أسباب الارتداد الحمضي وقرحة المعدة والعلاج

الدكتورة إيناس بركات

كان الناس في القديم يأكلون طعامهم بكل بساطة إما ليملئوا معدة فارغة وإما لمجرد الاستمتاع بالطعام، لم يكن أحدهم يقول ما أكثر السعرات الحرارية في هذا الطعام، أو يتساءل إن كان رغيف الخبز غنيا بالنخالة الضرورية لعملية الهضم، أو إذا كان الدجاج مسلوقا أو مشويا ومنزوع الجلد للتخلص من الدهون المتكدسة تحته، أو هذا الطعام يضر قلبي أو معدتي وهكذا! .

لقد تغيرت الأمور الآن وأصبحت الموائد حلبة صراع بين الصحة والمتعة فكل منا يخطط لوجباته بدقة وكأن أحدنا قائد عسكري يخطط للمعركة ويوزع قواته في جبهة القتال بحيث غدا الصراع بين أن نأكل ما يناسب صحتنا وبين ما نحب من الطعام صراعا أبديا يستمر طوال حياتنا .

” إن كل شيء في الدنيا يمكن قبوله إلا معدتي وآلامها وحموضتها أو قرحتها ” جملة متكررة أسمعها في بيتي أو من أصدقائي أو من زملائي في العمل جملة ليس لها علاقة بسن أو مهنة أو جنس ، الكل يتفق فقط على آلامها المبرحة ووجعها المستمر والمتكرر ، فهل فكرتم يوما أن تستمعوا لمعدتكم وتسمعوا شكواها قبل أن تفاجئكم وتتكلم هي بصوت عال لن تحتملوه ؟ خاصة أن جميعنا لا يجيد التعامل معها أو يتعامل معها بعنف ما دام صوتها خافتا .

من أكثر الأمراض أو الشكاوي التي نسمعها يوميا هي الحموضة والحرقة أو ما يسمى بالارتداد الحمضي أو في الحالات المتطورة القرحة المعدية فما هي هذه الشكاوي وما هي مسبباتها وطرق الوقاية والعلاج .

1- الارتداد الحمضي

عندما نبلع الطعام وقبل أن يصل للمعدة فإنه يمر بقناة تعرف بالمريء حيث يمر المريء بطبقة من العضلات تعرف باسم الحجاب الحاجز وأحيانا يدخل جزء من المعدة إلى الحجاب الحاجز مسببا حالة مرضية تسمى الفتق الفرجوي حيث يسمح ذلك لحمض المعدة بأن يرجع للمريء وهو ما يعرف بالارتداد الحمضي ومن أهم أعراض هذه الحالة :

 اضطرابات هضمية مزعجة وآلام بطنية .
 حموضة وحرقة تمتد من المعدة للحلق أحيانا .

غالبا ما يساعد العلاج الغذائي والنصائح الغذائية والثقافية في السيطرة على بوادر هذه الحالة ، فحاول إتباع هذه الإرشادات قدر المستطاع إذا كنت تشكو من ارتداد حمضي أو (حموضة) :

1- امضغ الطعام جيدا قبل البلع
2- لا تشرب الماء مع الوجبات
3- تفادى تناول الوجبات الكبيرة الدسمة خاصة في المساء لأن الاستلقاء يسهل خروج الحامض من المعدة وحاول تناول وجبة العشاء قبل النوم بثلاث ساعات على الأقل وقد يساعد أن ترفع نفسك في السرير بواسطة الوسائد من تخفيف الارتداد الحمضي
4- حاول تفادي التداخلات الغذائية قدر الإمكان واعتمد مبدأ التفريق بين البروتينات والنشويات أثناء كل وجبة واليك هذا الجدول الذي يبين المجموعات الغذائية التي يمكن جمعها معا
5- حاول إنقاص وزنك إذا كنت تشكو من زيادة في الوزن

أما عن الحرقة فأسبابها كثيرة ويمكن أن تكون عابرة بعد وجبة طعام غنية كما ويمكن أن تكون مستمرة عندما تكون العضلة التي تفصل بين المعدة والمريء ضعيفة فتسمح للحمض بالوصول لأعلى الحلق وللوقاية من الإصابة بالحرقة حاول ما يلي :

1- لا تكثر من شرب القهوة والشاي والسكر فإنها تزيد خطر الإصابة بالقرحة أو تتعثر عملية الشفاء .
2- اعتمد نظاما غذائيا يركز على الألياف مثل الشوفان والأرز غير المقشور والفاكهة والخضار .
3- لا تكثر من أكل المقالي والوجبات الدسمة .

2- قرحة المعدة

عبارة عن ثورة داخلية نتيجة لتآكل في جدار المعدة الداخلي وعدم قدرة أنسجة المعدة على تحمل الأحماض والإنزيمات التي تفرزها المعدة نفسها لتسهيل عملية الهضم وهي أحماض الهيدروكلوريك وإنزيم الببسين المسئول عن هضم البروتينات متسببة بآلام تختلف حدتها من شخص لآخر تتمثل بتقلصات في المعدة متباينة بالشدة لكنها متكررة مع الإحساس بوجود نار داخل المعدة وصعوبة في البلع وميل للقيء .

تصيب عادة الجزء الأسفل من المريء والمعدة أو الإثنى عشر وفي حالة تطورها يحدث نزيف دموي يخرج عن طريق الفم في صورة قيء بني أو أحمر اللون أشبع بلون القهوة لأنه مختلط بعصارات المعدة أو أنها تظهر بالبراز بلون أسود نتيجة اختلاط الدم بالطعام المهضوم في المعدة ، ولقد اكتشف جديدا علاقة قرحة المعدة ببكتيريا تسمى H . Pylori (الهيليكوباكتيربايلوري) وهي بكتيريا تتشبث بجدار المعدة وتعيش بها وتحيط نفسها بمادة بروتينية لا يستطيع الحمض الوصول لها وهذه البكتيريا معدية تنتقل عن طريق استخدام الأدوات المشتركة والأطعمة الملوثة ، كما وجد أنها تصيب أصحاب فصيلة الدم (O ) ومن الممكن أن يصاب بها الإنسان في جميع الأعمار لكنها تنتشر عند كبار السن وفي حال ثبت وجودها بالمعدة يجب استخدام العلاج المتكامل بالمضادات الحيوية للقضاء عليها .

وللهروب من هذا المأزق يجب أن نعرف جيدا كيف نصبح أصدقاء مخلصين ومطيعين لمعدتنا الغالية أولا عن طريق العلاج بالأدوية وهذه يحددها الطبيب المختص بالجهاز الهضمي ، ثانيا بطلب المساعدة من الطب البديل وإتباع بعض النصائح الغذائية المهمة:
محاولة الإقلاع عن التدخين لأنه يؤخر عملية الهضم ويضعف عمل الصمامات في المعدة ويعيق عملية الشفاء .

ممارسة نوع من أنواع الرياضة وأسهلها وأقلها تكلفة رياضة المشي السريع مع تغيير نمط الحياة العادي .

تجنب تناول المقالي والوجبات السريعة العالية المحتوى من البروتينات والدهون وقليلة الألياف والخضار ، ناهيك عن محتواها العالي من السعرات الحرارية .
امضغ الطعام جيدا قبل البلع وحاول تناول وجبات خفيفة ومتعددة طوال اليوم مع التركيز على تناول وجبة الإفطار فهي ضرورية لحماية معدتك خاصة بعد فترة نوم وحتى لا تضطر لتناول كمية كبيرة من الطعام على الغداء .
لا تكثر من تناول الحمضيات والعصائر والأطعمة الحراقة والتوابل وخفف قدر الإمكان من شرب القهوة .
لا تكثر من تناول المسكنات وخاصة أدوية المفاصل والروماتيزم لأنها تضر بالمعدة
الابتعاد قدر المستطاع عن الضغوطات النفسية والعصبية ومحاولة ممارسة نوع من رياضات التأمل أو اليوجا للتخفيف من التوتر النفسي .
يمكن اللجوء لبعض النباتات الطبية المفيدة والتي تساعد في علاج القرحة طبعا هذه ليست دعوة لترك الدواء جانبا بل هي مساعدة مع الأدوية مثل :
– البابونج : يحتوي على مواد مضادة للتقلصات والالتهابات كما ويساعد على التئام الجروح بسرعة قم بإضافة 4 ملاعق صغيرة من البابونج لكوب ماء مغلي كبير ينقع لعشر دقائق ويشرب دافئ على معدة فارغة 3 مرات يوميا ولفترة تتراوح من 2-3 أشهر .
– البيلادونا ( ست الحسن ) : تحتوي على مادة الأتروبين التي تقلل إفراز المعدة وتقلصاتها متوفر في الصيدليات على شكل أكياس شاي جاهزة ينقع الكيس في كوب ماء مغلي لمدة 10 دقائق ويشرب بعدها 3 مرات يوميا لمدة شهرين لكنه قد يسبب بعض الآثار الجانبية عند البعض منها جفاف في الحلق واتساع في حدقة العين .


– العرقسوس : شراب شعبي متوفر دائما يحضر بأخذ البودرة ويضاف عليها القليل من البيكربونات ثم تنقع في الماء بتركيز عالي ثم يؤخذ قدر ملعقتين من هذا المنقوع وتوضعان في قطعة قماش لتصفية الشوائب ثم نضعها في نصف كوب ماء لنصف ساعة قبل الشرب لكن احذر من شراب السوس إذا منت تعاني من أمراض القلب والضغط المرتفع .
– الموز علاج جيد لقرحة المعدة لكن لا تكثر منه إذا كنت سمينا أو مريض سكري .
– يساعد فيتامين أ في شفاء القرحة لأنه يساعد في شفاء وتجديد الأنسجة بجرعة 10000وحدة دولية للنساء ، 25000 وحدة دولية للرجال يوميا لكن لا تكثر منه إذا كنت تشكو من حصى في الكلى أو إذا كنت سيدتي حامل .
– الزنك ضروري ويساعد في شفاء الأنسجة بجرعة 30 ملغم يوميا .
وأخيرا لنحاول تغيير نمط حياتنا ونتمتع بنظام غذائي صحي متوازن ونعتدل في كل شيء حتى في الأكل والشرب فلا نأكل إلا عندما نجوع فقط ولا نملأ معدتنا لحد الإسراف فقد قال تعالى ” وكلوا واشربوا ولا تسرفوا ” وصدق رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم حين قال ” نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع ” صدق الله وصدق رسوله الكريم .

عن الدكتورة إيناس بركات

شاهد أيضاً

زيت الزيتون وفوائده الصحية ودوره في حماية القلب ومكافحة الأمراض

يُعدُّ زيت الزيتون من أبرز المكونات الغذائية التي تشتهر بها منطقة الشرق الأوسط، ويحتل مكانة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *