أزمة غير مسبوقه تواجه الحياة على كوكب الأرض
يعيش كوكب الأرض اليوم حالة من الطوارئ البيئية الصامتة، تتمثل في تراجع خطير في التنوع الحيوي، وهو ما يحذر منه علماء البيئة حول العالم.
فالتغير المناخي، الذي يغير من ملامح الكوكب بشكل متسارع، بات عاملاً مركزياً في تسريع انقراض الأنواع الحيوانية والنباتية، مما يهدد بتفكيك النسيج البيئي الذي تعتمد عليه الحياة بأشكالها كافة.
التنوع الحيوي: نسيج الحياة على الكوكب
يُعد التنوع الحيوي – أي تنوع الكائنات الحية من نباتات وحيوانات وفطريات وميكروبات – أساس استقرار الأنظمة البيئية.
ويشبهه بعض العلماء بنسيج حي، وكل نوع يمثل “عقدة” في هذا النسيج، حيث يؤدي فقدان نوع واحد إلى إضعاف التماسك البيئي تدريجيًا.
هذا الانهيار قد يكون غير مرئي في بدايته، لكنه يقود في النهاية إلى فقدان منظومات كاملة من الحياة.
التغير المناخي وانقراض الأنواع: تسارع ينذر بالخطر
تشير دراسات علمية حديثة، نُشرت في مجلة Nature، إلى أن نسب الأنواع المهددة بالانقراض ترتفع بصورة مقلقة.
فبحسب تقديرات خبراء من 13 دولة، فإن 12% من أنواع الطيور، و23% من الثدييات، و32% من البرمائيات مهددة بالانقراض بالفعل.
وما يزيد من خطورة هذه الأرقام أن التغير المناخي يمكن أن يرفع هذه النسب بنسبة تتراوح بين 15% و37% خلال العقود الخمسة المقبلة، ما يعني تسارعا دراماتيكيا في وتيرة الانقراض.
انقراض متسارع بدون تعويض طبيعي
يؤكد الباحث روبير باربو أن الانقراضات ليست بالأمر الجديد في تاريخ الأرض، ولكن ما نشهده الآن هو انقراض متسارع بمعدلات تتجاوز مئات إلى آلاف المرات المعدلات الطبيعية، دون ظهور أنواع جديدة تعوض هذا التراجع.
وتُظهر بيانات الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة (IUCN) أن الحيوانات الفقارية، على وجه الخصوص، تتراجع بشكل كارثي، لا سيما تلك التي تتنافس مع الإنسان على المساحات والموارد مثل الثدييات الكبيرة والطيور والنباتات الطويلة العمر.
أين يقف البشر من هذه الكارثة؟
مع الأسف، لا تزال قضية التنوع الحيوي غير حاضرة في أولويات الرأي العام أو السياسيين.
ويعود ذلك إلى عدة عوامل، منها تعقيد الظاهرة وصعوبة ربطها مباشرة بحياة الناس اليومية.
ففي حين يُلاحظ تراجع نوع من الضفادع أو الفراشات، لا يتم فهم ذلك بوصفه مؤشرًا لانهيار بيئي واسع النطاق.
إضافة إلى ذلك، لا نملك حتى الآن مؤشرات عالمية دقيقة تقيس تدهور التنوع البيئي، كما هو الحال مع مؤشر ثاني أكسيد الكربون الذي يُستخدم لقياس التغير المناخي.
ضرورة وجود هيئة علمية دولية لحماية التنوع الحيوي
دعا الخبراء الموقعون على النداء العلمي في مجلة Nature إلى إنشاء هيئة علمية دولية تنسق الجهود المتعلقة بالحفاظ على التنوع البيئي، شبيهة بالهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC). هذه الهيئة من شأنها أن ترشد صانعي القرار السياسي حول العالم، وتوحد صوت العلماء، وتوفر بيانات ومؤشرات موحدة تساعد في رسم السياسات البيئية على أسس علمية واضحة.
التنوع الحيوي من أجل مستقبل مستدام
الحفاظ على التنوع الحيوي ليس ترفًا بيئيًا، بل هو ركيزة للاستدامة. فالتنوع البيئي يوفر خدمات حيوية مثل تلقيح النباتات، وتنقية الهواء والماء، وتنظيم المناخ، وإنتاج الغذاء والدواء.
فبدون تنوع بيولوجي، يفقد الإنسان أمنه الغذائي والصحي والبيئي. ومع استمرار التغير المناخي دون إجراءات حازمة، فإن الأضرار لن تقتصر على بعض الأنواع بل ستطال أساسيات حياة الإنسان نفسه.
العمل العاجل مسؤولية مشتركة
أمام هذا التهديد المتسارع، لا بد من تحرك عالمي عاجل وفعال. على الحكومات والمجتمعات المدنية والقطاع الخاص تبني سياسات تراعي الحفاظ على التنوع الحيوي وتحد من انبعاثات الكربون وتوسّع من المحميات الطبيعية.
كما على الأفراد تعزيز وعيهم البيئي والمساهمة في الحفاظ على الأنظمة البيئية المحيطة بهم.
إن حماية التنوع الحيوي اليوم، هي استثمار في الحياة على كوكب الأرض غدًا.
المصادر:
IPBES Global Assessment Report on Biodiversity and Ecosystem Services, 2019.
Intergovernmental Panel on Climate Change (IPCC), Sixth Assessment Report, 2021.
Nature Journal – Biodiversity Crisis Publications, 2024.