الإنهاك المزمن مرض يتحدى الأطباء

يصادف يوم ۱۲ ايار اليوم الدولي لمتلازمة الانهاك المزمن (Chronic Fatigue Syndrome CFS) وهو ذلك الشعور بالانهاك البالغ والدائم، مما يجعل المصاب به يشعر وكأنه حي ميت، يفتقر للقدرة على القيام بأي مجهود، مهما صغر. لكن هذه الظاهرة تبقى لغزا مستعصيا على الفهم، فهل ينتج المرض عن الاصابة بفيروس، ام مرض يصيب جهاز المناعة في الجسم، أم مجرد مرض عصبي؟

لم يهمل الباحثون اي احتمال واي طريق للبحث، لكن بلا جدوى حتى الان على الأقل.

الفرنسية «آنك للان» هي مؤسسة جمعية مرضى الانهاك المزمنة وتقول انها مصابة بهذا المرض منذ ثماني سنوات. وقد راجعت ثمانية اطباء خلال اربع سنوات. فشكوا بإصابتي بالتهاب الكبد او بأمراض اخرى نادرة، وعندما ثبت عدم اصابتي بهذه الأمراض استنتجوا بأني اعاني من «اعیاء نفسي» وهبوط عام.

ادركت بعد فترة طويلة بأن الأطباء لم يفهموا حقيقة ما اعاني منه. واخيرا، وعند مراجعتي لاحدی المستشفيات الكبيرة، توصل اختصاصي خلال خمس دقائق إلى تشخيص حالتي، وانني اعاني من متلازمة الانهاك المزمن.

وبادرت بعدئذ الى تأسيس جمعية لهذا المرض من اجل توعية الجمهور والأطباء على السواء واقناعهم بأن الانهاك المزمن هو مرض حقيقي.

والإنهاك لا يعتبر مرض في العادة، فهو مجرد عرض يصاحب أمراضا متنوعة «مثل امراض الغدة الدرقية، فقر الدم، الأرق المزمن، التهاب الكبد الوبائي، التهاب المثانة الخلالي، السرطان، الايدز» وقد ينتج عن الإفراط في العمل او تفاقم الضغوط النفسية والاحباط. لكن متلازمة الانهاك المزمن تختلف عن التعب العادي والمؤقت غالبا. فالمريض هنا يعاني من انحطاط في القوي وانهاك يعوق انجازه لواجباته المهنية والعائلية والاجتماعية، ولا يزول هذا الإنهاك حتى بعد أخذ قسط من الراحة.

لكن هذا المرض ليس محددة وجيد التعريف حتى الآن، ففي فرنسا مثلا اجريت دراسات احصائية لهذا المرض بين عامي ۱۹۹۳ – ۲۰۰۱ وتفاوتت النتائج تفاوتا هائلا. فبعضها خرج بأن عدد المصابين به يبلغ مائة شخص، بينما وصل تقدير دراسات اخرى الى 150 ألف مصاب، وبفضل تقرير فريق عمل خاص في بريطانيا اعترفت الحكومة البريطانية بأن هذه المتلازمة تعتبر مشكلة صحية عامة وحقيقية.

وقدرت اصابة ربع المصابين بهذه المتلازمة بأنها اصابة شديدة، بحيث انهم يعجزون عن مغادرة منازلهم ويمضون حياتهم بين السرير واريكة قريبة منه.

ظهرت اول اشارات الى الانهاك المزمن باعتباره مرضا محددة قبل نحو اربعين سنة، وقد ظهر على قائمة الأمراض التي تنشرها منظمة الصحة العالمية قبل 33 عاما. ويسعى نحو 500 باحث في مختلف انحاء العالم للكشف عن سر هذا المرض، في محاولة للعثور على مسبب له، سواء أكان فيروسا او بكتيريا او ما شابه ذلك. وقد نشر حتى الان اكثر من ۲۰۰ دراسة علمية في هذا الموضوع، دون نتائج حاسمة.

پری «مركز السيطرة على الأمراض» الامیرکی (CDC) بأن الانهاك المزمن ليس مرضا تخيلية أو ناتجة عن الوهم. وقد صاغ هذا المركز التعريف التالي لهذا المرض:

انهاك بلا سبب واضح يستمر اكثر من اربعة اشهر، ويرافقه أربعة على الأقل من الأعراض التالية:

1. اضطرابات في جهاز المناعة
2. اضطراب النوم
3. اضطراب الذاكرة القصيرة
4. عدم التركيز
5. آلام عضلية او مفصلية
6. صداع غير مألوف
7. غثيان يستمر اكثر من ٢٤ ساعة نتيجة بذل اي جهد.

ورغم أن الدول القليلة التي تعترف بهذه المتلازمة كمرض قد قبلت هذا التعريف، الا انه لا يعتبر تعريفا كافيا او مرضيا حتى الان، فالطبيب غير مخول بتشخيص الإصابة بهذا المرض الا بعد أن يستبعد بشكل مؤكد جميع الاسباب الأخرى المحتملة للإنهاك، وهي أسباب عديدة.

ويلزم عادة نحو ستة اشهر حتى يثبت خلو المريض من أي من هذه الأمراض، وحتي يستنتج الطبيب اصابته «بمتلازمة الانهاك المزمن». اي انه اثبات بالغيبة by default أي غيبة اي مرض آخر محتمل وليس اثبات قائمة على تحديد عامل معين مسبب للمرض وهو يشبه في ذلك الوصف الساخر للحساسية:

( هي كل ما ليس كذلك).

ويخلص التقرير البريطاني الى ان الشفاء من هذه المتلازمة، بعد تشخيصها لدى المريض، ليس بالأمر السهل، وقد لا يتحقق حتى خلال 10 سنوات، الا اذا كانت الاصابة خفيفة وتأثيرها على صحة المريض العامة طفيفة، وهذا هو رأي د. انتوني بنشنغ من مستشفى سانت برتولوميو في لندن.

وما دام سبب هذا المرض مجهولا فان العثور على علاج فعال له يبدو مستبعدا، والبديل حاليا هو اعطاء مسكنات للالام العضلية وآلام المفاصل، أو معالجة اضطرابات النوم.

والمسار الاول الذي تتابعه الأبحاث هو احتمال حصول المرض بسبب إصابة الجهاز العصبي المركزي. وقد دلت الصور الدماغية بالفعل أن المصابين بالمرض يعانون من تشوهات في الدماغ اكثر مما لدى الأصحاء، وتظهر هذه التشوهات او الشذوذ في الفص الأمامي الصدغي من الدماغ، وهو المعني بالذاكرة القصيرة، وقد يكون ذلك ناجمة عن نقص تروية هذا الجزء بالدم، لكن هذا الأمر قد يحصل بسبب عوامل متنوعة: فيروس، اجهاد، عجز في عمليات ايض الغذاء.

والمسار الثاني المحتمل هو الفيروس، خاصة وان هذا المرض يحصل عادة بعد الإصابة بمرض معد. فعندما يصاب شخص بالتهاب الكبد الوبائي او بالانفلونزا، فانه يعاني من هبوط القوى والانهاك لايام او اسابيع او على الأسوأ بضعة اشهر، لكن المصاب بمتلازمة الانهاك المزمن يعاني من الانهاك دون شفاء مرتقب. لكن الباحثين لم يعثروا بعد على فيروس محدد قد يكون مسؤولا عن هذا المرض.


وعلى أية حال، فما دامت الجهات الصحية المسؤولة في معظم دول العالم لا تعترف بأن الانهاك المزمن مرض حقيقي له كيانه الخاص به، فانها لن تكون مستعدة لتخصيص اية اموال لدعم الابحاث الهادفة لفهمه ومعرفة مسبباته وعلاجه. وتستثنى من ذلك الحكومة البريطانية، والتي اعترفت بهذا المرض رغم غياب الاثباتات القاطعة، وهذا يعني انها ستقدم الدعم للابحاث في هذا المجال.

مصدر الصورة
pixabay.com

عن فريق التحرير

يشرف على موقع آفاق علمية وتربوية فريق من الكتاب والإعلاميين والمثقفين

شاهد أيضاً

زيت الزيتون وفوائده الصحية ودوره في حماية القلب ومكافحة الأمراض

يُعدُّ زيت الزيتون من أبرز المكونات الغذائية التي تشتهر بها منطقة الشرق الأوسط، ويحتل مكانة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *