• أقسام الغلاف الجوي
• ما هو غاز الأوزون؟
• الأوزون درع الأرض الهش
• كيمياء الأوزون في طبقات الجو العليا
• الجذور الحرة والتفاعلات المتسلسلة
• الإنسان والأوزون
أقسام الغلاف الجوي
اتفق العلماء على تقسيم الغلاف الجوي المحيط بالأرض الى 4 طبقات رئيسية. وهي من أسفل الى أعلى:
– طبقة التروبوسفير (Troposphere): ويبلغ سمكها في المتوسط 11 كم.
– الاستراتوسفير (Stratosphere): ويبلغ سمكها في المتوسط حوالي 50 كم وتمتد من 11-60 كم إرتفاعاً عن سطح البحر، وهي الطبقة التي يتجمع ويتولد فيها غاز الأوزون، وتسمى أحياناً بطبقة الأوزون – أوزونسفير OZONOSPHERE.
– الميزوسفير (Mesosphere):
– الثرموسفير (Thermosphere):
وتعرف الطبقة الأولى- التروبوسفير Troposphere – بطبقة التغيير، ويمتد ارتفاعها الى حوالي 8 كم فوق القطبين الى حوالي 18 كم فوق المنطقة الاستوائية تقريباً. وهي من أهم الطبقات لأنها تضم أهم الغازات اللازمة للحياة، مثل الأوكسجين ( بنسبة حوالي 21 %) والنتروجين ( بنسبة 78 % تقريباً) وثاني أوكسيد الكاربون، وهي المكونات الأساسية لخليط الهواء. وفيها تحدث معظم الظواهر والتغيرات الجوية المعروفة من ضباب، وسحب، وأمطار، ورياح، ومطبات هوائية، وعواصف، وذلك نتيجة لدورة بخار الماء، التي تعتبر مقصورة على هذه الطبقة وحدها؟ كما ان درجة الحرارة في هذه الطبقة تتناقص بمعدل درجة مئوية واحدة كلما ارتفعنا حوالي 160 متراً للأعلى.
وكما نعلم فإن خليط الهواء حيوي جداً لجميع الكائنات الحية إذ تحتاج النباتات الى غاز ثاني أوكسيد الكاربون والنتروجين لاستكمال عمليات نموها، في حين تحتاج الكائنات الحية الأخرى بما فيها الإنسان، الى غاز الأوكسجين لأداء وظائفها الحيوية، وتتحرك مكونات هذا الهواء الأساسية، الأوكسجين والنتروجين وثاني أوكسيد الكاربون، في دورات محكمة التنظيم تحفظ لخليط الهواء ثباته وإتزانه.
وإذا ما بحثنا في الإنسان وحده، فاننا نجد أنه يحتاج في الحالات العادية الى قدر كبير من الهواء يومياً، يقدر بنصف لتر هواء في كل شهيق، وبحوالي 22 الف مرة في المتوسط في حالة السكون، ويزداد ذلك في حالة الحركة، وبذل المجهود. ويبلغ معدل ما يحتاجه الإنسان العادي من الهواء يومياً 15 ألف لتر، تزن نحو 16 كغم، وهي كمية تفوق كل ما يستهلكه الإنسان من غذاء وماء في اليوم الواحد.
ما هو غاز الأوزون؟
الأوزون مركب كيميائي يتكون من اتحاد 3 ذرات أكسجين (O3)، وهو ذو رائحة مميزة ( رائحة البحر ) التي تعزى لتصاعد كميات قليلة من الأوزون، الذي تفوق سميته مركبات أول أكسيد الكربون والسيانيد.
ويتصف الأوزون بأنه يتفكك بالتسخين، وذلك عندما تتجاوز درجة الحرارة مائة درجة مئوية. ويتصف بقابليته للذوبان في الزيوت العطرية وبحساسيته الشديدة للصدمات والاهتزازات. كما أنه قابل للانفجار إذا وجدت معه، وهو سائل، بضع ذرات من الغازات العضوية.
ويعتبر العالم ماتينوس فان ماركوس أول من اكتشف وحضّر الأوزون عام 1758م، ثم حضّره كريستيان ساشونيين في عام 1860م وأطلق عليه “الأوزون”. ويتم تحضير الأوزون في المختبر بالاعتماد على تحليل جزيئات الأكسجين باستخدام الطاقة، ويتحقق ذلك عن طريق تحرير غاز الأكسجين الجاف والمبرد حتى درجة الصفر المئوي في جهاز خاص يسمى “مولد الأوزون”، ثم يتم إحداث تفريغ كهربائي هادئ داخل الجهاز؛ فيتولد بذلك غاز الأوزون.
يتكون غاز الأوزون في طبقتي الجو: السفلى – التروبوسفير، والعليا- الستراتوسفير، بطريقتين مختلفتين:
– في طبقات الجو السفلى، القريبة من سطح الأرض، يتكون الأوزون من تفاعل أوكسيدات النتروجين والهايدروكاربونات المنبعثة من حرق الوقود، في وجود الشمس والحرارة، في ما يعرف بالتفاعلات الكيميائية الضوئية.ويشكل الأوزون في التروبوسفير نحو 10 في المئة من إجمالي الأوزون الموجود في الغلاف الجوي كله.ويعتبر هذا الأوزون السطحي( كما يطلق عليه أحياناً) من ملوثات الهواء الخطرة، فهو يسبب إلتهابات في العينين، والحنجرة، والرئتين، عند التعرض له.كما يؤدي الى تراجع القدرة على التفكير والتركيز.والأشخاص المصابون بالربو هم شديدو الحساسية للأوزون.كما يؤثر الأوزون في نمو النباتات، ويسبب أضراراً مختلفة للغابات.
– أما في طبقات الجو العليا- الستراسفير، فيتكون الأوزون من التفاعلات الطبيعية بين جزيئات الأوكسجين وذراته. فجزيء الأوكسجين ينشطر الى ذرتين بفعل الأشعة فوق البنفسجية، وتتحد ذرة واحدة من هاتين الذرتين مع جزيء من الأوكسجين لتكوٌن جزيئاً واحداً من الأوزون( 3 ذرات من الأوكسجين).وفي الوقت نفسه يتفكك جزيء الأوزون بفعل الأشعة فوق البنفسجية الى جزيء من الأوكسجين( ذرتي أوكسجين) وذرة واحدة منه.وتتوالى هذه التفاعلات المسلسلة بصورة طبيعية،أي ان الأوزون يتكون ويتفتت بفعل الأشعة فوق البنفسجية بصورة طبيعية متوازنة تحافظ على تركيزه في طبقات الجو العليا على إرتفاع 25 الى 50 كيلومتراً من سطح الأرض، في ما يعرف بطبقة الأوزون وفيها لا يتعدى متوسط تركيز الأوزون أكثر من 10 أجزاء في المليون حجماً.ويشكل الأوزون الموجود في الستراتوسفير نحو 90 في المئة من إجمالي الأوزون الموجود في الغلاف الجوي كله.وهذا الأوزون يعتبر ” الأوزون الجيد”، حيث تعمل طبقة الأوزون هذه علي حماية الكائنات الحية علي سطح كوكب الأرض من الجزء الضار من الأشعة فوق البنفسجية،إذ أنها تعمل كمرشح طبيعي يمتص الأشعة فوق البنفسجية، التي تضر بالكثير من أشكال الحياة، وتلحق أضراراً بالغة بصحة الإنسان.
ويتم قياس الأوزون في الجو بأجهزة مختلفة توضع على الأرض أو تركب في بالونات أو طائرات، وأيضاً يمكن قياس الأوزون من الأقمار الأصطناعية. وقد اخترع جوردون دوبسون أول جهاز لقياس الأوزون في العشرينات من القرن العشرين.,بواسطة الجهاز يمكن قياس شدة أشعة الشمس في موجتين مختلفتين للأشعة فوق البنفسجية،إحداهما يمتصها الأوزون بدرجو كبيرة، والأخرى لا يمتصها الأوزون.ويوضح الفرق بين القراءتين إجمالي الأوزون ( عمود الأوزون) في موقع القياس.وتكريماً لجوردون دوبسون أُطلق إسمه على وحدة قياس الأوزون، التي أصبحت تعرف بإسم وحدة دوبسون.
لتصور مدى ضاًلة كمية الأوزون الموجودة في الغلاف الجوي كله، نفترض- يقول د.عصام الحناوي- أنه لو أمكننا جمع الأوزون ووضعه متساوياً في طبقة واحدة حول الكرة الأرضية، لوجدنا أن سمك هذه الطبقة عند سطح الأرض لا يزيد عن 5 مليمترات.
الأوزون درع الأرض الهش
جاء في بحث قيم،زودني به الباحث د.عدنان الظاهر،وعنوانه: الأوزون- درع الأرض الهش، أيلول/ سبتمبر 2001، ميونيخ / المانيا،هو مستلة خاصة أرسلها له المؤلف البروفسور فرانك رولاند- أستاذ الكيمياء في جامعة كالفورنيا الأمريكية في ارفاين:
العلماء المختصون وسائر البشر في السنوات الأخيرة الأهمية البالغة الخطورة لطبقة من الجزيئات النادرة نسبيا لمركب يعرف ( الأوزون ) وهو أحد مكونات الغلاف الجوي المحيط بالأرض . لقد تم الكشف في السنوات القليلة الماضية عن شدة حساسية طبقة الأوزون لفعاليات بني الأنسان التقنية والعواقب الوخيمة لأزالة هذه الطبقة من خلال أبحاث أجريت على تفاعلات كيميائية لم يفطن لها أحد من قبل , ذاك لأنها تجري على ارتفاع يزيد على العشرين ميلا فوق سطح الأرض . ولحسسن الحظ جاءت هذه المعارف الجديدة في الوقت المناسب لتطوير فهم أعمق لطبقات الجو العليا ولأتخاذ الخطوات اللازمة لصيانة طبقة الأوزون من دمار غير مقصود .
كيمياء الأوزون في طبقات الجو العليا
الملاحظة الدقيقة لقوس قزح تبين أن ضوء الشمس يحتوي كافة أطياف اللون المرئي التي تتدرج ما بين اللون الأحمر واللون البنفسجي. وفضلا عن هذه الألوان المرئية فان في ضوء الشمس صنفين من أشعة غير مرئية هما الأشعة تحت الحمراء وتمتاز بطول موجاتها وصغر طاقاتها. ثم الأشعة فوق البنفسجية قصيرة الموجات شديدة الطاقات. لقد أدرك العلماء منذ قرن من الزمان أن الأشعة فوق البنفسجية القادمة من الشمس الينا تتوفر بغزارة بموجات أطوالها قريبة من 290 نانومترا (النانو متر يساوي واحد بالبليون من المتر , أو أن المتر الواحد أكبر من النانو الواحد بألف مليون مرة ).أما الأشعة فوق البنفسجية ذات الأطوال الموجية الأقصر من 290 نانو مترا فانها لحسن الحظ لا تصل الينا مطلقا . ففي وصولها هلاك الحياة على سطح الأرض . ولسوف نرى لاحقا دور كل من غازي الأوكسجين والأوزون في منع وصول هذا الصنف من الأشعاعات عالية الطاقة الينا وذلك بامتصاصها والتحول بالتفاعلات الكيميائية من شكل الى آخر . أما العين البشرية فانها ترى الموجات التي تتراوح أطوالها بين 400 نانومترا ( اللون البنفسجي ) و 760 نانو مترا (اللون الأحمر ) .
لقد أدرك العلماء أخيرا أن عدم وصول أشعة الشمس الأقصر طولا موجيا من 290 نانومترا الى سطح كرتنا الأرضية انما هو نتيجة لأحدى الخصائص التي يتميز بها الغلاف الجوي المحيط بالأرض , حيث يتعين على ضوء الشمس أن يخترق هذا الغلاف قبل أن يستطيع الوصول الى سطح الكرة الأرضية .فان العالم البريطاني هارتلي أدرك في ثمانينيات القرن التاسع عشر أن التركيب ثلاثي الذرات للأوكسجين المعروف بالأوزون O3 يمتص أطوالا موجية معينة لضوء الشمس وبذا يمنعها من الوصول الى الأرض . وكان على حق اذ استنتج أن الأوزون الموجود في طبقات الجو العليا هو المركب الذي يحول دون وصول الأشعة فوق البنفسجية الأقصر طولا من 290 نانومترا والعالية الطاقة الى سطح الكوكب الأرضي .
ومع عصر الصواريخ والتجارب التي تقوم بها التوابع الأرضية والأقمار الصناعية ازدادت معرفة الأنسان بخصائص وظروف غلاف الأوزون الواقي . فلقد أصبح آواخر سبعينيات القرن الماضي واضحا أن معدل كمية الأوزون المتوفر في الغلاف الجوي هي أقل بقليل من واحد بالمليون من مجموع مكونات الهواء الجوي . وأن تركيز هذا الأوزون يتغير من يوم لآخر ومن فصل لفصل, بل ومن سنة لسنة . وأن الأوزون أكثر وفرة قرب القطبين منه عند خط الأستواء . وأنه في الشتاء أكثر منه في الصيف . ورغم قلة تركيز الموجود منه فان استمرارية وجود غلاف الأوزون الواقي بوضعه الراهن لعلى درجة قصوى من الأهمية بالنسبة للجنس البشري .
قبل أكثر من قرن من الزمان صمم سدني جابمان Sydney Chapman منظومة من التفاعلات الكيميائية لتفسيرالطرق التي يتكون بها غاز الأوزون وآليات تحطمه وكمية الموجود منه فعلا في الجو . ان أول خطوة في المجرى العام للتفاعلات هي امتصاص جزيئة غاز الأوكسجين للأشعة فوق البنفسجية الأقصر طولا موجيا من 242 نانومترا . والأوكسجين كما هو معلوم يشكل نسبة 21 % حجما من مجموع المكونات الغازية في الجو , وأنه شفاف تجاه الأشعة المرئية , أي أنه لا يمتصها فتمر خلاله كما يمر ضوء الشمس خلال الزجاج الكامل الشفافية والنقاء . وعندما تمتص جزيئة الأوكسجين الأشعة فوق البنفسجية القصيرة الأطوال الموجية فان الآصرة الكيميائية التي تربط ذرتي هذه الجزيئة تتكسر والناتج ذرتا أوكسجين فعالتان حسب المعادلة التالية :
1- جزيئة أوكسجين + اشعة فوق بنفسجية = ذرة أوكسجين + ذرة أوكسجين
وهاتان الذرتان النشطتان كيميائيا قادرتان على الأتحاد مع جزيئة أوكسجين أخرى لتكوين جزيئة أوزون حسب المعادلة التالية :
2- ذرة أوكسجين + جزيئة أوكسجين = جزيئة أوزون
جزيئة الأوزون هذه ذات طاقة عالية , وأن هذه الطاقة العالية تنتقل الى جزيئات الجو المحيط الأخرى عن طريق التصادمات فتتحول الى حرارة . وهذه الحرارة تلعب دورا رئيسا في تكوين قسم متميز في الغلاف الجوي يدعى ستراتوسفير Stratosphere على ارتفاع يتراوح بين 12 – 32 ميلا فوق سطح الأرض .
لا يستطيع الأوكسجين امتصاص أشعة الأطوال الموجية الأكبر من 242 نانومترا . غير أن الأوزون قادر على امتصاص هذا الصنف من الأشعة , ولكن ما هي عاقبة هذا الأمتصاص ؟؟
الآن يأتي دور كيمياء الأوزون . المعادلة الثالثة تفسر ما يحدث :
3- انفلاق جزيئة أوزون الى ذرة أوكسجين وجزيئة أوكسجين . أي أن المعادلة الثالثة هي عكس المعادلة رقم 2
جزيئة أوزون + أشعة فوق بنفسجية = ذرة أوكسجين + جزيئة أوكسجين
مرة أخرى تستطيع ذرة الأوكسجين المتكونة وفق المعادلة الثالثة أن تتحد مع جزيئة أوكسجين لتكوين جزيئة أوزون جديدة كما في المعادلة 2 .
يكون امتصاص الأوزون للأشعة فوق البنفسجية على أشده للأطوال الموجية التي تتراوح بين 250 – 280 نانومترا . غير أنه يعجز عجزا كاملا عن امتصاص موجات أشعة بطول 290 نانومترا وما فوق ذلك , اذ تنجح هذه الأشعاعات الشمسية في الوصول الينا واليها يرجع أصل وأسباب الحياة على الأرض .
وبسبب فعاليته الكيميائية يستطيع الأوزون أن يتفاعل مع ذرات الأوكسجين الأمر الذي يفضي الى تكوين جزيئتين من الأوكسجين حسب المعادلة الرابعة التالية :
4- ذرة أوكسجين + جزيئة أوزون = جزيئتا أوكسجين O3 + O = 2 O
من هذه المعادلات جميعا نرى أن الأوزون دائم التكون تحت فعل أشعة الشمس فوق البنفسجية , وأنه دائم الأختفاء بتفاعله مع الأوكسجين الذري . وتدعى هذه الحالة بحالة الثبات المتوازن حيث يحتفظ الأوزون بنسبة جزيئة واحدة مقابل مليون جزيئة من الهواء الجوي .
معادلات ( جابمان ) المارة الذكر، والتي غالبا ما تسمى ( ميكانزم جابمان )،قدمت تفسيرات نوعية وأخرى كمية لدرع الأوزون ظلت مقبولة حتى مجيء عصر الفضاء . فمنذ أوائل ستينيات القرن الماضي تجمعت معلومات دقيقة حول شدة أشعة الشمس فوق البنفسجية كماأجريت أبحاث مختبرية حول طبيعة التفاعلات الكيميائية ذات الصلة , فضلا عن القياسات المباشرة لأوزون طبقة الستراتوسفير . بينت هذه الأنجازات الحديثة نسبيا أن ميكانزم جابمان غير شاملة , وأن أمورا هامة أخرى وتفاعلات كيميائية قد فاتت جابمان مما جعل تقديراته لكمية الأوزون الموجود فعلا ليست صحيحة . رأينا في القسم الأول ( معادلة رقم 1 ) كيف يتكون الأوزون , لكن تبقى موضوعة معرفة ألية ( ميكانزم ) ازالة هذا الأوزون . فهنالك تفاعلات كيميائية آخرى لم تكن معروفة من قبل تجري في الجو فتؤدي الى اتلاف الأوزون . أهمها قاطبة تلك التي تساهم فيها الجذور الحرة Free Radicals. فلكل شيء سبب ودمار طبقة الأوزون له أسبابه كما سنرى .
الجذور الحرة والتفاعلات المتسلسلة
تم حوالي عام 1970 الكشف عن العملية المسؤولة عن أوسع ازالة وتدمير لغاز الأوزون . انها تتضمن تفاعلا كيميائيا مختلفا تماما عن تفاعلات جابمان : تفاعلا كيميائيا متسلسلا محتثا بوسيط مساعد . فما هو هذا الوسيط المساعد ؟
معلوم أن أهم مكونات الغلاف الجوي هما غاز الأوكسجين الجزيئي وغاز النايتروجين الجزيئي الذي يشكل نسبة 78 % حجما من مجموع غازات الجو . تتحد كمية ضئيلة من هذين الغازين فينتج غازان جديدان هما أوكسيد النايتروجين NO وغاز ثاني أوكسيد النايتروجين NO2 . ومعلوم أيضا أن أغلب مكونات الجو الأساسية فيها عدد زوجي من الألكترونات , لكن في كل من هذين الأوكسيدين عددا فرديا من الألكترونات . ففي الأوكسيد الأول خمسة عشر الكترونا فقط ( عدد فردي ) وفي الأوكسيد الثاني ثلاثة وعشرون ( كذلك عدد فردي ) . لذا فالغازان ينتميان الى صنف الجزيئات الفردية الألكترونات والتي تسمى ( الجذور الحرة ) . يمتاز معظم الجذور الحرة بالفعالية الكيميائية العالية وهذان الأوكسيدان أنموذجان لهذا الصنف من المركبات الكيميائية .
