• تعريف التفكير
• التفكير الناقد
• مهارات التفكير الناقد
• علاقة التفكير الناقد بالذكاء
• تعليم التفكير الناقد
شهد النصف الثاني من القرن التاسع عشر من التطورات السريعة والقيمة التي أفضت بها حركة النشاط التعليمي الغزير في كافة جوانب العلم والمعرفة، وللمحافظة على نتاجات هذه التطورات وتعزيزها ظهر اتجاه تعليمي يبدو مثيرا، أطلق عليه تعليم التفكير Teaching Thinking يهدف لاستثمار أقصى ما يمكن من طاقات البشر وتسخيرها لما يفيد حياتهم ويحفظ تراثهم العلمي والحضاري للأجيال القادمة.
ومما ساهم في نشأة هذا الاتجاه عوامل كانت وراء التطور المعنوي في میدان التربية والتعليم بمختلف جوانبه، ومن أبرزها:
اولا: الحرب الباردة التي تلت الحرب العالمية الثانية وما رافقها من سباق تقني عسكري وتنموي شمل حياة شعوب كلا المعسكرين الشرقي والغربي.
ثانيا: ظهور المؤسسات التربوية وحركة حقوق الانسان والمواثيق الدولية التي نادت بحق الانسان بتعليم افضل يتناول جوانب نمائه وتطوره لاقصى حد ممكن حتى يتفاعل مع محيطه وبيئته ضمن اعلى درجات التكيف.
ثالثا: نشاط حركة القياس والتقويم، التي أفادت أبحاث التعلم ذات المنحى التطبيقي، وجندت لها مبالغ ضخمة من المال لم يسبق أن وظفت في البحث العلمي.
رابعا: الازدهار الاقتصادي للمجتمعات بفعل التطور الصناعي واكتشاف ثروات البلدان من نفط وغاز ومعادن.
خامسا: ظهور العديد من النظريات التي تفسر التعلم والنمو والتطور.
مهارة التفكير الناقد
لا يعني تعليم التفكير كما يبدو أنه محاولة لحل لغز ما، بل يعني القدرة على وضع الأمور في نصابها، واستغلال أقصى ما يمكن من القدرة الانسانية باستخدام مواقف تظهر وتنمي تلك القدرات التي بدت طرق التعليم التقليدية متواضعة في إظهارها، فهو محاولة لتعليم مهارات عقلية موجودة لدى الإنسان، لكنها غير مفعلة أو مستغلة بالشكل الأمثل، كالاستدلال، اتخاذ القرار، حل المشكلات، وغيرها من مهارات التفكير التي ثبت دورها في تحسين مستوى انتاجية المتعلم وقدرته على الاستجابة لمتطلبات البيئة بكفاءة واقتدار.
والتفكير عملية ضرورية في حياتنا اليومية، فالطريقة التي نفكر من خلالها تؤثر في طريقة تخطيطنا للحياة وفي أهدافنا وقراراتنا، بمعنى أنه الطريقة التي نوجه اهتماماتنا المفضلة نحوها سعيا لتحقيق أهدافنا، فيساعدنا التفكير على النظر في الاختلاف بین ما نستطيع فعله وبين ما يتوجب علينا فعله، ويساعدنا على التخلص من الشكوك عن طريق الاختيار بين عدد من الاحتمالات المتوافرة والناتجة عن البحث والتقصي في المعلومات الواضحة والمعقدة.
ويرى العديد من التربويين أن المعرفة المتخصصة لن تصبح مهمة الجيل المستقبل بقدر اهمية المهارة في معاملتها عقليا من خلال آلية تسمى تعليم التفكير، لذا فان هذه الالية اصبحت على سلم أولويات النظم التربوية المتقدمة في العالم.
وتظهر اهمية تعليم التفكير من صعوبة الاحاطة بالإنتاج المعرفي الضخم المتسارع وأخذه بشكله وكمه، فيجدر اكساب المتعلم آلية النظر في هذا الانتاج ليعيد صياغته بالشكل الذي يفيده ومجتمعه
يقول ديبونو Debono : ان بإمكان الجميع تحسين ابداعهم اذا ما استطاعوا تعلم القفز بخيالهم بأسلوب مبتكر وفعال.
