يرى الكثير من الناس في الولايات المتحدة الأمريكية، ان فترة ثماني ساعات هي الفترة المثلى للنوم، وتتوقع غالبيتهم ان تأتي هذه الفترة دفعة واحدة أثناء الليل. أما في أميركا اللاتينية، وفي دول البحر الأبيض المتوسط، ومناطق أخرى من العالم، فان النوم الأمثل يتبع نمطا مختلفا. ففي المناخ المشمس، يود الناس الابتعاد عن الحرّ، وإجهاد اليوم وانشغالاته، متوجهين للحصول على فترة للقيلولة بعد الظهر، ثم يظهرون الفرق بالسهر أثناء الليل.
الأعراف الثقافية تتطور لكي تضمن احتياجات مجتمعات معينة، إلا ان البيولوجيا البشرية تظل نفسها سواء في أثينا او في شيكاغو، لذلك، فان دراسة هامة أجريت حول فترات القيلولة، لمعرفة العلاقة بين القيلولة وخطر أمراض القلب، قام بها باحثون في كلية الطب بجامعة أثينا مع باحثين في كلية الصحة العمومية بجامعة هارفارد، وأجريت على 23 الفا و681 رجلا وامرأة.
وكان كل المتطوعين سالمين من تشخيصات أمراض القلب والسرطانات والسكتة الدماغية، لدى انخراطهم في الدراسة بين عامي 1994 و1999. وقد تحدثوا كلهم عن عاداتهم في أخذ قسط من القيلولة. وقد صنفهم الباحثون في خانات «أصحاب الإغفاءة المنتظمون» و«أصحاب الإغفاءة من فترة لأخرى»، و«من غير أصحاب الإغفاءة». كما جمعوا معلومات أيضا عن عمر المشاركين، وتعليمهم، وممارستهم للتدخين، وأعمالهم، ومستوى ممارستهم التمارين الرياضية، وغذائهم، وكتلة الوزن لديهم، والنسبة بين مقاسي الخصر والحوض.
تمت مراقبة المشاركين على مدى 6.3 سنة في المتوسط. وخلال هذه الفترة، توفي 133 شخصا منهم بسبب أمراض الشرايين التاجية. وكما هو متوقع فان تقدم العمر والتدخين وبدانة البطن كانت ترتبط بالوفيات نتيجة أمراض القلب، بينما بدت التمارين والغذاء الجيد وارتفاع مستوى التعليم ومنصب العمل المجزي، حامية للقلب. والنتيجة المدهشة، في كل ذلك، أن إغفاءة منتصف النهار كانت حامية للقلب كذلك، خصوصا للرجال.
وبين كل أفراد المجموعة، فان فترات القيلولة مهما كانت مدتها الزمنة، ودرجة تكرارها، كانت ترتبط بانخفاض خطر الوفاة بأمراض القلب بنسبة 34 في المائة، حتى مع أخذ عوامل الخطر الأخرى بعين الاعتبار. وظهر أن أصحاب الإغفاءة من فترة لأخرى قللوا من خطر الوفيات القلبية بنسبة 12 في المائة. إلا أن أصحاب الإغفاءة المنتظمة بدوا، وقد قللوا تلك الوفيات بنسبة 37 في المائة. وظهرت الحماية أقوى كما يبدو لدى الرجال مقارنة بالنساء. وفي ما بين الرجال من العمال، فان اصحاب الاغفاءة من فترة لأخرى تعرضوا لخطر وفاة أقل بنسبة 64 في المائة بسبب أمراض الشرايين التاجية، مقارنة بنظرائهم الذين لا يمارسون الاغفاءة في النهار، اما اصحاب الاغفاءة المنتظمون فان هذه النسبة وصلت الى 50 في المائة لديهم.
فوائد القيلولة
ان كانت القيلولة مفيدة، فما طريقة عملها؟ إن تقليل الإجهاد هو أكثر التفسيرات ملاءمة، وهو يتناسب مع الملاحظات المسجلة حول مساعدة إغفاءة منتصف النهار الطوعية خصوصا للعمال من الرجال. والفوائد المحتملة للقيلولة تتطلب دراسات واسعة.
إلا أن هناك فوائد أخرى جرى توثيقها جيدا. فالدراسات حول عمال المناوبة، وأطقم الطيران الجوي، إضافة إلى العاملين الطبيين المقيمين، والسائقين في الطرقات السريعة، كلها أشارت إلى أن الإغفاءة القصيرة لفترة 20 الى 30 دقيقة، تخفض التعب، وتحسن من الأداء الحركي والنفسي والمزاج، وتشحذ الانتباه. وهذه هي الفائدة الكبرى لأصاحب الإغفاءة.
عندما تغفو
عندما تغفو، تأكد من أنك تريد هذا الأمر لأنك ترغب فيه، لا لأنك مجبر عليه. والحرمان من النوم الناجم عن انقطاع النفس، أو متلازمة الرجل الحرِكة، او الكآبة، او أي سبب آخر، تولد رغبة في النوم أثناء النهار، الأمر الذي يدفعك إلى الشعور بالحاجة إلى إغفاءة. إن الحرمان من النوم مضر بصحتك. وان وجدت نفسك وأنت تميل إلى النوم في الأوقات التي لا ترغب البتة بها، فعليك ان لا تستغرق في الإغفاءة. وبدلا من ذلك ارصد العوامل الخاطئة التي تؤثر في نومك الليلي، ثم حاول تصحيحها.
أما القيلولة الطوعية في منتصف النهار فهي مسألة أخرى فقد تكون مثيرة للبهجة، ومنعشة، بل وحتى صحية. وان كنت تستغرق في القيلولة، فحاول أن تضبط فترتها كي تتناسب مع دورة النوم- اليقظة اليومية لديك. ولكي تحافظ على نومك الليلي الجيد، فعليك ان لا تستغرق في إغفاءة طويلة- ولأغلب الناس فان 20 إلى 40 دقيقة هي الأفضل. وعليك أن تتوقع أن تستيقظ من الإغفاءة على شكل كتلة بطيئة الحركة، ولذلك امنح نفسك 10 دقائق للاستيقاظ الكامل وتنفيذ المهام الجديدة.