أثر التكنولوجيا على الانسان

تعاني الشخصية الإنسانية خطراً حقيقياً تحت ضغط آلية العصر المعقدة، ذلك ان الاهتمام الزائد بالمكتشفات التكنولوجية قد حول الانسان الى مجرد رقم او رمز داخل الأجهزة الالكترونية، أو إلى كائن وظيفي مهني في الحضارة الالية الضخمة، ويتبع هذا ان يتحول الانسان من انية جوهرها الذاتية والخصوصية الى شيء مجرد ، يذوب تدريجيا حتى العدم في عالم تشيده أجهزة وماكينات معقدة ، والحضارة التكنولوجية تضغط على الانية، وتحاصرها بالمطالب، وتطاردها بالمخترعات الحديثة وتدعو الفرد الانساني الى الاهتمام بـ ( اللانسانيات ) ، ممثلة فيما يحيط به من ماديات، ونتيجة لكل هذا، يترسب في أعماق الإنسان إحساس قاتم بالإحباط يؤدي به الى العزلة. انعزال الفرد عن نفسه، ثم انعزاله عن الاخرين، واخيراً الى السقوط في يأس عصابي خطر.

فإنسان اليوم – رغم تحضره وتمدنه – يعيش أزمة نفسية حقيقية، والعلاج من هذه الازمة ممكن بأن لا يستسلم للعزلة مع مغريات التكنولوجيا وعالمها الرحب، وان يفتح نوافذه على العالم بموضوعية وانسانية، وأن يتعالى ( يتسامى ) فوق نفسه وفوق الحضارة المادية التي تحاصره وهذا التسامي لا يكون بالدعوة الى الهرب من ثورة التكنولوجيا ولا المناداة بالتخلي عنها، فانها باتت ضرورة ملحة لا مفر لها من قبولها.

ومن المستحيل رفضها، والحل السليم يكمن دائماً في تجاوز عبودية التكنولوجيا التي تهدد حياته، ولا يكون ذلك ممكناً الا بجعل التكنولوجيا بوسائلها المتعددة مسخرة لخدمة القيم الانسانية، وأن لا تكون غاية في ذاتها، وجعل الانسان سيدا عليها لا عيدا لها.


وعلى الرغم من هذه المخاطر المادية التي تحدق بالانسان، الا اننا نجده يتخذه موقفا فكريا يتسم بتزايد المعرفة والتفاؤل بمستقبل الحضارة البشرية، بمعنى ان الجنس البشري في القرن الحالي يجتاز مرحلة انتقال عظيمة، تماثل تلك المرحلة التي اجتازها الجنس البشري في انتقاله من مجتمع ما قبل التمدن الى مجتمع التمدن، الا ان هنالك اخطارا كثيرة تقف في طريق هذا الانتقال أبرزها سباق التسلح النووي الذي يستنفذ الكثير من الطاقات المالية والموارد الطبيعية للدول العُظمى والزيادة السكانية التي ستعاني منها البشرية لقرون عديدة، وإقصاء الخوف من حياة الانسان نتيجة الحروب الاقليمية والعرقية والعقائدية
والتفرقة العنصرية وما يتصل بها من مظالم اقتصادية، وفي جرثومة الحقد والكراهية والفساد التي تتفشى في هذا القرن الأمر الذي يؤدي الى احباط الرؤية الانسانية وعدم مواجهة متطلبات المستقبل والاستجابة لتطلعاته .

والسؤال المطروح الان كيف يمكن لإنسان اليوم، ان يختار لنفسه ما يحميه من أخطار محتلمة لتكنولوجيا القرن الحادي والعشرين.

ياسين الجيلانى

عن فريق التحرير

يشرف على موقع آفاق علمية وتربوية فريق من الكتاب والإعلاميين والمثقفين

شاهد أيضاً

تطبيق WCleaner وحذف النسخ الاحتياطية للواتس آب

يعد الواتس آب حاليا من أشهر تطبيقات التواصل الاجتماعي، ولا يكاد يخلو هاتف ذكي من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *