أدت نشاطات الانسان الى اقتلاع الأشجار من مساحات شاسعة من الأراضي / pixabay

الإنسان واستهلاك موارد البيئة والتوزان البيئي

العوامل التي تؤثر مباشرة على البيئة هي:

عدد سكان العالم.
الإستهلاك.
التكنولوجيا.

أو: العوامل المؤثرة = السكان+ الإستهلاك + التكنولوجيا..

فلو علمت بان عدد سكان العالم قد بلغ حالياً أكثر من 6.5 مليار نسمة، والزيادة السكانية متواصلة، فانك لابد وأن تفكر في ما هو قادم من السنين وما ينتظر البشرية من نقص في الطاقة والغذاء والعمل والإسكان والعناية الصحية، حيث إستنفذت المصادر الطبيعية وتلوثت التجمعات السكانية، وتفشت بها الجريمة.

والدارس لمعدلات النمو السكاني في أيامنا الحالية سرعان ما يدرك قرب الوصول الى لحظة الكابوس المزعج، مما حدى ببعض المسؤولين في العالم الدعوة الى خفض حاد وسريع في معدلات النمو السكاني عن طريق السيطرة على معدلات الولادة بهدف موازنة عدد السكان، بما يمكن ان يتناغم مع مقدرة بيئتنا على الإحتمال..

فهل هناك داع للقلق فعلاً يستوجب دق ناقوس الخطر ؟

– يتساءل الأستاذ الدكتور غازي سفاريني.ويجيب: مرة أخرى توجد إجابات مختلفة حول الموضوع، ويحاجج البعض بأن زيادة السكان هي أساس الإزدحام والفقر والعنف ولاتدهور البيئي. وحسب وجهات النظر هذه فان عدداً كبيراً من الناس سيتقاسمون مصادر محدودة يجري إستنزافها وحرمان الأجيال القادمة منها.بينما يناظر البعض الآخر با، هنالك ما يكفي من المصادر لكل فرد، ولكن الجشع والهدر والقهر وسوء الإدارة تحرم الناس من الوصول الى المصادر التي يحتاجونها.وما يتفق عليه اصحاب وجهتي النظر هاتين ان الحل الدائم لمشكلة ندرة المصادر وسوء توزيعها هو تغير وتطور السلوك والأنظمة الإنسانية.وسواء إستمرت معدلات النمو السكاني في الإرتفاع أم لا، فان اثر ذلك على تطور الحياة البشرية سيبقى الهم الأول لعلم البيئة.

لقد عمل الإنسان منذ وجوده على الأرض على إستغلال موارد الأرض الطبيعية لبناء حضارته الحالية، إلا أن الأفراط في إستغلال الإنسان لهذه الموارد قد إزداد بصورة مذهلة عبر القرون حتى بلغ ذروته في القرن العشرين.فاثرت قدرتها على التجدد التلقائي، وأخلت بالتوازن الطبيعي للحياة، وجعلت الأنشطة الإنمائية، التي تضع الإعتبارات البيئية في حسابها، تسهم في إلحاق الضرر بالبيئة الطبيعية، وتثير القلق حول أهمية المحافظة على مقومات الحياة على الكرة الأرضية، التي تتميز الموازين الطبيعية فيها بالحساسية والضعف.

ماذا نعني عندما نقول:إن الأنسان مشكلة البيئة ؟

– يتساءل الأستاذان رشيد الحمد و محمد سعيد صباريني، ويجيبا:الإنسان يضع نفسه خارج إطار أنظمة البيئة ويعتبرها ملكيته الخاصة، فيتصرف فيها كما لو كانت حديقته المنزلية، ينظمها وينسقها ويشكلها بالكيفية التي ترضي ” ذوقه”.. وإنطلاق الإنسان في تعامله مع البيئة، من هذا الأعتبار يجعل منه” مشكلة للبيئة”، بحيث يصدق القول:”إنه يستحيل تحديد البيئة المثلى للإنسان إذا كان المرء لا يفكر إلا في الإنسان لوحده”.

لقد استطاع الإنسان ان يستغل مصادر حفرية للوقود هي الفحم والبترول، وبذلك أصبح يحرق مواد كاربونية أكثر بكثير من قدرة النظم البيئية على الإستيعاب.ونتج عن ذلك تزايد مطرد في أكاسيد الكاربون في الهواء الجوي. وأصبحت الصناعة قادرة على إنشاء مركبات كيميائية طارئة على النظم البيئية غريبة عليها،أي ان التحولات الطبيعية في دورات المواد غير قادرة على إستيعابها،لأن النظم البيئية لا تشتمل على كائنات قادرة على تحليلها وإرجاعها الى عناصرها الأولى كما تفعل بالمركبات العضوية الطبيعية.كما وأصبح الإنسان يعتمد على مصادر حفرية غير متجددة، بالإضافة الى المصادر المتجددة .

