الحاسوب وتنمية قدرات الطلاب التعليمية والتحصيلية

بقلم المهندس مجدي عبد الكريم أبو زينه

يشهد العالم انفجارا معرفيا متطورا بشكل مستمر ظهر من خلال تراكم المعرفة في مختلف ميادين العلوم بشكل فاق كل التوقعات؛ لذلك اهتم التربويون بتطوير بيئات تعلمية تهدف إلى مساعدة الفرد في مواكبة هذا التطور، وتعتبر الحقائب التعليمية والتعليم المبرمج وتطور البرامج التعليمية نتيجة طبيعية لتطور هذه البيئات، إضافة إلى اهتمامهم بما يسمى بالتربية التكنولوجية التي تركز على زيادة قدرة الفرد في مواجهة التحديات العلمية والتكنولوجية، وزيادة القدرة على تنمية التفكير العلمي الناقد والابتكاري.

فالعديد من المربين يؤكدون على أهمية مواجهة خطر الأمية الحاسوبية من خلال تزايد الاعتماد على تقنيات الحاسوب، لدرجة أن “… العالم اليوم يقف أمام خيارين: حضارة حاسوبية مقابل حضارة غير حاسوبية، وأن الحضارة الحاسوبية هي القادرة على صقل النمو الفكري للطفل” (سعادة والسرطاوي، 2003، 27)، فطرق التدريس التي كانت مناسبة في الماضي قد لا تناسب هذه الأيام؛ لأنها لا تتناسب مع مجتمع المعلومات؛ لهذا كله لا بد من مواكبة هذه التغيرات من قبل المؤسسات والمنظمات الحديثة، ومراجعة سياساتها وأهدافها واستراتيجياتها وتقنياتها ونشاطاتها المتعلقة بالتعليم؛ حتى يتمكن المعلمون من اكتساب الكفاءات والمهارات التي تتطلبها أدوارهم الجديدة في ضوء تزايد المشكلات التعليمية في مجتمع ثورة المعلومات)؛ فتكنولوجيا المعلومات من الاستراتيجيات المهمة التي تساعد في مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين (تساشيل،2002 ؛ Woolf, 2001, 59 &Lohman ).

وظهرت رغبة حقيقية في تطوير المناهج الدراسية، واستخدام وسائط جديدة لمواكبة هذا التطور، وتعتبر تقنيات التعليم من الوسائط المهمة التي تساعد في وصول التدريس إلى درجة عالية من الفعالية، فتقنيات التعليم أصبحت إحدى المكونات الأساسية في النظام التعليمي التي تؤدي إلى زيادة كفاءة التعليم وتحسين مردوده (عياصرة، 2003)، ويقول صبح والعجلوني (2003 ، 167) “… ونظرا للحاجة المتزايدة نحو خلق بيئة تعلم أكثر فاعلية وقادرة على مراعاة الفروق الفردية بين المتعلمين، وجد التربويون في تكنولوجيا الحاسوب وسيلة مؤثرة في أنماط التفكير الإنساني واكتساب المعرفة لدى المتعلمين”.

إن استخدام الحاسوب في التعليم يؤدي إلى مرونة أكبر في الإدارة المدرسية، ويساعد في تحقيق الدراسة المستقلة ذات الأنشطة المتعددة، فهو يسمح لكل طالب أن يسير في دراسته وفق سرعته الخاصة، بل أنه ينير الطريق للمتعلم نحو المعرفة بشكل يحقق التنوع وليس التنميط. و قد بينت العديد من الدراسات أن الإنسان يتذكر(20٪) مما يسمعه، و(40٪) مما يسمعه ويراه، ويتذكر(70٪) في حالة تفاعل الإنسان مع ما يتعلمه (Traci, 2001). وهذا ما دفع القائمين على هندسة وتخطيط المنهج في وزارة التربية والتعليم في المملكة الأردنية الهاشمية إلى اتخاذ خطواتٍ واعيةً جدّاً في مجال إحداث التغيرات في المناهج خلال السنوات القليلة الماضية، حيث قامت بتزويد المدارس بأجهزة حاسوب متطورة، كما قامت بحوسبة العديد من المواد الدراسية، ودربت أعداداً كبيرة من المعلمين على مهارات استخدام الحاسوب، وزادت الاهتمام بالتعليم الإلكتروني.

إن إتقان المعلم لمهارات استخدام الحاسوب لا يعني إتقانه لتصميم البرمجيات التعليمية، فوجود ما يسمى بتربية المنهاج وتربية المعلم يعني انه لابد من وجود تربية للبرمجيات التعليمية، فمراعاة الأسس النفسية والاجتماعية والفلسفية والمعرفية، ومراعاة حاجات واهتمامات ورغبات المتعلم، يمكن أن تتضمنها البرمجية التعليمية؛ لذلك فان هناك ضرورة كبيرة لتدريب المعلمين على إستراتيجيات التعلم من خلال الحاسوب. وتؤكد التطلعات الحديثة في التربية على اعتبار المتعلم محور العملية التعليمية التعلمية، فهي تهتم في تعليم الفرد كيف يتعلم، إضافة إلى اهتمامها في زيادة دافعية المتعلم للتعلم من خلال حب الاستطلاع؛ من أجل إعداده لمواجهة التغيرات والتطورات التي تحدث في هذا العالم، وهذا يعني أن الطرق الحديثة في التدريس يجب أن تصبّ في مجال اعتماد المتعلمين على أنفسهم للحصول على المعلومات بشكل منظم في ضوء تعدد مصادر المعلومات، فتحقيق الذات من الأهداف السامية التي تسعى إلى تحقيقها التربية الحديثة؛ لذلك لابد من معرفة ماهية الطرق والأساليب التي تؤدي في النهاية إلى تحقيق هذا الهدف، فالنشاطات والفعاليات المتنوعة التي تتطلبها عملية تحقيق التعلم الذاتي كفيلة بأن تقود إلى مرونة إدراكية معرفية وانفعالية، وطاقة حرة متوفرة تسمح بإنجاز الأعمال العادية للحياة بطريقة خلاقة ومبتكرة (الأحمد ، 2002).

وقد تطورت أساليب استخدام الحاسوب في التعليم، وهنالك جهود كبيرة من جانب المؤسسات التعليمية في تطوير طرق التدريس بمساعدة الحاسوب، لما له من أثر كبير في تحسين مخرجات التعليم، وتحقيق مبدأ التعلم الذاتي. ويمكن توظيف تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في تدريس الفيزياء بالإفادة من البرمجيات التعليمية المختلفة، والمواقع الإلكترونية ذات العلاقة بالموضوعات الفيزيائية، والاتصال بمجتمع الفيزيائيين حول العالم عن طريق المؤتمرات الإلكترونية والبريد الإلكتروني والوسائل الأخرى لتبادل المعارف والخبرات ذات الصلة بعلم الفيزياء. ومن أجل تحسين فعالية العملية التعليمية قام الإنسان بتطوير العديد من الأدوات المختلفة المستخدمة في إيصال المعلومات للمتعلمين. تنوعت وتطورت هذه الأدوات على مر العصور، وأهمها تلك المستخدمة في تقنيات عرض الصوت والصورة والنص والأفلام والتي تعرف بالوسائط المتعددة.

كما وأحدث وجود الحاسوب ثورة نوعية في القدرة على التعامل مع هذه التقنيات، حيث تم إنتاج برامج عديدة لتسهيل القدرة على استخدام هذه الوسائل مثل برامج بناء الوسائط المتعددة (Multimedia Builder)، و(Visual Basic for Application)” V.B.A”، والفلاش(Macromedia flash)، والعرض التقديمي (PowerPoint). وتزداد أهمية الحاسوب في قدرة عتاده (من أقراص صلبة وأقراص مدمجة ورقمية وغيرها) على تخزين ومعالجة واسترجاع تقنيات عرض الصوت والصورة والنص والأفلام بشكل سريع وممتع، الأمر الذي يزيد من متعة التعامل مع هذه التقنيات. بالإضافة إلى الميزات التي تحتويها هذه التقنيات كالسرعة والأمان والخصوصية و قلة التكلفة النسبية، إضافة إلى متعة الاستخدام (طهبوب، 2002).

وهنا يمكن ان نطرح مثالا في علم الفيزياء الذي يعتبر القاعدة الأساسية لمختلف العلوم الأخرى؛ فهو يقدم التفاصيل العميقة لفهم الأشياء بدءاً بالجسيمات الأولية إلى النواة والذرة والجزيئات والخلايا الحية والمواد الصلبة والسائلة والغازات والبلازما (الحالة الرابعة للمادة) والدماغ البشري والأنظمة المعقدة والحواسيب السريعة والغلاف الجوي والكواكب والنجوم والمجرات والكون نفسه، ويتفرع علم الفيزياء ليشمل نوعين: الأول الفيزياء الكلاسيكية ويضم الميكانيكا، والديناميكا الحرارية، والكهرباء المغناطيسية، والضوء، والثاني الفيزياء الحديثة ويضم النظرية النسبية، وميكانيكا الكم، والفيزياء الذرية، والفيزياء الجزيئية، والفيزياء النووية، وفيزياء الحالة الصلبة. وقد تطور علم الفيزياء بتطور مفاهيم الفيزياء الحديثة منها الليزر، والطاقة الشمسية، والبلازما، والأغشية الرقيقة، والألياف الضوئية، والفيزياء الإشعاعية، والفلك (Serway & Peichner, 2000). وتعد المعرفة العلمية الفيزيائية ضرورية لفهم العلوم النظرية والتطبيقية كالأحياء والطب والصيدلة والزراعة، التي تؤدي دورا عمليا هاما في المجتمع، وتسهم في تحسين معيشة الفرد وتحقيق رفاهيته. وفي أثناء دراسة الفيزياء يكتسب الطالب المفاهيم الأساسية في الفيزياء، وتتطور قدرته على تفسير العديد من الظواهر الطبيعية المختلفة. ويكتسب الطالب نتاجات تعلمية محورية عديدة.

المراجع:

– سعادة، جودت، والسرطاوي، عادل، (2003)، استخدام الحاسوب والإنترنت في ميادين التربية والتعليم. (ط1). عمان، الأردن: دار الشروق.
– الأحمد، أمل، (2002 ). التعلم الذاتي في عصر المعلومات.(ط1). بيروت، لبنان: مؤسسة الرسالة.
– طهبوب، رضوان، (2002). استخدام الوسائط المتعددة في تصميم المساقات المنهجية لطلبة المدارس والجامعات. مسترجع من: http://www.najah.edu/arabic/articles/30.htm
– عياصرة، مصطفى، (2003). أثر استخدام برمجية تعليمية محوسبة في تحصيل طلبة
الصف التاسع الأساسي في مادة التربية الإسلامية. رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة اليرموك، اربد، الأردن
– تساشيل، مارتن، (2002). التعليم الإلكتروني تحد جديد للتربويين: كيف نثبتهم أمام الفوضى المعلوماتية. مجلة المعرفة، ع(91)، 13-17.

– Lohman, M.C. & Woolf, N. H.(2001). Self-Initiated Learning Activities of Experienced Public School Teachers: Methods, Sources, and Relevant.Organizational Influences. Teachers and Teaching: theory and practice, 7(1),59-74.
– Serway, & Peichner, (2000). Physics for Scientific and Engineers with Modern
Physics, 5th Ed. Sounders College Puplishing.
– Traci Hukill. (2001), Why Corporations Are Using Interactive Multimedia for Sales, Marketing and Training. Retrieved April 23,2005, from:
http://www.etimes.com/feature.htm

عن المهندس مجدي أبو زينة

شاهد أيضاً

التربية والمجتمع.. علاقة تكاملية وركيزة أساسية لتطور الأفراد

تُعد التربية والمجتمع من المحاور الأساسية التي تُشكل هوية الإنسان وتحدد معالم تطوره. إن العلاقة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *