عرف الانسان الأول العديد من الديانات، ولعل من أقدمها الديانة الطوطمية Totemism التي هي نظام معتقد أو ممارسة اجتماعية يتم فيها تبجيل بعض الحيوانات أو النباتات أو الجمادات وعناصر الطبيعية.
كما يتم في هذه الديانة تبجيل بعض الأشياء الطبيعية كرموز روحية أو أسلاف أو أوصياء من قبل مجموعة أو مجتمع معين.
رابط مقدس مع الطوطم
وسواء كان الطوطم Totem الذي يتم تقديسه من أصل نباتي او حيواني او جوامد فان القبيلة او العشيرة تتخذه رمزاً يميزها عن بقية العشائر والقبائل، ويتسمى أفرادها كافة به.
نتيجة لذلك يعتقد أفراد القبيلة بأن الطوطم هو جدهم المقدس وحاميهم، أو أنه مرتبط برباط ديني مع جدهم.
كما يشعر أفراد العشيرة أو القبيلة أنَّهم يرتبطون بالطوطم الذي يقدسون برباط غامض، ويؤلفون معه وحدة اجتماعية.
وغالبًا ما يُعتقد أفراد القبيلة أن هذه الأشياء، المعروفة باسم الطواطم، تمتلك قوى أو صفات خارقة للطبيعة ويُعتقد أنها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بهوية المجموعة ورفاهيتها.
فينظرون له في حياته وبعد وفاته كواحد منهم، وينزلونه والأمور المتعلقة به منزلة التقديس.
طقوس واحتفالات
في المجتمعات البدائية التي تدين بالديانة الطوطمية، تجري للطوطم احتفالات وطقوس مختلفة، كما تتخذ رمزاً يجسم في تماثيل أو في نصب، أو ينقش على الجسم والملابس والأسلحة.
هذا يعني أن المجتمعات الطوطمية، عادةً ما يتعرف الأفراد أو الجماعة على طوطم معين، والذي يكون بمثابة نوع من الشعار لمجموعتهم الاجتماعية.
كما يمكن أن تمثل الطواطم أيضًا النسب أو القرابة أو فضائل معينة مرتبطة بالحيوان أو الشيء الذي تصوره.
وغالبًا ما تحيط الطقوس والاحتفالات والمحظورات بالعلاقة بين المجموعة وطواطمها، ويمكن أن تختلف هذه بشكل كبير بين الثقافات والتقاليد المختلفة.
بداية دراسة الديانة الطوطمية
لقد ظهرت هذه الكلمة (طوطم) لأول مرة في عام ۱۷۹۱ في كتاب “جون لونج John Long” أسفار ورحلات لمترجم هندي (Voyages and Travels of an Indian Interpreter).
كما تمت دراسة مفهوم الطوطمية على نطاق واسع من قبل علماء الأنثروبولوجيا، وخاصة في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.
ويعتقد الباحثون أنَّ الطوطمية شكل بدائي للدين، وكانت عاملاً هاماً في تنمية التماسك الاجتماعي للمجتمعات البدائية.
كما ويرى بعض الباحثين أن الطوطمية طريقة دينية واجتماعية، أما الناحية الدينية فيها، فتشمل الاحترام والمراعاة المتبادلة بين الطوطم والفرد المؤمن به.
وفي حين أن الطوطمية ترتبط بشكل شائع بثقافات السكان الأصليين، إلا أنه يمكن أيضًا العثور على ممارسات ومعتقدات مماثلة في مجتمعات أخرى عبر التاريخ.
الجوانب الاجتماعية
أما الناحية الاجتماعية للطوطمية فتظهر بالواجبات المتبعة بين أفراد القبيلة الواحدة التي تؤمن بنفس الطوطم.
مثال ذلك: تحريم الزواج من داخل العشيرة أو القبيلة التي تؤمن بطوطم واحد، وذلك لشعورهم برابطة الأخرة التي تجمعهم حول الطوطم المعين.
ولاعتقادهم أيضا بأنهم جاؤوا من صلب ذلك الطوطم، على أن أفراد القبيلة إذا كان طوطمهم حيواناً، فإنَّهم يرتدون جلده أثناء احتفالاتهم الدينية، وعادة ما تكون الجلود من الطواطم التي تموت.
بالإضافة إلى ذلك فإن بعض أفراد الطوطم يقومون بنقش صورة الطوطم على قطعة خشبية أو على الحجارة، ويقومون بوضعها في أماكن خاصة .
ظاهرة ثقافية
يعتبر بعض علماء الإنسان أنَّ الطوطمية ظاهرة ثقافية.
ولعل أفضل تعريف لها ما قاله راد كليف براون بأنها مجموعة من العادات والمعتقدات التي يقوم بمقتضاها نسق خاص من العلاقات بين أفراد المجتمع من ناحية، والحيوانات أو النباتات وعناصر البيئة الطبيعية الأخرى التي تلعب دوراً هاماً في الحياة الاجتماعية من ناحية أخرى.
