كيف نحمي أطفالنا من الغيرة؟

لا شك بأن الغيرة – وإن تكن عاطفة طبيعية عنيفة – تعد مصدرا لمشاكل نفسية عديدة للأفراد من جهة ، ومآسي اجتماعية من جهة اخرى . ويقع اللوم على تخاذل المؤسسات الاجتماعية كالأسرة والمدرسة والمسؤولين الاجتماعيين و النفسانيين في اداء واجبهم لإرشاد الآباء إلى مثل هذه الأخطار التي تبدو بسيطة في الظاهر لكنها تسبب تعقيدات لا حد لها للفرد ومن حوله في المستقبل .

وفي هذا البحث نود ان نوجة اهتمامنا الى الغيرة عند الطفل ، لانها وان تصيب البالغين فانها تضايق الطفل اكثر ، فهو لا يفهم بالضبط كنه هذا الشعور القوي الذي قد يسمم نظرته نحو الحياة. لفترة ما .

قبل كل شيء يجدر بنا ان نعترف بان الغيرة هي احدی حقائق الحياة ، فنحن اذن لن نستطيع محوها من الوجود، لكننا نستطيع ان نساعد اطفالنا على تحويل اتجاهها إلى عواطف اخرى غير مؤلمة وبناءة. كالمحبة والشفقة مثلا وبذلك تقوى شخصية الطفل بحيث يستطيع مواجهة المنافسة في المستقبل في مختلف ميادين الحياة ، في البيت وفي العمل .

بدأ الغيرة في الظهور عادة عندما يفاجأ الطفل بقدوم أخ جديد او اخت له إلى الحياة وهذا طبيعي تماما ، ونحن لا ننكر انها لحظة حرجة حقا تلك التي تغادر فيها الام المستشفى إلى البيت ومعها الوليد ، وهي تعبة ومشغولة ، ويكون الأب منهمكا مضطربا كذلك ، فان شاهدهما الطفل في هذا الوضع غير آبهين له ، يقف جانبا حزينا مفكرا ، اذ يقول في نفسه هذا هو الطفل الجديد .

فلتلافي ذلك يستحسن أن يكون الطفل خارج البيت عند مجيء الأم و الرضيع الى البيت، ريثما ترتاح الأم ويرتب كل شيء في مكانه ليأتي الطفل إلى البيت بعد ساعة مثلا لتعانقه والدته وتعيره اهتماما كبيرا غير موزع تاركة له المجال أن يبحث موضوع الطفل الجديد حين يشاء من تلقاء نفسه .

من اللائق ایتها الام الا تظهري اهتماما شديدا بالطفل الجديد أمام اخيه الأكبر ، لا تتكلمي عنه کثيرا ، حاولي أن تعتني بالرضيع اثناء غياب الطفل الأكبر كتنظيم بعض اوقات الرضاعة والحمام ، حين يكون خارج البيت او نائما ، لان معظم الأطفال تنهشهم الغيرة نهشا حين يشاهدون أمهم ترضع الطفل الجديد وخاصة من الثدي ، اما اذا حدث ان ظهر على حين بغتة فالأفضل ألا يمنع من الدخول ليشاهد أخاه الصغير ، حتى لو طلب زجاجة حليب للرضاعة يستحسن أن تقدمها له ولو انك قد تغتاظين وتتألمين لمشاهدة طفلك الكبير وقد اصابه الحسد ينزل الى مستوى الرضيع من العجز ، لكنه سرعان ما يستاء لدى إکتشافه انه لا شيء سوى حليب فيقلع عن تقليده بعد مدة وجيزة.

على العموم ننصح الأم أن تفهم طفلها بأنها تتوقع ولادة اخ او اخت له سيما اذا كان في سن ملاحظة تتيح له فهم هذه الأمور ، لكن حذار أن تعدي الطفل نوعية جنس الطفل الجديد لأنه سيأخذ هذا الوعد مأخذ الجد فيتضايق اذا جاء المولود ذكرا في حين انه انتظر انثى مثلا ، واما عن موضوع من اين يأتي الطفل فان معظم التربويين وعلماء النفس يعتقدون بانه يجب أن يعلم الطفل أن الطفل القادم ينمو داخل امه وان يسمح له ان تحس حركته وبالطبع يستحيل شرح مثل هذه الأشياء لطفل دون السنتين .

وكذلك مجيء الطفل لا يجب باي حال من الأحوال أن يغير ويبدل من مجرى حيات الطفل الأكبر ، الا بحدود ليست بنطاقنا خاصة اذا كان الطفل الأكبر هو الوحيد ، لذلاء يجب ان تحدث التغييرات قبل الولادة بعدة شهور كنقله إلى غرفة جديدة لكي يشعر بانه وز لكبر سنه لا لان الطفل الجديد سيجتل غرفته ويطرده منها ، وكذلك الأمر عند نقله إلى سرير كبير والأهم من ذلك ذهابه الى مدرسة الحضانة التي يجب أن تكون له بمثابة مكان يقضي فيه اسعد اوقاته فينسى ما يجري في غيابه في البيت من عناية واهتمام بالمخلوق الجديد ، اذ يجب الا يشعر بان المدرسة منفی له .

بعض الآباء يعملون بلا قصد على اشعال نار الغيرة في نفس الطفل الأكبر كأن يبادر الاب لدى قدومه وقت الغذاء مثلا بالسؤال عن اخيه الرضيع قبل أن يعانقه او يحدثه اذ يجب أن يلاطفه ويتجاهل وجود الطفل الجديد في باديء الأمر ثم بإمكانه مشاهدة الطفل الجديد لدى اشغال اخيه بشيء ما . والأدهى والأمر الجدة التي اعتادت ان تغمر الطفل الأكبر بالدلال و الاهتمام فإنها تنسى ذلك فجأة فتباغته حال مجيئها بالسؤال عن الرضيع وتخبرہ متباهية بانها احضرت هدية عظيمة مزينة بالشرائط للطفل الجديد ، طبعا تتحول حماسته و فرحته لرؤيتها إلى غصة في النفس ومرارة وقنوط، وبإمكان الام احيانا أن تلفت انتباه صديقاتها المقربات إلى ملاطفة ابنها الكبير لدى مجيئهن للتهنئة او تستطيع أن تشتري له هدايا صغيرة زهيدة الثمن وتضعها على الرف وتقدم له واحدة كلما جاء زائر بهدية إلى الطفل الجديد .

نجد أن للغيرة عدة وجوه لأنها تتخذ اعراضا وظواهر تختلف حسب الفوارق الفردية واختلاف الظروف . فمن الأطفال من يحاولون تقليد الرضيع كأن يطلبوا زجاجة حليب ومصاصة وآخرون يبللون فراشهم من جديد ، وبعضهم يوسخون ملابسهم وانفسهم ، وبعضهم تؤثر الغيرة في نفسيتهم فيصبحون قلقين يصابون بالكابوس ويتشتت نومهم فيستيقظون من نومهم مذعورين ، في حين يتجه البعض الآخر إلى ايذاء الأطفال الآخرين لينفسوا عن غيرهم من الطفل الجديد ، فالأفضل للأبوين في هذه الحالة العسرة المؤقتة ان يتصرفا بروح مرحة طيبة ، كأن يحملا الطفل الى غرفته ويساعداه على خلع ملابسه ويلبيا طلباته الطفولية التي يتخيلها ممتعة ثم يكتشف انها لا تلائمه فيتوقف في الغالب عن تقليد الرضيع خاصة اذا نجح والداه في تذكيره بانه كبر وأصبح قويا وعاقلا ، ومن حين إلى آخر بحدثانه عن ضعف وعجز الطفل الجديد وقلة حيلته بنبرة شفقة وحنان ومحبة ايضا .

و هكذا يشعر الطفل الكبير بميزة كونه الأكبر الأنضج ولكن ليس الافضل ، و الأبوين الناضجين لن يشعرا أي طفل من أطفالهم بأنه الأفضل، وليس ذلك من ناحية خلقية فحسب بل لأسباب نفسية صحيحة ، لأن الطفل المفضل يخشی باستمرار ان تتحول الافضلية الى اخ آخر فيشعر بعدم الاستقرار ، لذلك يجب أن يشعراه بمحبتهم للطفل الجديد وفي نفس الوقت يجعلانه يزهو بانه لا يحتاج للرعاية التي يتطلبها الطفل الجديد .

قلنا أن للغيرة عدة وجوه ، فثمة طفل يظهر غيرته الشديدة بان يعتدي على الطفل الجديد بضربة بمكعب كبير من مكعباته ، وآخر يتصرف بأدب فيكتفي بأن يطلب من والدته ان تعيد اخاه الى المستشفى وآخر يغتاظ فيرمي بالنفايات على الارض ويبعثر العابه في شتى الغرف متظاهرا بانه يلعب اعتياديا ، وآخر يتمسك باذيال والدته ويفقد كل لذة في اللعب ليبقى معها ، وآخر يمص اصبعه ، وآخر يبلل ثيابه ليلا ونهارا ليحرم الطفل الجديد من العناية .

وأما الطفل الذي ينطوي على نفسه فيعبر عن غيرته بصورة المباهاة بأخيه . فهو يشغل نفسه باخيه الصغير متظاهرا لنفسه وغيره انه لا يشعر بالغيرة مرددا باستمرار لاصدقائه ، أن لأخيه العايا وانه يحب الشوكولاتة ، وهكذا فإن مثل هذا الطفل يحتاج الى مساعدة اكثر من الطفل الغيور المشاغب الذي لا يكبت غيرته في طوية نفسه ، لهذا يجب أن لا يغتر الابوان بكونه لا يظهر غيرته ، لانه سيأتي يوم تظهر فيها غيرته على اشدها وتبدأ المنافسة خاصة عندما يبدأ الطفل بالمشي ويستطيع اغتصاب العاب اخيه الاكبر .

ولا شك أن معظم الأمهات يلاحظن كيف يعانق الطفل الأكبر اخاه الصغير بشدة تؤذيه و تجعله يبكي من الالم ، هذا الحادث يفسر اختلاط الأمر على الطفل الكبير اي الضياع بين الحب والغيرة ، ولهذا يجب أن نعترف بوجود شعور الغيرة عند الأطفال وان هذا الشعور يرافقه عاطفة قوية هي المحبة سواء كانت ظاهرة او مكبوتة، والمهم في الامر الا نتغاضى عن حقيقة الغيرة او نعمل على كبتها وخنقها بالقوة ، او نجعل الطفل الغيور يخجل من نفسه ويشعر بالخزي ، انما الواجب أن نعمل ونساعد على انعاش عاطفة الحب عند الطفل لنجعله يتغلب على شعور الغيرة تلقائيا .

اذن كيف نعالج انواع الغيرة المختلفة ؟

عندما يعتدي طفل على اخيه الأصغر تنفعل الأم بحكم غريزة الحماية لتشعره بالخزي كأنه مجرم، مثل هذا التصرف لا يحل المشكلة لسببين : أولا أن الطفل يهاجم أخاه الصغير لأنه خشي أن يفقد حب امه الذي يخيل اليه انه تحول الى اخيه ، فإذا هددته بأنها لن تحبه يزداد قلقه الداخلى وتزداد قسوته ويشعر بالتعاسة ، ثانیا اشعاره بالخزي يزيد من غيرته وتحفزه، ولهذا يجب الا ننسى أن الغيرة تضر بالنفس أشد الضرر وتكمن فيها مدة اطول اذا حاولنا خنقها و كبتها ، فالأفضل أن نساعده على التنفيس بما يشعر دون ايذاء الصغير بالطبع .

لذلك نجد أمامنا ثلاث مشاكل وهي : حماية الصغير ، ومنع الطفل الأكبر من تنفيذ خططه الجهنمية لإيذاء اخيه ، مع تأكيدها له بانها لا تزال تحبه مهما فعل ، فعندما تبصره متحفزا و السلاح بيده يجب ان تهب على الفور وتمنعه مفهمة اياه بأنها لن تسمح له فعل شيء من هذا القبيل . لانه كلما افلح في ايذاء اخيه شعر بالذنب وتأنيب الضمير فيضطرب اضطرابا نفسيا شديدا ، ويمكنها آنذاك أن تعانقه بحنان وتحادثه قائلة له بأنها تفهم نفسيته ولماذا يهاجم اخاه الصغير وانه يتمنى لو لم يخلق وان هذا طبيعي وليس اجراما ، وتؤكد له بالا يقلق لانها ستحبه دائما كما كانت تفعل ولن يغير وجود الطفل الصغير شيئا من محبتها له.

وكذلك يجب التصرف عندما يقصد الطفل اغاظة أمه وأن يشغلها كل الوقت ببعثرة أثاث البيت و كل ما تصل اليه يداه ، لأنه انما يفعل ذلك بدافع الغيرة والشعور باليأس والقنوط والمرارة ، فالأم التي تذكر دائما هذه الدوافع والمسببات النفسية تتفاهم مع طفلها بسهولة وتستطيع ان تساعده وتخفف من لوعة الغيرة وتحولها إلى محبة ايجابية .

يعني الأطباء النفسيون عناية خاصة بالطفل الذي ينطوي على نفسه وينكر غير ته من اخيه لنفسه ولمن حوله فيزداد حساسية لحاجته الى العطف والثقة بالنفس لأنه كما قلنا يحتاج الى عناية اكثر من الطفل الذي تطفو غيرته على السطح ويعبر عنها بأسلوب مكشوف ، فالطفل الذي ينطوي على نفسه ليست لديه الجرأة الكافية على اظهار ما يعتمل داخله من غيره حامية ، لذلك يمكن للأم أن تحاول مجاذبته اطراف الحديث قائلة خلال ذلك بأنها متأكدة بأنه يتحاشی اخاه الصغير وامه معا لانها تعتني به وهكذا ، فإذا لم يظهر تجاوبا ازاء
اسلوبها هذا ، فيجدر بها أن تجد من يساعدها للعناية بالطفل الجديد ولو مؤقتا لكي يتوافر لها الوقت للاهتمام بالطفل الأكبر لتساعده على تحطيم عزلته وتشاؤمه وتخرجه من انطوائه إلى حب الحياة من جديد . لانها ان لم تفعل ذلك في الوقت المناسب فان ذلك سيكلف الطفل والجميع غاليا في المستقبل البعيد ، و ينصح الأطباء النفسيون بضرورة عرض مثل هذا الطفل التعس على طبيب مختص يساعده على ابراز غيرته الى السطح لكي يفهم الطفل ماهية الغيرة وما سببت له من آلام فينفس عما بنفسه و يشعر بالطمأنينة .

وكما ذكرنا سالفة تتأخر الغيرة أحيانا في الظهور عدة شهور بعد ولادة الطفل ، وأحيان تتأخر إلى أن يستطيع الطفل الصغير مشاركة الأكبر بالألعاب واغتصابها منه فتشتعل نار الغيرة وتبدأ المنافسة ، فيمكنك يا سيدتي معالجة الموقف بتهيئة غرفة خاصة لكل منهما بحيث يحافظان على العابها الخاصة و يمنع الآخر من التدخل في شؤون غيره ، اما اذا استحال ذلك يمكن اهداء كل منهما خزانة او صندوق خاص له مفتاح لكي يحمي كل العابه من عبث الآخر ولكي يشعر بالأهمية لحمله مفتاحا في جيبه كالكبار .

وهنا يأتي السؤال : هل نحثه على مشاركة الطفل الصغير العابه ؟ کلا فلا لزوم لذلك لأن المشاركة والكرم يجب أن تنبعث من الطفل نفسه وبخاصة الطفل المستقر عاطفية والسليم نفسيا ، اما اذا ضغطنا على الطفل ليشارك الأطفال الآخرين ممتلكاته فان ذلك يسبب رد فعل لا تحمد عواقبها على العموم وتزداد انانيته ويشعر بعدم الاستقرار وخاصة اذا كان لا يزال يفتقد المحبة والاستقرار .

وعلى وجه العموم تكون الغيرة على اشدها عند الطفل دون الخمس سنوات لانه لا يزال يعتمد على والديه ، ومعظم هواياته ضمن نطاق الأسرة ، في حين أن الطفل الذي تخطى الست سنوات ، يتخذ له هوايات وأصدقاء خارج البيت أي من المدرسة والجيران ، لهذا يحتاج إلى عناية اقل من الطفل الصغير الذي يشعر بان اخاه الجديد قد اخذ مكانه في الاسرة .

وعلى أية حال يجب العناية بطفل الست سنوات في باديء الأمر والتأكيد له بأنه لا تزال له مكانة في قلب ابويه والاسرة ، اما اذا كان شديد الحساسية ولم ينجح في اتخاذ رفاق له في مجتمعه الخاص في المدرسة مثلا فيجب اعطاؤه الانتباه التام والعناية الوافرة تماما كما تعتني بالطفل دون الخمس سنوات لئلا تدمره الغيرة وتزيد من تعاسته ، وحتى الفتاة المراهقة مع ازدياد نمو غريزة الامومة لديها قد تشعر في عقلها الباطن بحسد نحو امومة والدتها الجديدة .

يجدر بنا تحذير الأبوين الحساسين بالا يشعرا بتأنيب الضمير والخجل ازاء انجاب طفل جديد لأنهما يسببان للطفل الأكبر آلام الغيرة هذه ، اذ لا يجب أن يعتذرا للطفل ويشعراه بأنها قلقان عليه وبخاصة اذا فاجأهما في وضع عاطفي مع الطفل الجديد ، اذ يجب ان نذكر دائما بان الاطفال شديدو الحساسية لنفسية الآباء فان احسوا اضطراب نفسية والديهم ازداد اضطرابهم وقلقهم .

ومع ذلك يجب الا ننسى او نتجاهل حاجة الطفل الجديد الماسة إلى الحنان والرعاية لكي تستمر فيه الحياة ، لكنه ينام معظم الوقت في ايامه وشهوره الأولى ولذلك يتسنى لنا الاهتمام بالطفل الأكبر أثناء نوم الطفل الصغير وتدريجيا نزيد الاهتمام بالطفل الصغير كلها قلت ساعات نومه وهكذا نضمن اشباع كل منهما بالحب والعطف والاستقرار ، فاذا نجحنا في ذلك تجنبنا شتى المشاكل التي تنبعث بحكم الغيرة . .. اما موضوع الغيرة بين الأطفال الكبار ، فان الشيء الذي يجعل الطفل سعيدا إجمالا هو شعوره بان والديه يحبانه ويتقبلانه على علاته سواء أكان ولدا أم بنتا ، ذكيا ام لا ، جميلا ام لا ، فإذا ما انفك الوالدان يقارنان ابنهما بغيره من الاخوة سواء امامه ام في أفكارهم فسرعان ما يلمس ذلك ويشعر بالتعاسة ويحقد على اخوته وأبويه .

فالمقارنة بين الاخوة سواء أكانت للمدح أم للذم هي في الغالب هدامة وليست بناءة مطلقا ، لأنها تغرس الكراهية في النفوس وينفر الطفل من والديه وأخوته والشيء الذي قورن به كحسن السلوك مثلا ، كذلك إياك ايتها الام ان تقارني ابنتك بصديقتها ولو لرفع معنوياتها فان ذلك لن يرضي ابنتك البتة بل سيزعجها ويعقدها كأن تقولي لها : لا يهمك أن فلانة اجمل منك ، فهي بلهاء وأنت اشد ذكاء منها . و كذلك اذا قلت لابنك : لماذا لا تكون مؤدبة كأختك ؟ سيكره حتما اخته والأم وفكرة حسن السلوك .

هناك خطأ شائع يرتكبه معظم الآباء بقصد منع الغيرة بين الاخوة بإهداء كل منهم لعبة حمراء طبق الاصل عن لعبة الآخر فان هذا التصرف يجعل الطفل يشك في نوايا الوالدين فيبدأ بفحص لعبة اخيه لعله يكتشف اختلافا بسيطا لكي يدين به والديه بتهمة التميز والتفرقة .

فالأفضل أن تشتري الام هدايا مختلفة لكل من اولادها قائلة لهم إنها اشترت هذا الشيء لأنها متأكدة بأنها ستناسبه وانه سيفرح بها فهي بذلك تبعد طفلها عن التشكك وعن الغيرة والمنافسة لأنها تبرز في طفلها شعور الفخر بأن له شخصية مستقلة مهمة .


ويجب الا ننسى مشكلة العراك بين الأطفال وتدخل الأم لحل النزاع و إدانة المعتدي ، ومساعدة المعتدى عليه ، يجب على الأم أن تتلافي ذلك و تمتنع عن التدخل بين الاخوة وخاصة اذا كانوا متقاربين في العمر والقوة و الحساسية لئلا تشعل نار الغيرة بينهم ومن ثم الحقد . اذ يجب أن تذكر الأم دائما أن الأطفال يتنازعون غالبا بدافع الغيرة لان كلا منهم يصبو الى الظفر بإعجاب والديه به دون الآخرين ، فلذلك نجد الأبوين يشعلان نار الغيرة بين الاخوة كلما ازداد تدخلهم لحل النزاع او للتربية فيزداد العراك بينهم يوما بعد يوم ، لذلك ان اقدام الام على حل النزاع ، او تلافي الأخطار او لتريح نفسها من هذا الضجيج خطأ . يمكنها أن تطلب منهم بحزم الكف عن هذه المنازعات فترفض السماع لأي شكوى ضد الآخر ، فتتصرف بعدم اهتمام ، الا بالطبع الا اذا رأت بأم عينها من هو الجاني المتسلط ثم تجعلهم يتخذون موقف ما فات مات، فتوجههم الى اشغال اخرى .

على ضوء ذلك كله ، يجب الاهتمام بموضوع الغيرة بين الأخوة في طفولتهم لأننا نعلم حق العلم ان الاسرة هي أول مدرسة من مدارس الحياة . فإذا عالجنا الغيرة من البداية نستطيع تحويلها الى عاطفة بناءة لتساعد الأطفال على ان يشبوا متسامحين مستقلين كرماء .

بقلم : نادرة سروري

عن فريق التحرير

يشرف على موقع آفاق علمية وتربوية فريق من الكتاب والإعلاميين والمثقفين

شاهد أيضاً

طرق التربية بين الماضي والحاضر

لطالما كانت التربية أحد الأسس الرئيسية لتشكيل شخصية الإنسان وتطوير المجتمع. ومع تغير الزمن، شهدت …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *