الدكتور سعود شهابِ
آفاق علمية وتربوية – كثيرة هي الحِرف والصناعات اليدوية المتوارثة من الأجداد إلى الآباء ومن ثم إلى الأبناء ومن جيل إلى جيل، فبعض الحرف اليدوية حافظت على مكانتها رغم تحديات الزمن والحداثة التي شملت كافة نواحي الحياة المعاصرة، كحرفة الفسيفساء والنقش على النحاس والخشب والرخام وصناعة الفخار والحلي والأحجار الكريمة وغيرها، وبعضها الأخر فقدت قيمتها وانحسرت كثيراً، لتحجز لها مكانة في قوائم الحرف النادرة أو المنقرضة، نتيجة لتغير أساليب العيش ومنافسة المواد الأولية المصنعة من المعادن والمواد البلاستيك متمثلة بصناعة سلال القصب وأطباق القش الملونة.
سلال القصب:
تعتبر من الحرف اليدوية المتوارثة في الكثير من البلاد العربية وغيرها والتي تسير إلى الانقراض، ففي الامس القريب كانت تمثل حاجة لكل منزل بغية حمل الأغراض، وكانت تستهوي الكثير من الشباب لتعلم هذه الحرفة اليدوية. كما وأنها حرفة موروثة وهي قديمة عاصرت نشأة الكثير من الحضارات المندثرة، وفي يومنا هذا تستعمل في بعض المنازل للزينة وتلبي بعض رغبات هواة جمع التحف والأشياء التراثية.
ويعد فن حياكة القصب وغيرها من الأشجار المتوفرة في كل منطقة، مثل أغصان الرمان أو سعف النخيل وغيره، وجدله على بعضه في انتظام وترتيب دقيق تلبية لحركة الأيدي الماهرة والخبيرة بهذه الحرفة الرائعة. ولسلال القصب أشكالها وأحجامها المختلفة والمتنوعة والجميلة بما يلبي ذوق الصانع ورغبة المستهلك، فيستعملها المزارع والتاجر وعامة الناس.
وتبدأ صناعة السلال من شراء القصب وترطيبه بالماء لدرجة الليونة، ومن ثم يقشر ويقطع إلى قطع تسمى نسلات تكون متماثلة، ويجري تركيب البدوة وهي قاعدة السلة، وهي الركيزة الأساسية للسلة وتتألف من 10 قصبات، ويتم رصها باستعمال اليدين والرجلين، ثم تعلق وتبدأ مرحلة التدوير انطلاقاً من القاعدة ليشبك الهيكل الخارجي، وبعدها تجرى عملية جدل المسكة أو اليد لتصبح جاهزة للاستعمال. وفي الزمن الماضي القريب وبظهور الصناعات البلاستيكية عدوة هذه المهنة دفعت صناعة سلال القصب اليدوية إلى الندرة والانقراض.
أطباق القش:
تحظى صناعة القش بموقع هام لدى النساء ممن امتهنّ هذه الحرفة، اللواتي رسمنّ بالقش الملون حكاياتهنّ المثيرة عبر الأيام على هذه الأطباق المزخرفة والجميلة، فأصبحت مع تطور الحياة شكلاً من أشكال الفلكلور الشعبي في مختلف مناطق الأرياف. لقد تفرد الريف عن المدينة في بساطة الحياة وجمال الطبيعة. وأعطيت حرفة صناعة القش أهمية مضاعفة لتوفر المواد الولية في البيئة المحلية، ومن متطلباتها التحلي بالصبر والبراعة والمكوث في البيت لساعات طوال. إذ تستخدم سيقان القمح الملونة بالأخضر والأحمر ليكتمل الطبق ويبدو كلوحة فنية أنجزتها ريشة عبقرية لرسام مبدع. وتستعمل أطباق القش لوضع صحون الطعام ومنسفة الخبز، وبعضها يستعمل لجمع البيض وحفظه، فضلاً عن تعليق الأطباق المزخرفة في صدر البيت كتحفة فنية تروي لنا حكايات الماضي الجميل المتناغم مع الطبيعة البكر وبساطة العيش.
تصنع الأطباق من سيقان القمح التي تم ترطيبها بالماء ولعدة أيام حتى تصبح طرية ولينة، ثم يبدأ العمل في جمع حزمة صغيرة من القش من 10 إلى 15 قطعة، وتوضع بشكل متساوي، ثم تبدأ عملية لف العيدان وحياكتها بإبرة تسمى المسلة، وتلف عدة مرات حتى ينجز الطبق بالكامل.
ونظراً لتطور أنماط الحياة وعجز هذه الطباق من مواكبة سيرورة الحداثة، فقد تم الاستعاضة عنها بالأواني المعدنية والبلاستيكية، رغم حنين البعض من كبار السن لها وشرائها لأغراض الزينة أو كهدايا تذكارية.