قد تبدو الصورة السابقة خيالية أو تم تعديلها على أحد برامج معالجة الصور، لكنها في الحقيقة صورة حقيقية إذ يظهر بها الشفق القطبي فوق سماء النرويج والتي تم التقاطها فوق مدينة غروفجورد بالنرويج.
وتعد ظاهرة الشفق القطبي من أكثر الظواهر الطبيعية جمالاً وإبهارًا، إذ تضيء السماء بألوان ساحرة تأخذ الأنظار وتخطف الأنفاس.
هذه الظاهرة تحدث بشكل خاص في المناطق القطبية من الأرض، سواء في القطب الشمالي أو القطب الجنوبي. ولعل الصورة المرفقة تُبرز بوضوح هذا الجمال الذي يشبه طيفًا مضيئًا يشع في السماء ليخلق لوحة فنية بديعة.
ظاهرة فلكية
والشفق القطبي ظاهرة فلكية لها علاقة بنشاط الشمس والرياح الشمسية التي تصل إلى كوكبنا، والشمس حاليا تشهد نشاطا ملحوظا، ومن المعروف أن الشمس تلقي على الأرض بسحابة ضخمة من الكترونات والبروتونات والأيونات السريعة نحو الأرض، وبعض هذه السحابة يصطدم بالغلاف المغناطيسي للأرض منتجا الشفق القطبي .
ما هو الشفق القطبي؟
الشفق القطبي، المعروف أيضًا باسم “الأضواء الشمالية” (Aurora Borealis) في النصف الشمالي من الكرة الأرضية و”الأضواء الجنوبية” (Aurora Australis) في النصف الجنوبي، هو ظاهرة طبيعية تحدث عندما تتفاعل الجسيمات المشحونة من الشمس مع الغلاف الجوي للأرض.
وينتج عن هذا التفاعل أضواء ملونة بألوان تتراوح بين الأخضر والبنفسجي والأزرق والأصفر، وهي ألوان تختلف وفقًا للغازات التي تتفاعل مع الجسيمات المشحونة.
كيف يحدث الشفق القطبي؟
ينشأ الشفق القطبي نتيجة للتفاعل بين الرياح الشمسية والغلاف الجوي للأرض، والرياح الشمسية هي تيار من الجسيمات المشحونة (البروتونات والإلكترونات) تنبعث من الشمس باتجاه الفضاء.
وعندما تصل هذه الجسيمات إلى الأرض، يتم توجيهها نحو الأقطاب بواسطة المجال المغناطيسي الأرضي، حيث تصطدم الجسيمات المشحونة بالذرات والجزيئات الموجودة في الغلاف الجوي للأرض، فيحدث تفاعل يؤدي إلى تحرير طاقة على شكل أضواء ملونة.
ويعتمد لون الشفق على نوع الغاز المتفاعل، حيث ينتج الأوكسجين اللون الأخضر والأحمر، بينما ينتج النيتروجين اللون الأزرق والبنفسجي.
الشفق القطبي والبحث العلمي
الظاهرة ليست مجرد جمال بصري، بل هي تجلٍ واضح لتفاعلات علمية دقيقة تحدث في الفضاء.
ويعتبر الشفق القطبي نافذة تمكن العلماء من دراسة النشاط الشمسي وتأثيره على الأرض. وبفضل دراسة هذه الظاهرة، تمكن العلماء من تطوير فهم أفضل للمجال المغناطيسي الأرضي وكيفية حمايته لكوكبنا من الإشعاعات الشمسية الضارة.
تأثير الشفق القطبي على الإنسان
على الرغم من أن الشفق القطبي هو ظاهرة ساحرة، إلا أن تأثيراته على البشر قد تكون معقدة، فمن الناحية الصحية، لا يتعرض الإنسان بشكل مباشر لأية مخاطر من مشاهدة الشفق القطبي.
ولكن، التفاعل بين الرياح الشمسية والغلاف المغناطيسي للأرض قد يتسبب في اضطراب الاتصالات والرادارات، خصوصًا في مناطق الشمال.
اضطراب الاتصالات اللاسلكية والخلوية
تعتبر اضطرابات الاتصالات والرادارات من أكثر التأثيرات التي تسببها هذه الظاهرة.
فالرياح الشمسية التي تصطدم بالغلاف الجوي للأرض يمكن أن تؤثر على إشارات الاتصالات والراديو، خصوصًا في المناطق القطبية.
وبالنسبة للطائرات التي تحلق فوق المناطق القطبية، يمكن أن تواجه صعوبات في التواصل مع مراكز التحكم بسبب هذا الاضطراب.
التأثير على صحة الإنسان
هذا الشفق ذاته ليس له تأثير مباشر على صحة الإنسان. ومع ذلك، فإن الرحلات الجوية التي تمر عبر المناطق القطبية قد تعرض الطيارين والركاب لمستويات أعلى من الإشعاعات الكونية، مقارنة بالرحلات الأخرى التي تسير بعيدًا عن القطبين. وهذا الأمر يمكن أن يشكل خطرًا طفيفًا على الصحة في حالة التعرض المستمر.
تأثير الشفق القطبي على الكائنات الحية الأخرى
بالنسبة للحيوانات، لم تثبت الدراسات وجود تأثيرات ضارة مباشرة للشفق القطبي على الكائنات الحية.
ومع ذلك، تشير بعض الدراسات إلى أن الحيوانات التي تعتمد على المجال المغناطيسي للأرض في توجيه حركتها، مثل الطيور البحرية والحيتان، قد تتأثر بتغيرات المجال المغناطيسي التي تحدث نتيجة النشاط الشمسي الذي يتسبب في ظهور الشفق القطبي.
الطيور المهاجرة
الطيور المهاجرة تعتمد بشكل كبير على المجال المغناطيسي للأرض لتوجيه رحلاتها الطويلة.
وخلال العواصف الشمسية التي تؤدي إلى ظهور الشفق ، يمكن أن يتشوش إحساس هذه الطيور بالمجال المغناطيسي، مما يجعلها تفقد الاتجاه الصحيح أثناء الهجرة.
الحيتان والدلافين
تشير بعض الدراسات إلى أن الحيتان والدلافين التي تعتمد على الاستشعار المغناطيسي يمكن أن تتأثر أيضًا بالتغيرات في المجال المغناطيسي خلال العواصف الشمسية، مما يؤدي إلى احتمال انحرافها عن مسارها الطبيعي أو جنوحها إلى الشواطئ.
العواصف الشمسية والشفق القطبي
في بعض الأحيان، يمكن أن تكون ظاهرة الشفق القطبي مصاحبة لعواصف شمسية قوية. والعواصف الشمسية تحدث عندما تنبعث كميات هائلة من الجسيمات المشحونة من الشمس بشكل مفاجئ.
هذه العواصف قد تكون لها تأثيرات أكبر على الأرض، ليس فقط من حيث ظهور هذا الشفق بشكل أكثر كثافة، ولكن أيضًا من حيث تأثيرها على الاتصالات والأقمار الصناعية وحتى على شبكة الكهرباء.
تأثير العواصف الشمسية على التكنولوجيا
العواصف الشمسية الشديدة يمكن أن تؤدي إلى اضطرابات في عمل الأقمار الصناعية المستخدمة في الاتصالات والملاحة الجوية. كما قد تؤدي إلى زيادة التيارات في شبكة الكهرباء الأرضية، مما يسبب انقطاعًا مؤقتًا للكهرباء في بعض المناطق، خصوصًا في الأماكن القريبة من القطبين.
الشفق القطبي عبر التاريخ والثقافات
منذ القدم، كانت ظاهرة الشفق القطبي مصدر إلهام للأساطير والمعتقدات في العديد من الثقافات.
ففي الأساطير النوردية القديمة، كان الشفق يعتبر جسرًا بين الأرض والسماء يسمى “بروفيكس”، وهو الطريق الذي تسلكه الأرواح إلى الجنة، أما في ثقافات أخرى، فقد كانت الأضواء الشمالية رمزًا للحظ الجيد أو رسالة من الآلهة.
الشفق القطبي والسياحة
اليوم، أصبحت مشاهدة الشفق القطبي واحدة من أبرز الأنشطة السياحية في مناطق مثل النرويج، أيسلندا، كندا، وفنلندا.
حيث يسافر آلاف الأشخاص سنويًا إلى هذه المناطق للتمتع بمشاهدة هذا المشهد الخلاب. وقد أسهمت هذه الظاهرة في جذب سياح من جميع أنحاء العالم، مما أدى إلى انتعاش السياحة البيئية والاقتصادية في تلك المناطق.
إن الشفق القطبي هو أكثر من مجرد منظر جميل يزين السماء؛ فهو انعكاس للتفاعل بين الأرض والفضاء الخارجي، وتعبير عن قوة العلم في تفسير ما كان يومًا مصدرًا للأساطير والخرافات.
وبفضل الدراسات العلمية المتواصلة، نحن الآن نعلم كيف يحدث الشفق وما هي تأثيراته، ومع ذلك يظل جماله وسحره حاضرًا يثير الإعجاب في نفوس الجميع.
في نهاية المطاف، تظل هذه الظاهرة تجسيدًا حقيقيًا للتفاعل بين العلم والجمال الطبيعي، حيث يمكننا الاستمتاع بمناظره الساحرة مع إدراكنا لتفاصيله العلمية المعقدة.
مصدر الصورة
http://www.apodar.com