ويؤكد التربويون على ان التفكير مهارة عملية يجب استخدامها وليس تعلمها فقط، فزيادة نشاط التفكير جزء أساسي من وظيفة معلم المستقبل، ففي الماضي انصب التعليم على فنون القراءة والكتابة والحساب دون النظر الى تعليم التفكير، ولكن ظهر توجه تعليم تلك الفنون مقترنة مع فن تعلیم التفكير لجعل الطلبة يتفاعلون اكثر من المحتويات المعرفية المقدمة لهم في المنهاج وخارج المنهاج بل ويجعلهم يدركون أهمية تفكيرهم وتفكير الاخرين.
كما تشير الدراسات التي تناولت التفكير الى ارتباطه بالشعور مع ان كثيرا منه يمارس في اللاشعور، حيث ترتبط دراسة التفكير بعدة مصطلحات هي الشعور او الوعي، الذاكرة، والتعلم، والتي تدل على أن الحياة العقلية تتضمن المعنى لما يتم التعامل معه من مواقف الحياة اليومية لتطور تأكيد الذات لدى الأفراد.
تعريف التفكير
اختلف دارسو التفكير في ايجاد تعریف شامل يحيط بكل جوانبه، ذلك بفضل التفكير نفسه الذي جعلهم يتفقون على بعض جوانبه من جهة ويختلفون على ذلك من جهة اخرى.
ومن هذه التعريفات ما خلص اليه هيمان Herman في عام ۱۹۸۹ من ان التفكير عبارة عن القدرة على القراءة لما بين السطور والتقييم ومن ثم اصدار الأحكام.
وفي هذه الدراسة تم التركيز على التفكير الناقد باعتباره مهارة اساسية ومتداخلة مع مهارات التفكير الأخرى، وبوصفه الأقدم في الدراسة والبحث من بين مهارات التفكير.
التفكير الناقد
پری ديبونو De Bono عام 1981 ان الخطوة الأولى في تعليم التفكير تعني الاستغناء عن اصدار الأحكام الارتجالية واعتبار جميع النقاط المهمة ذات الصلة بالموقف المدروس وتفحصها بترو قبل اصدار الأحكام واتخاذ القرارات.
وتستعرض كوتون Cotton عام 1999 مجموعة من التعاريف التي تناولت التفكير الناقد، ويبدو أهمها في رواية بعض التربويين ان التفكير الناقد: يمثل القدرة على تقييم المعلومات وفحص الاراء مع اعتبار جميع وجهات النظر في الموضوع قيد البحث. في حين يرى آخرون أن التفكير الناقد، يتمثل بالقدرة على مهارة التمييز بين الفرضيات والتعميمات وبين الحقائق والادعاءات وبين المعلومات المنقحة والمعلومات غير المنقحة، وينظر اخرون للتفكير الناقد بأنه القدرة على قياس حقيقة المعرفة ودقتها والحكم على المعلومات المستندة الى المصادر وفحص الأمور في ضوء الدليل ومقارنة الحوادث والأخبار ثم الاستنتاج.
مهارات التفكير الناقد
تری هارنادك Harnadek أن مهارات التفكير الناقد تبدو واضحة في صفات المفكر الناقد وهي:
1- تفتح الذهن في استقبال الافكار الجديدة.
2 – الابتعاد عن الدخول في مجادلة غير مؤهل الدخول بها.
3- معرفة الوقت الذي يحتاج فيه لمزيد من المعلومات عن امر ما.
4 – معرفة الفرق بين النتيجة التي قد تكون حقيقة وبين النتيجة التي يجب ان تكون حقيقة.
5- معرفة أن للناس معاني وافكار مختلفة لدلالة العبارات.
6 – تجنب الاخطاء الشائعة في التفكير وتحليل المواقف.