أنواع الموارد الطبيعية

1- موارد دائمة، وهي المصادر التي لا تنضب مهما إستهلك منها الإنسان، وستضل متوفرة( حسب التوقعات العلمية) دائماً، وهذه الموارد هي الطاقة الشمسية، والماء، والهواء.
2- موارد متجددة، وهي المصادر الطبيعية التي تمتلك القدرة على التجدد بإستمرار، وتمثلها النباتات والحيوانات، وصور الحياة الأخرى، وكذلك التربة.
3- الموارد غير المتجددة، وهي مصادر طبيعية لا تتجدد أو تتجدد ببطء، وتوجد بكميات محدودة من شانها ان تختفي ان اَجلاً أم عاجلاً، وهذه الموارد هي الفحم الحجري، والبترول، والغاز الطبيعي، والخامات المعدنية.

والذي يهمنا هنا هو موقف الإنسان من الموارد غير المتجددة،الى جانب ضرورة حماية البيئة والمحافظة عليها.

وبالعودة للعلاقة بين الإنسان والبيئة، ونشير الى 3 مسائل رئيسية تميز تأريخ هذه العلاقة، وهي:
النمو السكاني في عدد السكان، والثورة العلمية والتكنولوجية، و الإختلال في التوازن البيئي الطبيعي.

الإنسان والاخلال بالتوازن البيئي:

التوازن البيئي الطبيعي وإختلاله

إن التفاعل بين مكونات البيئة، عملية مستمرة تؤدي في النهاية إلى احتفاظ البيئة بتوازنها ما لم ينشأ اختلال نتيجة لتغير بعض الظروف الطبيعية، كالحرارة المرتفعة جدا، والأمطار الغزيرة للغاية، أو نتيجة لتغير الظروف الحيوية، أو نتيجة لتدخل الإنسان المباشر في تغير ظروف البيئة.

فالتغير في الظروف الطبيعية يؤدي إلى اختفاء بعض الكائنات الحية وظهور كائنات أخرى، مما يؤدي إلى اختلال في التوازن، والذي يأخذ فترة زمنية قد تطول أو تقصر، حتى يحدث توازن جديد، وأكبر دليل على ذلك هو اختفاء الزواحف الضخمة نتيجة لاختلاف الظروف الطبيعية للبيئة في العصور الوسطى، مما أدى إلى انقراضها، فاختلت البيئة ثم عادت إلى حالة التوازن في إطار الظروف الجديدة.وإن محاولات نقل كائنات حية من مكان إلى آخر والقضاء على بعض الأحياء، يؤدي أيضا إلى اختلال في التوازن البيئي، غير أن تدخل الإنسان المباشر في البيئة يعتبر السبب الرئيس في اختلال التوازن البيئي، فتغير المعالم الطبيعية من تجفيف للبحيرات وبناء السدود واقتلاع الغابات وردم المستنقعات واستخراج المعادن ومعها مصادر الاحتراق، كالنفط وفضلات الإنسان السائلة والصلبة والغازية، هذا بالإضافة إلى استخدام المبيدات والأسمدة، كلها تؤدي إلى إخلال بالتوازن البيئي، حيث إن هناك الكثير من الأوساط البيئية تهددها أخطار جسيمة تنذر بتدمير الحياة بأشكالها المختلفة على سطح الأرض.

فالغلاف الغازي، لا سيما في المدن والمناطق الصناعية، يتعرض إلى تلوث شديد، ونسمع بين فترة وأخرى عن تكون السحب السوداء والصفراء السامة، والتي كانت السبب الرئيسي والأهم في موت العديد من الكائنات الحية وخصوصا الإنسان، إلى جانب ما يتعرض له الغلاف المائي من تلوث من خلال استنزاف الثروات المعدنية والغذائية. هذا بالإضافة إلى إلقاء الفضلات الصناعية والمياه العادمة ودفن النفايات الخطرة.أما اليابسة فحدث ولا حرج، فإلقاء النفايات والمياه العادمة واقتلاع الغابات وتدمير الجبال وفتح الشوارع وازدياد أعداد وسائط النقل وغيرها الكثير، أدى إلى تدهور في خصوبة التربة وانتشار الأمراض والأوبئة خصوصا المزمنة، والتي تحدث بعد فترة زمنية من التعرض لها.

النشاط الإنساني ومسؤولية التسبب في الإخلال بالتوازن البيئي

إن تزايد الاهتمام العالمي في العقود الثلاثة الماضية بالبيئة، له ما يبرره سياسيا وعلميا وأخلاقيا، نظراً لما تواجهه البيئة من تهديد بأخطار التلوث، بمختلف أشكاله وصوره. فقد أدت أنشطة الإنسان الصناعية وطموحاته الاقتصادية إلى إحداث خلل في التوازن البيئي، حيث تشير المعلومات والدراسات والتقارير والمشاهدات الحية إلى الآثار السلبية التي تترتب على سوء التعامل مع البيئة، وإلى الخسائر الفادحة والمخاطر الصحية التي تتعرض لها الدول، بسبب تلويث البيئة بالأدخنة والغازات السامة والروائح الكريهة، واستخدام الأسلحة المحرمة دولياً وغيرها.

وإذا أخذنا مثلا حيا في هذا الإطار، فإن المملكة العربية السعودية تعتبر أنموذجا، لعدة اعتبارات، فهي تسير بخطوات متسارعة نحو التنمية الاقتصادية المستدامة، مقارنة مع غيرها من الدول العربية. كما تظهر الحاجة إلى الربط بين البيئة والتنمية الاقتصادية، لمعرفة المخاطر والأضرار البيئية الجديدة التي تنجم من عملية التنمية، ودخول معركة النمو والتصنيع، وبالتالي تحديد المسؤولية القانونية عن الأضرار البيئية، لأن هنالك العديد من الجوانب التي تميزهاـ أي السعوديةـ عن غيرها من أنواع المسؤولية الأخرى.

ففي مجال حماية البيئة، فإن القوانين والأنظمة الداخلية في المملكة، اعترفت للأشخاص بالحق في استثمار أموالهم وإنشاء الشركات والمصانع على الوجه الذي يريدون، ما دام أنهم يستعملون حقهم في الحدود المرسومة نظاماً وبشكلٍ مشروع، فإذا تجاوزا الحدود المرسومة لاستعمال حقهم، فأوقعوا ضرراً بالبيئة، فإن عملهم عندئذٍ يخرج من دائرة الحق، وينقلب عملاً غير مشروع، يوجب المساءلة القانونية. وهذا يعني أن استعمال الحق مقيد بواجب عدم تلويث البيئة بالأدخنة والغازات السامة والروائح الخطيرة الضارة بالصحة.

وعلى المستوى الدولي، فقد اعترفت القوانين والاتفاقيات الدولية بالعديد من الحقوق للدول في مجال استغلال مواردها الطبيعية، وممارسة سلطاتها واختصاصاتها، بيد أن ذلك ليس مطلقاً، وإنما مقيداً بالحدود المرسومة للحق ولا يجوز لها أن تتجاوزه، فإن هي خالفت ذلك خرجت عن دائرة الحق، وتحملت تبعات ذلك من حيث المسؤولية الدولية عن الأضرار التي تلحق بالأشخاص والممتلكات جرّاء التعدي الضار على البيئة. وهذا ما تم تأكيده في مؤتمر الأمم المتحدة الثاني حول البيئة والتنمية، الذي عقد في البرازيل سنة 1992م، حيث نص المبدأ الثاني منه على أن “تملك الدول وفقاً لميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي الحق السيادي في استغلال مواردها، وفقاً لسياساتها البيئية والإنمائية، وهي مسؤولة عن ضمان ألا تسبب الأنشطة التي تدخل في نطاق ولايتها أو سيطرتها أضراراً لبيئة دولة أخرى أو لمناطق واقعة خارج حدود ولايتها الوطنية .

وفي هذا المجال، نشير إلى المبدأ (21) من مجموعة مبادئ مؤتمر ستوكهولم لسنة 1972، الذي نص على أن “على الدولة مسؤولية ضمان الأنشطة، التي تتم داخل حدود ولايتها، أو تحت إشرافها، بحيث لا تسبب ضرراً لبيئة الدول الأخرى، أو للمناطق فيما وراء حدود ولايتها الوطنية”. كما نصت اتفاقية الكويت حول البيئة البحرية للخليج العربي لسنة 1978م، على أن تتعهد الدول الأطراف فيما بينها في صياغة وإقرار القواعد والإجراءات المناسبة، لتحديد المسؤولية المدنية، والتعويض عن الأضرار الناجمة عن تلويث البيئة البحرية، مع مراعاة القواعد والإجراءات الدولية السارية والمتعلقة بهذه الأمور.

ولذلك، فإن المسؤولية القانونية للأفراد أو الدول عن الأضرار البيئية، ترتبط بالضرورة بالخطأ في التصرف الذي لا يشترط أن يكون عمدياً، لأن المسؤولية يمكن أن تقوم بناءً على الخطأ بإهمال أو عدم تبصر.


وفق هذه الفلسفة، فإن كل خطأ يسبب ضرراً للغير، يلزم تعويض المتضرر، فقيام أي شخص طبيعي أو اعتباري خاص أم عام، بتلويث الماء أو الهواء أو التربة أو امتناعه عن اتخاذ الإجراءات اللازمة، لمنع حدوث التلوث من النشاط الذي يقوم به، يعرضه لتحمل المسؤولية والتعويض عن الأضرار التي تقع.

أما فيما يخص الجانب الجزائي من المسؤولية القانونية، فيهدف إلى حماية المجتمع ممن أخل بأمنه واستقراره، بارتكابه عملاً إجرامياً عرفه القانون ووضع له العقاب المناسب.

أ.د. كاظم المقدادي

عن الدكتور كاظم المقدادي

أكاديمي وباحث وكاتب بشؤون الصحة والبيئة

شاهد أيضاً

مبادرة الحزام الأزرق لحماية التنوع البيولوجي للمحيطات

محمد التفراوتي من الجميل أن تلتف القارة الافريقية بحزام الاستدامة وحماية التنوع البيولوجي البحري، والاجود …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *