الكوارث البيئية والطبيعية التي حدثت خلال العقود الأخيرة

عانى الإنسان كثيراً في العقود القريبة الماضية من الكوارث الطبيعية والبيئية والتي تتمثل في الهزات الأرضية والبراكين والفيضانات والأعاصير وحرائق الغابات والجفاف وموجات الحر والبرد الشديد التي اجتاحت الكثير من البلدان وأدت الى حدوث خسائر بشرية وبيئية واقتصادية كبيرة قدرت بحوالي 1700 مليار دولار أمريكي.

أكد مؤسسة إعادة التامين في ميونخ إن السنوات الأخيرة شهدت تزايداً ملحوظاً في شدة وعدد الكوارث الطبيعية التي ضربت الكثير من البلدان وارتفعت الخسائر المادية التي نجمت عن هذه الكوارث بشكل كبير. ويسوق معد التقرير الكارثة البيئية والمتمثلة في الفيضانات التي ضربت منطقة دريزدن Dresden في المانيا في حزيران العام 2002 مثالاً على حجم الخسائر المادية والاقتصادية التي اصابت السكان والتي تقدر بحوالي ستة عشر مليار يورو. من جانب اخر يشير التقرير السابق الى إن موجات الحر الشديدة التي اجتاحت أوربا في حزيران عام 2003 والتي ارتفعت فيها درجة الحرارة عن معدلاتها المعروفة في أوربا قليلاً قد أدت الى وفاة اكثر من 35 الف مواطن أغلبهم من كبار السن والأطفال وكان نصيب فرنسا وحدها من هذه الكارثة حوالي 15 الف حالة وفاة.

ان معلومات الأرصاد الموثقة لدى المنظمة العالمية للإرصاد الجوي تؤكد على ان السنوات 1987 و 1995 و 1997 و 1998 و 2001-2005 هي السنوات الأكثر حرارة منذ بداية تسجيل معلومات الإرصاد عالمياً في عام 1861. تشير هذه المعلومات خلال العشرين سنة الاخيرة الى ان ظاهرة الاحترار الكوني هي حقيقة واقعة وان إيقافها بات من الأمور الصعبة على المجتمع الدولي لذلك بدأ المهتمون بهذه الظاهرة بالعمل ليس فقط على إيقافها وانما على إيجاد حلول مناسبة للتقليل من أثارها المدمرة.

من جانب أخر فان العام 2004 شهد وقوع أربع أعاصير مدمرة في منطقة الكاريبي و فلوريدا في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها كانت مجموع الخسائر المادية الناتجة عنها 62 مليار دولار أمريكي. أما العام 2005 فقد كان عاماً مميزاً في عدد وشدة الأعاصير والفيضانات التي حصلت فيه. فقد كانت الفيضانات التي اجتاحت الهند في منطقة مومباي Mombai في السادس والعشرين من يوليو 2005 هي الأشد منذ بداية تسجيل الارصاد الجوي عام 1861 اذ بلغت كمية الأمطار الساقطة على المتر المربع الواحد يومياً 944 مليمتر بينما بلغت الخسائر البشرية وفاة 1150 شخص في حين بلغت الخسائر الاقتصادية 5 مليارات دولار امريكي. أما الأعصار كاترينا الذي ضرب الولايات المتحدة الأمريكية في الثامن والعشرين من اوغسطس عام 2005 وكانت سرعة الرياح فيه تبلغ 280 كم بالساعة أدى الى وفاة 1833 شخص وبلغت الخسائر الاقتصادية حوالي 125 مليار دولار أمريكي. ويعد إعصار كاترينا سادس أقوى إعصار سجل لحد الان منذ عام 1850. في حين يعد الإعصار فيلمر Wilma والذي ضرب كل من كوبا وجزر البهاما وجامايكا وهندوراس ونيكوراغوا في الخامس والعشرين من أكتوبر عام 2005 هو اشد إعصار مسجل لحد الان حيث بلغت سرعة الرياح فيه 295 كم/الساعة وكان الضغط الجوي المنخفض جداً في مركز الإعصار والبالغ 882 ملم زئبق وسرعة الرياح العالية هما السبب الأساسيان في حجم الدمار الشامل الذي سببه هذا الإعصار في المناطق التي مر بها حيث بلغت الخسائر المادية عن هذا الإعصار حوالي ثلاثين مليار دولار امريكي. هذا وقد شهد نفس العام هبوب 15 اعصاراً مدمراً من الدرجة الخامسة على مقياس فوجيتو Fujito intensity saale وهو أعلى رقم مسجل من حيث عدد الأعاصير المدمرة في عام واحد اعتباراً من العام 1850 ولحد الان. في حين سجل العام 1969 ثاني أعلى معدل للأعاصير المدمرة حيث بلغ عددها إثنا عشر إعصاراً. من جانب اخر بلغ عدد العواصف المدارية التي وقعت في العام 2005 سبعة وعشرين عاصفة مدارية وهو أعلى معدل سجل لحد الان منذ العام 1850. بينما سجل العام 1933 ثاني أعلى معدل للعواصف المدارية حيث بلغت واحد وعشرين عاصفة مدارية.