7- محاولة الفصل بين التفكير العاطفي وبين التفكير المنطقي.
8- محاولة اكتساب مفردات جديدة وتطوير دلالاتها ليفهم معانی عبارات الاخرين وافكارهم.
ويؤكد كثير من التربويين أن مهارات التفكير الناقد تتمثل بما يلى :
1- تمييز الفرضيات وتعريف غير الواضح منها.
2- استنباط واستخلاص المعلومات.
3- التمييز بين الحقيقة والرأي والادعاء.
4- التمييز بين المعلومات الضرورية وغير الضرورية.
5- معرفة التناقضات المنطقية.
6- تحديد دقة الخبر واستيعابه والتأني في الحكم عليه.
علاقة التفكير الناقد بالذكاء
يرى بعض العلماء أن ارتفاع معامل الذكاء لدى الفرد هو امر اساسي في تعلم مهارات التفكير الناقد بشكل اكثر فائدة، في حين يركز اخرون على اهمية الخبرة والنضج في تعليم مهارات الناقد، ويذهب اغلب العلماء الى اهمية اقتران معامل الذكاء والخبرة للوصول الى تعلم افضل في مهارات التفكير الناقد.
تعليم التفكير الناقد
يؤكد هنتر HUNTER على ان مسؤولية تدريب الأطفال على مهارات التفكير الناقد تقع على عاتق القادة التربويين، وذلك من خلال اهتمامهم بتعليم المهارات الاساسية للتفكير حتى يسهل على الأفراد التعاطي بفعالية مع المتغيرات المحيطة بهم.
وتری روبنسون Robinson أن تعليم الاطفال التفكير الناقد اصبح متطلبا وهدفا رئيسيا في عملية التعليم، فإذا كنا نسعى لخلق جيل من الطلبة يتعامل بدرجة عالية من النجاح في مجتمع عالي التقنية يتوجب علينا تسليح اولئك الطلبة بمهارات التفكير الناقد مقترنة بالمهارات التعليمية.
وتعتقد کونار Kunar انه يجب على المدرسة أن تدخل برامج تعليم التفكير الناقد ضمن خدماتها، كما يتوجب على المعلمين اعطاء الأولوية التعليم التفكير الناقد في الصف، وان يعملوا على التنسيق مع الاهالی وإدارة مدارسهم لوضع تشريع قانوني يدعم ويلزم المدارس بتعليم التفكير الناقد.
ويوصي رامير Rarlier بتقديم برامج تطور مهارات التفكير الناقد لدى معلمي المدارس المساعدتهم في تطوير المحتويات التعليمية التي يعلمونها للطلبة بحيث تتضمن تلك الدروس مهارات التفكير الناقد.
في حين يقول هایس Hayes ان تعليم التفكير الناقد يجعل التربية اكثر استراتيجية وعمقا وتنظيما ودعما وأكثر قيما.
ومن خلال النظر في تطور حركة تعليم التفكير الناقد، نرى أن انصار تعليم التفكير الناقد ساروا في اتجاهين رئيسيين، بدا كل واحد منهما أنه الاكثر نفعا لأصحابه، فكان الأول يمثل تعليم التفكير الناقد داخل المنهاج الدراسي، في حين نادي الثاني بتعليم التفكير الناقد خارج المنهاج الدراسي كبرنامج مستقل.
أولا تعليم التفكير الناقد داخل المنهاج المدرسي
يرى بعض معدي برامج التفكير ومنهم معدو برامج التفكير الناقد بانه لا يكفي اعداد وتصميم برامج خاصة في تعليم مهارات التفكير بل يجب أن تدخل تلك المهارات في المنهاج المدرسي ككل، بحيث يركز المعلم على مهارات التفكير من خلال المادة الدراسية، واكد اولئك على اهمية تضمین المناهج المدرسية المختلفة مهارات تعليم التفكير الناقد في كل الموضوعات الدراسية وبمختلف المراحل التعليمية، ابتداء من رياض الاطفال.
ويرى انصار اتجاه تعليم التفكير الناقد داخل المنهاج الدراسي ان ابرز اسباب دعواهم تلك تبدو في:
1- مساعدة الطلبة في التغلب على صعوبات التعلم المدرسي في المهارات الأكاديمية الأساسية «قراءة، كتابة، حساب» وغيرها من المواد الدراسية.
2- اكساب الطلبة فهما اعمق للمحتوى المعرفي في المادة الدراسية، وتنشيط مستمر للمادة الدراسية مما يجعل الموضوعات الدراسية اكثر ارتباطا بواقع حياتهم.
3- تحسين قدرة الطلبة في تعلم المادة التعليمية يحفزهم لاستخدام عمليات التفكير المختلفة في الوصول للتفسيرات الصحيحة واتخاذ القرارات الدقيقة في المادة الدراسية.
4- تطوير مهارات التفكير الناقد لدى الطلبة تقع على عاتق المعلم، لذا تبرز اهمية تعريض المعلمين قبل وأثناء الخدمة الى مجموعة من الخبرات التعليمية الغنية بمهارات التفكير الناقد حتى يسهل على المعلمين التفاعل النشط مع تلك النشاطات داخل المنهاج الدراسي وحتى لا يشعروا بغرابتها.
5- تحسين نوعية ادوات التقييم التي تصمم لقياس كفاءة الطلبة في اجتياز المتطلبات التعلمية في كل مادة دراسية بحيث تصبح اكثر تعرضا القياس تطبيق مهارات التفكير الناقد على المحتويات المعرفية المختلفة.
ثانيا: تعليم التفكير الناقد كمادة مستقلة ( خارج المنهاج الدراسي)
ويقصد بذلك بناء برنامج خاص بالتفكير الناقد بحيث يقوم مختص بتدريبه للطلبة، حيث ان تعليم التفكير الناقد داخل المنهاج ليس الوسيلة الوحيدة لتوفير التعليمات اللازمة لإكساب مهارات التفكير الناقد وتطبيقها في الواقع خارج الصف والمنهاج المدرسي، فيتوجب على المعلم أن يحدد الأولويات الواجب على الطالب تعلمها من خلال تلك البرامج حتى لا يشعر بابتعاد ما يتعلمه عما يعيشه، فهدف برامج تعليم التفكير الناقد هو الرقي بتفكير الطالب لجوانب تتعدى التحصيل المدرسي.
ذلك أن الاهتمام بالتفكير بشكل مباشر كمهارة يحتم التركيز على المهارة وليس على المحتوى، فالتركيز على المحتوى يشكل عائقا امام تنمية الابداع لدى الأشخاص.
ويبرر مؤيدو هذا الاتجاه دعواهم هذه بما يلي:
1- أن محتوى المنهاج التعليمي مقید بزمن محدد يجب انجازه فيه، وحيث ان تعليم التفكير الناقد قائم على اساس اشباع الموضوع قيد البحث بالمناقشة واعتبار وجهات النظر المختلفة لتكوين وجهة النظر الخاصة بالفرد، فان الزمن لن يمهل المشاركين على تنفيذ مهارات التفكير الناقد بالمستوى المطلوب داخل المنهاج التعليمي.
2- زيادة مستوى دافعية الطلبة من خلال ادراكهم لأهمية الموضوع الذي يدرسونه.
3- جعل الطلبة يشعرون بعمليات التفكير التي يقومون بها.
4- جعل عملية تقييم التفكير الناقد اكثر دقة.
5- يخشى أن يهدم محتوى المنهاج اذا ما درس من قبل معلمين قد يسيئوا استخدامه او غير قادرين على دمج مهارات التفكير الناقد في المحتوى الدراسي.
ثالثا: تعليم التفكير الناقد كمادة مستقلة كغيره من المواد، متزامنا مع تعليم التفكير الناقد داخل المنهاج المدرسي، والذي ظهر اتجاه جديد في بداية العقد الماضي، ويقود هذا الاتجاه انیس Ennis.
اعداد : قيس ابراهيم صالح المقدادي
عن رسالة ماجستير