إن قيمة كلِّ بحث تعتمد بالإضافة إلى مستوى منهجه العلميِّ على نوعيَّة مصادر بياناته ومعلوماته، وعموماً تصنَّف تلك المصادر إلى مصادر أوليَّة ومصادر ثانويَّة، ومصادر جانبيَّة، ولكن من الملاحظ أنَّ مصدراً ثانويّاً في دراسة ما قد يكون مصدراً أوليّاً في دراسة أخرى، فالكتب الجامعيَّة الدراسيَّة وهي مصادر ثانويَّة تكون مصادر أوليَّة في دراسة تتناولها هادفة إلى الكشف وتعيين كيف تعامل الكتب الدراسيَّة موضوع النماذج والنظريَّات، ومن الجدير ذكره أنَّ على الباحث أن يفحص مستوى نوعيَّة مصادر دراسته بطرق مختلفة، ويجب أن يعرَّف أنَّ بناء رأي أو فكرة قائمة على رأي أو فكرة مأخوذة من مصدر ثانويٍّ أو جانبيٍّ يكون مستوى الثقة فيها منخفضاً وسيقوِّمها باحثون آخرون بذلك، ومن ثمَّ ينعكس ذلك على قيمة البحث ذاتـه.
المصادر الأوليَّة:
هي المصادر التي يمكن اعتمادها كمصادر موثوق بصحَّتها وعدم الشكِّ فيها مثل: المخطوطات ومذكرات القادة والسياسيِّين، والخطب والرسائل واليوميَّات، والمقابلات الشخصيَّة، والدراسات الميدانيَّة، والكتب التي تصف أحداثاً أو موضوعات شاهدها مؤلِّفوها عن كثب، والقرارات الصادرة عن الندوات والمؤتمرات، ونتائج التجارب العلميَّة والإحصاءات التي تصدرها الدوائر المختصَّة والوزارات والمؤسَّسات، وكما أشار بارسونز (1996م) بأن المصادر الأوليَّة يدخل في إطارها الشعرُ والروايات والرسائل والتقارير وإحصاءات التعداد والشرائط المسجَّلة والأفلام واليوميَّات، والمصادر الأوليَّة أكثر دقَّة في معلوماتها وبياناتها حيث تعدُّ أصليَّة في منشئها وكتابتها بدون تغيير أو تحريفٍ لآرائها وأفكارها بالنقل من باحث إلى آخر، كما تتضمَّن المصادر الأوليَّة البيانات والمعلومات الواردة في استبانات الدراسات وفي المقابلات الشخصيَّة التي يجريها الباحثون والاستفتاءات والدراسات الحقليَّة، والخطابات والسير الشخصيَّة والتقارير الإحصائيَّة والوثائق التاريخيَّة، وغيرها.
المصادر الثانويَّة:
هي المصادر التي يتمُّ تقويمها وتتمثَّل بجميع وسائل نقل المعرفة عدا تلك التي تندرج تحت المصادر الأوليَّة، وعموماً ليست المصادر الثانويَّة قليلة الفائدة فهي أوفر عدداً وتشتمل في كثيرٍ من الأحيان على تحليلات وتعليقات لا توجد في المصادر الأوليَّة، وتضمُّ المصادر الثانويَّة الملخصات والشروح والتعليقات النقديَّة على المصادر الأوليَّة، فالمصادر الثانويَّة هي كتب وموضوعات أعدَّت عن طريق تجميع المعلومات والبيانات التي تأثَّرت بآراء كتَّاب تلك الكتب والموضوعات.
المصادر الجانبيَّة:
هي كتب استقت بياناتها ومعلوماتها من مصادر ثانويَّة.
ومن المهارات التي يجب على الباحث إتقانها هي مهارة تدويـن الملاحظات والمعلومات والبيانات أثناء استطلاعه للدراسات السابقة وفحصه وتقصِّيه لمحتويات المكتبات وبالأخصِّ مكتبات مراكز البحوث ومكتبات الجامعات، وأن يكون ملمّاً بأسلوب بطاقات جمع المعلومات وطرق تصنيفها والتسجيل والكتابة عليها وتخزينها، ومن زاوية أخرى ينظر إلى مصادر بيانات ومعلومات البحث العلميِّ من حيث تحديد مفردات الدراسة ومجتمعها الذي منه تستقى البيانات والمعلومات فيتَّخذ تصنيفُها من هذه الزاوية الشكلين التاليين:
1- المجتمع الأصلي:
ويقوم الباحث بجمع البيانات والمعلومات عن كلِّ مفردة داخلة في نطاق بحثه دون ترك أيٍّ منها، ففي دراسة وظيفة المدرسة الثانويَّة في بيئتها الخارجيَّة وفي مجتمعها المحيط بها في قطاعٍ تعليميٍّ ما فإنَّه يجب على الباحث أن يحصل على بياناته ومعلوماته عن كلِّ مدرسةٍ ثانويَّة في هذا القطاع دون استثناء، وتعدُّ دراسة مجتمع البحث ككلٍّ من الأمور النادرة في البحوث العلميَّة نظراً للصعوبات الجمَّة التي يتعرَّض لها الباحث في الوصول إلى كلِّ مفردة من مفردات المجتمع الأصلي وللتكاليف الباهظة التي تترتَّب على ذلك.
ولكن متى يكون ذلك كذلك؟، هل يخضع الأمر لتقدير الباحث أو لرغبته دون أن يؤثِّر ذلك على قيمة بحثه ودراسته، فيعدُّ الباحثُ مائة مدرسة مثلاً مجتمعاً كبيراً تصعب دراسته وترتفع تكاليفها، إنَّ هذا الأمر لا بدَّ أن يكون مقنعاً بعرض الصعوبات التي سيلقاها الباحث لو درس المجتمع الأصلي بكلِّ مفرداته، وبالتالي لا بدَّ أن يكون هذا العرض بمبرِّراته مقنعاً علميّاً لغيره من الباحثين وقارئي دراسته، فقيمتُها العلميَّة تتوقَّف على مدى القناعة العلميَّة بصعوبة دراسة المجتمع الأصليِّ.
2- العيِّنة:
وهذه الطريقة أكثر شيوعاً في البحوث العلميَّة؛ لأنَّها أيسر تطبيقاً وأقلُّ تكلفة من دراسة المجتمع الأصليِّ؛ إذْ أنَّه ليس هناك من حاجة لدراسة المجتمع الأصليِّ إذا أمكن الحصول على عيِّنة كبيرة نسبيّاً ومختارة بشكلٍ يمثِّل المجتمع الأصليَّ المأخوذة منه؛ فالنتائج المستـنبطة من دراسةِ العيِّنة ستنطبق إلى حدٍّ كبير مع النتائج المستخلصة من دراسة المجتمع الأصليِّ، فالعيِّنة جزء من المجتمع الأصليِّ وبها يمكن دراسة الكلِّ بدراسة الجزء بشرط أن تكونَ العيِّنة ممثِّلةً للمجتمع المأخوذة منه.
وحيث أنَّ الدراسة بواسطة عيَّنة مأخوذة من المجتمع الأصليِّ هي التوجُّه الشائع بين الباحثين لصعوبة دراساتهم للمجتمعات الأصليَّة فإنَّ على الباحثين أن يلمُّوا بأنواع العيِّنات وطرق تطبيقها ومزايا وعيوب كلِّ نوع منها، وطبيعة الدراسات المناسبة لتلك الأنواع.