يهاجم أوكسيد النايتروجين NO غاز الأوزون فينتج غاز الأوكسجين وغاز ثاني أوكسيد النايتروجين NO2 كما في المعادلة 1
1- No + O3 = NO2 + O2
يتفاعل الجذر الحر NO2 المتكون حديثا حسب المعادلة أعلاه مع ذرة أوكسجين فيتكون الجذر الحر NO ثانية مع جزيئة أوكسجين حسب المعادلة رقم 2
2- NO2 + O = NO + O2
وحصيلة هذين التفاعلين كما هو مبين في هاتين المعادلتين زوال جزيئة أوزون O3 وذرة أوكسجين مع بقاء أوكسيد النايتروجين NO دونما أية خسارة في كميته , أي أنه بلعب هنا دور العامل المساعد الحاث . لذلك تسمى دورة NO – NO2 بنظام العامل المساعد القادر على ازالة مئات الآلاف من جزيئات الأوزون قبل أن تنغلق هذه الدورة بدخول جذر حر جديد فيها كما تبينه المعادلة رقم 3
3- OH + NO2 = HNO3
وهنا يتحول غاز ثاني أوكسيد النايتروجين NO2 حامض النايتريك HNO3 .
دورة أخرى لجذور حرة جديدة
تم عام 1973 تشخيص سلسلة فعالة من جذور حرة يلعب فيها العامل المساعد دورا أساسيا . انها تتضمن ذرة كلور Cl وأوكسيد الكلور ClO وكلاهما جذر حر فردي الألكترونات كأوكسيدي النايتروجين ماري الذكر . يتفاعل الكلور الذري مع الأوزون فيكون الناتج أوكسيد الكلور وجزيئة أوكسجين كما في المعادلة رقم 4
4- Cl + O3 = ClO + O2
ثم يتفاعل أوكسيد الكلور الناتج في هذه المعادلة مع ذرة أوكسجين فيتكون الكلور ثانية مع جزيئة أوكسجين كما في المعادلة 5
5- ClO + O = Cl + O2
واضح من سياق المعادلتين الأخيرتين 4 و 5 أن ذرة الكلور تلعب دور الوسيط الحاث أي دور العامل المساعد .
يستنتج من هذه المعادلات المارة الذكر أن أوكسيدي النايتروجين والكلور الذري وأوكسيد الكلور اذ تدخل في تفاعلات متسلسلة بوجود عامل مساعد قادرة على تهيئة الظروف الملائمة لأثبات أن تراكيز واطئة جدا من الجذور الحرة تستطيع أن تزيل أوزون الجو بالتفاعلات المتسلسلة المضاعفة والتي تتضمن في الأساس انتقال ذرة أوكسجين من جزيئة الى أخرى , وتحويل ذرة أوكسجين الى جزيئة أوكسجين . وأن جزيئات الأوكسجين في طبقة الستراتوسفير Stratosphere تتفكك فتعطي ذرات أوكسجين نتيجة امتصاصها للأشعة فوق البنفسجية القصيرة الموجات ( أقل من 242 نانومترا . أنظر المعادلة 1 في القسم الأول ) . ولما كان الأوكسجين يمثل 21 % حجما بالنسبة لمجموع مكونات الهواء فانه يمثل مصدرا لا ينضب لتزويد طبقات الجو العليا بذرات الأوكسجين الضرورية جدا لأستمرارية ادامة حدوث التفاعلات المتسلسلة بالعامل المساعد .
من الطبيعي أن يتبادر السؤال التالي الى الذهن :
ما هو مصدر ذرات الكلور التي تلعب دور العامل المساعد في طبقة الستراتوسفير بالنسبة للتفاعل المتسلسل ( معادلة رقم 4 ) المسؤول عن ازالة الأوزون من هذه الطبقة ؟؟
يجيب الخبراء بكيمياء طبقات الجو العليا أن مصدر هذا الكلور هو مركب كلوريد المثيل CH3Cl الذي يتفكك فيعطي ذرة كلور تتصاعد الى الطبقات العليا من الجو فتلعب دورا أساسا في احدى دورات تدمير غاز الأوزون ( المعادلات 4 و 5 ) . أما أوكسيدا النايتروجين الداخلان في ميكانيكية ازالة الأوزون الأولى ( المعادلات 1 و 2 ) فانهما موجودان أصلا في طبقة الستراتوسفير . كما يمثل أوكسيد آخر للنايتروجين هو N2O والمسمى Nitrous Oxide مصدرا اضافيا لهما . فالتقديرات المعتمدة تشير الى أن في الجو من هذا الأوكسيد الأخير ثلاث جزيئات في كل عشرة ملاييين جزيئة هواء . جدير بالذكر أن هذا الأوكسيد بحد ذاته غير نشط كيميائيا , فالكتروناته زوجية العدد ( 22 الكترونا ) لكنه يعطي اذ يتفكك في طبقات الجو العليا نسبة بسيطة من غاز NO الشديد الفعالية والعامل المحرك المساعد للتفاعل المتسلسل الأول آنف الذكر ( المعادلات 1 و 2 ) . أما أصل هذا الأوكسيد الأضافي N2O فهو غاز النايتروجين الجوي العادي الذي تثبته النباتات بتحويله الى مركبات آزوتية تتفكك لاحقا , بفعل البكتريا على وجه الخصوص , فيكون هذا الأوكسيد أحد نواتج هذا التفكك . غيرأن ناتج هذا التفكك الغالب هو غاز النايتروجين . واضح أن هذه العمليات هي المسؤولة عن ثبات توازن كمية الأوكسيد N2O في الجو .
الإنسان والأوزون
يقع 90 % من مجموع الهواء الجوي في المنطقة المسماة تروبوسفير Troposphere،التي يبلغ ارتفاعها 10 أميال فوق سطح الكرة الأرضية, حيث لا غيم ولا مطر ولا سحاب فوق هذا الأرتفاع . وتلعب طبقة التروبوسفير دورا فعالا في حفظ الحياة على سطح كوكبنا الأرضي, ذاك لأن الغازات المختلفة بما فيها ملوثات الجو والغازات المدمرة للأوزون مثل أكاسيد النايتروجين تغسل أو أن تذوب في مطر ورياح منطقة التروبوسفير المحملة بالغيوم . وهذا يقف أمامها سدا حائلا يمنعها من الوصول الى طبقة الستراتوسفير الأعلى منها حيث يوجد أغلب أوزون الهواء . لذلك فالطائرات النفاثة العادية المصممة للتحليق في منطقة التروبوسفير حتى ارتفاع مقداره 6 – 7 أميال فوق سطح الأرض لا يشكل أي خطر على حزام الأوزون . لماذا ؟
لأن رياح وأمطار هذه المنطقة تجرف أوكسيد النيتروجين NO الذي يتكون من اتحاد الأوكسجين مع النايتروجين بفعل الحرارة العالية داخل المحرك النفاث للطائرة . وهما أهم مكونات الهواء كما نعلم . اذا عجز هذا الغاز ذو الفعل المدمر للأوزون عن الوصول اليه في طبقة الستراتوسفير , فمن أين ترى يأتي الخطر على حزام الأوزون ؟
يأتيه الخطر من المصادر التالية:
أولا : طائرات السوبرسونيك المصممة للتحليقات العالية حيث تكون كثافة الهواء قليلة فتكون سرعة طيرانها عالية جدا . والأمثلة الشهيرة على ذلك طائرة الكونكورد الفرنسية – البريطانية وطائرات التوبوليف 144 الروسية المصممتان للتحليق على ارتفاع عشرة أميال ( 16 كيلومترا)،بينما تحلق طائرات الطيران المدني العادية على ارتفاع يتراوح بين 8 – 10 كيلومترات فقط .
أما طائرة البوينغ السوبرسونيك الأمريكية فالمفروض أن تحلق على ارتفاع اثني عشر ميلا وهوأعلى ارتفاع بالنسبة للطيران المدني حتى اليوم . اذن فهذه الطائرات التي تطير لمسافات طويلة في الأقسام السفلية من طبقة الستراتوسفير انما تمثل الخطر الأول على حزام الأوزون بما تنفثه من غاز NO ذي الدور المعلوم في ازالة الأوزون كيميائيا ( المعادلات 1 و 2 ) . لقد سبقت قبل قليل الأشارة الى أصل هذا الغاز وظروف تكونه في الحرارة العالية داخل المحركات النفاثة للطائرات . وبسبب انعدام السحب والأمطار في طبقة الستراتوسفير فأن ما يتكون من هذا الغاز في هذه المنطقة لا يزول , وتلكم وأيم الحق داهية الدواهي .
ثانيا : الصواريخ الحاملة لسفن الفضاء والمركبات الفضائية المصممة لأكثر من تحليق كوني واحد.
يستهلك في الغالب الوقود الصلب لقهر قوة الجاذبية الأرضية وتيسير صعود هذه المركبات والصواريخ الفائقة الوزن . ان أهم مكونات الوقود الصلب هي مادة بركلورات الأمونيومAmmonium Perchlorate. وتشير التقديرات الحديثة الى أن طيرانا كونيا من هذا القبيل يخلف وراءه في طبقة الستراتوسفير مائة طن من غاز الكلور . ولقد رأينا الدور المخرب الذي تلعبه ذرات الكلور في ازالة غاز الأوزون ( المعادلات 4 و 5 ) .
ثالثا : مركبات الكاربون الحاوية على ذرات فلور وذرات كلور Chlorofluorocarbons وأكثرها شهرة واستعمالا تلك التي تستعمل في أجهزة التبريد كالمركب CCl3F والمركب CCl2F2، وكلاهما مركب غير نشط كيميائيا أي أنهما خاملان . لا يذوبان في الماء ويمتازان بسهولة تحولهما من الحالة السائلة الى الحالة الغازية وبالعكس . ولقد بينت تجارب اجريت أواخر عام 1973 في جامعة كالفورنيا الأمريكية في ارفاين أن هذه المركبات تتفكك على ارتفاع عشرين ميلا بتأثير أشعة الشمس فوق البنفسجية القصيرة معطية ذرات الكلور التي تلعب الدور المبادر في مسلسل دورة تخريب الأوزون كما رأينا سابقا ( المعادلتان الرابعة والخامسة ) .
واليوم يكاد لا يخلو بيت من هذه المركبات . فانها في الثلاجات وفي أجهزة تبريد المنازل صيفا وتدفئتها شتاء . وأنها تمزج مع سوائل أخرى تحت ضغط عال في قناني معدنية محكمة الغلق , وعند فتحها للجو تتحول الى أبخرة أو غازات , كأجهزة رش أو بخ الشعر Hair Spray وقناني ازالة الروائح الكريهة من بيوت الراحة وسواها من الأمكنة . أما أجهزة تبريد مكائن السيارات فلا يستخدم فيها الا هذان المركبان سالفا الذكر .
هذا هو دور الأنسان , خالق التقنيات المعاصرة التي كانت يوما ما مجرد أضغاث أحلام , في تخريب طبقة الأوزون , درع الأرض الواقي الشديد الحساسية للجذور الحرة . ان مجرد معرفة ما يجري للأوزون في منطقة الستراتوسفير لا يكفي لدرء المخاطر المحدقة به , بل ينبغي على الأنسان , وقد أدرك سر ومصادر الخطر , أن يسعى للحيلولة دون وقوع الكارثة . ويتطلب هذا الأمر تظافر جهود الجميع , فالسماء ملك للبشرية مشترك وكذلك طبقة الستراتوسفير : المسرح المأساوي العريض .
أ.د. كاظم المقدادي
المراجع
أحمد مدحت إسلام التلوث مشكلة العصر، الكويت، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 1990.
د.طارق قابيل، الأوزون.. “ومن السموم الناقعات دواء” ،”إسلام أونلاين.نت”، 23/09/2003
د.عصام الحناوي، قضايا البيئة في مئة سوال وجواب،المنشورات التقنية،” البيئة والتنمية”، بيروت، 2004.
د.عدنان الظاهر، الأوزون درع الأرض الهش، أيلول/سبتمبر 2001، ميونيخ / المانيا.
شكرا دكتور على البحث المتميز عن طبقة الأوزون واهميتها وأسباب تآكلها