تصبح المعرفة علمية حين تكون الطريقة المتبعة في الوصول اليها علمية والواقع ان الطريقة تحدد شكل المعرفة. ولا تكون الطريقة علمية الا اذا كانت تجريبية، والتجريب مرحلة من مراحل الوصول الى الحقيقة
ويسبق التجريب الشعور بوجود مشكلة او مسألة ويتلو ذلك الملاحظة ثم وضع فرضية تم تجريب هذه الفرضية. وينتهي التجريب اما برفض الفرضية او تحويلها الى قانون او حقيقة عامة.
وكل محاكمة تجريبية تبدأ بملاحظة فعالة، ويحول الملاحظ الواقع الخام الى واقع علمي في الوقت الذي يطرح فيه سؤالا ويفترض فرضية، وليس الحادث شيئا بحد ذاته وانما قيمته بالفكرة التي تتصل به والبرهان
الذي يقدمه.
والحق ان الفرضية التي تقترحها الملاحظة هي التي تستدعي البرهان بالتجريب وليست الطريقة التجريبية الا محاكمة الوقائع بواسطة التجريب للوصول الى التحقق من صحة الفرضية او عدمها.
وهكذا تكون نقطة البدء بالنسبة للمجرب هي الملاحظة والواقع ان الكثير من اعمال التجريب ليست الا ملاحظات منهجية منظمة والتربية بالذات – مثلها كمثل الكثير من العلوم الانسانية ستبقى صفتها الغالبة كونها علماً يقوم على الملاحظة في الاعم والأغلب، وهذه الملاحظات قد يكون لها عدة انواع كالعفوية والمقصودة والعزلاء وفي الطبيعة او في المختبر او في عيادة وغيرها.
والتجريب ؛ هو نوع من الملاحظة في المختبر
أ- في علوم الطبيعة يكون التجريب على الجمادات وهي لا تتدخل وينطبق عليها آلية م – ر المؤثر الذي يستتلي رد الفعل ( الاستجابة ).
ب ـ أما في العلوم الحيوية فتصبح هذه الآلية السكونية ديناميكية وتتداخل العضوية المجرب عليها ( الى حد قريب او بعيد حسب نوع العضوية).
ج – وفي العلوم الانسانية ( علم نفس ، علم اجتماع ، تربية الخ …
تكون العضوية مخلوقا بشريا عاقلا له انفعالاته وإرادته فيكون حالها وتدخلها واستقبالها للمؤثر أمورا هامة جداً.
صعوبة التجريب في العلوم الاجتماعية
لا بد من للمجرب في العلوم الانسانية من ان يأخذ بعين الاعتبار الامور التالية :
1- نوع المؤثر ودرجته وشدته الخ .
2 ـ حال العضوية الظاهر والباطن اثناء وقوع المؤثر وخبرتها السابقة واستعداداتها وتسمى العضوية بالمجرب عليه subject
3 – الاستجابة ( رد الفعل ) نوعها ، مدتها ، شدتها الخ .. .
4 – الفروق الفردية .
التجريب في التربية يتم على :
أ ـ الطفل المفرد.
ب – جماعات الاطفال.
ج – الاطفال الاسوياء.
د- الاطفال غير الاسوياء ( ضعاف العقول ، الجانحون ، المرضى الخ).
هـ – البيت.
و – المدرسة او العيادة او المختبر.
ز – الشارع او النادي او الملعب.
ح – موقف طبيعي.
ط – موقف مصطنع.
ولنلاحظ أن المحاولات التربوية ايا كان نوعها هي تجارب ، وقد يتناول التجريب ( والدراسات العلمية ) الحقائق الواقعة كما هي فتدرس دراسة احصائية و تستخلص منها الاتجاهات الغالبة .
غاية التجريب :
اما معرفية او استطلاعية بحتة ( نظرية )، أو وقائية وعلاجية ( تطبيقية ) وفي الحالتين تنتهي التجربة بتغيير المفاهيم والطرق والوسائل التربوية
وعلى اعتبار ان النفس البشرية معقدة والعوامل التي تؤثر فيها متعددة يتحتم على المجرب أن :
أ – ان يضبط جميع العوامل التي تتدخل في التجربة المدروسة
ب ـ ان يثبت هذه العوامل جميعها بأستثناء واحد يحركه ويسمى العامل الذي يغيرفي التجربة بالمتحول الحر Variable The Independant ولايكون في التجربة اكثر من متحول حر واحد ، اما التغيرات او الاستجابة الناشئة عن تغيير المتحول الحر فتسمى بالتوابع او المتحولات التابع وتسمى ايضا بالسلوك او التصرف وهي تقسم الى اقسام ثلاثة :
1- السلوك الظاهر
2- الفاعلية الفيزيولوجية الداخلية
3- الخبرة الشعورية
وبديهي ان التربية تهتم بالسلوك والخبرة، ويستعين لفهم نتاجه وتفسيرها بالطرائق الاحصائية مما سيتحدث عنه زميل آخر، وينتهي التجريب بالوصول الى الحقائق العلمية والإشارة بالطرائق التربوية الافضل غايته المثلى.
وقيمة التجريب انه يرفع الحقائق التربوية من المستوى الشخصي الى المستوى الموضوعى الذي يستطيع كل عالم ان يؤمن به بعد اعادة التجربة .
ومن نافلة القول ان صعوبة التجريب في التربية وان نذكر بان التجريب على الانسان اصعب من التجريب على كل المخلوقات الاخرى من جهة ، كما لا بد من الاشارة الى ان التجربة التربوية تتأثر حتما بالبيئة (اجتاعية ، ثقافية ، اقتصادية طبيعية الخ …) كما تتأثر بالجرب عليه وبمؤثرات اخرى زمانية ومكانية ونوعية لا مجال لتعدادها.
كما انه لا بد ، من التذكير بان تفسير نتائج التجربة بحاجة الى قدر من الحذر والدقة لا يشترط في تفسير التجربة الطبيعية وذلك لاختلاف طبيعة المجرب عليه، ولكن هذا لا يمنع من التأكيد على :
اولا : امكانية التجريب في التربية وباقي العلوم الانسانية
ثانياً : قيام التجريب التربوي على نفس الاسس التي يقوم عليها التجريب في علوم الطبيعة ( مع اختلاف تقتضيه طبيعة المجرب عليه والحوادث ).
ثالثاً : ضرورة اعتماد التجريب طريقة وحيدة للوصول الى الحقيقة التربوية.
في كل تجريب تربوي من الضروري أن يتخذ المجرب عليه الموقف المناسب فلا يبدأ التجربة وهو يتوقع نتائج معينة مثلا : ولا يتعصب لحقائق محدودة ، بل يكون حياديا ويتقبل النتيجة بصدر رحب وعقل مفتوح . ويجب ان يكون مهتما بالتجربة متحمساً لها، ويجب ان يفهم غاية التجربة وهدفها، ويجب ان تكون هذه الغاية واضحة كل الوضوح في ذهن المجرب الذي يجب ان يكون عارفا بكل الآلات والأدوات التي يستخدمها، ملما بالعمليات التي يقوم بها متعمقا في طريقتها وفحواها ودلالاتها.
إذا كانت التجربة تمتد خلال وقت طويل فلا بد من استبقاء حماس المجرب والمجرب عليه. ويجب بقاء صلة التجربة المفردة بسلسلة التجارب المنوي القيام بها واضحة في ذهن المجرب ( على الأقل ).
يجب الثبات على الطريقة المقترح اتباعها وعدم تغيرها الا وفقا لمنهج وطريقة، وحيث تحتم الظروف التجريبية ذلك، والمجرب هو المسؤول عن التجربة وهو الذي يقودها ويوجهها، وما على المحجوب عليه الا التعاون مع المجرب.
أما التجارب التربوية فهي على نوعين :
أ- كيفية.
ب- كمية
ففي التجارب الكيفية يبحث المجرب عن ماهية الحوادث اما في الكمية فيعمل على قياسها ولذلك فان هدف التجارب الكيفية هو الوصف وهدف التجارب الكمية هو القياس. وقد تكون التجربة كمية وكيفية في آن معا. والتجارب البدائية في التربية تكون كيفية (وصفية ) اكثر منها كمية.
مثال : التجريب على الطريقة الانسب لتعليم القراءة لطلاب الصف الأول من المدرسة الابتدائية .
اولا : انتقاء الطلاب المجرب عليهم :
أ- عمر واحد او فئة عمرية واحدة ( زمنيا وعقلياً ) .
ب – مستوى اجتماعي وثقافي واقتصادي متقارب .
ج – تاريخ معرفي متقارب .
د- اخضاعهم لشروط تجريبية واحدة .
ثانيا : قسمة الطلاب الى فئات :
أ- الاولى تتعلم بالطريقة الجملية
ب – الثانية تتعلم بطريقة ( انظر وقل ) او ( ربط الكلمة بالصورة )
ج – الثالثة تتعلم بطريقة الحرف ( صوتيا).
ثالثا : اختيار المعلمين من مستوى واحد متقارب وتوفير شروط وتسهيلات تعليمية متقاربة .
رابعا : تحديد وقت محدود للتجربة
خامسا : قياس النتائج ومقارنتها بحسب قدرة الطلاب على قراءة نص واحد وفهمه، وذلك بضبط عدد الكلمات المغلوطة وغير المفهومة وغير ذلك من الامور ، ثم القدرة على قراءة نص غير النص المتمرن عليه.
سادسا : الحذر في تفسير النتائج وتعميمها قبل اجراء مزيد من على اطفال آخرين من مستويات اخرى الخ وفي بيئات اخرى.