الشباب العربي و العولمة

شهد العالم في الحقب الأخيرة من القرن الماضي تشكلاً لنظام عالمي جديد اتضحت معالمه وآلياته تدريجياً حتى وصلت في تجلياتها العليا إلى ما يطلق عليه العولمة، التي أصبحت الإطار الذي يفترض أن تتحرك فيه وتتأثر به كل الظواهر المجتمعية على المستوى المحلى والاقليمى والدولى، كما اعتبرت آلياتها هى الحاكمة لكل ما سبقها من إنجازات المجتمع الدولى الاقتصادية والسياسية والثقافية بحيث أصبحت هذه الإنجازات مسخرة إلى حد كبير لخدمة أهداف العولمة سلبية كانت أو إيجابية .

وقد تم تبلور ظاهرة العولمة ومأسستها وتقنينها على مدى الحقبتين الماضيتين من خلال عدد من السياسات التى من شأنها أن تؤدى إلى تحقيق الهدف الاستراتيجى لها، وهو إعادة تشكيل النظام الاقتصادى لجميع الدول وتحويلها إلى اقتصاد السوق بهدف إدماجها جميعاً فى إطار السوق العالمى، ولتحقيق هذا الهدف الاقتصادى، تشمل العولمة تجليات وآليات ذات أبعاد سياسية واجتماعية وثقافية وعسكرية, تنعكس على الشعوب العربية نساء ورجالا من خلال تبنى الحكومات لسياسات وبرامج العولمة وتحويلها إلى سياسات عامة وطنية يؤثر تطبيقها على حياة المواطنين نساء ورجالا، سلبا وإيجابا .

وعلى الرغم من نجاح هذه الظاهرة فى السيطرة على تشكيل وصياغة معظم المجتمعات على مستوى العالم، إلا أنها مازالت ظاهرة خلافية يتصاعد الجدل والصراع بين معضديها ومعارضيها يوما بعد يوم كما أن هناك كثير من التباين فى الرؤى فى داخل كل من المعسكرين .

ويرتبط الخلاف إلى حد كبير بتحديد ماهية وآليات الظاهرة، ومن ثم الخطاب الأيديولوجى المساند لها، والذى يؤدى إلى إيجاد استراتيجيات مختلفة للتعامل مع العولمة.

أدى الاختلاف الفكرى والسياسى حول ظاهرة العولمة إلى وجود العديد من التعريفات التى سنحاول، من أجل الوضوح الفكرى، اختزالها فى تعريفين أساسيين يرتبطان بمقاربتين منهجيتين ويشملا الخطوط العريضة لكل التعريفات الأخرىوهما، التعريف الوظيفى والتعريف البنيوى للعولمة .

أما التعريف الوظيفى, فيركز على وصف تجليات ومظاهر وإنجازات العولمة مثل ، التقدم التكنولوجى غير المسبوق، وثورة المعلومات والاتصالات، وقوة وحركية الشركات العابرة للقوميات، والتحولات اللازمة لإيجاد سوق عالمية واحدة تضمن فيها حرية الحركة لرأس المال، والسلع والخدمات، وقوى العمل البشرية،
شهيدة الباز ص6( تجليات العولمة فى الوطن العربى ) دراسة منشورة فى المراة والعولمة –نشرة غير دورية –دار نشر نور لبحوث المراة القاهرة 2004

ويتجلى الخطاب الثقافي الأيديولوجى لهذا التعريف فى اعتبار العولمة تعبيراً عن انتصار الحضارة الغربية الرأسمالية ومن ثم فهى نهاية التاريخ ، وهى ظاهرة لا مفر منها، من شأنها تحويل العالم إلى قرية كونية، وعلى المجتمعات التى تود الإستمرار فى الحياة فى هذا العالم Survival أن تعيد هيكلة واقعها لتتكيف مع متطلبات الاندماج فى السوق العالمى، وهو الهدف الاستراتيجى للعولمة .

وقد تمثلت روشتة تحقيق هذا الاندماج فى سياسات التكيف الهيكلي والتثبيت المالي التى صاغها البنك وصندوق النقد الدوليين، والتي اضطرت معظم دول العالم الثالث إلى تبنيها للخروج من أزمة الديون التي خنقتها في الثمانينات من القرن الماضي .
ويلاحظ أن المدافعين عن هذه الرؤية يركزون على مطلب الحريات الاقتصادية والسياسية وتفعيل الديمقراطية الليبرالية وتعزيز دور المجتمع المدني واستقلاليته عن الدولة، التى يجب أن يتقلص دورها إلى الدور التقليدي للدولة الحارسة، كما يرحبون بالاندماج فى القرية الكونية والاستفادة بكل ما تقدمه العولمة على أنهم من ناحية أخرى لا يهتمون بقضايا مثل تناقض المصالح وعدم التكافؤ فى علاقات القوى الاقتصادية والسياسية بين الأجزاء المختلفة من العالم، والنابع من عدم التكافؤ هيكلياً وتنموياً بين هذه الأجزاء والتي يمكن أن تعطل المشاركة الحقيقية فى العولمة، كما أنهم لا يهتمون باحتمالات تهميش، أو حتى القضاء على بعض هذه المجتمعات نتيجة للصراعات الدينية والعرقية والقبلية التى تغذيها العولمة والتي تحسم في النهاية لصالح الدول الكبرى فى إطار سيادة فلسفة الداروينية الاجتماعية ” أى البقاء للأقوى ” .

على أنه من المهم الإشارة هنا إلى أنه قد ظهر فى إطار التعريف الوظيفى للعولمة توجيه أكثر انسانية، نادت به منظمات الأمم المتحدة، يؤمن بحتمية العولمة ولكنه ينادى بتطبيقها بشكل إنسانى Globalization with a Human Face ونتيجة لذلك بدأ اهتمام المنظمات الدولية بمواجهة الآثار الاجتماعية السلبية للعولمة على المجتمعات وعلى القوى الاجتماعية المهمشة فى داخل المجتمع الوحد. ويبرز هنا تبنى استراتيجيات الفقر تقليل وتمكين الفقراء من الحصول على دخل .

أما التعريف البنيوى للعولمة فهو بالإضافة إلى تناوله تجليات العولمة ومظاهرها وإنجازاتها، فهو يتخطى ذلك إلى تحليل بنيتها ومعرفة آليتها ومنطق تطورها بنيوياً فى السياق التاريخى الحالى .

وفى هذا الإطار ينظر التعريف البنيوي إلى ظاهرة العولمة باعتبارها عملية تاريخية جدلية تمثل مرحلة متقدمة من مراحل التاريخ الإنسانى، المتطور دائماً، من حيث تراكم المعرفة العلمية والتكنولوجية، ولذلك فالعولمة فى إطار هذا التعريف ليست نهاية التاريخ، كما يؤكد هذا التعريف على أن العولمة تمثل أيضاً مرحلة متقدمة فى نمو الرأسمالية تتخطى الحدود القومية من خلال الفاعل الرئيسى فى هذه المرحلة وهو الشركات متعدية الجنسية، ولذلك فإن العولمة تقوم بطبيعتها وبنيتها الرأسمالية على أساس التمايز وعدم التكافؤ فى مستويات تطور ونمو المجتمعات على المستوى الدولى، وفى تطور ونمو القوى الاجتماعية فى داخل المجتمع الوطنى الواحد، وفى هذا الإطار تنشىء العولمة تقسيماً عالمياً جديداً للعمل يتسم بعلاقات قوى غير متكافئة اقتصاداياً وسياسياً وعسكرياً، ويؤكد أصحاب هذا التوجه على أن العولمة بهذا المعنى ذات أثر استقطابى يتمثل فى حدوث عمليتى إدماج واستبعاد فى نفس الوقت على المستوى المحلى والعالمى، وأن منطق التوسع الرأسمالى لابد وأن يزيد من عدم المساواة بين أعضاء هذا النظام بشكل مستمر، ولذلك لا يمكن للبلدان النامية فى هذا العالم اللحاق بالدول المسيطرة على آليات العولمة إلا بفك الارتباط والخروج من إسار التبعية للقوى المسيطرة ، لن يمكن تحقيق ذلك إلا بإخضاع علاقات الدول النامية بالسوق العالمى لمتطلبات التنمية الوطنية النابعة من مجتمعاتها، لا لسياسات مفروضة عليها من الخارج .

