة من التقارير الصادرة عن الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة، وهو أحد أبرز مكونات الجمعية، فإن نسبة كبيرة من الثدييات مهددة فعليًا بالانقراض، ما يمثل مؤشرًا صارخًا على التدهور السريع في التنوع البيولوجي.

تقرير القائمة الحمراء – 2008 وما بعده: انقراض وشيك لثلث الثدييات

في تشرين الأول/أكتوبر 2008، أطلقت IUCN خلال المؤتمر العالمي لحفظ الطبيعة في برشلونة تقريرًا محدثًا للقائمة الحمراء للأنواع المهددة بالانقراض، وهو من أهم التقارير الدورية التي تُعنى برصد أوضاع الأنواع الحية. وقد كشف التقرير أن:

  • نحو 25% إلى 33% من الثدييات حول العالم مهددة بخطر الانقراض.
  • من بين حوالي 5,487 نوعًا من الثدييات تم تقييمها، هناك ما يقارب 1,141 نوعًا مصنفًا في فئات الخطر (معرض، مهدد، أو مهدد بشدة).
  • حوالي 188 نوعًا من الثدييات صُنِّفت على أنها “في خطر حرج”، أي أنها على حافة الانقراض التام.

وأكد التقرير أن الأسباب الأساسية لانحدار أعداد الثدييات تعود إلى:

  • تدمير المواطن الطبيعية بسبب الزحف العمراني والتوسع الزراعي.
  • الصيد غير المشروع، سواء لاستهلاك اللحوم أو لاستخدام الأجزاء الحيوانية في الطب التقليدي.
  • التغير المناخي الذي يغير من أنماط هجرة وتكاثر بعض الأنواع.
  • الغزو البيولوجي من أنواع دخيلة تهيمن على المواطن الطبيعية.

التركيز على القردة والأنواع الأقرب إلى الإنسان

أولى التقرير اهتمامًا خاصًا بـ القرود العليا (Great Apes) مثل الغوريلا والشمبانزي، كونها تُعد أقرب الكائنات إلى الإنسان من الناحية الجينية والسلوكية. وأشار إلى أن هذه الكائنات تواجه خطرًا ثلاثيًا يتمثل في فقدان المواطن، والصيد، والأمراض المنتقلة من الإنسان.

كما تطرق التقرير إلى أوضاع خطيرة لبعض الأنواع النادرة جدًا، مثل:

  • قرد هاينان جيبون (Hainan Gibbon) الذي لم يتبقَ منه سوى حوالي 30 فردًا في جزيرة هاينان الصينية، مما يجعله من أندر الثدييات على كوكب الأرض.
  • قرد رولواي (Roloway Monkey) الموجود على ساحل العاج وغانا، والذي تقلصت أعداده إلى مستويات حرجة.
  • أنواع من الليمور في مدغشقر، والتي تأثرت بشكل مباشر بتدمير الغابات المدارية.

تحديثات لاحقة – 2015 و2020

في تقارير القائمة الحمراء لعام 2015 و2020، واصلت IUCN تحذيراتها، مشيرة إلى أن:

  • وتيرة انقراض الثدييات لم تتباطأ رغم بعض المبادرات المحلية لحمايتها.
  • ظاهرة “انقراض السكان المحليين” (Local Extinction) تتسارع، حيث تختفي بعض الأنواع من مناطق كانت تعيش فيها منذ قرون.
  • التجارة غير المشروعة بالحيوانات البرية تصاعدت نتيجة الإنترنت والأسواق السوداء، خصوصًا في شرق آسيا.

التوصيات والخطوات العاجلة

حثت الجمعية الدولية لحماية الثدييات والحلفاء في المجتمع العلمي على:

  • حماية المواطن الطبيعية وإعادة تأهيلها.
  • توسيع المناطق المحمية البرية والبحرية لتشمل موائل مهددة.
  • فرض قوانين أكثر صرامة ضد الصيد والتجارة غير المشروعة.
  • دعم جهود الاستزراع البيئي وإعادة الإدخال لبعض الأنواع في بيئاتها الأصلية.

هذا وتعكس تقارير الجمعية الدولية لحماية الثدييات التدهور العميق في أوضاع عدد كبير من الأنواع، وتؤكد أن انقراض الكائنات الحية، خصوصًا الثدييات، لم يعد احتمالًا نظريًا بل هو خطر داهم نرصده بالأرقام والشهادات العلمية. ومع أن هناك جهودًا حثيثة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، فإن العالم لا يزال بحاجة إلى إرادة جماعية وسياسات بيئية صارمة لإنقاذ الثروات الطبيعية التي باتت على حافة الزوال.

التغير المناخي عامل مضاعف للخطر

يساهم تغير المناخ في تعقيد مشهد الانقراض، إذ يتسبب في اضطراب الدورات البيولوجية للكائنات الحية. فبعض أنواع الكائنات تجد نفسها غير قادرة على التكيف مع الظروف المناخية الجديدة، مما يعجل بانقراضها. وتشمل هذه الكائنات العديد من البرمائيات والزواحف والطيور والحيوانات القطبية مثل الدببة البيضاء.

الحلول الممكنة والجهود الدولية المطلوبة

لمواجهة خطر انقراض الكائنات الحية، لا بد من تفعيل استراتيجيات شاملة على المستوى العالمي والمحلي، ومن أبرز هذه الحلول:

  • توسيع المحميات الطبيعية وتوفير الحماية القانونية للأنواع المهددة.
  • خفض الانبعاثات الكربونية والحد من ظاهرة الاحتباس الحراري.
  • وقف الصيد الجائر وتنظيم التجارة بالحيوانات البرية.
  • تعزيز الوعي البيئي وتشجيع أنماط الحياة المستدامة.
  • دعم البحث العلمي لفهم أفضل للتنوع البيولوجي وسبل إنقاذه.

السباق مع الزمن لإنقاذ الحياة على الأرض

إن ظاهرة انقراض الكائنات الحية ليست مجرد قضية بيئية، بل أزمة تمس كل جانب من جوانب الحياة على كوكب الأرض. فالإنسان لا يستطيع العيش في عزلة عن الطبيعة، واستمرار تدمير النظم البيئية يعني تهديدًا مباشرًا لوجوده. علينا اليوم أن نتحرك بوعي وجدية لإنقاذ ما تبقى من التنوع البيولوجي قبل فوات الأوان.

*لمتابعة المزيد من المقالات والنقاشات العلمية حول البيئة والعلوم، يسعدني تواصلكم ومتابعتكم عبر صفحتي على  X   (تويتر سابقًا)

X:@amjad

المصادر

  1. IPBES Global Assessment Report on Biodiversity and Ecosystem Services, 2019.
  2. IUCN Red List of Threatened Species, 2024.
  3. United Nations Environment Programme (UNEP), State of the Environment Report, 2024.
  4. IUCN Red List of Threatened Species. (2008, 2015, 2020). iucnredlist.org

عن المهندس أمجد قاسم

كاتب علمي متخصص في الشؤون العلمية عضو الرابطة العربية للإعلاميين العلميين

شاهد أيضاً

النمو السكاني وتأثيراته البيئية.. تحديات وفرص

النمو السكاني Population Growth موضوع يشغل العالم اليوم لما يحمله من تأثيرات كبيرة على البيئة، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *