الماء الثقيل (Heavy Water) هو مركب كيميائي يشبه الماء العادي في تركيبه الكيميائي، لكنه يحتوي على نظير أثقل للهيدروجين يُعرف بالديوتيريوم (Deuterium)، ويرمز له بالرمز D
المهندس أمجد قاسم
التركيب الجزيئي للماء الثقيل هو D₂O، مقارنةً بالماء العادي الذي يحمل الصيغة H₂O. يظهر الفرق في استبدال ذرتي الهيدروجين العاديتين بذرتي ديوتيريوم، ما يمنحه خصائص فيزيائية وكيميائية مختلفة، منها ارتفاع الكثافة، وارتفاع نقطة الغليان والانصهار مقارنة بالماء العادي.
تم اكتشاف الماء الثقيل في أوائل الثلاثينات من القرن العشرين، ويُعد من المواد النادرة نسبيًا في الطبيعة، حيث يوجد بنسبة صغيرة جدًا في المياه الطبيعية، وتبلغ نسبته تقريبًا ذرة واحدة من D₂O في كل 6,400 ذرة من H₂O.
مكونات الصناعة النووية ودور الماء الثقيل
تتكون الصناعة النووية من أربعة أعمدة رئيسية:
- دورة الوقود النووي: تبدأ بعملية تخصيب اليورانيوم الطبيعي واستخدامه كوقود نووي.
- تصميم المفاعل النووي: يشمل بناء قلب المفاعل، وتحديد نوع الوقود، وطرق التحكم والتبريد.
- تصميم أنظمة التبريد والسلامة: من أجل الحفاظ على استقرار درجات الحرارة داخل المفاعل.
- التحكم في النفايات النووية والتخلص منها: وهي عملية دقيقة تتطلب تكنولوجيا متقدمة لحماية البيئة والإنسان.
هنا يلعب الماء الثقيل دورًا حيويًا، حيث يستخدم كمهدئ (moderator) للنيوترونات داخل بعض أنواع المفاعلات النووية مثل مفاعلات CANDU الكندية.
وظيفة هذا المهدئ هي تقليل سرعة النيوترونات دون امتصاصها، مما يساعد على استمرار التفاعل النووي المتسلسل بكفاءة.
لماذا يُفضل الماء الثقيل في المفاعلات النووية؟
الميزة الرئيسية للماء الثقيل تكمن في قدرته على إبطاء النيوترونات دون امتصاصها بدرجة كبيرة، وهو ما لا تستطيع تحقيقه مواد أخرى بنفس الكفاءة.
هذا يجعل من الممكن استخدام اليورانيوم الطبيعي (U-238) كوقود دون الحاجة إلى تخصيبه، مما يقلل التكاليف ويزيد من أمان العمليات.
علاوة على ذلك، فإن المفاعلات التي تستخدم الماء الثقيل تتمتع بمرونة تشغيلية أعلى، وتنتج نظائر مشعة تُستخدم لاحقًا في مجالات الطب والصناعة.
طرق إنتاج الماء الثقيل
نظرًا لأن نسبة وجود الماء الثقيل في الطبيعة ضئيلة، لا يمكن الاعتماد على مصادر طبيعية لاستخراجه بكميات كبيرة. ولذلك تم تطوير عدة طرق لفصل D₂O عن H₂O، ومن أبرزها:
- طريقة التحليل الكهربائي (Electrolysis): وهي من أقدم الطرق، حيث تُستغل الفروقات في سرعة التحلل الكهربائي بين H₂O وD₂O.
- طريقة التبادل الكيميائي (Chemical Exchange): وتعتمد على تفاعل الغاز مع الماء أو الأمونيا في ظروف معينة، مثل طريقة Girdler Sulfide التي تعتمد على تفاعل كبريتيد الهيدروجين (H₂S) مع الماء.
- طريقة التقطير (Distillation): حيث يُستفاد من الفرق في درجات الغليان بين الماء العادي والماء الثقيل، وتُستخدم عدة مراحل للوصول إلى تركيز عالٍ من D₂O.
تعد الهند وكندا من الدول الرائدة في تطوير هذه الطرق، خصوصًا في مجال فصل النظائر والمياه الثقيلة.
التطبيقات السلمية والعسكرية للماء الثقيل
في الاستخدامات السلمية، يُستخدم الماء الثقيل في المفاعلات النووية لإنتاج الكهرباء، وفي إنتاج النظائر المشعة لأغراض طبية وصناعية. ومن أشهر هذه النظائر، نظير الكوبالت-60، المستخدم في علاج السرطان، والعديد من النظائر الطبية الأخرى.
أما في المجال العسكري، فقد استُخدم الماء الثقيل في مشاريع تطوير القنابل الذرية، لا سيما خلال الحرب العالمية الثانية. حيث استخدم في مشروع “مانهاتن” الأمريكي كمكون رئيسي في إنتاج البلوتونيوم اللازم لصنع القنبلة الذرية.
التحديات البيئية المرتبطة بالماء الثقيل
رغم الفوائد الكبيرة للماء الثقيل، إلا أن إنتاجه ونقله واستخدامه يرافقه عدد من التحديات:
- التكلفة العالية للإنتاج: نظرًا لتعقيد عمليات الفصل والتنقية.
- المخاطر البيئية: في حال تسرب الماء الثقيل أو نفاياته إلى البيئة، رغم أن خطره الإشعاعي قليل، إلا أن التراكم يمكن أن يؤثر على النظم البيئية.
التقدم التكنولوجي والمستقبل
مع التقدم في تقنيات الطاقة النووية، بدأت تظهر بدائل جديدة أكثر كفاءة وأمانًا. فبعض المفاعلات الحديثة تستخدم غازات نبيلة أو مواد أخرى كمهدئات، تقلل من الاعتماد على الماء الثقيل.
إلا أن الماء الثقيل لا يزال يحتفظ بمكانته في التصميمات النووية التقليدية، خاصة في الدول التي تمتلك برامج نووية مستقرة.
أطلقت الوكالة الدولية للطاقة الذرية العديد من المشاريع لدراسة كفاءة المفاعلات التي تعمل بالماء الثقيل وتطوير تقنيات جديدة لتقليل تكاليف الإنتاج وتخفيف الأثر البيئي، مما يشير إلى استمرار الاهتمام بهذه المادة الحيوية.
المراجع:
- International Atomic Energy Agency (IAEA), “Heavy Water Reactors,” 2022.
- Nuclear Energy Agency (NEA), “Heavy Water Production Technologies,” 2021.
- World Nuclear Association, “Nuclear Power Reactors,” 2023.
- K. Koulikov, “Heavy Water: Properties and Production Methods,” Journal of Nuclear Science, 2020.