هذا وتوجد علاقة طردية بين ارتفاع درجات الحرارة في كوكب الأرض من جهة وزيادة عدد وشدة الكوارث الطبيعية البيئية والمتمثلة بالأعاصير والعواصف الاستوائية. اذ ان السنوات العشرين الاخيرة شهدت اعلى معدلاً مسجلاً لارتفاعات درجة حرارة سطح الارض وغلافها الغازي يقابلها ارتفاع ملحوظ في عدد وشدة الاعاصير المدمرة والعواصف المدارية التي ضربت كوكبنا خلال نفس الفترة مما يثبت ان ظاهرة الإحتباس الحراري وما نتج عنها من تغير مناخي في مناخ كوكب الارض هي المسؤلة عن حدوث هذه الظواهر الطبيعية المدمرة.

أدت الكوارث الطبيعية والبيئية التي حصلت في العالم خلال الفترة 1950- 2005 الى موت 1.75 مليون شخص وبلغت الخسائر المادية الناتجة عنها 1700 مليار دولار أمريكي.

من مجموع عدد ضحايا الكوارث الطبيعية والبيئية والبالغ عددهم 1.75 مليار شخص، توفى 55% منهم بسبب البراكين والهزات الارضية والتسونامي و36% نتيجة للاعاصير والعواصف المدارية وما يرافقها من فيضانات و7% نتيجةً للفيضانات الناتجة عن الأمطار الغزيرة و2% نتيجة للارتفاع او الانخفاض الشديد في درجات الحرارة (موجات الحر او البرد الشديدة).

كوارث بيئية هزت العالم

حصلت في العالم خلال السنوات القليلة المنصرمة الكثير من الكوارث البيئية ذات التداعيات الخطيرة ومنها:

الفيضان الذي ضرب الصين في تموز- آب من عام 1931 هو أسوأ كارثة بيئية مرت بها الصين في العصر الحديث حيث ادى إرتفاع منسوب المياه في نهر يانغستي نتيجة الأمطار الشديدة الى موت اكثر من 3.7 مليون شخص بسبب الغرق والمجاعة وتفشي الأمراض ناهيك عن الخسائر المادية الكبيرة التي صاحبت الفيضان والمعانات الإنسانية التي تمخضت عنه.

الإعصار الذي ضرب بنغلاديش عام 1970 والفيضانات التي رافقته والتي أدت الى وفاة ثلاثمائة الف مواطن هي كارثة بيئية جعلت العلماء والمهتمين بالبيئة ينتبهون للخطر الجديد الذي يمكن ان يحصد أرواح الالاف من البشر خلال ساعات معدودة. ناهيك عن نفوق الملايين من الحيوانات وموت واقتلاع الملايين من الأشجار وتفشي الأوبئة والأمراض مثل الكوليرا والإسهال بين الناجين من هذه الكوارث. إن متابعة الكوارث البيئية خلال العشر سنوات الاخيرة قد بينت للعلماء والمهتمين بان المستقبل سيكون أشد قساوةً من الماضي وذلك لان الكوارث الطبيعية باتت من أهم الأخطار التي تواجه الحياة على سطح الكرة الأرضية. يلاحظ هنا ان خليج البنغال والأراضي المطلة عليه يعد من المناطق التي كثيراً ما يقع بها أعاصير مدمرة وذلك لان الأرض هناك لا ترتفع كثيراً عن مستوى سطح البحر وخصوصاً في بنغلاديش مما يجعل الأمواج البحرية العاتية والناتجة عن الأعاصير تنتقل بسهولة الى اليابسة والشواطيء مما يؤدي الى زيادة في الدمار الناتج عن الكارثة البيئية.
الإعصار المدمر الذي ضرب بنغلاديش في الاول من مايو عام 1991 وادى الى مقتل أكثر من نصف مليون شخص. إذ اجتاحت امواج البحر خليج البنغال بإرتفاع وصل الى عشرين متراً مما ادى الى الحاق اضراراً كبيرة بالمنازل والمدارس والمستشفيات وادى الى اضرار فادحة بالمحاصيل الزراعية وموت اعداد هائلة من المواشي.

إبتلت ولاية كوجارات Gujarat في غرب الهند باعصار مدمر في التاسع من يونيو عام 1998 ادى الى تهديم الالاف من البنايات وإقتلاع الالاف من الأشجار وتكسير أعمدة الكهرباء وادى الى مقتل أكثر من 3 آلاف شخص اضافةً لتشريد أكثر من مائة ألف شخص من منازلهم.

في السابع والعشرين من اكتوبر عام 1998 ضرب اعصار يدعى خوليا Cholia دام عدة ايام اجزاء من المانيا وتسبب بفيضانات شديدة أدت الى غرق عدد كبير من المدن وإنقطاع التيار الكهربائي عنها وإقتلاع الالاف من الأشجار المعمرة وتخريب الطرق وتهديم الجسور والسدود المائية وموت ستة أشخاص نتيجة أرتفاع منسوب مياه الأنهر (Wikipedia, 2008).

في ليلة الرابع من ديسمبر عام 1999 ضرب إعصار أناتول Anatol كل من انكلترا وهولندا والمانيا مروراً بالدنمارك الى دول البلطيق وأدى الى دمار كبير بالمناطق التي مر بها تمثلت بتهديم البيوت والعمارات وإنقطاع التيار الكهربائي عن المدن وإقتلاع مئات الالاف من الأشجار وتشريد آلاف السكان من منازلهم وموت عشرة اشخاص (Wikipedia, 2009).

من أسوء الكوارث التي مرت بالمانيا تلك التي حصلت في الرابع عشر من آب عام 2002 عندما أدت الأمطار الشديدة التي بلغت شدتها 312 لتر/مترمربع/يوم الى فيضانات مدمرة في شرق المانيا وخصوصاً في حوض نهر الالبا حيث غرقت مدن كبيرة مثل لايبزج ودريسدن اضافةً لعدد كبير من القرى والمدن الصغيرة. وقد أدت هذه الفيضانات بسبب إستمرار هطول الأمطار الى تكسر السدور التي تحمي المدن من الفيضانات إضافةً للسدود التي تحجز مياه البحيرات مما أدى الى إندفاع الماء وبقوة الى المدن والقرى والذي أدى الى غرق المدن وتكسير الشوارع والجسور بحيث بات من الصعب على فرق الإنقاذ الوصول الى المنكوبين (Becker, 2003).

إعصار كاتارينا ضرب خليج المكسيك وجزر الكاريبي وامتد تأثيره الى فلوريدا في الولايات المتحدة الأمريكية في السابع والعشرين من مارس عام 2004 وأدى الى موت 1322 شخص فقط في مدينة نيو أورليانز والى نزوح مئات الالاف عن منازلهم وكانت الخسائر المادية قد قدرت بحوالي 125 مليار دولار أمريكي.

الإعصار الذي ضرب منطقة مومباي في الهند عام 2005 أدى الى فيضانات كبيرة والى موت أكثر من ألف شخص وتدمير للبنية التحتية للمناطق الأمر الذي أدى الى زيادة إفقار سكان المنطقة وادى ايضاً الى إنتشار الأوبئة والأمراض بينهم بسبب نقص العناية الطبية.

إعصار ايفان ضرب منطقة الكاريبي التي تشتهر بالأعاصير في ايلول/2005، ومن المناطق التي وصلها الإعصار جرينادا وجامايكا وفلوريدا حيث سبب دمار بنسبة 90% في المنازل وكانت سرعة الرياح 330 كم/ساعة وأدى الى خسائر مادية قدرت بحوالي 12 مليار دولار أمريكي
الجفاف الذي اصاب منطقة الأمازون في اميركا الجنوبية عام 2005 أدى الى موت الاحياء المائية من أسماك وبرمائيات وطيور ومئات الالاف من الأشجار المعمرة بسبب إنحسار المياه في حوض نهر الامازون وادى أيضاً الى هجرة سكان المنطقة من قراهم بسبب عدم توفر الماء والغذاء.
الفيضانات والأمطار الشديدة في اثيوبيا عام 2006 أدت الى غرق مناطق شاسعة وموت ألف شخص وتشريد مليون وثمانمائة الف مواطن عن مدنهم وقراهم مما أدى الى زيادة في معانات السكان بسبب الفقر والمجاعة وتفشي الأمراض والأوبئة.

أصيبت المكسيك في الثالث من نوفمبر عام 2007 بكارثة مدمرة نتيجة العواصف الممطرة التي ادت الى هطول أمطار غزيرة تسببت في تشريد حوالي مليون شخص من مدنهم وقراهم وتسببت بخسائر مادية تقدر بالمليارات من الدولارات الأمريكية.

تسببت الحرائق التي نشبت في اليونان واميركا وايطاليا والبرتغال ولبنان وتركيا واستراليا واسبانيا في العامين 2007-2008 في موت ملايين من الأشجار في الغابات وتسببت ايضاً بتشريد الالاف من البشر بسبب حرق بيوتهم ومزارعهم وموت اغنامهم والى تلوث كبير للهواء والمياه وخسائر كبيرة بالحياة البرية.

الإعصار الذي ضرب خليج البنغال في السادس عشر من تشرين الثاني 2007 وادى الى دمار كبير في البيئة تمثل في تخريب شامل للمنازل والمؤسسات الإنتاجية والمزارع وإقتلاع مئات الالاف من الأشجار كما انه خلف اكثر من 4500 قتيل واكثر من 3000 مفقود من سكان المنطقة وتهجير وتشريد مئات الالاف من السكان وتسبب في نفوق الالاف من الحيوانات والمواشي .


واخيراً الفيضانات التي اجتاحت شمال القارة الأسترالية في السادس من شباط عام 2009 والتي ادت الى غرق عدد كبير من المدن والقرى والحقت أفدح الخسائر في البيئة، فضلاً عن الخسائر المادية التي تقدر بمليارات الدولارات الأمريكية. وقد ترافقت هذه الفيضانات التي سببتها الأمطار الغزيرة في شمال القارة الأسترالية مع نشوب حرائق للغابات والأحراش في جنوب القارة الأسترالية وتحديداً في مقاطعة فكتوريا حيث أدت الحرائق التي نشبت بسبب الارتفاع الكبير في درجة الحرارة والذي وصل لأكثر من 46 درجة مئوية الى موت أكثر من 300 مواطن واصابة الالاف من السكان بحروق وإصابات مختلفة. تشير وسائل الإعلام الى إن حرائق الغابات الأخيرة في أستراليا هي الأشد من نوعها على الإطلاق وقد فاقت في شدتها حرائق الغابات التي حصلت عام 1983. وتشير التقديرات الأولية الى ان مساحة الأراضي والغابات المحترقة بلغت أكثر من 2000 كيلو متر مربع من الأراضي المزروعة.

عن المهندس أمجد قاسم

كاتب علمي متخصص في الشؤون العلمية عضو الرابطة العربية للإعلاميين العلميين

شاهد أيضاً

النمو السكاني وتأثيراته البيئية.. تحديات وفرص

النمو السكاني Population Growth موضوع يشغل العالم اليوم لما يحمله من تأثيرات كبيرة على البيئة، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *