الأهمية الاقتصادية ودور التكنولوجيا في استثمار النفايات كمصدر للطاقة في الوطن العربي

د. مهدي الكناني- العراق
عضو الهيئة الاستشارية العراقية للأعمار والتطوير – لندن- المملكة المتحدة – محافظة ميسان
عضو الاتحاد العالمي للجامعات العربية والأجنبية

أولاً: مستقبل النفايات لاستخراج الطاقة في الوطن العربي

منذ القدم أعتمد الانسان على مصادر الطاقة المتاحة في بيئته الطبيعية و البيئة الحياتية ففي العصور الأولى، كانت الطاقة تأتي من الأخشاب والمخلفات الزراعية، حيث استخدمها الإنسان في التدفئة والطهي ومع الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر، بدأ الاعتماد على الفحم الحجري كمصدر رئيس للطاقة، وتدريجيًا، أصبحت البترول والغاز الطبيعي المصادر المهيمنة، نظرًا لوفرتها وكفاءتها العالية. تمتلك الدول العربية خاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إمكانيات هائلة للاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة الطاقة الشمسية: يمكن أن تلعب دورًا رئيسيًا في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة، حيث يمكن أن تنتج المنطقة طاقة تفوق الاحتياج العالمي بأكثر من 40 مرة. تحديات التطبيق: تشمل هذه التحديات الحاجة إلى استثمارات كبيرة، نقص السياسات المشجعة، وضعف البنية التحتية . حيث ان دور التطور التكنولوجي يلعب دورًا حيويًا في تسريع الانتقال نحو الطاقة المتجددة. ومن أبرز الابتكارات تقنيات النانو: تُستخدم لتحسين كفاءة الخلايا الشمسية وزيادة قدرتها على تخزين الطاقة البطاريات المتطورة: تطوير بطاريات أكثر كفاءة وأطول عمرًا لتخزين الطاقة المتجددة واستخدامها عند الحاجة الشبكات الذكية: تعمل على تحسين توزيع الطاقة وتقليل الفاقد في الشبكات الكهربائية.

ثانياً : الاهمية الاقتصادية من النفايات لاستخراج الطاقة – النفايات والمخلفات الزراعية

تشير كثير من الدراسات البيئية الى أن النفايات المنزلية يمكن أن تكون مصدر جيد للطاقة وأنها يمكن أن تسهم في الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري يذكر أن الوقود المستخرج من المحاصيل الزراعية قد أدى إلى ارتفاع ملحوظ في أسعار تلك المحاصيل والى كانت على حساب قوت أعداد كبيرة من السكان وخصوصا في الدول الفقيرة.

وأثار إنتاج الوقود العضوي من المحاصيل الزراعية جدلاً واسعاً لما يتطلبه من زيادة في إنتاج المحاصيل، التي قد تأتي على حساب انكماش الموارد الغذائية وتكلفته العالية على البيئة ، ومنها محاصيل الطاقة وهي محاصيل تزرع خصيصاً لإنتاج الطاقة، وقد توجّه الاهتمام إليها في السنين الأخيرة. إن تقليل انبعاث ثاني أكسيد الكربون في الجو هو أحد الدواعي الرئيسية إلى استخدام مصادر الكتلة الحيوية ومصادر الطاقة المتجددة الأخرى بدلاً من الوقود التقليدي، إلاَّ أن لهذا الاستخدام في بعض الدول دواعي أخرى منها زيادة الإنتاج الزراعي وتقليل الاعتماد على النفط المستورد.

والمحاصيل المفضلة زراعتها تعتمد على توفر الظروف المحلية المؤهلة ومن ضمنها الخشب للحرق، ونباتات لإنتاج الإيثانول، ومحاصيل ذات النواة الغنيّة بالزيت. كذلك محاصيل الخشب يبقى الخشب المصدر الرئيسي للطاقة في معظم بلدان آسيا وإفريقيا وبعض بلدان أمريكيا الجنوبية. إن الخشب أو (الفحم النباتي) هو الوقود الرئيسي المستخدم في بيوت معظم هذه البلدان، ويستخدم بكميات كبيرة في الاستهلاك الصناعي. ففي البرازيل مثلاً تستخدم مصانع الفولاذ أكثر من مليوني طن من الفحم النباتي سنوياً. وإن مصادر الخشب مهمة جداً. فعند وجود صناعة قطع الخشب في الغابات تتوفر كميات كبيرة من النفايات، لكن استمرار هذه الصناعة قد يؤدّي إلى انقراض الغابات مستقبلاً، والحل الأمثل لهذه المشكلة هو زراعة أشجار سريعة النمو. والطريقة القديمة المستخدمة منذ مئات السنين والتي يتم فيها قطع جذوع الأشجار وتركها تنمو مرة أخرى، هي أيضاً إحدى الطرق التي تقوم بتجربتها كثير من الدول النامية ومن الأشجار السريعة النمو أشجار الحور والصفصاف. فعند زراعتها بكثافة 5000 إلى 20000 شجرة بالهكتار لمسافة مقدارها5X1 م و 1X2 م يمكن الحصول على إنتاج مقداره 10 أطنان للهكتار في السنة ولمدة تقارب الثلاثين عاماً.

ثالثاً : التكنولوجيا والاهمية الاقتصادية من النفايات والمخلفات الثانوية التجارية والصناعية

توجد في الوقت الحاضر عدة معامل تدوير للمخلفات الصلبة وذلك بطريقة الفصل الميكانيكي للمواد غير القابلة للحرق مثل المعادن والزجاج، ثم توجيه المواد العضوية المتبقية إلى منظومات إنتاج الوقود. إن عملية استخراج الوقود من النفايات هي أكثر سهولة من عمليات الفصل الميكانيكي المعقدة، وفيها أيضاً يتم استخدام الرماد (Ash) كمادة تحرق مع الفحم لأغراض توليد الطاقة. ولقد أدّت القوانين والأنظمة الصارمة التي وضعتها بعض الدول الأوروبية بخصوص حرق النفايات إلى التقليل من استخدام هذه الطريقة. يتم جمع كميات ضخمة من النفايات الصناعية والتجارية في كل مدينة.

إن حوالي ثلثي هذه النفايات قابل للاحتراق، كما أن قسماً كبيراً منها غير ملائم للجمع مع النفايات المنزلية لاختلاف نوعية المواد . فنفايات عمليات تصنيع الأغذية، مثلاً ، يجب أن تعالج قبل طرحها كنفايات لتقليل تأثير المواد البيولوجية والكيميائية ، ويتم بعد ذلك وضعها في هاضم لإنتاج طاقة حرارية ومخلفات المستشفيات يحب حرقها لتجنب التلوث. كما أن كميات كبيرة من الإطارات المستعملة التي ترمى في النفايات يمكن حرقها وتحويلها إلى حرارة أيضاً.

رابعاً: مستقبل البيئة من النفايات لاستخراج الطاقة في الوطن العربي

لقد حظي التأثير البيئي الناتج عن استخدام طاقة الكتلة الحيوية باهتمام كبير على الرغم من أنّ حرق النفايات له تأثيرات بيئية أيضاً ، لكنّ الوقود المنتج من الكتلة الحيوية يبعث كمية من ثاني أكسيد الكربون تقل بنسبة 65% عن كمية الوقود التقليدي . كما أن النتائج المرجوة من توسيع إنتاج محاصيل الطاقة ستكون نتائج مبشرة. وإن إحدى وسائل تقليل ارتفاع درجة حرارة الجو هي تثبيت كمية ثاني أكسيد الكربون بواسطة زراعة أشجار على مساحات واسعة .

إن امتصاص أشجار الغابات لثاني أكسيد الكربون هو وسيلة مناسبة لتقليل الضرر البيئي ، ولكن إحلال وقود الكتلة الحيوية بدل الوقود التقليدي هو حل أفضل وتعتمد كلفة تقليل ثاني أكسيد الكربون وإمكانيته بهذه الطريقة على كفاءة طاقة التحويل في تنمية وحرق مصادر الكتلة الحيوية ونوع الوقود الذي يتم إبداله .

وإالفحم هو أحد الموادّ المرشحة لهذا الغرض إن الوقود الحيوي هو أكثر نظافة بخصوص انبعاث غازات البيت الزجاجي كثاني أكسيد الكربون ، وانبعاث الغازات الحامضية كأكسيد الكبريت وأكسيد النيتروجين وتجنباً لحدوث الانفجارات الناتجة عن انبعاث غاز الميثان وانتشاره من المطامير الصحية فإن استخراج هذا الغاز وحرقه يوفّران منافع بيئية إضافية نتيجة لتحويل غاز الميثان إلى غاز أقل ضرراً منه وهو غاز ثاني أكسيد الكربون

وتجدر الإشارة إلى أن غاز الميثان له القدرة على حبس الحرارة أكثر من ثاني أكسيد الكربون بحوالي 25 مرة. تحقيق التحول نحو الطاقة المستدامة يتطلب وضع سياسات داعمة: يجب على الحكومات تقديم حوافز للاستثمار في الطاقة البديلة، مثل تخفيض الضرائب على مشروعات الطاقة المتجددة زيادة الوعي تعليم المجتمعات بأهمية استخدام الطاقة بشكل رشيدا لتعاون الدولي تبادل التكنولوجيا والخبرات بين الدول لتسريع التحول نحو الطاقة المستدامة إن الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة هو الحل الأمثل لمواجهة التحديات البيئية والاقتصادية التي تواجه العالم. فالاستثمار في هذه المصادر لا يضمن فقط استدامة الموارد، بل يسهم أيضًا في تحسين جودة الحياة وتعزيز النمو الاقتصادي ومن المهم أن تتبنى الدول سياسات داعمة وتشجع البحث العلمي لتحقيق تحول مستدام يلبي احتياجات الأجيال الحالية والمستقبلية.

خامساً: دور التكنولوجيا والاهمية الاقتصادية من النفايات كمصدر للطاقة في الوطن العربي

تعتمد جميع الكائنات الحية على الغذاء الذي يتم صنعه في أوراق النباتات بواسطة عملية البناء الضوئي . ويستفيد النبات بحوالي 5% من الطاقة التي تصل إلى الأرض من الشمس في عملية البناء الضوئي . وهذا الجزء من الطاقة ، رغم أنه صغير نسبياً ، يعمل على إنتاج ما بيــن 150 و 200 بليون طن سنوياً من المادة العضوية الجافة. لقد تمكن العلماء في نهاية القرن التاسع عشر من الوصول إلى معادلة البناء الضوئي وإثبات أن النبات الأخضر يحول الطاقة الشمسية إلى طاقة كيميائية تختزن في مركبات عضوية يصنعها النبات ، وأن السكر أهم هذه المركبات. وتقدر كمية الكربون الداخلة في هذه العملية سنوياً بحوالي 200 بليون طن .

ويأتي هذا الكربون من غاز ثاني أكسيد الكربون الذي لا تزيد نسبته في الجو عن 0.3% من مكونات الهواء الجوي ويمكن القول أنهّ لولا وجود عملية البناء الضوئي لما وجدت حياة على سطح الأرض. ويرجع ذلك إلى أن جميع الكائنات الحية تعتمد في الحصول على طاقتها اللازمة على النباتات الخضراء ذاتية التغذية ، إذ أن هذه الكائنات مُنتجة للطاقة الكيميائية. تتعدد مصادر الطاقة المتجددة الصديقة للبيئة والتي لا تتسبب بالحاق الضرر بالنظام البيئي، ومن اهم هذه المصادر المتجددة.

سادساً : وسائل لاستخدام الطاقة الشمسية : دور التكنولوجيا والاهمية الاقتصادية من النفايات كمصدر للطاقة في الوطن العربي

التسخين المباشر للماء في السخانات الشمسية التي توضع على أسطح المنازل الصفائح الفوتوفولتية التي تحول أشعة الشمس الى كهرباء للإضاءة أو الاستعمالات المنزلية أو الزراعية، واضافة الفائض الى الشبكة الوطنية تركيز أشعة الشمس بواسطة مرايا مقعرة وتسليطها على مراجل لتوليد البخار. وتشكل الطريقة الأخيرة أنجع الوسائل لاستخدام الشمس لتوليد الطاقة الكهربائية على نطاق واسع. وهناك مشاريع كبيرة قائمة منذ سنين في كاليفورنيا وإسبانيا وألمانيا، ومشاريع ضخمة في دور التخطيط لإقامة محطات كهربائية بالطاقة الشمسية المركزٌة في الصحراء الكبرى ونقل الكهرباء بأسلاك تحت قاع البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا .

لقد أثبتت طاقة الرياح بأنها مصدر نظيف واقتصادي لتوليد الكهرباء. وقد وصلت سعة هذا المصدر إلى أكثر من 200000 ميغاواط في الولايات المتحدة والصين والهند وألمانيا وإسبانيا، الخ. والنواحي السلبية لطاقة الرياح هي أنها متقطعة وتولد ضجيجا وتحتاج إلى مساحات شاسعة من الأرض. وقد عمدت الدول الساحلية كالسويد والدانمارك الى نصب المراوح الضخمة في مياه البحر لتكون بعيدة عن التجمعات السكانية.

مع محدودية موارد العالم، وتزايد الوعي العام بالآثار الضارة لثقافة الإهدار، يبدو التوجه نحو ما يُعرف بالاقتصاد الدائري خيارًا منطقيًا. باختصار، هذا يعني إطالة عمر المنتجات، واستعادة المواد أو غيرها من الفوائد منها عندما يتعذر إصلاحها إن توليد الطاقة من النفايات – سواء كانت كهرباء أو حرارة – والتي يمكن استخدامها بعد ذلك في المنازل والشركات هو جزء منطقي من هذا التحرك نحو التفكير الدائري .

لقد ارتفعت نسبة الوعي العام بالنفايات البلاستيكية بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، نظرًا لتأثيرها السلبي على الموائل والأنواع. واستجابةً لذلك، تتعهد خطة البيئة التي وضعتها حكومة المملكة المتحدة، والممتدة على مدى 25 عامًا ، بالقضاء على جميع النفايات البلاستيكية “التي يمكن تجنبها” بحلول نهاية عام 2042 – وهي ليست الوحيدة التي تُقدم مثل هذه الالتزامات السياسية. فهل يُمكن لتحويل النفايات إلى طاقة أن يُسهم في هذا؟ تحويل النفايات البلاستيكية إلى طاقة أمرٌ منطقيٌّ من الناحية الكيميائية، نظرًا لأن البلاستيك يأتي من نفس مصدر الوقود الأحفوري. وقد تناولنا بالفعل التقنيتين الرئيسيتين المستخدمتين: التحلل الحراري، حيث يُسخّن البلاستيك في غياب الأكسجين، والتغويز، حيث يُسخّن الهواء أو البخار النفايات، مُنتجًا غازاتٍ تُنتج البنزين أو الديزل، أو تُحرق لتوليد الكهرباء توفر التقنيات الجديدة مثل التحلل الحراري البلازمي البارد إمكانية إنشاء أنواع من الوقود مثل الهيدروجين والميثان، بالإضافة إلى المواد الكيميائية المفيدة للصناعة.

لكن هناك عوائق تحول دون التوسع في استخدام تقنيات تحويل البلاستيك إلى طاقة. يتطلب تحويل البلاستيك إلى غاز استثمارات ضخمة، بما في ذلك ضوابط متطورة ومرافق معالجة مسبقة. كما أن تطوير مصانع إعادة تدوير البلاستيك ينطوي على خطر الحد من هذه المرافق، حيث قد يختار صانعو القرار، بشكل تلقائي، استراتيجيات معالجة النفايات التي تُعالَج فيها النفايات العامة معًا، بدلًا من فصل العناصر المختلفة من المؤكد أن مناهج إدارة النفايات المبتكرة في المملكة المتحدة ستزداد في السنوات القادمة.

يبدو أن معدلات إعادة التدوير في حالة ركود، مع زيادات طفيفة فقط مع أن توليد الطاقة من النفايات يحمل في طياته الكثير من الآمال، إلا أننا بحاجة إلى التركيز على جعل المنتجات تدوم لفترة أطول، وعندما يتعذر إصلاحها، علينا إيجاد طرق لإعادة تدويرها وإعادة استخدامها. فقط عندما تُستنفد هذه الخيارات، يجب أن نلجأ إلى تحويل النفايات إلى طاقة.

عن فريق التحرير

يشرف على موقع آفاق علمية وتربوية فريق من الكتاب والإعلاميين والمثقفين

شاهد أيضاً

الملوثات الكيميائية والهيدروكربونية في مياه شط العرب وتأثيرها البيئي

د. مهدي الكناني- العراق عضو الهيئة الاستشارية العراقية للأعمار والتطوير – لندن- المملكة المتحدة – …

اترك تعليقاً