أشكال الطواطم
يمكن أن تتخذ الطواطم أشكالًا مختلفة وتخدم أغراضًا مختلفة اعتمادًا على السياق الثقافي الذي توجد فيه.
فيما يلي بعض الأنواع الشائعة من الطواطم:
1- الطواطم الحيوانية: ربما تكون الحيوانات هي النوع الأكثر شيوعًا من الطوطم.
حيث يُعتقد أن بعض الحيوانات تجسد صفات أو خصائص أو قوى روحية معينة يقدسها المجتمع أو المجموعة.
على سبيل المثال، قد يمثل الذئب القوة والولاء، بينما قد يرمز النسر إلى الحرية والرؤية، والماشية للخصب والنماء.
2- الطواطم النباتية: يمكن أيضًا أن تكون النباتات، مثل الأشجار أو أنواع معينة من الزهور، بمثابة طواطم في بعض الثقافات.
يمكن تقييم هذه النباتات لخصائصها الطبية أو أهميتها الرمزية أو ارتباطها بفضائل معينة، او ارتباطها بقصص ورموز عند الأسلاف.
3- طواطم العناصر Elemental:
تقدس بعض الثقافات العناصر الطبيعية مثل الماء والنار والأرض والهواء باعتبارها طواطم.
وقد تمثل هذه العناصر الجوانب الأساسية للوجود، مثل الحياة والخلق والدمار والتجديد.
4- طواطم الأسلاف:
غالبًا ما يتم تبجيل الأسلاف أو أرواح الأجداد كطواطم في العديد من ثقافات السكان الأصليين.
حيث قد تأخذ هذه الطواطم شكل أفراد الأسرة المتوفين أو كبار السن الموقرين الذين يُعتقد أنهم يقدمون الحماية والتوجيه والحكمة لأحفادهم.
5- الطواطم العشائرية أو القبلية:
وهي الطواطم المشتركة التي تنتقل مع الأجيال جيلاً بعد جيل ويكون هذا الطوطم عاماً لجميع الأفراد.
وبالتالي ترتبط بعض الطواطم بعشائر أو قبائل أو مجموعات اجتماعية معينة.
حيث تعمل هذه الطواطم كرموز للهوية الجماعية والتضامن، وغالبًا ما ترمز إلى التاريخ والقيم والتطلعات المشتركة للمجتمع.
6- الطواطم الشخصية ( طوطم الفرد ):
بالإضافة إلى الطواطم الجماعية، قد يكون لدى الأفراد أيضًا طواطم شخصية.
وطوطم الفرد وهو الذي يكون للفرد ويختص به، وهذا الطوطم لا ينتقل إلى أولاد الشخص بالوراثة، بل إن لكل فرد منهم طوطم مختلف.
وفي العادة تحمل الطواطم الشخصية أهمية خاصة بالنسبة لهم، حيث يمكن أن تكون هذه حيوانات أو أشياء أو رموز لها صدى لدى الشخص على المستوى الشخصي أو الروحي العميق، وتوجهه وتمكنه في رحلة حياته.
7- طوطم الجنس : وهو الطوطم الخاص بالرجال أو الطوطم الخاص بالنساء من أفراد القبيلة الواحدة.
هذه الفئات من الطواطم لا يستبعد بعضها بعضا، ويمكن أن تتداخل الطواطم في كثير من الأحيان في معانيها ووظائفها ضمن إطار ثقافي أو روحي معين.
هذا وقد انتشرت الديانة الطوطمية، وبقيت إلى عهد قريب في بعض شعوب استراليا وجنوب أفريقيا وأمريكا الجنوبية والرابطة بين الطوطم وكل فرد في القبيلة التي تؤمن بها هي رابطة قوية ومتينة
أخيرا
في الختام، يقدم الدين الطوطمي أو الديانة الطوطمية لمحة عميقة عن التفاعل المعقد بين المجتمعات البشرية والعالم الطبيعي.
فعبر الثقافات والتقاليد المتنوعة، تعمل الطواطم كرموز قوية للهوية والروحانية والتضامن المجتمعي.
فمن الطواطم الحيوانية والنباتية إلى أرواح العناصر والأجداد، تربط هذه الكيانات التي حملت قدسية خاصة للأفراد والمجتمعات وبالقوى المقدسة التي تشكل حياتهم.
ومن خلال الطقوس والاحتفالات، تؤكد المجتمعات الطوطمية روابطها مع طواطمها، وتطلب الحماية والتوجيه والحكمة من هذه الكائنات الموقرة.
علاوة على ذلك، توفر دراسة الطوطمية رؤى قيمة حول أصول الهياكل الاجتماعية البشرية، والمعتقدات الدينية، والطرق التي تدرك بها الثقافات العالم من حولها وتتفاعل معه.
المهندس أمجد قاسم
أقرأ أيضا