يقتل الذباب آلافا من الأطفال كل عام ، ويميت أو يضعف عددا غير قليل من البالغين ، ويهلك ملايين الحيوانات . ويرجع ذلك إلى كثرة أنواعه ، وأعداده المهولة ، وأنه من أقدر الحيوانات على حمل جراثيم الأمراض .
وقد حير الذباب أكفأ العلماء المختصين في مكافحة الحشرات ، وخيب آمالهم ، وبخاصة بعدما سخر من مبيد « دی . دی . تی » والذي حسبوه أشد عدو له ، ذلك أن الأنواع التي هلكت بهذا المبيد تركت أجيالا جديدة مرنت على احتمال ذلك السم شيئا فشيئا ، حتى صارت لاتتاثر به .
وأمر الذبابة عجيبة ، فعلى الرغم من أن العلماء ظلوا عدة قرون يدرسون شئونها، فإنهم لم يستطيعوا حتى اليوم أن يكشفوا كل أسرارها ولا يزال كثير من أمورها وطبائعها غائبة عن العلم إلى وقتنا الحاضر .
و ما يعرف عن الذبابة أنها تحميل جراثيم كثير من الأمراض كالرمد والإسهال وعدد من أمراض الصيف القاتلة ، وأن طرفي قدميها اللزجين يحملان آلاف الآلاف من الجراثيم المختلفة من بينها جرثومة الحمرة والكوليرا والتيفود والسل وغيرها ، وهي تسبب للزارعين خسائر فادحة بما تنقله من جراثيم تفتك بالنبات و الماشية .
وفي وسط إفريقية وغربها مساحات تتسع لحياة كثير من الناس ، ولكنها بسبب انتشار الذباب تكاد تكون مهجورة ، ومن هذا الذباب ذبابة تنقل مرض النوم ، وتنشر مرضا خطيرا آخر ، يفتك بالماشية في وقت قصير ، وتعرف بذبابة تسى تسى .
ومن أنواع الذباب الغريبة نوع متأنق يعيش على دم الحمام وحده ، فيهجم على صغاره وهي في العش”، وينقل إليها في أثناء امتصاص دمها نوع معينة من الحمى ، وثمة ذباب لا أجنحة له يظهر في منتصف الشتاء ، ببعض الجهات الأوروبية والأمريكية . وهناك نوع آخر صغير يستطيع أن ينفذ من فتحات أدق شبكة للبعوض. وفي منطقة « الأمازون » وبعض أنحاء استرالیا نوع من الذباب يبلغ من الكبر حدا يخيف العصافير ويبلغ طول جناحيه عند بسطهما نحو ثمانية سنتيمترات .
والذبابة تستطيع أن تعيش في كل مكان تقريبا ، بل إنها قد تعيش ، وتتناسل، في داخل الجهاز الهضمي للإنسان والحيوان. وقد حفظت أنواع منها في داخل زجاجات صغيرة ، محكمة الإغلاق ، فأتمت دورة حياتها ، وتناسلت، وهي محبوسة . ولكن أكثر الأنواع ينمو في الجو الدافئ، ويقتله البرد، ولا سيما البرد المفاجئ .
وتضع الذبابة نحو مائة وثلاثين بيضة في المرة الواحدة ، تفقس بعد يومين ، منتجة ديدانا صغيرة تسمى يرقات ، تبقى في القاذورات ، والسماد ، وغيره من الفضلات ، نحو أسبوعين ، تستكمل فيهما النمو ، ولا تلبث أن تضع كل ذبابة من النشء الجديد بیضا آخر وهكذا .
وبعض أنواع الذباب اللاذع ، له خرطوم حاد يخترق الجلد . أما ذبابة البيت فليست لها أسنان ، ولا تقوى إلا على تناول الأطعمة السائلة . أما الأطعمة الصلبة كالسكر والحلوى فإنها تذيبها ، بأن تتقيأ عليها ، ثم تمتصها.
ومعظم أنواع الذباب يستريح في أثناء الليل ، ويستطيع أن يرتكز على الأسقف ، والجبال ، وما إليها ، بفضل المادة اللزجة التي في أطرافه ، ويحتفظ بتوازنه في أثناء طيرانه ، بمعاونة عضوين صغيرين ، يبرزان على جانبي الصدر ، ويمتلئان بالدم في أثناء الطيران . فإذا تلف أحد هذين البروزین ، فإن الحشرة تسقط وتصطدم بالأرض .
وتفوق سرعة طيران الذبابة أكثر الطيور والحشرات المعروفة ، فهي تحرك جناحيها إلى أعلى ثلاثمائة مرة في الثانية ، على حين لا تزيد هذه المرات في حالات الطيور على ثمانين مرة .
ومعظم الذباب يؤذي النبات ، فبعضه يؤذي سيقان القمح، ويسبب تغضنها قبل نضجها .. وبعضها يؤذي نبات القنبيط الزهرة والملفوف وسيقان الباذنجان .
ويرقات الذباب لا يقل خطرا عن الذباب نفسه ، ولها عدة أشكال ، ولكنها في الغالب تبدو في صورة ديدان صغيرة لا رأس لها ، وقد يكون لها ما يشبه الشص يمكنها من لدغ جسم الإنسان أو غيره ، ولبعضها ذيل طويل يشبه ذیل الفار ، ولكنه مجوف ، ووظيفته تمكين اليرقة من التنفس تحت الماء .
ومن خصائص برقة الذباب ، أنها تستطيع أن تكيف نفسها على حسب البيئة التي تعيش فيها ، فنوع منها يعيش في آبار النفط، ونوع في الينابيع الحارة ، وآخر يعيش وهو مدفون في الأرض على عمق سبع عشرة بوصة .
ومن اليرقات نوع يشق جلد الإنسان ، تاركا الطرف العلوي في خارج الجلد كأنه أنبوبة التنفس. ويبقى هكذا أياما أو أسابيع ناعمة هانئة وبعض يرقات الذباب تلتصق بالجروح والأماكن الملتهبة في الأنف والأذنين.
وفي بعض المناطق الزراعية ، يتعذر تسمين الماشية في الصيف . بسبب الذباب الذي يعيش على دمائها . وقد وجد أن الثور الواحد – في تلك المناطق – قد يفقد خلال أربعة أشهر ما بين ثلاثين وسبعين رطلا على الرغم مما يقدم من علف كثير .
ومهما يكن من أمر العقاقير التي يتوصل إليها العلماء للفتك بالحشرات ، فلن نستطيع القضاء على الذباب إلا إذا حرصنا على النظافة أشد الحرص ، والتزمناها في كل شئوننا، ومنعنا الذباب أن يصل إلى أطعمتنا بالوسائل الناجعة وفي مقدمتها النظافة ، ولم نسمح له بأن يسقط على أجسامنا وثيابنا وكل شيء يتعلق بنا جهد الاستطاعة .
مصدر الصورة
pixabay.com
الذباب كله ضرر