أكدت المعطيات العلمية الحديثة على خطورة تعرض الانسان والحيوانات البرية الى الملوثات الكيميائية البيئية، وقد اهتمت المؤسسات العلمية العالمية في النصف الثاني من القرن العشرين بتشخيص وتصنيف انواع المواد الكيميائية المؤثرة على التكاثر وعلى الغدد الصماء والتي تؤثر على الإنسان والطيور والثدييات البرية والاسماك. ويشمل تأثير الملوثات الكيميائية الكفاءة الحياتية للأحياء والمجتمعات السكانية والأجيال القادمة.
وقد استهدفت الابحاث العلمية اختبار تأثيرات العناصر النقية من المواد الكيميائية البيئية على المبايض والخصى وقدراتها على انتاج النطف والهرمونات الجنسية ومستويات انزيمات المشيمة، اضافة الى اختبار تأثيرات المواد الكيميائية على الرحم في المراحل السابقة للبلوغ الجنسي وملاحظة ذلك على فعالية الغدة الدرقية ومستوى هرمون الثيروكسين.
وتشمل المركبات الكيميائية الموجودة في الطبيعة انواع الاستروجينات النباتية مثل الكومسترول coumestrol والجنستين genisteinوالمستحضرات الهرمونية الصيدلانية مثل ثنائي ايثل ستلبسترول التاموكسفين والمواد الصناعية مثل مبيدات الحشرات والفطريات التي تستعمل في كل ارجاء المعمورة بكثافة عالية.
وقد كشفت المعطيات العلمية الحديثة تأثير هذه الأنواع من المواد الكيميائية على التخليق البيولوجي Biosynthesis والافراز لهرمونات الغدة الدرقية والتأثير على دخول اليود وتجمعه في الغدة وكذلك افراز هرمون الثيروكسين الى الدم وارتباطه مع البروتينات الناقلة.
وقد لوحظ تجمع المبيدات الكيميائية في الاعضاء الجسمية للفقمة الرمادية والفقمة المطوقة في بحر البلطيق مما ادى الى تناقص اعدادها نتيجة انغلاق الرحم او تضيقه، ولوحظ حصول سرطان في العضلات الملساء في الرحم في اناث الفقمة، وتشمل المظاهر المرضية زيادة انقسام خلايا قشرة الغدة الكظرية وهشاشة العظام وقرحة الامعاء وتناقص سمك بشرة الجلد في الذكور والاناث عند كلا الجنسين، ولوحظ ايضا تدهور في النظام المناعي عند هذه الاحياء.
وأشارت المراجع العلمية الى حصول الاخصاء Cryptorchidism في النمر في فلوريدا والذي يتمثل في تشوه النطف الذكرية والعقم. وقد لوحظت ايضا مظاهر الخنثى الكاذبة بين مجتمعات الدب الاسود والدب البنى في مقاطعة البرتا في كندا، ويعتقد الباحثون بان كل التأثيرات المذكورة على الاحياء البرية تعود الى انتشار المواد الكيميائية في البيئة وتأثيراتها على الغدد الصماء.
ولا بد من الاشارة الى مخاطر الملوثات الكيميائية على الثدييات البحرية مثل انواع الحيتان وخاصة الحوت الحيمن physeter macrocephalus واسد البحرZalophus californias وكذلك أنواع السحالي والتماسيح والسلاحف والاسماك.
وقد اشارت الحقائق العلمية الى ان تعرض الافراد اليافعة من الأحياء البرية الى المركبات الكيميائية الملوثة للبيئة خلال مراحل البلوغ يمكن ان يؤثر على عمليات النضوج الجنسي.
وخاتمة القول فإننا من خلال هذه المقالة العلمية القصيرة ندعو العلماء والباحثين في الجامعات العربية الى تركيز جهود البحث العلمي لدراسة الاحياء البرية من النواحي الفسيولوجية ومظاهر التكاثر بدقة لمعرفة تأثيرات التلوث البيئي في المحيط الحيوي على الجماعات السكانية والاجيال القادمة من هذه الاحياء .
أ. د . محمد حسن الحمود