يؤدي انبعاث الغازات السامة إلى تلوث الهواء الذي نستنشقه ويدخل أجسامنا، حيث يقدر أن عدد المواد السامة الموجودة في الهواء الملوث وفي بيئات مختلفة نحو 80 ألف مادة، إلا أن من أهم تلك المواد، اكاسيد الكربون والنيتروجين والكبريت بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من المواد السامة التي تنفثها المصانع في الهواء بشكل مستمر.
ويستنشق الإنسان كل يوم من أيام حياته حوالي 13.5 كغم من الهواء، يتسرّب من خلالها إلى جسمه كميات لا يستهان بها من المواد والغازات السامّة، على الرغم من أن الإنسان مجهز بحواس شم تصد ملوثات الهواء، إلاّ أنّ طاقاتها محددة، فعند استنشاق الهواء الملوث، تُفرز هذه الأجهزة الأجزاء التي لا تذوب في الماء مع المخاط، بينما تنطلق الغازات السامة داخل الجسم، مخترقة كل وسائل الدفاع المتوفرة، فتسبب له مشكلاتٍ صحيةٍ عديدةً منها صعوبةٌ في التنفس، وتسمم واختناق، وربما الموت، كما يتعرّض الإنسان إلى أمراض في القلب والرئة، وإلى اضطرابات في الجهاز العصبي، إضافةً إلى أمراض فيروسية وبكتيرية مختلفة. فمثلا يعمل غاز أكسيد الكربون السام على الاتحاد مع هيموغلوبين الدم مسبباً اختناقاً للإنسان، ويسري أيضاً مع الدم إلى المخ مما يؤدّي إلى خللٍ فيه.
وتُعدّ السيارات، تليها الطائرات والمصانع ومحطات الطاقة المختلفة ومستوقدات القمامة من أهم مصادر التلوث. ففي الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال تستهلك السيارات أكثر من 100 بليون جالون من الوقود سنوياً، أي حوالي 11 مليون جالون في الساعة الواحدة، وتستهلك الطائرات 15 بليون جالون سنوياً، وبالرغم من أنّ التلوّث الجوي الناتج عن الطائرات لا يتجاوز 1/25 من التلوث الناتج عن السيارات، إلاّ أنها تفرغ سنوياً كميات كبيرة من الغازات السامّة في الجو يبلغ مداها حوالي 70 بليون طن، علماً بأن الطائرات تستعمل غاز الكيروسين السائل الخالي من معدن الرصاص السام.
كما ينتج عن المحروقات التي تستعملها المصانع ومحطات الطاقة ومستوقدات القمامة من فحم وبترول غازات سامّة، من أشدّها خطورة غاز ثاني أكسيد الكبريت (SO2) الذي يكون مع الماء حامض الكبريتيك (H2SO4)، وقد يتم هذا التفاعل في الجو أو في رئة الإنسان، حيث يؤدّي إلى موت النبات وإعاقة التنفس في الإنسان. وتتساقط جميع الغازات السامّة على الأرض كأمطار حمضية، حيث تتجمعّ في التربة وفوق النبات فتلوث المياه الجوفية، والأرض والنبات، وتقضي على كثير من الكائنات الحية، وتحمل الرياح هذه الغازات السامّة إلى مسافات بعيدة، وتلوّث مناطق نائية عن مصادر التلوّث دون النظر إلى حدود جغرافية أو سياسية.
أيضا إحراق القمامة والنفايات يولد غازات ومواد سامة مثل ثاني أكسيد الكربون وحمض الكلوريك والزئبق والكادميوم والديوكسين التي تسبب مشكلات بيئية وأضراراً صحية لا يستهان بها، وخاصةً بعد أن بدأت هذه المواد السامة في تلويث الأراضي الزراعية ومياه الشرب، وبالتالي الإضرار بحياة الإنسان. ففي عام 1984 أظهرت الدلائل بأن ولادة عدد من الأطفال المشوهين في ألمانيا الغربية يعود إلى تطاير الغازات السامة من مستوقدات القمامة، وخاصةً من غبار بواقي مركبات الديوكسين، ودلت الفحوصات في ذلك الوقت على أن الدخان المتصاعد من المستوقدات احتوى على 0.7 نانو غرام من مادة الديوكسين السامة، أي ما يزيد على سبعة أضعاف من الكمية غير المؤثرة والتي تبلغ 0.001 نانو غرام.
وتحتوي القمامات أيضاً على مركبات ومواد كيماوية عديدة تتطاير في الجو بعد إحراقها، ثم تسقط على الأرض وتلوث التربة الزراعية والماء والهواء. فبجانب الديوكسين تحتوي القمامات على عناصر معادن ثقيلة كالرصاص والكروم والزئبق والكادميوم، حيث تنتج عن إحراق مخلفات مصانع المعادن والألوان والأسمدة والمواد البلاستيكية والبطاريات، كما تحتوي أيضاً مواد اصطناعية مثل بولي كلورايد الموجودة في الأكياس البلاستيكية ومواد التغليف، وتكون هذه المواد لدى إحراقها مركبات هكساكلوربنزين (HCB) المسببة للسرطان، وبولي كلور بيفنيل الناتجة عن المصانع الكهرومائية، وتستعمل أيضاً في صناعة الألوان وأفلام التصوير حيث تسبب أمراضاً جلدية خطيرة وتسبب موت الأجنة في الأرحام.
ولم يتوقف الحال على تطاير هذه المواد السامة في الجو، بل أن جزءاً كبيراً منها يتراكم في الرماد بعد إحراقها، وغالباً ما يستعمل هذا الرماد وخاصة في البلاد الصناعية في تعبيد الشوارع والملاعب الرياضية والأرصفة وغيرها، حيث تتسرب مع الأمطار الى باطن الأرض، وتلوث المياه الجوفية، أو تتطاير مع الهواء في الجو. هذا مع العلم إن القسم الأكبر الذي يلوث الجو ينتج عن مداخن مستوقدات القمامة، سواء جاء ذلك من إحراق البطاريات أو بقايا المواد الكيماوية المختلفة التي تستعمل في الألوان أو المواد الحافظة للأخشاب.
والغازات السامّة مثل الأوزون (O3)، وثاني أكسيد الكبريت، وثاني أكسيد النيتروجين، تسبب حساسية كبيرة في العيون وضرراً بالغاً لشعيبات القصبة الهوائية، وخاصة داء الربو أو النسمة، ومرض انتفاخ الرئة وانهيار حجيرات الهواء فيها، ويلعب التدخين، إضافةً إلى تلوّث الهواء دوراً مهماً في هذا المضمار. ويخترق غاز ثاني أكسيد الكبريت جدار المشيمة الحامي للجنين، حيث يوقف نموه في الأيام الأولى من نشأته، كما أن ملوثات الهواء كالقطران الفحمي، ومخلّفات المحروقات وخيوط الإسبست تثير تكاثراً متزايداً في الخلايا، وخاصةً في الرئة، وهذا يُعد من صفات مرض السرطان الخبيث، كما يؤدي إلى إحداث تغييرات أساسية في الخلايا الجرثومية المذكرة والمؤنثة الناضجة، والتي تقود إلى تغييرات في الأجيال الوراثية المتعاقبة، وإن كانت هذه التغييرات لا تظهر إلاّ بعد سنوات طويلة، وربما بعد 30 سنة من التعرض لها.
ومهما يكن مصدر التلوّث الجوي هذا، فإنّه يسبب مشكلات بيئية خطيرة لا يمكن تجاهلها، إضافةً إلى تأثيره على حالة الجو، فإنّه يؤثر تأثيراً بالغاً على صحة الإنسان والحيوان والنبات.
فمحركات المركبات الآلية الأرضية مثلاً تولد غازات سامّة مثل أكسيد الكاربون(CO) الذي يتحد مع كرات الدم الحمراء (هيموغلوبين الدم) مسببّاً بذلك اختناقاً للإنسان، وغاز أكسيد النتريك (NO) يتفاعل مع أكسجين الجو، حيث تسارع أشعة الشمس من نشاط هذا التفاعل، إلى ثاني أكسيد النيتروجين القاتل (NO2)، والذي بدوره يكوّن مع رطوبة الجو أو الرطوبة في الرئة حامض النتريك (HNO3)، المميت لكل شيء حي.
كما أن الرذاذات البروسيلية التي تحتوي على مواد الفلور –الكلور- كاربون كمواد طاردة أو مواد ضبابية تُعد سامة جداً لصحة الإنسان، حيث تثير أمراضا خبيثة، وتمزق طبقة الأوزون الجوية أيضاً. هذه الطبقة الأوزونية التي تحيط بالكرة الأرضية على شكل حزامٍ واقٍ تمنع أشعة الشمس فوق البنفسجية (UV) من الوصول إلى سطح الأرض بكميات عالية (أي أنها تقوم بعملية المصفاة في تخفيف أشعة الشمس فوق البنفسجية). فالكميات المرتفعة من هذه الأشعة تؤدي إلى إحراق أوراق النبات والبشرة الجلدية للإنسان والحيوان، وتسبب في هلاك كثيرٍ من الكائنات الحية على سطح الأرض، ففي السنوات الأخيرة القليلة الماضية لوحظ أن طبقة الأوزون أظهرت فراغات مختلفة الحجم في غلافها المحيط بالكرة الأرضية، وعزا العلماء ذلك إلى استعمال الرذاذات اليدوية المتزايد التي تحتوي على غازات فلور-كلور- كاربون، إذ أن هذه الغازات تخترق طبقة الأوزون الجوية، وتتسرب إلى الأشعة فوق البنفسجية، ونظراً لاحتوائها على طاقة قوية مكثفة،تُفرغ ذرات جديدة من الكلور التي تقوم بتمزيق للأوزون، حيثيعتقد بأن ذرة واحدة من الكلور قادرة على تمزيق أكثر من 1000 جزء من الأوزون.
وفي الوقت الحاضر يتم إنتاج حوالي 800 ألف طن سنوياً من مواد فلور كلور كاربون الطاردة في العالم، حيث لا تستعمل هذه المواد في الرذاذات فحسب، بل إنها تشمل المواد الموجودة في أجهزة التبريد مثل فريون وكالترون وفريجين (Kaltrom, Frigen, Freon) كما تستعمل أيضاً في مصانع الاسفنج لتعبئة الفراغات الهوائية في الاسفنج الذي يستعمل في البناء كمواد عازلة. وعلى الرغم من أن كثيراً من الدول الصناعية تحاول تبديل غاز الفلور-كلور- كاربون بغازات أقل خطورة للبيئة مثل بروبان وبوثان أو استعمال رذاذات بضغط يدوي، غير أن غاز فلور-كلور- كاربون ما يزال يستعمل في اجهزة التبريد المختلفة، ويتسرب منه سنوياً كميات ليست قليلة، وخاصة من أجهزة التبريد التالفة التي يتم التخلص منها بطرق عشوائية، إضافةً إلى أن الغاز ما زال يستعمل كمحلول كيماوي ويعد من أفضل المحاليل الكيماوية المعروفة وغير السامة كما يستعمل أيضاً في أجهزة الكمبيوتر الحديثة (وخاصة في جيبس الكمبيوتر)، التي يلقى بها بكميات كبيرة سنوياً مع القمامة. هذا وبما أن الانتاج العالمي لهذه المواد السامة يبلغ 800 ألف طن سنوياً، فإن 650 ألف طن منها تكفي لتمزيق حوالي 5-9% من طبقة الأوزون الجوي لمائة سنة قادمة. اضافة لذلك فإن علماء البيئة يعتقدون بأن الزيادة في إنتاج غاز فلور –كلور-كاربون بنسبة 3% فقط، كافية لاضمحلال أكثر من عُشر طبقة الأوزون حتى عام 2020، مما سيخلف عواقب وخيمة على هذا الكون ويهدد الحياة عليه.
إن الفجوات الشاسعة التي تم اكتشافها أخيراً في طبقة الأوزون فوق القطب الجنوبي لهي دليل واضح على استمرار اضمحلال هذا الحزام الواقي من الأشعة فوق البنفسجية، كما أن انتشار أمراض الجلد السرطانية، وتغييرات في الطقس التي تنتاب العالم في الوقت الحاضر، برهان على أن التمزق لطبقة الأوزون نتيجة استعمال لم يتوقف بعد، بل إنه في تزايد مستمر.
وفي السنوات الأخيرة أخذ التقلص الذي يحدث لطبقة الأوزون الجوية على ارتفاع 15-50 كم يأخذ شكلاً مروعاً، وخاصةً بعد اكتشاف فجوة فيه فوق القطب الجنوبي تعادل مساحة أمريكا الشمالية، علماً بأن ذلك لا يشكل إلاّ جزءاً من المشكلة الرئيسية التي تهدد الحياة على الأرض، وأما المشكلة الكبرى فتمكن في إحداث تغيير جذري في درجات الحرارة الجوية والأرضية معاَ وما يرافق ذلك من زيادة في كميات ثاني أكسيد الكربون في الجو نتيجة التلوث البيئي الحاصل في الوقت الحاضر.
نتيجة استهلاك كميات كبيرة من المحروقات كالفحم والغازات السائلة والطبيعية، بجانب قطع أشجار الغابات وإحراقها في كثير من مناطق العالم، فإن كمية ثاني أكسيد الكاربون في الجو قد زادت في الآونة الأخيرة بنسبة 11%، هذا مما يؤدي إلى تغيير في درجات الحرارة الجوية وإلى خلل في توازنها الطبيعي
وتعتبر الأماكن السكنية، وخاصّةً المدن المعاصرة،مناطق دافئة، إذ أنّ درجات الحرارة فيها أعلى منها في المناطق الريفية، وقد يتراوح ذلك بين درجة واحدة و 15 درجة مئوية، كما أنّ أيام الصقيع في المدن أقل بكثير من أيام الصقيع في الريف، ويعود ذلك إلى التلوّث الجوي الذي يغطي أجواء المدن، حيث يكوّن الهواء الساخن المحمل بمواد ملوثة، حجاباً ضبابياً فوقها، يحجز أشعة الشمس في الجو. ونتيجة تزايد كميات ثاني أكسيد الكربون وبخار الماء في الجو، تتكوّن فوق المدن ظروف شبيهة بالظروف الجوية داخل البيوت المحمية (Greenhouse effect). فمنذ بداية الثورة الصناعية ارتفعت كمية ثاني أكسيد الكربون في الجو إلى حوالي 11%، كما زادت حوادث الضبخّن فوق المدن والمناطق الريفية أيضاً، وكما أنّ زيادة ثاني أكسيد الكربون في الجو تؤدّي إلى ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة في العالم، فإنّ زيادة التلوّث من ناحية أخرى تمنع وصول أشعة الشمس بشكل طبيعي إلى الأرض، مما يؤدّي إلى إحداث تغييرات واضحة في حالة الطقس، فعلى سبيل المثال كانت درجات الحرارة في العصر الجليدي تقل بحوالي 11 درجة مئوية على ما هي عليه الآن، الأمر الذي يدعو للقلق، وخاصة وإنّ إرتفاع درجات الحرارة المتواصل، نتيجة زيادة ثاني أكسيد الكاربون، قد يؤدّي عاجلاً أو آجلاً إلى ذوبان الثلوج في المناطق القطبية وإلى إغراق نصف الكرة الأرضية، أي التوجّه نحو كارثة جوية لا يعرف مداها حتى الآن. هذا ويميل بعض علماء البيئة إلى الإعتقاد بأنّ التلوّث الجوي بالغبار والغازات السامة التي تمنع وصول الشمس بشكل طبيعي إلى الأرض قد يعيد الكرة الأرضية إلى عصر جليدي جديد.
والضبخّن كلمة تدل على إمتزاج الضباب بالدخان، ويحدث عادة عندما ترتفع درجة حرارة الجو. فلدى صعود الغازات السامّة مع الهواء الساخن إلى أعلى، تتسرّب طبقة من الهواء البارد تحت طبقة الهواء الساخن، وتصبح الغازات السامة محجوزة على مسافة قصيرة من سطح التربة فوق طبقة الهواء البارد التي تصبح غير قادرة على الصعود أو النزول. وبالتالي تكون طبقة الهواء الملوثة قريبة من سطح التربة، وقد يستمر هذا الوضع لمدّة ساعات أو أيام أو أسابيع، ويحدث هذا غالباً فوق المدن التي يكثر فيها التلوّث، نتيجة السيارات والمصانع الخ…، ويسبّب أضراراً صحية خطيرة للإنسان، وربّما يقود إلى الموت.
وتخترق أشعة الشمس غاز ثاني أوكسيد الكربون إلى سطح الأرض بسهولة، بينما يمنع هذا الغاز الأشعة تحت الحمراء (Infrared ray) الناتجة عن سطح الأرض من التسرب إلى الفضاء، مما يعني أن زيادة كميات ثاني أوكسيد الكربون الجوية قادرة على أن تولّد على سطح الأرض ظروفاً حرارية مشابهة بظروف البيوت المحمية. وفي المقابل فإن ثاني أوكسيد الكاربون يشكل حاجزاً طبيعياً لتسرب الحرارة الأرضية إلى الجو، وبدون هذا الحاجز فإن درجة الحرارة ستنخفض على وجه الأرض، وربما تصل إلى 18 درجة مئوية تحت الصفر، حيث تتحول الكرة الأرضية إلى جليد وتفني ما عليها من حياة.
كما يزيد الضباب فوق المدن عن الريف بحوالي 30% في أيام الصيف وحوالي 100% في أيام الشتاء، كما إنّ الحجاب الضبابي يمنع وصول كميات كبيرة من أشعة الشمس فوق البنفسجية إلى الأرض ولذا فهي تقل عن الريف بحوالي 6% في الصيف و 30% في الشتاء.