تُعدّ الأطعمة التي تحتوي على دهون غير مشبّعة، مثل الأفوكادو، الفستق، وزيت الزيتون، من العناصر الغذائية التي تحظى باهتمام متزايد في أبحاث التغذية والصحة.
فقد أشارت دراسات حديثة إلى أنّ هذه الدهون ليست فقط مصدراً للطاقة أو عاملاً للحفاظ على صحة القلب، بل تلعب أيضاً دوراً في تنظيم الشهية والشعور بالامتلاء.
الدهون غير المشبَّعة: ما هي؟
الدهون غير المشبّعة (Unsaturated fats) هي دهون تحتوي على رابطة مزدوجة واحدة أو أكثر بين ذرات الكربون في سلسلة الأحماض الدهنية.
من بينها الدهون الأحادية غير المشبّعة (monounsaturated) مثل حمض الأوليك (oleic acid) الموجود بوفرة في زيت الزيتون، والأفوكادو.
هذه الدهون تم ربطها بعدد من الفوائد الصحية، منها خفض مستويات الكوليسترول وتحسين حساسية الأنسولين.
كيفية إرسال إشارة «امتلاء المعدة» من الأمعاء إلى الدماغ
لقد كشف فريق بحثي في University of California, Irvine أنّ من بين آليات تنظيم الشعور بالشبع توجد عملية بيولوجية في الأمعاء الدقيقة.
فعندما يتم تناول دهون غير مشبّعة مثل حمض الأوليك، تعمل خلايا في الجزء العلوي من الأمعاء الدقيقة على تحويل هذا الحمض إلى مركب يُدعى Oleoylethanolamide (OEA).
هذا المركب يُرسل إشارة عصبية إلى الدماغ مفادها : «احتفظ بالتوقف عن تناول الطعام — معدتك ممتلئة الآن».
وقد تمّ توضيح أن OEA يُرسل هذه الإشارة عبر أعصاب تحسّ بالشبع، ممّا يُضعف الشهية ويسهم في خفض كمية الطعام المتناولة.
الأُسس البيوكيميائية والمركّب OEA
يُعتبر OEA وسيطاً لِدهن أحادي غير مشبّع، مشتقّاً من حمض الأوليك. وفق مراجعة علمية، فإنه يتم إنتاجه في الأمعاء عبر سلسلة إنزيمية تشمل النقل من حمض الأوليك إلى فسفاتيدإيثانولامين، ثم انفصالاً بإجراء إنزيمي ليُكوّن OEA. (PubMed)
عند إنتاجه، ينظّم OEA الشهية عن طريق تنشيط مُستقبل يُدعى PPAR‑α (peroxisome proliferator-activated receptor α) وكذلك تحفيز العصب الحائر (vagus nerve) لإرسال إشارات إلى الدماغ تُفيد بامتلاء المعدة. (cell.com)
وقد أشارت دراسات أيضاً إلى أن مكملات OEA أو زيادة مستويات الحمض الأحادي غير المشبّع قد تؤدّي إلى خفض الشهية، إنقاص وزن الجسم، وتحسين التمثيل الغذائي للدهون. (PubMed)
التطبيقات المحتملة في معالجة البدانة
استناداً إلى ما سبق، فإن الدهون غير المشبّعة التي تؤدّي إلى إنتاج OEA تمثّل مقاربة واعدة في معالجة البدانة والاضطرابات الغذائية الأخرى. من النقاط التي تبرز:
- إنّ تناول حمض الأوليك أو دهون غنية به قد يزيد من إنتاج OEA، وبالتالي يقلّل من تناول السعرات الحرارية. (Frontiers)
- الأبحاث تشير إلى أن OEA ليس فقط ينظّم تناول الطعام، وإنما يحفّز أيضاً عمليات أكسدة الدهون (β-oxidation) والانقسام الدهني (lipolysis)، ما يُعزّز الطاقة المُستهَلكة. (PubMed)
- لكن من المهم التأكيد أن هذه الآلية ما تزال ضمن نطاق الأبحاث، وأن العوامل السلوكية والبيئية لا تزال تلعب دوراً رئيسياً في تحديد النجاح العلاجي لمشكلة البدانة.
إنّ إدراج الأطعمة الغنية بالدهون غير المشبّعة كجزء من نظام غذائي متوازن قد يُساهم ليس فقط في تحسين الصحة القلبية والتمثيل الغذائي، بل قد يُعزز آليات الشبع الطبيعية عبر إنتاج مركّب OEA في الأمعاء الدقيقة. هذا يفتح آفاقاً للبحوث حول علاج البدانة واضطرابات التغذية، لكن ينبغي ملاحظة أن النتائج تُكمّلها تغييرات شاملة في النمط الغذائي وأسلوب الحياة.
المراجع
- Bowen KJ, Kris-Etherton PM, Shearer GC et al. Oleic acid-derived oleoylethanolamide: a nutritional signal of satiety. Prog Lipid Res. 2017. (PubMed)
- Thabuis C, Tissot-Favre D, Bezelgues JB et al. Biological functions and metabolism of oleoylethanolamide (OEA). 2008. (PubMed)
- Igarashi M, et al. Dietary oleic acid contributes to the regulation of food intake via OEA signalling. Front Endocrinol. 2023. (Frontiers)
آفاق علمية وتربوية موقع متخصص بالثقافة العلمية والتربوية