الدور الثقافي للمعلم في ظل تحديات العولمة

تعد الثقافة الصورة الحية للأمة، والتي تحدد ملامح شخصيتها، وتعمل على ضبط اتجاهات سيرها بل وترسم أهدافها المستقبلية. والأمة العربية غنية بالتاريخ الثقافي العريق، الذي يعكس بحق صورتها الحية وملامح شخصيتها المميزة عن الأمم الأخرى.

وقد انعكست هذه الصورة في الشخصية العربية والإسلامية، ومكنتها من مواجهة كافة التحديات ومحاولات التغريب التي مارسها الغرب على الثقافة العربية خلال فترات الغزو الأوروبي أيام الحروب الصليبية، ثم فترة الاستعمار المتعدد الذي شمل كافة المناطق العربية دون استثناء.

واليوم أخذ الصراع الثقافي شكلا مختلفة عن السابق، لقد أصبح الغرب يمارس سلطته الثقافية على الأمم من خلال وسائل الإعلام المختلفة، والمنتشرة في كافة أرجاء المعمورة محاولا بذلك عكس صورة التطور والتقدم كما يريدها هو لا كما يجب أن تكون ، وهذا النقد لا يعني بأي حال من الأحوال الانتقاص من الدور الايجابي الذي يمكن أن تؤديه هذه الوسائل لو احسن استخدامها وتوجيهها .

ومن هنا يبرز الدور الكبير الملقى على كاهل المربين والمعلمين العرب، وقد أصبح من الواجب على أصحاب القرار الثقافي والتربوي أن يضعوا نصب أعينهم ضرورة تثقيف المعلمين وتسليحهم بالثقافة العربية والإسلامية ، فالبعد الثقافي يعن أساسا في عملية التربية الشاملة ، والثقافة العربية والإسلامية غنية بتراثها المادي وغير المادي لما تحمله من قيم أخلاقية وروحية عليا من : قيم الحق ، السلام ، التسامح ، التضامن ، العدل ، العمل الصالح ، والحرص على مصلحة الإنسان ماديا ومعنويا .

من هذا المنطلق فإن التحدي المهم الذي يواجه ثقافتنا اليوم هو : ضرورة توجيه الموارد المادية والبشرية ؛ لربط التنمية الثقافية بعجلة التنمية الشاملة من اقتصادية واجتماعية وسياسية ، لتكون منسجمة مع هذه النقاهة .

كما أن الاهتمام بالمعلم وتثقيفه و العناية به وتحقيق حاجاته وتنمية قدراته وإبداعاته ، وإعداده ليساهم في شؤون مجتمعه يعتبر جزء من التنمية .

إن خطر سيطرة ثقافة واحدة على أخرى أو أكثر بد يتبلور بشكل واضح ونحن على مشارف القرن الحادي والعشرين ، ابتداء من سيطرة القطاع الخاص في مجال الاقتصاد، إلى بدء انتشار قيم وسلوكات تسود في ثقافة معينة بين ثقافات أخرى تعد محافظة ، وبدات تظهر دعوات إلى لغة حوار عالمية هي لغة الأمم التي تخترع هذه الأدوات وتسوقها بتبرير أن هذه اللغة هي لغة العلم والإبتكار ، وإن أني الغة قومية أخرى لا تستطيع مجاراة ما يحدث من تطور وتحديث في كافة المجالات .

إن أمتنا العربية بكافة أمصارها تقف الآن أمام إصطلاح ( عولمة الثقافة : والذي يوحي بهيمنة ثقافة على الثقافات الأخرى ، وادعاء ثقافة ما بأنها عالمية على الثقافات الوطنية الأخرى ) وقوف المتلقي والمتأثر من الكم الهائل الذي تضخه وسائل الإعلام والأدوات التكنولوجية الأخرى ( شبكة الإنترنت ، والبريد الإلكتروني ، والفضائيات وشبكات التلفزة العالمية ) ، والذي قد يؤدي إلى شعور المجتمع بالتمزق وفقدان الهوية ، ومن ثم استسلامه لتيارات غريبة عن أصالته مما يؤدي إلى شعوره بالسلبية والضياع وتشتت الانتماء . وحتى يمكن الاستفادة من وسائل الاتصال ؛ التثقيف المعلم الذي يلعب الدور الأساسي في تعميق شعور الطالب نحو مجتمعه وتوضيح الغث من السمين له مما يبث على هذه الوسائل والأدوات ، ولا بد أن يصل المعلم إلى مستوى من الفهم والثقافة العالية ليستطيع تحقيق الأهداف التالية مع طلبته : –

1- دعم الهوية الثقافية للمجتمع العربي والإسلامي بما يمكنه من إقامة العلاقة المتوازنة بين أفراده أولا ، ثم مع المجتمعات الخارجية بثقافاتها المتعددة من ناحية أخرى .
2 – شرح الخطط الوطنية والقومية ؛ لتعزيز الأفكار والقيم الإيجابية السائدة في مجتمعاتنا بحيث تنشأ الأجيال المتلقية منه على أفكار وثقافة يستعصي إبدالها بمجرد بث رسالة إعلامية تحمل أفكارا مغايرة ، وقد ينعكس الأثر إلى مواجهة ورفض لما يسمى ( الغزو الثقافي ) .

ولن يتأتى لنا تحقيق هذه الأهداف إلا إذا ارتفع المستوى الثقافي للمعلم ، بحيث يتيح له القدرة على الانتقاء أمام هذا الكم الهائل من المعلومات والأفكار والثقافات التي تحملها وسائل الاتصال الموجهة ، والتي يديرها جيوش من المختصين والعلماء ذوي القدرات العلمية والثقافية العالية . وهذا يعني أن على المتلقي ( المعلم )
أن يكون على قدر من الفهم والإدراك التعامل معها ، وأن يملك أداة التمييز والتحري عن كل ما يتلقاه .

ومن الجدير بالذكر هنا الإشارة إلى الإتفاقيات الدولية المتعددة ، والتي تشير في بنودها إلى ضرورة احترام الحقوق الثقافية والتربوية للأمم ، فقد أشار میثاق الأمم المتحدة عند انشائها عام 1945 إلى اعتراف الهيئة الدولية بالتنوع الثقافي واللغوي للدول الأعضاء ، وضرورة احترام وتقدير الأمم والشعوب الثقافات الأمم الأخرى .

كما أن منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم ( اليونسكو) أشارت في میثاقها التأسيسي ، إلى حق الدول الأعضاء بالحفاظ على هويتها الثقافية ( المادية وغير المادية ) ولغتها ، وأنها جديرة بالإحترام والتقدير من بقية الدول. كما أشارت أيضا إلى أن جميع الدول الأعضاء في المنظمة تعمل بشكل متساو على احترام الأديان والعقائد والقيم السائدة لدى شعوبها .

ويشير ميثاق جامعة الدول العربية إلى أن الأمة العربية أمة واحدة ذات تراث ثقافي مشترك ستعمل الجامعة على المحافظة عليه .

و من هذا المنطلق وغيره من المنطلقات التي أشرنا إليها آنفا فإنه من الواجب على مربي الأجيال أن يلتحقوا بركب الحضارة والثقافة ، وأن يطلعوا على تراثهم العلمي والأدبي والثقافي ؛ ليتمكنوا بذلك من محاربة كافة أشكال التغريب والهيمنة التي تحاول فرضها الأمم القوية المسيطرة على الأمم الأخرى .


وقد لا يتسع المجال هنا لذكر كافة الدعوات العالمية والتوصيات الصادرة عن المؤتمرات الدولية الرامية إلى تأكيد حقوق الأمم والشعوب في الحفاظ على هويتها الثقافية، وكذلك إلى حوار الثقافات وتبادل التجارب والخبرات بدلا من التصارع الثقافي ، وتجدر الإشارة إلى أن الوصول إلى درجة من الفهم عند كافة أطياف المجتمع سيؤدي إلى ما نسميه حوارا ثقافية وليس صراعا ثقافيا ، ذلك أن مجموع نتاج هذه الثقافات يشكل ثقافة إنسانية غنية ومتنوعة تجعل الحياة أجمل وأمتع .

إعداد : ماهر فؤاد جويحان

عن فريق التحرير

يشرف على موقع آفاق علمية وتربوية فريق من الكتاب والإعلاميين والمثقفين

شاهد أيضاً

التربية والمجتمع.. علاقة تكاملية وركيزة أساسية لتطور الأفراد

تُعد التربية والمجتمع من المحاور الأساسية التي تُشكل هوية الإنسان وتحدد معالم تطوره. إن العلاقة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *