أثقل عنصر في الجدول الدوري هو عنصر الأوغانيسون (Og)، برقم ذري 118، وقد تمت تسميته تكريمًا للعالم الفيزيائي الروسي يوري أوغانسيان لمساهماته الرائدة في اكتشاف العناصر الفائقة الثقل.
كتب المهندس أمجد قاسم
يُعد عنصر الأوغانيسون أحد العناصر ما بعد اليورانيوم، وهي تلك التي يتجاوز عددها الذري 92 (عدد اليورانيوم).
ويتميز هذا العنصر بموقعه في أسفل الجدول الدوري وبخصائصه غير الاعتيادية، إلى جانب الجهود العلمية الكبيرة التي أدت إلى اكتشافه.
الخصائص الذرية والفيزيائية للأوغانيسون
يبلغ العدد الذري للأوغانيسون 118، مما يجعله في نهاية مجموعة الغازات النبيلة، رغم أن سلوكه قد يختلف عن الغازات النبيلة التقليدية بسبب تأثيرات نسبية مرتبطة برقمها الذري الكبير.
وتبلغ كتلة الأوغانيسون 294 تقريبًا، وهو مجموع البروتونات والنيوترونات في نظيره الأكثر استقرارًا.
وبسبب حجمه الكبير وعدده الذري العالي، تتأثر إلكترونات الأوغانيسون بتأثيرات نسبية قوية، حيث تتحرك بسرعات قريبة من سرعة الضوء.
هذا السلوك غير الاعتيادي للإلكترونات قد يؤثر على خصائصه الكيميائية، مما يجعله أكثر نشاطًا كيميائيًا من الغازات النبيلة الخفيفة مثل الزينون والرادون.
رغم تصنيفه ضمن الغازات النبيلة، تشير التوقعات إلى أن الوزن الذري الكبير للأوغانيسون قد يجعله غير خامل تمامًا كما هو معتاد في هذه المجموعة.
وبدلاً من ذلك، يُحتمل أن يتصرف بشكل يشبه الفلزات نصف النبيلة أو ربما كغاز ثقيل للغاية قابل للاستقطاب، مما يعني أنه قد يتواجد في حالة مكثفة أو حتى يشارك في تفاعلات ضعيفة، بخلاف عناصر الغازات النبيلة الأخف.
اكتشاف وإنتاج الأوغانيسون
تم إنتاج عنصر الأوغانيسون لأول مرة في 9 أكتوبر 2002 على يد فريق من العلماء في معهد الأبحاث النووية المشتركة (JINR) في دوبنا، روسيا، بالتعاون مع علماء من مختبر لورنس ليفرمور الوطني في كاليفورنيا، الولايات المتحدة.
وقد جرى هذا التعاون بين علماء الفيزياء النووية من كلا البلدين، معتمدين على أحدث التقنيات المتاحة لإنتاج العناصر الفائقة الثقل.
تطلب إنتاج الأوغانيسون استخدام تقنيات متطورة في الاندماج النووي، بما في ذلك معجل جسيمات ودقة عالية.
حيق قام العلماء بقذف أيونات الكالسيوم-48 (Ca-48)، وهو نظير مستقر نسبيًا يحتوي على 20 بروتونًا و28 نيوترونًا، على هدف من الكاليفورنيوم-249 (Cf-249) الذي يحتوي على 98 بروتونًا و151 نيوترونًا.
وعند اندماج هذه النوى، تم إنتاج ذرة تحتوي على 118 بروتونًا و176 نيوترونًا، وهي ذرة الأوغانيسون-294.
تعتبر هذه الطريقة شديدة الصعوبة بسبب عدم استقرار العناصر الفائقة الثقل، حيث تميل إلى التحلل بشكل سريع جدًا.
لقد كانت عملية إنتاج الأوغانيسون خطوة مهمة في مجال الكيمياء والفيزياء النووية، حيث يتطلب تصنيع العناصر الفائقة الثقل موارد ضخمة وتكنولوجيا متقدمة وفهمًا عميقًا لعمليات الاندماج النووي.
وبعد محاولات متعددة، نجح العلماء في إنتاج عدد قليل من ذرات الأوغانيسون، مما يبرز ندرة وصعوبة إنتاج مثل هذه العناصر.
وكان كل ذرة منتجة قصيرة العمر، حيث تتحلل في غضون أجزاء من الألف من الثانية، مما يجعل دراسة خصائصها بشكل مباشر أمرًا صعبًا للغاية.
الاستقرار والنشاط الإشعاعي
مثل معظم العناصر الفائقة الثقل، يعتبر عنصر الأوغانيسون غير مستقر تمامًا ونشط إشعاعيًا، وذو عمر نصف قصير جدًا.
ويبلغ عمر النصف لنظير الأوغانيسون-294 حوالي 0.89 مللي ثانية، أي أنه يتحلل فورًا بعد التكون تقريبًا.
ويُقيد هذا العمر القصير القدرة على إجراء الأبحاث على هذا العنصر ويحول دون مراقبة سلوكه تحت الظروف العادية.
تحدث عملية التحلل السريع لأن الأوغانيسون يقع خارج ما يُعرف بـ “جزيرة الاستقرار”، وهي منطقة نظرية في الجدول الدوري يُعتقد أن بعض العناصر الفائقة الثقل التي تتمتع بنسب محددة بين النيوترونات والبروتونات تتمتع فيها بأعمار نصف أطول.
اذ يسعى العلماء حاليًا لدراسة طرق للوصول إلى هذه الجزيرة من خلال إنتاج نظائر للعناصر الفائقة الثقل التي تحتوي على عدد مثالي من النيوترونات، مما قد يتيح إنتاج عناصر فائقة الثقل أطول عمرًا يمكن دراستها بشكل أكبر.
أهمية اكتشاف عنصر الأوغانيسون
يمثل تصنيع عنصر الأوغانيسون إنجازًا هامًا في مجال الكيمياء النووية والفيزياء، ويدفع حدود الجدول الدوري وفهمنا للنوى الذرية.
كأثقل عنصر معروف، يجسد الأوغانيسون انتصارًا للعلوم التجريبية والتعاون الدولي، ويؤكد على أهمية الأبحاث النووية، لا سيما في فهم الاستقرار الذري وتفاعلات الاندماج وحدود إنتاج العناصر.
وفي عام 2016، تم إدراج الأوغانيسون رسميًا في الجدول الدوري من قبل الاتحاد الدولي للكيمياء البحتة والتطبيقية (IUPAC)، إلى جانب العناصر 113 (النيهونيوم) و115 (الموسكوفيوم) و117 (التينيسين). وقد استكمل هذا الإضافة الصف السابع من الجدول الدوري، وهو حدث طال انتظاره من قبل الكيميائيين والفيزيائيين.
آفاق المستقبل
تشير إمكانية إنتاج عنصر الأوغانيسون إلى إمكانية تخليق عناصر أثقل مستقبلاً، مما يوسع فهمنا للتفاعلات النووية والاستقرار.
وعلى الرغم من عدم استقرار هذه العناصر، إلا أن التقدم في التكنولوجيا قد يمكّن العلماء يومًا ما من دراسة عناصر أثقل تكشف عن رؤى جديدة حول بنية النوى الذرية والقوى التي تربطها ببعضها البعض.
في الختام ، يعد انتاج عنصر الأوغانيسون إنجازًا استثنائيًا، حيث يمثل أحدث ما توصلت إليه العلوم النووية.
ورغم عمره القصير، يوفر الأوغانيسون رؤى هامة حول سلوك العناصر الفائقة الثقل، واكتشافه يمهد الطريق نحو تخليق عناصر أثقل وأكثر استقرارًا محتملة.
ومع استمرار العلماء في استكشاف حدود الجدول الدوري، تدفعنا عناصر مثل الأوغانيسون نحو حدود جديدة من المعرفة، وتكشف عن ألغاز جديدة حول طبيعة المادة.