التلوث الكهرومغناطيسي .. الطيف الخفي وأثره الخطير على صحة الإنسان

مع التوسع الهائل في استخدام التكنولوجيا الحديثة وانتشار الشبكات اللاسلكية والأجهزة الذكية، أصبح الإنسان معرّضًا لمستويات غير مسبوقة من الموجات الكهرومغناطيسية.

 

كتب المهندس أمجد قاسم

 

رغم الفوائد العظيمة التي جلبها لنا التقدم العلمي والتكنولوجي، إلا أن الجانب الخفي منه – وهو التلوث الكهرومغناطيسي (Electromagnetic Pollution) – يشكل تحديًا صحّيًا حقيقيًا يتطلب اهتمامًا علميًا متزايدًا.

تنتصب أجسادنا اليوم وسط بحر من الإشعاعات الصادرة عن الهواتف المحمولة، وأجهزة الواي فاي، وأبراج الاتصالات، وحتى الأجهزة المنزلية، بالإضافة إلى إشعاعات طبيعية تأتي من الشمس والنجوم.

 

أولاً: ما هو الطيف الكهرومغناطيسي؟

الطيف الكهرومغناطيسي (Electromagnetic Spectrum) هو مدى واسع من الموجات الكهرومغناطيسية التي تنتقل في الفضاء وتشمل أنواعًا مختلفة من الإشعاعات، تختلف في أطوالها الموجية وترددها وطاقة الفوتونات الخاصة بها. ويتكون الطيف من:

 

الموجات الراديوية (Radio Waves)

الموجات الميكروية (Microwaves)

الأشعة تحت الحمراء (Infrared Rays)

الضوء المرئي (Visible Light)

الأشعة فوق البنفسجية (Ultraviolet Rays)

الأشعة السينية (X-Rays)

الأشعة غاما (Gamma Rays)

 

يُقسم هذا الطيف إلى نوعين رئيسيين من الإشعاع:

 الإشعاع غير المؤيّن (Non-Ionizing Radiation): مثل الموجات الراديوية والضوء المرئي.

الإشعاع المؤيّن (Ionizing Radiation): مثل الأشعة السينية وأشعة غاما، والتي تملك طاقة كافية لتغيير التركيب الجزيئي للمواد الحية.

 

ثانيًا: مصادر التلوث الكهرومغناطيسي حول الإنسان

نعيش في عالم مليء بالمصادر الطبيعية والصناعية للموجات الكهرومغناطيسية:

مصادر طبيعية: مثل الشمس، التي تطلق الضوء المرئي والأشعة فوق البنفسجية والأشعة الكونية.

 

مصادر صناعية: مثل:

الهواتف المحمولة والأبراج الخلوية

شبكات Wi-Fi وبلوتوث

أفران الميكروويف

شاشات الحاسوب والتلفاز

الأجهزة الطبية (مثل الأشعة السينية)

خطوط الضغط العالي ومحطات الطاقة

 

ثالثًا: تحليل موجات الطيف الكهرومغناطيسي وتأثيراتها على الإنسان

1- الموجات الراديوية (Radio Waves)

المصادر: البث الإذاعي والتلفزيوني، الهواتف المحمولة، الرادارات.

الخصائص: أطول موجات في الطيف، أقلها طاقة.

التأثيرات: رغم أن طاقتها منخفضة، إلا أن التعرض المزمن لمستويات مرتفعة منها، خصوصًا من الأبراج الخلوية، قد يسبب صداعًا، وإجهادًا عقليًا، واضطرابات في النوم.

2- الموجات الميكروية (Microwaves)

المصادر: أفران الميكروويف، الرادارات، تقنيات 5G.

الخصائص: تخترق المواد العضوية بسهولة وتولد حرارة.

التأثيرات: قد تسبب تسخينًا للأنسجة الحيوية. يُحذر من التعرّض المباشر لهذه الموجات على المدى الطويل، بسبب احتمالية تلف الخلايا أو الإضرار بالدماغ.

3- الأشعة تحت الحمراء (Infrared Radiation)

المصادر: الأجسام الساخنة، أجهزة التدفئة، الشمس.

التأثيرات: تأثيرها حراري بحت، وقد تؤدي إلى تلف الأنسجة أو حروق عند التعرض المباشر لفترات طويلة.

4- الضوء المرئي (Visible Light)

المصادر: الشمس، المصابيح الكهربائية، الشاشات.

التأثيرات: رغم أنه ضروري للرؤية، فإن التعرض للضوء الأزرق الصادر من الشاشات الإلكترونية يمكن أن يؤثر سلبًا على النوم ويجهد العين.

5- الأشعة فوق البنفسجية (Ultraviolet – UV Rays)

المصادر: الشمس، اللحام الكهربائي، المصابيح فوق البنفسجية.

الخصائص: تُقسم إلى UV-A وUV-B وUV-C.

التأثيرات: تسبب حروق الجلد، شيخوخة الخلايا، تلف الحمض النووي، وزيادة خطر الإصابة بسرطان الجلد.

6- الأشعة السينية (X-Rays)

المصادر: أجهزة التصوير الطبي.

الخصائص: تخترق الأنسجة اللينة، يمتصها العظم.

التأثيرات: تُعد من الإشعاعات المؤيّنة. قد تسبب تلفًا في الحمض النووي عند الإفراط في التعرض.

7- أشعة غاما (Gamma Rays)

المصادر: المواد المشعة، الانفجارات النووية، الفضاء الخارجي.

الخصائص: أعلى تردد وأقصر طول موجي.

التأثيرات: خطيرة جدًا، تتلف الخلايا وتسبب السرطان. تُستخدم أحيانًا لعلاج الأورام لكنها تتطلب تحكمًا دقيقًا.

 

رابعًا: الإشعاعات المؤيّنة وتأثيرها الخلوي

تشمل هذه الفئة أشعة ألفا (Alpha Rays)، وأشعة بيتا (Beta Rays)، وأشعة غاما (Gamma Rays)، وتُعد الأخطر على صحة الإنسان لأنها:

تُسبب تأيّن الذرات في الخلايا.

تُلحق الضرر بالحمض النووي DNA.

تؤدي إلى الطفرات الخلوية وسرطنة الأنسجة.

تؤثر على خصوبة الإنسان والجهاز المناعي.

وتتواجد هذه الإشعاعات في الطبيعة (اليورانيوم، الرادون) وفي مخلفات الحروب النووية، وكوارث مثل مفاعل تشيرنوبيل وفوكوشيما.

 

خامسًا: الحقول الكهرومغناطيسية الثابتة (Static Fields)

تشمل الحقول الكهربائية والمغناطيسية التي تُولدها خطوط الجهد العالي، والمحولات الكهربائية، والنشاط الشمسي.

التأثيرات المحتملة:

تغيّرات في النشاط الكهربائي للخلايا العصبية.

اضطرابات في النوم والمزاج.

ارتباط محتمل بسرطانات معينة مثل سرطان الدم في حالات معينة.

 

سادسًا: التلوث الكهرومغناطيسي والتشريعات العالمية

وضعت منظمة الصحة العالمية (WHO) والوكالة الدولية لأبحاث السرطان (IARC) عدة تصنيفات لهذه الإشعاعات، واعتبرت بعضها مثل الحقول الكهرومغناطيسية المنبعثة من الهواتف المحمولة “محتملة السرطنة” (Possibly Carcinogenic) للبشر.

ورغم عدم وجود دليل قاطع على الأثر المباشر، إلا أن الجمعيات الصحية تنصح بالتقليل من التعرض وتطبيق مبدأ “الاحتراز الوقائي” (Precautionary Principle).

 

سابعًا: كيف نحمي أنفسنا من التلوث الكهرومغناطيسي؟

استخدام سماعات الرأس بدلاً من وضع الهاتف على الأذن.

إبعاد أجهزة Wi-Fi عن غرف النوم.

التقليل من زمن التعرض للشاشات.

عدم استخدام أفران الميكروويف أثناء تشغيلها.

استخدام دروع حماية كهرومغناطيسية (EMF Shields) عند الضرورة.

مراقبة مستوى الإشعاع في المنزل باستخدام أجهزة قياس EMF.

 

إن التلوث الكهرومغناطيسي هو أحد تحديات عصرنا، يفرض علينا فهمًا أعمق للطيف الكهرومغناطيسي وآثاره الصحية.

ومع تزايد تعرّض الإنسان لهذه الموجات، فإن الحاجة لتشريعات صارمة، وتوعية مجتمعية، وأبحاث علمية متواصلة أصبحت ضرورة لا رفاهية.

العلم قادر على جعل التكنولوجيا آمنة، شرط أن نحترم الحدود الصحية للطبيعة التي نعيش فيها.

X@amjad

المراجع

World Health Organization. (2020). Electromagnetic Fields and Public Health. WHO.

International Agency for Research on Cancer. (2011). IARC Classifies Radiofrequency Electromagnetic Fields as Possibly Carcinogenic to Humans.

National Institute of Environmental Health Sciences. (2023). EMF: Electric and Magnetic Fields.

Bernhardt, J. H. (2009). Non-Ionizing Radiation: Biological Effects and Health Risks. Radiation Protection Dosimetry.

عن المهندس أمجد قاسم

كاتب علمي متخصص في الشؤون العلمية عضو الرابطة العربية للإعلاميين العلميين

شاهد أيضاً

حمض الفلوروأنتيمونيك..أقوى حمض عرفه الإنسان

في عالم الكيمياء، لا تتوقف الاكتشافات عند حدود العناصر أو المركبات المألوفة، بل يمتد البحث …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *