التربية من أجل تعزيز الهوية الوطنية والتعددية الثقافية

إذا كنا نعاني اليوم من كثير من مظاهر الاستلاب تجاه الغرب فلأننا نأخذ منه النتائج والثمرات ونعرض عن المبادئ والأسس، نستورد منه لنستهلك وليس لنغرس ونستنبت. ومن البديهي أن عملية الغرس والإنبات تتوقف على إعداد التربة الصالحة والتربة الصالحة لا تستورد.

ومن هنا كان على نظام التعليم العربي أن يعمل على تعزيز الهوية العربية والانتماء الوطني تجاه السيل العارم من التيارات الفكرية التي تتصارع على خريطة العالم، وأن تتضافر الجهود على الساحة العربية لإيجاد برامج بديلة تبث عبر القنوات الفضائية، برامج تؤكد الهوية الثقافية العربية في جميع مناحي العملية التربوية، وتعزز القيم الروحية المستقاة من تراث أمتنا، وإن الحرص على تعزيز القيم الروحية والمثل الأخلاقية وتمجيد قيم العلم في البرامج البديلة يعمل على التصدي للآثار السلبية للبرامج المبثوثة الزاخرة بالتيارات المادية والتحديات والتناقضات التي تهدد العافية الروحية للأمة العربية الإسلامية وللمجتمع الإنساني بأسره.

وقد حددت لنا الخطة الشاملة للثقافة العربية التي وضعتها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم الدور الذي ينبغي أن يضطلع به النظام الثقافي عامة وضمنه النظام التربوي في حياتنا المستقبلية بحيث يتضمن بالضرورة:

‌أ- زرع الثقة والأمل في الأمة العربية من جديد بعدما أصابها من الهزائم والنكبات والإحباطات، إذ من غير الثقة بالذات والأمل في الغد لا يمكن عمل شيء لإخراج هذا الوطن العربي من واقعه الحالي.
‌ب- وضع الأسس الفكرية الحضارية النوعية التي تحتاج إليها هذه الأمة دون التفريط بالقيم الروحية والقومية والإنسانية التي تصوغ ذاتها وهويتها وتغني عطاءها الحضاري.
‌ج- إعادة تأكيد المحاور الأساسية والأهداف الكبرى للأمة العربية والتي دار حولها نضال جماهيرها منذ عصر النهضة وهي:
– الاستقلال والتحرر في مواجهة الهيمنة الأجنبية والاستلاب.
– الوحدة العربية في مواجهة التجزئة الإقليمية الضيقة.
– الديمقراطية في مواجهة الاستبداد.
– العدالة الاجتماعية في مواجهة الاستغلال.
– التنمية الذاتية في مواجهة التخلف أو النمو المشوه.
– الأصالة في مواجهة التغريب والتبعية الثقافية.


وأمام كل ذلك تسعى التربية لتحقيق التفاهم والتعددية الثقافية ضمن الكل الواحد، فما من حضارة حافظت على التعددية الثقافية وصهرت أنماط الثقافة وضروبها في بوتقتها كما هي الحضارة العربية الإسلامية، فقد احترمت ثقافات الأمم من فرس وهند ورومان، وأخذت علوم هذه الأمة وشجعت الترجمة عنها، وأسبغت على ذلك كله الطابع العربي، فجاء الفكر عربي الطابع والسمات، وفي حياتنا المعاصرة والقادمة على التربية العربية أن تحترم ثقافات الأقليات الموجودة على الأرض العربية، وأن تعقد حواراً معها، على ألا يكون ذلك على حساب الثقافة الموحدة، إذ إن التنوع ضمن الكل الواحد الموحد أمر لا خوف منه، أما الخوف فيجيء من أن يكون ذلك على حساب الكل مما يؤدي إلى الانفصال وعدم التناغم الثقافي.

الأستاذ الدكتور أحمد علي كنعان

عن فريق التحرير

يشرف على موقع آفاق علمية وتربوية فريق من الكتاب والإعلاميين والمثقفين

شاهد أيضاً

التعلم التعاوني ودوره في تحفيز الفهم القرائي: ملخص دراسة تحليلية

يمثل التعلم التعاوني إحدى الاستراتيجيات التعليمية الحديثة التي تهدف إلى تعزيز المشاركة الفعالة بين الطلاب، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *