الذاكرة والنسيان واستراتيجيات تعزيز التذكر

الدكتور نايل حجازين

مما لا شك فيه ان الذاكرة ضرورية جدا لاسترجاع ما تعلمه الفرد ، وحين تعاني الذاكرة من ضعف او اضطراب ما، فإن ذلك ينعكس على الأداء والتعلم، وقد اثير الكثير التساؤلات، ووضع العديد من الافتراضات المتعلقة بطبيعة الذاكرة، وعملها، وآليتها، لما لهذا من آثار ونتائج في الكثير من ميادين التعليم والتربية والقضاء، والقانون، والعلاج النفسي والاستجواب والشهادة…، فالإنسان الذي يفقد الماضي وكل ما تعلمه لا يستطيع أن يتعايش مع ما حوله من البشر، ولا يستطيع أن يتقدم إلى الأمام خطوة واحدة .

إن مهمات الحفظ والتذكرهى مهمات ممتدة طيلة حياة الفرد، منذ ولادة الخبرات الأولى في العالم، إلى ان تتم مواجهة الخبرات والمعارف المتعددة المتراكمة، ويتم تصنيفها بهدف حفظها، وإنه من الضروري في تعلم اي مجال ممارسة مهمة تعلم الكلمات، وهي اولى المهمات الضرورية، وتعلم التعريفات اللغوية، كذلك إذا أردت أن تستوعب اي خبرة ضمن اي مجال (قطامي وقطامى1998 )

ولأن النسيان مشكلة يعاني منها الناس، فقد لجأ علماء النفس إلى وضع استراتيجيات تساعدهم على التذكر، والاحتفاظ، والاسترجاع عند الحاجة، والتي تعرف بمساعدات التذكر Mnemonics .

والنسيان جزء من الحياة إذ ان الفرد ينسى 99% مما يتعلم، فلو كان كل انطباع حي، وكل فكرة من الأفكار ستبقى فإنها سرعان ما تتراكم بفوضى، ولكن لحسن الحظ ان لدينا دماغاً يحتفظ بالنقاط المضيئة والبارزة بين ملايين الانطباعات التي يمر بها الفرد.

الا أن الذاكرة تضمر بعدم الاستعمال مثل أي عضو آخر، حيث تتناقص قوة الذاكرة لدى بعض الناس مع اعتزالهم الحياة النشطة، ومع عدم الاستمرارية في مخططهم التذكري (روجر1999 ).

استراتيجيات تقوية الذاكرة طويلة المدى

لقد استخدم خبراء الذاكرة قديما وحديثاً استراتيجيات لتقوية الذاكرة ومن هذه الاستراتيجيات المستخدمة لتقوية الذاكرة ما ياتي :

1- التخيل أوالتصور Imagery وهي الاستراتيجية التي يتم بها استحضار صور متخيلة، تم تعلمها عن وعي وقصد، ففي عملية الإدراك البصري الحسي يستطيع المتعلم ان يبدع حالة من الصور الذهنية في ذهنه (قطامي وقطامي، 1998)، قد تتصور طريقا معروفا لك مثلا كانك تمشي داخل بيتك، او ان تضع صورة لكل معلومة تريد تذكرها في موقع معين داخل البيت، وقد دلت الدراسات بأن التصور يجعل المادة سهلة
التذكر ( دافيدوف، 2000) وتؤكد الدراسات أن التصور البصري/ العقلي يمثل استراتيجية قوية لرفع كفاءة الذاكرة وزيادة فاعليتها (الزيات، 1998 )

2- الموقع Location وتقوم هذه الاستراتيجية على اساس ربط قائمة من الأشياء المراد تعلمها مع أماكن او مواقع مالوفة للفرد بطريقة متسلسلة، وذلك من خلال عملية إقران كل شيء في القائمة أو معلومة مع موقع
معروف للفرد، شريطة تسلسل هذا المواقع في ذهن المتدرب ( الريماوي ، 2004 ) ويذكرالزيات 1998 قواعد اساسية تقوم عليها هذه الاستراتيجية وهي:

تصور سلسلة من الأماكن الطبيعية التي تتعاقب مكانيا وهي التي يعرفها الفرد جيداً، واشتقاق صور بصرية او تخيلية تمثل كل فقرة من الفقرات المراد حفظها وتذكرها، وربط الفقرات بالاماكن المحتفظ بها في الذاكرة.

3- استراتيجية الحرف الأول Letter Firstوتتمثل في أخذ الحرف الاول من كل كلمة في قائمة من الكلمات أو المفردات المراد تذكرها، ومحاولة بناء كلمة أو جملة ذات معنى او دلالة لدى الفرد من الحروف الأولى (الريماوي، 2004). ويذكر الزيات (1998) أن هذه الاستراتيجية تكون مفيدة إذا كان الترتيب في الوحدات المعرفية المسترجعة يمثل امرا مهما. ومن الامثلة على هذه الاستراتيجية: لنفرض ان لديك اربعة اصدقاء تود تذكر اسمائهم متسلسلة وهم خليل، ياسر، ادهم، رامى وبحسب هذه الطريقة تاخذ الحروف الأولى أسمائهم فتتكون لديك كلمة خيار.

4- استراتيجية الكلمة المفتاحية Word Key تستخدم هذه الاستراتيجية عند تعلم كلمات أجنبية أيضاً بما يرادفها من كلمات اللغة الأم وتتضمن خطوتين، اولاها ان جزءا من الكلمة الاجنبية يبدو مشابها في لفظة من اللغة الأم وهذه هي كلمة مفتاحية بناء صورة بصرية تربط الكلمة المفتاحية بالمعنى من اللغة الأم (قطامي وقطامي، 1998) ويرى الزيات 1998 إن هذه الاستراتيجية تقوم على استخدام التصورات العقلية لمساعدة الناس في تذكر معاني المفردات أوالكلمات غيرالمالوفة. فمثلا إذا اردت تذكر Amigo من الاسبانية التي تعنى الصديق فإنك تستطيع ربطها مع الكلمة الإنجليزية Go لأن الصديق يذهب ويأتى معك دائماً أو تربطها باسم صديق لك مثلا اسمه امجد (الريماوي 2004 )

5- استراتيجية التأمل Meditation هذه الاستراتيجية تقوم على أساس ربط كلمتين تريد تذكرهما بكلمة ثالثة جديدة؛ ليكون لهما القدرة على توجيه تذكر الكلمتين الأصليتين في المستقبل، هذه الاستراتيجية تتطلب التأمل، والتفكير، واستخدام خيال عقلي قبل الوصول إلى الكلمة الرابطة للكلمتين معا، فمثلا إذا اردت ان تتذكر كلمتي جمل وشباك، فيمكن ان تتخيل جملا ضخما يقفز من شباك صغير( الريماوي، 2004). أما (قطامي وقطامي، 1998) فقد اكدا ان الفكرة الرئيسة في الاستراتيجية تكمن في ربط فكرتين معا، وان معظم مواقف التذكر يمكن تجزئتها إلى عنصرين.

6- استراتيجية التوليف القصصي Narrative تقوم على أساس محاولة بناء قصة ذات معنى ومغزى للفرد المتدرب (الريماوي 2004 ) يطلب من المفحوص توليف قصص تربط بين مجموعة من الكلمات المراد حفظها بحيث تشكل قصة ذات معنى (الزيات، 1998)

7- استراتيجية التنظيم Organization أو الخرائط المفاهيمية وهي محاولة تحويل نص يراد تذكره إلى خارطة مفاهيمية تربط بين مفاهيم النص، وفق علاقات منظمة، وذات دلالة واضحة (الريماوي 2004 ).

ويمكن للفرد أن يتخيل صورا لطيفة إيجابية، أو يستخدم صورا ملونة، أو رموزا، أو أشياء مضحكة ومحببة وهنالك العديد من المعينات الخارجية للذاكرة تؤثر تأثيراً إيجابيا في تحسين كفاءة الذاكرة وزيادة فاعليتها ومنها: أخذ الملاحظات taking note والممارسة practice، والمدخل المتعدد multimodal
approach بحيث يقوم المدخل المتعدد لتحسين الذاكرة وزيادة فاعليتها على الاهتمام بكل من الظروف الفيزيقية والتهيئة العقلية بحيث يمكن توظيف وقت التعلم توظيفاً منتجاً وفعالا، من خلال الاهتمام بالظروف الاتية : الحصول على قسط وافر من النوم، والاحتفاظ بمستوى مناسب من النشاط اليومى، واستخدام ما يتعلق باتجاهات الذاكرة.

الذاكرة والدماغ

لاحظ بعض العلماء واطباء الأعصاب ان اي تلف او عطب يصيب الفص الصدغي في المخ يحدث اضطراباً في الذاكرة، وقد تبين للجراح بنفليد في جراحاته تحت التخدير الموضعي للمخ، ان تنبيه الأجزاء الأمامية من الفص الصدغي كهربائيا، يثير لدى المريض ذكريات خاصة، وعندما تكرر التنبيه استعاد المريض هذه الذكريات ثانية، وعندما قام بتنبيه الأجزاء الخلفية من الفص الصدغي نسي المريض بعض الحوادث والذكريات، وقد بينت الدراسات أن الأجزاء المصابة في المخ في الهيبوثلامس وما تحت المهد، Hypothalamus تؤثر في الذاكرة، اما قرن آمون الهيبوكمباس hippocampus فيؤدي دوراً مهماً في الذاكرة فبعد أن اجرى بعض الأطباء عملية جراحية لمريض بالصرع وذلك لإزالة اجزاء عصبية من قرن امون باعتباره مسؤولا عن النوبات الصرعية، تبين أن المريض بعد انتهاء العمل الجراحي قد خفت نوبات الصرع لديه؛ ولكنه عانى من فقدان الذكريات والخبرات والأحداث، وهذا يثبت دور قرن امون كالتذكر (عبد الله، 2003 ).


وتشير الدراسات إلى ان تتبع عمليات الذاكرة عبر الدماغ ما يزال غيرواضح، أما مناطق الوظائف المعرفية الخاصة بالذاكرة وهي قرن آمون، والهيبوثلاموس والمخيخ، فيعتقد أن القشرة الدماغية هي التي تنظم عمل الذاكرة طويلة المدى (الريماوي 2004 )

المراجع

– دافيدوف، ليندا . (2000). الذاكرة الإدراك والوعي. ترجمة نجيب خزام، الدارالدولية للاستثمارات الثقافية ،القاهرة، مصر.
– روجر، يابسن (1991). كيف تقوي قدرتك الدماغية. ترجمة جميل الضحاك. وزارة الثقافة، دمشق ، سوريا.
– الريماوي، محمد عودة وزملاؤه. (2004). علم النفس العام. دار المسيرة، عمان، الاردن.
الزيادات، فتحى (1998) الأسس البيولوجية والنفسية للنشاط العقلي المعرفي ، جامعة المنصورة، مصر.
– عبد الله، محمد القاسم. (2003). سيكولوجية الذاكرة، عالم المعرفة، الكويت.
قطامي، يوسف وقطامي ، نايفة (1998) نماذج التدريس الصفي. دار الشروق، عمان، الأردن.

عن فريق التحرير

يشرف على موقع آفاق علمية وتربوية فريق من الكتاب والإعلاميين والمثقفين

شاهد أيضاً

طرق التربية بين الماضي والحاضر

لطالما كانت التربية أحد الأسس الرئيسية لتشكيل شخصية الإنسان وتطوير المجتمع. ومع تغير الزمن، شهدت …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *