اوضح تقرير علمي نشر ان هناك تأثيرا لحركة الطيران وكثافتها على درجة حرارة الجو فوق المناطق التي تطير فيها تلك الطائرات وذلك لما تحدثه سحب الدخان الابيض المتكاثفة من تغيير في طبقات الجو العليا.
وقال الباحث الاميركي ديفيد ترافيس من جامعة وسكاونسن بعد تحليل بيانات اربعة الاف مرصد جوي في مختلف مناطق في الولايات المتحدة سيما بعد وقف الرحلات الجوية فيها عقب هجمات الحادى عشر من ايلول عام 2001 لمدة ثلاثة ايام، انه لاحظ تغيرا واضحا في المدى الحراري اليومي او الفرق بين حرارة الليل والنهار.
وسمحت هذه الدراسة لاول مرة بتحديد مدى تأثير السحب البيضاء التى تخلفها وراءها الطائرات على الارتفاعات الشاهقة بالنسبة لدرجة حرارة المناطق التي تطير فوقها عموما.
ووفقا لتقرير اخير لخبراء دوليين حول الطقس فان رحلات الطيران التجاري هي المتسببة في مجملها بنسبة تزيد عن 3% من اجمال تأثير النشاطات البشرية في حرارة الجو مثل التأثيرات المتراكمة لغازات ثاني اكسيد الكربون وأكاسيد النيتروجين وسحب الدخان الابيض المتكثفة التي تخلفها الطائرات النفاثة الحديثة.
وتبين من خلال البحث ان السحب البيضاء المتكثفة التي تتركها الطائرات النفاثة على ارتفاع عشرة الاف او اثني عشر الف متر، تتألف من دقائق بلورية ثلجية تماثل تكثف السحب الطبيعية في نفس المناطق التي تطير فوقها هذه الطائرات.
واتضح ان لهذه البلورات تأثيرا مزدوجا ومتضاربا على احوال الجو فهي من ناحية تتسبب في تبريد الجو بينما تسهم من ناحية ثانية في رفع درجة حرارته حيث ان سحب الدخان البيضاء تحجب اثناء النهار كميات من اشعة الشمس مما يؤدي الى تخفيض قليل في حرارة الارض ومن ناحية ثانية فان المسارات المتخلفة وراء الطائرات تتسبب بفعل مماثل لبيوت الزراعة البلاستيكية فتؤدي الى ارتفاع درجة حرارة سطح الارض.
ونظرا لان تأثير الحرارة المماثل للبيوت البلاستيكية يكون فاعلا اثناء الليل والنهار فان تأثير البرودة لا يكون مؤثرا إلا أثناء النهار وهذا بدوره يؤدي الى تقليص فروقات الحرارة بين الليل والنهار وهذه النتيجة اثبتها الباحث الاميركي ديفيد ترافيس عندما لاحظ وجود فروقات اكثر في الحرارة بين الليل والنهار اثناء وقف جميع رحلات الطيران بين 11 و14 ايلول 2001 مقارنة مع معدلات فروقات الحرارة طوال العام.
ولتفسير ذلك بشيء من التفاصيل من ناحية علمية يقول الباحثون في علوم الطيران وأحوال الجو ان هناك نوعين من سحب الدخان الابيض الناتجة عن الطائرات النفاثة: الاول تلك السحب ذات الديمومة القصيرة التي سرعان ما تختفي بعد مرور الطائرة
والثانى: السحب البيضاء التى تستمر في الجو مدة طويلة وتتمدد لتتحول الى سحب ذات اشكال العهن «الصوف المصبوغ الوانا» المنفوش وهذه السحب يكون لها تأثير اكبر في عملية رفع الحرارة ولكن تشكلها يكون اصعب على الفهم والإدراك وبالتالى توجد صعوبة كذلك في توقعات حدوثها، فعندما تمر الطائرة في طبقة جوية جافة تتسبب الحرارة وبخار الماء المنبعث من المحركات النفاثة في تحفيز تجمد الماء الذي ينتقل بسرعة كبيرة من الحالة السائلة الى الحالة الصلبة «بلورات ثلجية» بسبب البرودة الكبيرة التى تسود طبقات الجو العليا على ارتفاع عشرة الاف متر والتي تتراوح بين – 50 و – 60 درجة سلسيوس واذا كان الجو جافا جدا فان البلورات الثلجية الناتجة تتبخر ببطء بعد مرور الطائرة.
اما اذا كان الجو مستقرا ومشبعا ببخار الماء ولكن هذا البخار لم يتحول الى سحب لأسباب مختلفة، فان مرور الطائرة وانبعاث جسيمات الوقود غير المحترقة منها يكون كافيا لإطلاق البدء في تكوين سحابة تماثل السحب الطبيعية، ويمكن لهذه السحب ان تمتد لتغطي بضعة كيلو مترات مربعة وتستمر لبضع ساعات، وبالتالي يكون تأثيرها اكبر على درجة الحرارة من السحب الطبيعية سريعة الزوال.
وقد استطاع احد علماء وكالة الفضاء ناسا في ولاية فرجينيا في الثاني عشر من ايلول 2001 ان يلتقط صورا بالأقمار الصناعية لسحب خفيفة شبيهة بالعهن المنفوش بعد مرور ست طائرات عسكرية في منطقة كانت خالية تماما من السحب وخلال بضع ساعات غطت السحب منطقة مساحتها اكثر من عشرين الف كيلو متر مربع.
ترجمة: عدلي البرقوني
عن لوفيغارو الفرنسية