النمو السكاني والتدهور البيئي: حقائق معاصرة وتحديات المستقبل

في نهاية القرن الثامن عشر طرح العالم البريطاني توماس مالثوس فرضية مفادها أن النمو السكاني سيصل يوماً ما إلى حد يفوق قدرة الأرض على إطعامهم.

كتب المهندس أمجد قاسم

في ظل الأرقام والاتجاهات المعاصرة، فإننا نرى أن جوانب من تلك التنبؤات تتحقق، رغم أن السياق أصبح أكثر تعقيداً بشدة، حيث تتداخل آثار النمو السكاني مع تغيّر المناخ، والتلوث، وشح الموارد.

النمو السكاني: بين الماضي والتوقعات الحديثة

  • في عام 1800م، كان عدد سكان الأرض يقارب مليار واحد فقط، ثم زاد إلى مليارين حوالي عام 1930م، وتجاوز أربعة مليارات حوالي عام 1975م.
  • وفق أحدث التقديرات، بلغ عدد سكان العالم حوالي 8.2 مليار منتصف عام 2024م. (United Nations News)
  • من المتوقع أن يستمر النمو وعليه أن يصل عدد السكان إلى حوالي 9.7 مليار بحلول عام 2050م. (Ined)
  • وبعد ذلك، تشير توقعات الأمم المتحدة إلى ذروة سكانية عند حوالي 10.3 مليار نسمة في منتصف الثمانينيات من هذا القرن، ثم انخفاض طفيف ليصل إلى نحو 10.2 مليار بحلول نهاية القرن الحادي والعشرين. (United Nations)

التفاوت الجغرافي والدخل: الفقراء أول المتأثرين

  • النمو السكاني ليس موزعاً بالتساوي؛ فالدول ذات الدخل المنخفض والمناطق الأشد فقرًا تشهد أسرع معدلات زيادة. الدول متوسطة المنحى نحو التأخر (Low-and-middle income countries) تشكل غالبية السكان الجدد. (UNEP – UN Environment Programme)
  • مع تضخم السكان في هذه المناطق، تزداد معاناة من انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية. ففي عام 2024م، أكثر من 295 مليون شخص يعيشون في 53 دولة أو إقليم يعانون من الجوع الحاد (Acute Hunger)، أي زيادة بمقدار نحو 14 مليون شخص مقارنة بعام 2023. (UNICEF)

التلوّث وتغير المناخ: الانبعاثات والغازات الدفيئة

  • انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من احتراق الوقود الأحفوري والصناعات بلغت نحو 35.0 مليار طن في عام 2022، بزيادة 2.6٪ عن 2021. (UNSD)
  • أكبر الدول الملوثة تشمل الصين حوالي 30-31٪ من الانبعاثات العالمية، الولايات المتحدة بنحو 13٪-14٪، وبلدان مثل الهند، روسيا، اليابان تشارك أيضاً بأجزاء كبيرة. (UNSD)
  • تركّز الانبعاثات الصناعية والنفط والفحم والغاز الطبيعي، مع تغيّر طفيف في الإسهام النسبي لكل مصدر، لكن كلها تساهم في رفع تركيز الغازات الدفيئة مثل CO₂، الميثان (CH₄)، وأكسيد النيتروز (N₂O). (ESSD)

تدمير طبقة الأوزون والتعرض للأشعة فوق البنفسجية

  • من ناحية المواد المسببة لثقب الأوزون (مثل CFCs)، تظهر الإحصائيات الحديثة أن مستويات هذه الغازات تتناقص تدريجياً بفضل بروتوكولات دولية مثل بروتوكول مونتريال. (ESSD)
  • يُتوقع، حسب تقرير المنظمة العالمية للأرصاد (WMO)، أن تعود طبقة الأوزون إلى مستويات ما قبل عام 1980 فوق القطب الجنوبي بحلول حوالي عام 2066؛ وفي القطب الشمالي تقريبًا بحلول 2045، وبقية أجزاء العالم بحلول حوالي 2040. (Reuters)

التأثيرات البيئية والصحية للضغوط المتعددة

  • ارتفاع درجات الحرارة العالمية يؤدي إلى ذوبان الجليد القطبي، وارتفاع مستوى البحار، وزيادة الأحداث المناخية المتطرفة مثل الفيضانات والعواصف.
  • التلوث الهوائي يسبب أمراض الجهاز التنفسي، ومشاكل صحية متنوعة، خاصة في المدن المكتظة التي تعاني من ضعف البنى التحتية البيئية.
  • كما أن نقص وصول الغذاء الصحي والآمن يزيد من معدلات سوء التغذية، خصوصًا بين الأطفال، مما يؤثر على النمو الصحي والمناعة والسلامة العامة. (UNICEF)

أمل في الإجراءات والمستقبل: ما يمكن فعله

  • تنفيذ السياسات الدولية المتفق عليها للحد من الانبعاثات الغازية، والتحول نحو الطاقات المتجددة.
  • تعزيز الزراعة المستدامة، وتحسين البنية التحتية الغذائية، وتحسين الوصول إلى الغذاء الصحي وخاصة في الدول الفقيرة.
  • التوعية الثقافية والتعليمية حول البيئة، وضبط النمو السكاني من خلال تخطيط الأسرة، وتمكين المرأة.
  • مراقبة مستمرة لطبقة الأوزون، وضمان الالتزام بتقليل المواد المدمّرة لها، وتطبيق بدائل آمنة بيئيًا.

النمو السكاني والتدهور البيئي ليسا مجرد نبوءات تاريخية؛ فهما واقع معاصر، مؤلم ومعقَّد. بينما الحقائق تتحدث عن أرقام مقلقة، التوقعات تشير إلى أن ذروة عدد السكان ربما تكون قاب قوسين أو أدنى، ما لم تُتخذ خطوات عاجلة وجادة.

فالأرض باتت تتحمّل أعباءً كبيرة، ولكن تزال الفرصة قائمة لتصويب المسار إذا ما اجتمعت الإرادة السياسية، والوعي المجتمعي، والعلم في مواجهة التحديات.

المراجع

  1. United Nations, Department of Economic and Social Affairs, Population Division. (2024). World Population Prospects 2024: Summary of Results. United Nations. (United Nations)
  2. United Nations Children’s Fund (UNICEF), Global Report on Food Crises. (2025). Acute food insecurity and malnutrition rise for sixth consecutive year in world’s most fragile regions. (UNICEF)
  3. United Nations Environment Programme. (2024). Emissions Gap Report 2024. UNEP. (UNEP – UN Environment Programme)
  4. World Meteorological Organization / United Nations. (2024). Ozone layer on road to recovery despite volcano eruption, UN weather body says. (Reuters)

عن المهندس أمجد قاسم

كاتب علمي متخصص في الشؤون العلمية عضو الرابطة العربية للإعلاميين العلميين

شاهد أيضاً

الملوثات الكيميائية والهيدروكربونية في مياه شط العرب وتأثيرها البيئي

د. مهدي الكناني- العراق عضو الهيئة الاستشارية العراقية للأعمار والتطوير – لندن- المملكة المتحدة – …

اترك تعليقاً