هناك جملة من المحاور الرئيسة التي ينبغي أن تكون أساس بناء البرامج والأنشطة في مدارسنا من أجل بناء شخصية متكاملة متزنة متفتحة طموحة في غاياتها ووسائلها. يراد بالذكاء المتعدد أن الإنسان يتمتع ببضعة جوانب -على الأقل- ينبغي أن يراعيها وينميها. يخالف هورد جاردنر (Howard Gardner) النظرية التقليدية التي تؤمن بأن الذكاء العقلي هو الأساس الوحيد للنجاح ويعتقد أن هناك بضعة جوانب هامة تساعد الإنسان على حل المشاكل والتكيف مع البيئة.
تسمى نظرية هورد بنظرية أم آي (MI) أي الذكاءات المتعددة Multiple intelligences مثل الذكاء اللغوي، والمنطقي والحسابي، الموسيقي.. وقال إن الأب والأم والمعلم والسياسي والبائع عادة يستخدمون مشاعرهم الداخلية لمعرفة حاجة من يتعاملون معهم ويرسمون طريقهم في كيفية إشباع الحاجات. من المعلوم حتماً أن الناس يتفاوتون في مستويات الذكاء فكل فرد له تفوق في ميدان من الميادين ولكن لا يمكنه أبداً التفوق في جميع الميادين ودور المربي هو اكتشاف جوانب التفوق في طلابه كي ينمونها. دراسات هورد في جامعة هارفرد توصلت إلى أن الإنسان العادي يمتلك على الأقل تسعة أنواع من الذكاء وآخر الأنواع التي أشار إليها “الذكاء المتعلق بالوجود” (Exitential intelligence). هذا النوع يرتبط بتفكير الإنسان بالوجود والحياة والموت والحقائق المطلقة.
ولد هورد جاردنر سنة 1943 م في ولاية بنسلفانيا في الولايات المتحدة ولقد أخذت أفكاره تتبوأ مكانة عملية في المدارس والكليات. فيما يلي طائفة من تلك الأفكار:
دور التربية هو توجيه الطفل إلى مجال يناسب ميوله ومواهبه ولكل طفل طرائق في التعلم يستجيب لها.
قياس الذكاء العقلي التقليدي قياس لغوي ورياضي ضيق ومحدود يصلح كمؤشر لمعرفة مستوى الطالب في التحصيل الدراسي فقط ولا يقيس مهارات الحياة الأساسية المتنوعة.
الذكاء في العلاقات المتبادلة بين الناس هو قدرة الذات على فهم الآخرين وحسن التعامل معهم.
الوعي بالذات أمر جوهري للبصيرة النفسية. الخوف والتوتر من أهم أسباب همود الفكر الإنساني.
التدفق العاطفي والحالة الايجابية يمثلان جانبا هاما في تعليم الطفل وهما أفضل من الثواب والعقاب. حالة الانهماك والتدفق هي حالة نفسية نراها عندما ينشغل الطفل في أمر سليم يحبه ويتمتع به .
الملف التربوي (Portfolio) والمشاريع الجماعية ينبغي أن تكون من معايير دخول الطالب إلى الجامعات لأنها تقيس عدة مهارات ولهذا فلقد ذكرنا في كتاب تراثنا أن التعليقة بالصورة التي طرحنا تتلاءم تماما مع نظرية الذكاء المتعدد.
أنواع كثيرة للذكاء مثل الذكاء العلمي واللغوي والموسيقى والاجتماعي … هذه الأنواع متعادلة في أهميتها ولكن تعظيم الذكاء (الأكاديمي) فقط ظل سائداً في تاريخ المدارس لعدة قرون وهذه نظرة ضيقة في حين أن نظرية الذكاء المتعدد أرحب وأعمق ولهذا فإن الصراع بين أنصار المدرستين سيظل قائماً.
وسائل التربية المؤثرة تمر من عدة بوابات أهمها: (الخبرة-العاطفة-الأرقام-القصة-الإقناع) التعليم الفعال لا يغفل عن الاستعانة بهذه الطرائق الهامة للصغار والكبار.
في دراساته عن العقل يؤكد على قدرة الطفل الرضيع على التعلم ويطالب بوضع المزيد من البرامج والعناية التربوية لهذه الفئة فالخبرات الأولى للطفل في غاية الأهمية في المستقبل إذا استمر في استعمال وتطبيق ما تعلمه. عليه أن يمارس ما تعلمه قبل أن ينساه .
لا بد لفلسفة التربية أن تؤكد على مفاهيم: الخير، والعدل، والجمال.
تعلم العزف على الأجهزة الموسيقية قد ينمي ذكاء الطفل في أكثر من ميدان وله الكثير من الآثار الإيجابية .
يجب أن يعلم المعلم التغيرات التكنولوجية والعلمية والسياسية والثقافية والسياسية ويجب أن يتفاعل معها. أساسيات التربية على مفترق الطرق وسوف تتعرض لتغيرات أكيدة في المستقبل القريب .
يرى بِل غيتس إنَّ نظرية هورد غاردنر أهم نظرية تربوية معاصرة ستفتح المزيد من الآفاق لانطلاقة الحاسب الآلي. لقد أخذت نظرية غاردنر طريقها في التَّأثير على عدد كبير من مؤسسات التَّعْلِيْم. بدأت نظرية غاردنر تكتسح الميدان كنظرية وتطبيق في ميدان تربية الطِّفل وبدأ المربون يؤكِّدون على أهمية العناية بالذَّكاء العاطفي في مرحلة ما قبل المرحلة الابتدائية على وجه الخصوص. يرى عالم النفس دانييل غولمان صاحب كتاب الذكاء العاطفي أن كتابات غاردنر يجب الاطلاع عليها A must-read من قِبَل المربين والآباء وكل من يهتم بمستقبل الطفل.
فيما يلي إشارة عامة إلى محاور الذكاء الإنساني ومعظمها تعتمد على نظرية الذكاء المتعدد التي يحرص المتخصصون في أصول التربية على الإشارة إليها حديثاً أثناء عرضهم للأصول النفسية وعند حديثهم عن الذكاء الإنساني:
(المحور الأول) المحور المنطقي الحسابي: ويشمل الاعتناء بالمتعلم من حيث تزويده بالمعارف وتنمية قدراته ومهاراته العقلية من تذكر وتحليل وتركيب ونقد وتحليل وإبداع الأفكار بصورة منطقية. دراسة بعض العلوم مثل علم المنطق والفلسفة والرياضيات والعلوم التطبيقية تعزز هذا الجانب. المهندسون ورجال الشرطة الاقتصاديون في العادة يتميزون بهذا النوع. يذكر الغربيون أمثلة لهذا النوع من الذكاء: جون ديوي وآينشتاين (1879 – 1955 م).
(المحور الثاني) المحور اللغوي: ويتضمن التركيز على القراءة والكتابة والاتصال من خلال الكلمات. ويندرج تحت هذا المحور تعلم بعض اللغات العالمية الحية. ومن علامات الذكاء اللغوي أن الطالب يحب أن يسمع أو يكتب أو يردد قصائد الشعر وروائع الأدب. المؤلفون والممثلون والشعراء والقصاص والخطباء عندهم الذكاء اللغوي (Linguistic Intelligence) مرتفع. من أمثلة هذا النوع عقلية عباس محمود العقاد وتشارلز دكنز.
(المحور الثالث) المحور الحركي: والمقصود به الاهتمام بالجانب الجسدي عند المتعلم وتنمية مهاراته كالاهتمام بالرياضة وتجويد الخط وتعليم النجارة والطباعة وقيادة السيارة والطائرة. هذا الجانب كسائر الجوانب يعطي الإنسان القدرة على حل المشاكل والتعامل مع متطلبات الحياة بصورة إيجابية. من الملاحظ أن النمط التقليدي في التعليم يعطي كل اهتمامه بتنمية الذكاء العقلي فيتعلم الطالب كيف يكتب التقارير ولكن قلما يتعلم كيف يتحرك بشكل صحيح. هذه المحاور شأنها شأن أي مهارة تنمو مع الأنشطة الهادفة وتضعف عندما نهمل ترويضها بالتمارين المناسبة. من أشهر الأمثلة الغربية للعبقرية الحركية: اللاعب مايكل جوردن أسطورة كرة السلة.
(المحور الرابع) المحور الطبيعي: والمراد به التفكير وحسن التفاعل مع البيئة الطبيعية المحيطة بنا كالاهتمام بالأشجار والطيور وملاحظتها. الغربيون يعتبرون تشارلز دارون صاحب عبقرية فذة في هذا المجال.
(المحور الخامس) المحور العاطفي: ويتمثل بالتكيف مع النفس والتغلب على الأزمات النفسية. هذه المجالات في النهاية هي التي تشكل شخصية الإنسان. الذكاء العاطفي: لا يقف عند فهم السلوك الفردي وطرق تعديله بل يهتم بحسن تكوين العلاقات الاجتماعية لأن هذه العلاقات من متطلبات فهم الذات، وحل المشكلات.
(المحور السادس) المحور الاجتماعي: ويتركز بتوثيق العلاقات الجيدة مع الناس وحسن المعاشرة وتحري العدل في التعامل. يذكر الغربيون أن الأم تريسا (Mother Tearesa) تتمتع بالذكاء الاجتماعي (Interpersonal (social) Intelligence) وهي راهبة وممرضة عاشت لخدمة الفقراء والمرضى في الهند وحصلت على جائزة نوبل في 1979 م وتوفيت في عام 1997 م.
(المحور السابع) المحور الجمالي: ويتمثل بغرس مفهوم حب النظافة والتمتع بالنظر إلى مخلوقات الله عز وجل والتأمل في سر عظمتها وتحت هذا المحور تندرج الفنون الجميلة مثل الرسم والتصوير والنحت والموسيقى. الذكاء الموسيقي (Musical Intelligence) يعتبره هورد غاردنر من الجوانب الرئيسية والمثال الذي يكرره دائما موهبة موتسارت (Mozart) وهو موسيقار نمساوي من عباقرة العالم (1756 – 1791 م).
(المحور الثامن) المحور العلمي: وهو المحور المتصل بعلوم الحياة كالجيولوجيا والفلك والرياضيات والكيمياء.
(المحور التاسع) المحور الوجودي أو الروحي: وهو المتعلق بممارسة العبادات وفهم التاريخ.
(المحور العاشر) المحور المعيشي: ويراد به تعلم مهارات المعاملات اليومية والتي تشمل الجانب الاقتصادي والسياسي والقانوني.
(المحور الحادي عشر) المحور التصويري: القدرة على التخيل والتفكير التصويري وتقدير الأمور وبعد النظر ووضع الأهداف والاستراتيجيات. يتمتع القائد المتميز بهذه الصفة.
هذه المحاور من الأهمية بمكان لأنها تنظر إلى الإنسان نظرة كلية ولا شك أن التربية الإسلامية لا تقتصر على تنمية جانب واحد من جوانب شخصية الإنسان، وإنما تهتم بعقله وجسمه وانفعالاته وعلاقاته الاجتماعية والعملية والروحية. إن نظرية الذكاء المتعدد تختلف تماما مع نظرية الذكاء العقلي فالأولى واسعة والثانية ضيقة ولكن الثانية هي المسيطرة على الساحة التعليمية فما زالت الاختبارات والكتب المدرسية تدور حول قياس الذكاء العقلي وخاصة مهارة الحفظ في حين أن أسلوب حل المشكلات والمهارات الحياتية والذكاء العاطفي يكتسبها الفرد بالمصادفة ولا تحرص المناهج الحالية على غرسها في نفوس المتعلمين.
إعداد / سلوى شرف
حدد غاردنر ثمانية أنواع مختلفة من الذكاء:
الذكاء اللغوي: القدرة على استخدام اللغة بشكل فعال ، كتابةً ومحادثة.
الذكاء المنطقي الرياضي: القدرة على التفكير المنطقي وحل المشكلات الرياضية.
الذكاء الموسيقي: القدرة على فهم وإنشاء الموسيقى.
الذكاء الجسدي الحركي: القدرة على التحكم في حركات الجسم والتعامل مع الأشياء بمهارة.
الذكاء المكاني: القدرة على تصور العلاقات المكانية والتلاعب بها.
الذكاء الشخصي: القدرة على الفهم والتفاعل بشكل فعال مع الآخرين.
الذكاء الشخصي: القدرة على فهم الذات وأفكار الفرد ومشاعره.
الذكاء الطبيعي: القدرة على فهم وتقدير العالم الطبيعي.