المراحل التاريخية لتطور الإشراف التربوي كمفهوم في السعودية

بدأ الإشراف الصفي في أواخر الخمسينات من القرن العشرين على يد فريق من المشرفين على تدريس الطلاب بجامع هارفرد ورأس الفريق موريس كوجان وهذا النموذج يؤكد على المهارات التعليمية وطرق التدريس ويهدف إلى تحسين التعليم من خلال الملاحظة الصفية الفاعلة والمباشرة من قبل المشرف، وهناك مراحل لهذا النموذج وهي:

أ-التخطيط .
ب-الملاحظة .
جـ-التقويم أو التحليل .

ثم ظهر الإشراف التربوي التطوري على يد كارل جلكمان في عام 1981م فلسفة تقوم حول الفروق الفردية بين المعلمين في التفكير التجريدي, وهناك ثلاثة أساليب تستخدم في هذا النوع:

أ-الأسلوب الإشرافي المباشر ويستخدم مع المعلم صاحب التفكير التجريدي المنخفض .
ب-الأسلوب الإشرافي التشاركي ويستخدم مع المعلم صاحب التفكير التجريدي المتوسط .
جـ-الأسلوب الإشرافي غير المباشر, ويستخدم مع المعلم صاحب التفكير التجريدي العالي .
بعد ذلك ظهر الإشراف التربوي المتنوع على يد جلاتثورن عام 1984م من خلال كتاب ألفه, ومن ثم تم إعادة طباعته عام 1997م بعد تعديلات كبيرة, وتنطلق فلسفة هذا النموذج من الفروق الفردية لدى المعلمين في قدراتهم وامكاناتهم الشخصية والمهنية ومستوياتهم العلمية وليس فقط التفكير التجريدي مثل الإشراف التطوري .

ويمكن القول أن العبد الكريم (1426هـ) طرح نموذجاً من الإشراف المتنوع له ثلاثة أساليب رئيسية وهي:

أ-التطوير المكثف وهذا خاص للمعلمين الذين يحتاجون إلى إشراف مباشر.
ب-النمو المهني التعاوني وفيه تدريب الأقران واللقاءات التربوية والتحليل الذاتي للأداء وهذا خاص للمعلمين الوسط .
جـ- النمو الموجه ذاتياً للمعلمين الخبراء .

مراحل الإشراف التربوي في المملكة العربية السعودية :

ذكر القحطاني (1426هـ, ص28-32) نظرة تاريخية شاملة للإشراف التربوي في السعودية وبيّن أنها تتكون من ثمان مراحل تبدأ الأولى من عام 1347هـ وتبدأ المرحلة الثامنة من عام 1425هـ.. علماً أن موسوعة تاريخ التعليم تذكر سبع مراحل تنتهي بعام 1425هـ ودليل المشرف يذكر خمس مراحل فقط وفيما يلي عرض للمراحل :

المرحلة الأولى: نظام التفتيش- مديرية المعارف (1347-1376هـ) :

كان المفتش يقوم بالتفتيش على الأعمال الإدارية والفنية في المدارس المحددة له, وكانت الملاحظات تتم شفهياً, ثم أصبحت تسجل في سجل خاص بالمفتشين, وكانت تلك الفترة تتميز بقلة المفتشين, مما يضطر المديرية للاستعانة بأشخاص من خارج جهاز التعليم. ومما تجدر الإشارة إليه هنا هو اهتمام مجلس الشورى بالتفتيش, إذ أصدر تنبيهاً لمديرية المعارف عام 1367هـ بوجوب التفتيش على المدارس الأميرية من حيث الأداء التعليمي .

المرحلة الثانية: نظام التفتيش-وزارة المعارف (1376-1383هـ) :

أصدرت وزارة المعارف عام 1376هـ بعد إنشائها بثلاث سنوات قراراً يقسم التفتيش إلى قسمين رئيسين: تفتيش فني, وتفتيش إداري, ويختص التفتيش الفني بإرشاد المعلمين وحل مشاكلهم التعليمية, أما التفتيش الإداري فيختص بالمشاكل والمخالفات الإدارية. كما أدخلت الوزارة بعض المسميات الجديدة كمفتش القسم, ومفتش المواد الاختصاصي, ومع تطور المفهوم أنشأت وزارة المعارف عام 1378هـ قسماً خاصاً بالتفتيش العام, وأسندت الإشراف عليه إلى إدارة التعليم الابتدائي في الوزارة, وكان الهدف منه هو تقويم عملية التفتيش ميدانياً. وفي عام 1382هـ بدأت الوزارة في تعيين مفتشين سعوديين لأول مرة .

المرحلة الثالثة: التفتيش الفني (1384-1387هـ) :

تغير فيها مسمى “التفتيش العام” إلى “التفتيش الفني” واستحدثت لها إدارة خاصة أطلق عليها: عمادة التفتيش الفني, وقد ارتبط بها جميع مفتشي المواد بدلاً من ارتباطهم بأقسام التعليم العام, وتكونت هذه العمادة- بالإضافة إلى الإدارة العامة للتربية الإسلامية- من أربعة أقسام متخصصة للمواد الدراسية, وهي: قسم اللغة العربية, قسم اللغات الأجنبية, قسم المواد الاجتماعية, قسم الرياضيات والعلوم .

المرحلة الرابعة: التوجيه التربوي (1387-1395هـ) :

بدأ النضج التربوي يتضح في قرارات وزارة المعارف, فقد تم تغيير مسمى المفتش الفني إلى الموجه التربوي, كما تركزت علاقة الموجه بالمعلم على الجانب الإنساني والمصلحة العامة, وأسهم الموجه التربوي في دراسة المناهج والكتب الدراسية, كما أصبح يعطي توصياته حول أعمال الاختبارات .

المرحلة الخامسة: إعادة تنظيم التوجيه التربوي (1396-1400هـ) :

صنفت فيها المناطق التعليمية إلى أربع فئات حسب كثافة المدارس والمعلمين, والغرض من ذلك تسهيل عملية التوجيه فيها, وحدد القرار الوزاري بتاريخ 10/9/1396هـ أسس وصفات الموجه التربوي بالمتطلبات التالية :
1-الحصول على شهادة جامعية .
2-وجود خبرة تربوية تخصصية .
3-القدرة على تقويم أثر العلمية التربوية .
4-القدرة على الابتكار والتجديد .
كما صدر عن وزارة المعارف تعميم يؤكد وجوب زيارة الموجهين التربويين لجميع المدارس وفق تخطيط مسبق, وأن يكون الهدف من الزيارة هو تقييم المعلمين من ناحية نشاطهم وحسن أدائهم وكيفية معاملتهم لطلابهم, على أن يشترك في التقرير مديرو المدارس, كما يؤكد التعميم على وجوب إجراء البحوث والدراسات التربوية التعليمية .

المرحلة السادسة: إنشاء الإدارة العامة للتوجيه التربوي والتدريب (1401-1416هـ) :

مثّل صدور القرار الوزاري رقم 1674/48 في 10/6/1401هـ تطوراً هاماً في مسيرة الإشراف التربوي وتضمن النقاط التالية :

1-إنشاء إدارة عامة جديدة في جهاز الوزارة تسمى: الإدارة العامة للتوجيه التربوي والتدريب, وتكون تحت إشراف الوكيل المساعد لشئون المعلمين .
2-نقل الموجهين التربويين القائمين على رأس العمل في قطاعات التعليم المختلفة وفي جهاز الوزارة إلى الإدارة الجديدة .
3-نقل اختصاصات وصلاحيات إدارات التدريب التربوي إلى الإدارة الجديدة وقد حُددت أهداف هذه الإدارة بما يلي :
أ-النهوض بعملية التوجيه التربوي, وإعطاء الموجهين التربويين حرية الحركة .
ب- السعي لتنمية وتطوير خبرات العاملين بمختلف القطاعات التعليمية .
جـ-المشاركة في برامج الأبحاث التربوية والتخطيط والتنفيذ لتطوير برامج التعليم والتدريب .

المرحلة السابعة: التحول إلى الإشراف التربوي (1416-1425هـ) :

كان صدور القرار الوزاري رقم 4/3/34/1494 في 22/9/1416هـ والمتمثل في اعتماد مسمى الإشراف التربوي بدلاً من التوجيه التربوي, نقلة نوعية في مسيرة الإشراف التربوي, فمسمى الإشراف هو الأولى في هذه العملية. وفي عام 1418هـ تم فصل إدارة الإشراف التربوي عن إدارة التدريب التربوي,وتبعت الإدارة العامة للإشراف التربوي اثنتا عشرة شعبة هي :
1-التربية الإسلامية. 2-اللغة العربية .
3-الاجتماعيات . 4-العلوم .
5-الرياضيات . 6- اللغة الإنجليزية .
7-التربية الفنية . 8- التربية الرياضية .
9- الإدارة المدرسية. 10-العلوم الإدارية والحاسب الآلي .
11-شعبة القضايا . 12- المكتبات المدرسية .

ثم بعد ذلك توسعت الإدارة العامة للإشراف التربوي, فتم تقسيم شعبة العلوم الإدارية والحاسب الآلي إلى شعبتين منفصلتين, كما تمت إضافة الأقسام الجديدة التالية :

-التربية الوطنية .
– الإعلام التربوي .
-الصفوف الأولية .
– تقنيات التعليم .
– مراكز الإشراف .

ولعل ما يميز هذه المرحلة ليس تغيير الاسم بل ظهور آلية الإشراف .

المرحلة الثامنة: الخطة الإستراتيجية للإشراف التربوي 1425هـ:

تم في عام 1425هـ تحديد مهام الإدارة العامة للإشراف التربوي, وتنظيم عملها بطريقة أدق مما كانت عليه في السابق, وجاءت هذه المهام كالتالي:

1-تنمية العاملين في الميدان مهنياً .
2-نقل الخبرات والتجارب بين إدارات التعليم .
3-إعداد وتطوير الأنظمة والأدلة المنظمة لأعمال الإشراف التربوي في الوزارة وفي إدارات التربية والتعليم .
4-إعداد الخطط اللازمة لتحقيق أهداف الإشراف التربوي .
5-تنفيذ الأعمال الفنية والإدارية التي تساعد على تحقيق أهداف الإشراف التربوي .
6-دراسة قضايا المعلمين تربوياً .
كما قامت الإدارة العامة للإشراف التربوي بوزارة التربية والتعليم بوضع الخطة التطويرية للإشراف التربوي للسنوات الخمس القادمة, والمنتهية عام 1430هـ,وقد تضمنت هذه الخطة: المرتكزات, المبررات, غايات التطوير, أهداف التطوير, منطلقات التطوير, ملامح التطوير, واستراتيجيات التطوير, وللأسف فإن هذه الخطة لم تقدم شيئاً للتعليم وتقريباً أوقف العمل بها ولعل ما يميز هذه المرحلة (المرحلة الثامنة) هو ظهور الإشراف التربوي المتنوع .

الإشراف كمهنة:

بداية للحديث عن تمهين مهنة الإشراف ينبغي التفريق بين الحرفة (الفن) والمهنة (علم), فالحرفة هي نشاط أو مجموعة أنشطة من شأنها إنتاج سلع عالية الجودة دون أن تحكمها مقاييس أو أنظمة معينة مثل حرفة الخياطة .
والمهنة هي طريقة نتمكن بواسطتها تطبيق ما تعرف, فالحرفة تعتمد على المهارة, والمهنة تعتمد على المعرفة,كما أن الحرفة تأخذ بالممارسة والخبرة العملية,ولا يوجد في الغالب إطار علمي ينظر لها .
أما المهنة مثل الطب والهندسة والمحاماة فلابد لها من شروط مثل :

1-وجود مؤسسات إعداد وتأهيل مثل كليات الطب والهندسة والحقوق.
وجود إطار نظري علمي لهذه المهنة مثل وجود كتب ومراجع وخبراء .
يكون لها جانب أخلاقي يرتبط بها مثل الطبيب يعالج المريض كإنسان بغض النظر عن دينه أو مستواه الاجتماعي .
وجود ترخيص لممارسة المهنة .
وجود جمعيات معينة خاصة بأصحاب المهنة الواحدة .
تقوم بوظيفة معينة في المجتمع مثل الطب والهندسة .
أما ما يتعلق بتمهين التعليم فيذكر العبدالكريم ( د . ت ) نقلاً عن عبدالجواد (1992) أن هناك عدداً من المعايير لكي يمهن التدريس وهي :

1-معايير الاختيار للالتحاق بمؤسسات إعداد المعلم .
2-معايير الإعداد لمهنة التعليم .
3-معايير مزاولة المهنة .
4-معايير الإشراف التربوي (النمو المهني) .
5-معايير التدريب والتعليم المستمر .


وينقل العبدالكريم ( د . ت ) عن سير جيوفاني وزميله أن لتمهين التدريس أربعة أبعاد رئيسية وهي :

1-الالتزام بالتدريس بشكل مثالي .
2-الالتزام بالتدريس لغاية اجتماعية قيمة .
3-الالتزام ليس فقط بعمل الفرد ذاته بل بممارسة التدريس ذاتها .
4-الالتزام بأخلاقيات الاهتمام بالمستهدفين .
وإذا نظرنا إلى المعايير السابقة نجد أننا لا زلنا في المملكة العربية السعودية في بداية عملية تمهين التدريس ومن ثم نجد أن الإشراف التربوي لم يصل إلى مرحلة المهنة الكاملة, فلا يوجد في السعودية معايير متفق عليها ملزمة لمؤسسات إعداد المعلم, ولا يوجد رخصة لممارسة مهنة التعليم ولا جمعيات مهنية ترعى وتنظم أمور المعلمين ولا يوجد إطار ملزم للنمو المهني, وإن كنا نرى في السنوات الأخيرة وجود محاولات لوضع بعض الاشتراطات للمعلمين مثل اختبار الكفاءات للمعلمين الجديد .

محمد الفوزان

عن فريق التحرير

يشرف على موقع آفاق علمية وتربوية فريق من الكتاب والإعلاميين والمثقفين

شاهد أيضاً

ديوان “همس مسموع ” بين التأمل العميق والتعبير الإنساني

ديوان “همس مسموع” للأديبة الأردنية حياة صالح دراغمة يتضمن مجموعة من القصائد النثرية التي تتميز …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *