ولد ابو الحسن بن الهيثم في عام 965 م في مدينة البصرة في العراق وعند بلوغه الخامسة والثلاثين عاما بدا ابداعه في علم البصريات أي في بداية الألفية الثانية (سنة 1000 ميلادي ) ، وكان قد تمكن من دراسة علوم كثيرة أهمها الرياضيات.
يعتبر ابن الهيثم من عظماء الأطباء العرب الذين ظهروا في التاريخ ، ولقد لقب في الغرب ( الحزين ) ، وقد برز في تلك الفترة حكم الفاطميين في مصر الذين شجعوا العلوم والعلماء واستقدموهم إلى مصر من كل أطراف الأرض. وقد تم استدعاء ابن الهيثم الى مصر وطلب منه الفاطميون دراسة ظاهرة فيضان النيل، ولكنه فشل في إيجاد الأجوبة على ذلك ولم يستطع أن يساعد في السيطرة على فيضان النيل، وعاش بعد ذلك في القاهرة طيلة حياته حتى توفي عام 1039م.
ولقد عرف عن ابن الهيثم بأنه ألف مائتي أطروحة عن الرياضيات والفيزياء وعلم التنجيم والعلوم الطبية، ولكن اهتمامه الكبير في علم الفيزياء مكنه من تحقيق انجازات علمية هامة فلقد كان معظم اهتمامه في البصريات والعدسات وكان أول من أنجز عملا طبيا من نوعه مما أثر على من جاء بعده من العلماء أمثال روجر باكون عالم البصريات المعروف وكذلك ويتلو وكيلر ، كما أن ابن الهيثم قد ساهم بشكل كبير في دراسة تشريح العين والأمراض التي تصيب العين، ولقد ظلت اكتشافات ابن الهيثم حول البصريات والعدسات ذات اهمية كبيرة لدى العلماء في أوروبا ولحقبة من الزمن تقارب الخمسة قرون.
ولقد كان ابن الهيثم يؤمن بنظرية جالين حول البصر ، واعتمدها كأساس الدراسته ، هذه النظرية التي تثبت بان عدسة العين هي أهم جزء حساس في العين الذي يتلقى صورة الأشياء المرئية، ولقد ذكر ابن الهيثم في كتابة المشهور ( المناظر) كأول عالم بأن حدوث عملية البصر لا يمكن أن تتم بدون انبعاث إشعاعات تنتقل الى العين من الأجسام كما انه لابد لهذه الإشعاعات الصادرة عن الأجسام المضيئة او الملونة أن تبعث بشكل مستقیم وبالتالي تخترق عدسة العين التي اعتبرها ابن الهيثم اكثر الأجزاء حساسية في مجرى البصر، وبالتالي فهي المرحلة الأولى لحدوث الرؤية.
وأكد ابن الهيثم بأن الإشعاعات المستقيمة هي التي تخترق عدسة العين وان الإشعاعات الأخرى ترتد وتنعكس بعيدا عن العدسة وبالتالي لا تستطيع عدسة العين إمتصاصها.
ولقد استخدم ابن الهيثم خزانة قام بفتح طاقة فيها وحاول مقارنتها بالعين، وقد أكد أنه لكي نحصل على صور للأجسام والأشياء تستطيع العين ان تراها بوضوح لابد من أن ينعكس خيال الجسم المرئي اثناء مروره بعدسة العين ثم يحدث تعديل للصورة من جديد على شبكة العين، كما أوضح أن كل نقطة في الجسم المرئي تنتقل الى العين يمثلها نقطة مطابقة على شبكة العين ، فيمكن بذلك للإنسان أن يرى كل الأجسام واضحة ومتكاملة بفضل هذا المسار .
ولقد اوضح ابن الهيثم بان المسار الإشعاعي لا يكفي لرؤية الأشياء بوضوح ولكن لابد من الاعتراف بدور الذاكرة فكلاهما يساعدان على إدراك صورة الأشياء بواسطة الدماغ. فالدماغ يلعب دورا مهما كجزء من المجموعة العصبية في عملية الرؤية والإبصار، فبذلك كان ابن الهيثم أول عالم يكتشف طريقة الأبصار والرؤية في تاريخ البشرية .
ولقد ظهر بعد ابن الهيثم الفيزيائي المشهور هيرمان فون هيلموتز (1821 – 1894) الذي اقتبس من ابن الهيثم بعد 800 عاما عدة نظريات حول العدسات وعلم النجوم، ولقد اكد ابن الهيثم حقيقة هامة ألا وهي بأن ألوان الأجسام التي نراها تعتمد على الألوان المحيطة بها وبذلك نستطيع رؤية الاجسام والأشياء وإدراك أشكالها بطريقة أسماها بالطريقة العفوية غير مباشرة او الطريقة المقارنة.
ولقد حاول العالم الألماني المشهور جوهانس كيبلر ( 1571 – 1630 ) وبعد خمسمائة سنة من ابن الهيثم أن يشرح عملية الأبصار فلم يستطع.
إن الأعمال والنظريات التي وضعها ابن الهيثم كانت في غاية الأهمية لأنها جعلته أول عالم في تاريخ البشرية يربط بين علم الفيزياء والرياضيات وبين وظيفة العين وتركيبها التشريحي في مجال الإبصار، وأول عالم في تاريخ الطب البشري يكتشف عملية الإبصار ألا وهي أهم الحواس التي يتمتع بها الانسان ، الشئ الذي لم يحدث من قبل أي عالم .