ويرى هذا التوجه أن فك الارتباط بهذا المعنى لا يعنى الانعزالية أو رفض العولمة بكل أشكالها، ولكنه يعنى النضال من أجل أن تصبح الدول النامية فاعلاً إيجابياً فى عمليات العولمة التى يجب أن تتكيف هى الأخرى تبعاً لاحتياجات تنمية هذه البلدان، كما يرى أن “التكيف” من طرف واحد، الذى يفرض الآن على الدول النامية فى إطار العولمة، من شأنه أن يؤدى بالضرورة إلى تهميش الأطراف الضعيفة فى النظام العالمى، وربما القضاء عليها، ويتخطى أصحاب هذا التوجه استراتيجية تقليل الفقر إلى استراتيجية القضاء على الفقر ومواجهته هيكلياً .

وقد أتجه مشروع الأمم المتحدة للألفية ” 2005 ” الاستثمار فى التنمية ـ إتجاهاً واضحاً وجريئاً نحو القضاء على معوقات وتحديات التنمية فى دول العالم الثالث، مستخدماً صيغاً قاطعة (القضاء على الفقر المدقع والجوع) غاية (1)، ومتحالفاً بصورة واضحة مع التعريف البنيوى للعولمة، ، وقد عكست استراتيجية المشروع توجهاً نحو القضاء على الفقر مشيرة فى التوصية الأولى من التوصيات العشر إلى أن ” تصبح لدى جميع البلدان استراتيجيات إنمائية بحلول 2006،

وحيثما كانت هناك أوراق استراتيجية للحد من الفقر فعلاً، ينبغى تعديل تلك الأوراق بحسب الغايات الإنمائية للألفية “فى تعاصر مع تصاعد ظاهرة العولمة، تزايد الاهتمام دولياً ومحلياً بعدد من القضايا المتشابكة، ومن أهمها التنمية البشرية كمنطلق أكثر فاعلية لتنمية المجتمعات النامية، وفى هذا الإطار تزايد الوعى بضرورة تفعيل دور الشباب فى كل عمليات التنمية باعتباره العمود الفقرى للمجتمعات العربية، وقد أدى هذا الوعى إلى صحوة نظرية وعملية، كان من نتيجتها ظهور سلسلة من البرامج والمشروعات الدولية والإقليمية وحتى المحلية التى تهدف إلى تمكين الشباب، وفى هذا الإطار نهض مشروع الأمم المتحدة للألفية 2005 MDG., داعياً إلى الكفاح العالمى ضد الفقر المدقع، ساعياً إلى تمكين المجتمعات النامية من تفعيل مواردها البشرية البناءة وعلى رأسها الشباب .

ونود الإشارة إلى أن تداعيات العولمة ومجالات تأثيرها على المجتمعات العربية تعمل كعناصر متفاعلة باعتبارها متغيرات متكاملة ومتفاعلة جدلياً فى إطار كل (وهو ظاهرة العولمة)، كما أن ناتج العولمة لا يتحقق بشكل كامل إلا من خلال هذا التكامل والتفاعل الجدلى بين كل هذه المتغيرات .

وتسعى هذه الدراسة إلى بحث تداعيات وتأثيرات العولمة على الشباب العربى الذى يشكل أكثر من 40% من سكان الوطن العربى البالغ تعداده 290 مليون، ويعتبر سكان العالم العربى أصغر سناً من سكان العالم بأسره .

وفى الجزء التالي نبدأ باستعراض سريع لبيئة الشباب العربى تمهيداً لتناول تداعيات وتأثيرات العولمة على الشباب فى أبعاد محددة .

بيئة الشباب العربى :

إن الشباب العربى ـ بشكل عام ـ وهو يعيد إكتشاف ذاته ليتحقق موضوعياً من حقائق ” الوجود ” الإجتماعى / والكوكبى / والكونى، بحثاً عن أدوار فاعلة فى الحياة يتسع حيزها لعطاءاته الحيوية، .. تتلقفه الموجات العاتية : موروث قيمى / دينى ـ طابعه السائد يميل إلى الثابت والجامد ويفزع هلعاً من شبح التغيير: فالمثل الأعلى للوجود ـ شكلاً وموضوعاً ـ قد تحقق فى الماضى السحيق / البعيد / القريب (الفرعونى/ المسيحى / الإسلامى/ ….) وهو نموذج أبوى / ذكورى يتم تجميده وتمجيده بدءاً من قواعد السلوك ومنطق التفكير وإنتهاءاً فى قواعد اللغة المعتمدة، والسلطة العليا منعقدة لـ ” النص ” بأبجديته المقدسة وشخوصه الملهمة، والحاضر الظاهر يتم تأويله بالغائب الباطن، وقد تغذى هذا الموروث خلال حلقات النمو فى إطار المؤسسات الإجتماعية المختلفة (أسرة/ مدرسة/ جامع/ كنيسة) وخاصة أن المؤسسات الرسمية والدينية بالدولة باهتة فى ميولها التنويرية ساطعة فى إتجاهاتها المحافظة :

فالخطاب الدينى الرسمى يتسم بالسطحية والتلفيقية الأمر الذى يتيح الفرصة ـ ضمن عوامل أخرى ـ لبروز التيارات والجماعات الدينية الأكثر مصداقية فى التعبير عن هذا الموروث بصيغته التقليدية، ونظم التعليم المدنية، والمتجاورة والمتداخلة والمتقاطعة مع نظم تعليم دينية ـ تتبنى مناهج وأساليب ووسائل تعليمية تعتمد التلقين والتقليد والتفتيت والتلفيق والحفظ والإستدعاء، ويتم تأطير ذلك كله فى المنتجات الإعلامية والثقافية والفنية السائدة بأجهزتها ومؤسساتها المتراخية، والتى لا تخلو ـ وربما فى المنتج الواحد ـ من تناقضات ظاهرة ومستفزة للكافة .

-وفى الوقت ذاته ـ لم تستطع التيارات التنويرية المتبلورة فى أفكار وكيانات وأنشطة متنوعة ومتعددة، والمتناثرة مكانياً وزمانياً، .. لم تستطع ـ لأسباب كثيرة ذاتية وموضوعية ـ أن تنجز مهامها التاريخية على نحو مؤثر وفاعل، فظلت فى أغلب الحقب بالمنطقة العربية تفتقد مقومات السيادة والانتشار، وظلت محاولاتها المتواترة والمتوهجة حبيسة : الذهن/ الكتاب/ النشرة/ الندوة/ الحلقة النقاشية/ …، إنها جذوة لم تشتعل ولم تنطفىْ.

-يعيش الشباب العربى فى تنظيم مجتمعى يجمل بذور ” وأد الحرية “، إذ يمكن تشبيه هيكل التنظيم المجتمعى فى البلدان العربية، على شدة تنوعه وتعقد تركيبه بسلسلة متشابكة الحلقات تبدأ من التنشئة فى نطاق الأسرة مروراً بمعاهد التعليم وعالم العمل والتشكيلة المجتمعية وإنتهاء بالسياسة فى الداخل والخارج ـ حيث تقتص كل حلقة من الفرد قسطاً من الحرية وتسلمه مسلوباً ذلك القسط من الحرية إلى الحلقة التالية، ويشكل تكامل الحلقات هذه نظاماً قسرياً عالى الكفاءة (4 ).

-على صعيد آخر تكرس المؤسسة التعليمية العربية قيم التلقى والخضوع حيث لا تسمح بالحوار الحر والتعلم الاستكشافى النشط ولا تفتح من ثم الباب لحرية التفكير والنقد، بل تضعف القدرة على المخالفة وتجاوز الراهن (5 )يغذيها مؤسسات إعلامية وطنية تعزز قيم الخضوع والفقر المعنوى .

-يسكن الشباب العربى قلب أوطان تعتمد التمييز بكفاءة بالغة، وتنوع هائل، فالقبلية تفرض تمييزاً حاسماً يتم وفقه تقسيم المزايا والموارد والسلطة، والعائلات الكبرى تستحوذ على عناصر القوى، والأثرياء يملكون المال وطاقات الفقراء ومصائرهم، والحضر يتعالى على الريف الفقير، والريف يتعالى على النجوع .
والرجال هم العناصر الأرقى من النساء، والفقيرات هن الأقل قدراً من غيرهن، والأسوياء أكثر حظاً من الأشخاص ذوى الإعاقة الذين يشكلون 1/10 المجتمع العربى تقريباً .

-كما يعيش الشباب اليوم فى أوطان تتسم بالاستبداد السياسى ـ الذى تزداد ملامحه معاصرة، ويلبس الاستبداد أقنعة شتى منها شرعية الثورة التى تسمح للنظام الثورى أن يحطم قاعدة سيادة القانون، وشرعية التقاليد التى تتيح للجماعة الحاكمة استناداً إلى شرعية تاريخية تقوم على الاستمرار والوراثة أن تتحكم فى مقاليد الاقتصاد والاجتماع والسياسة وفقاً لإراد الحاكم .

– ضعف وهشاشة مفهوم المواطنة ,فالإنسان العربي لم يستوعب أو هو لا يتدبر أصلاً فكرة مسؤولية الدولة والمجتمع عن مصائبه بل هي مسألة بينه وبين ربه الذي بيده هو نجاته أو خسارته ,الأمر الذي لم يعد الإنسان ,
يتعلق الأمر ربما بكيفية تشكل الدولة – الأمة التي تكونت, في سياق مختلف عن السياق الغربي ,وبنيت في بلادنا كتقليد للغرب وبسبب التدخل الاستعماري المباشر في تقاسم البلدان وتقسيمها بين القوى الاستعماريةحينها، أكثر مما حصل كتطور مجتمعى طبيعى.

تداعيات العولمة:

تجدر الإشارة إلى أن تداعيات العولمة (فى تعريفها البنيوى تحديداً) إنما تراكم على بناء قائم واضح ومحدد الملامح ـ فلا يجوز أن تتهم العولمة بإشعال ثورة ثقافية أو اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية ـ فالعولمة باعتبارها مرحلة متقدمة من مراحل التاريخ الإنسانى إنما تستند للمراحل السابقة لها تضيف إليها وتتفاعل مع عناصر قائمة ـ فملامح المرحلة السابقة للعولمة هى بالأساس التى تتفاعل وتتشابك مع ذلك القادم الجديد ” نسبياً ” مشكلة تداعيات جديدة … هى تداعيات العولمة .

الشباب والتداعيات الثقافية للعولمة :

يمتلك الوطن العربى تراثاً ثقافياً ثرياً وعميقاً بعمق تاريخ المنطقة، بنى من تنوع عناصره البشرية (عرب ـ فراعنة ـ بربر ـ أتراك ـ أفارقة ـ عجم ، …. الخ)، ومن تعدد الديانات به (الإسلام ـ المسيحية ـ واليهودية) ومن تنوع الحضارات المؤثرة فيه (الإسلامية ـ الفرعونية ـ اليونانية ـ الرومانية …… الخ) فضلاً عما تضيفه جغرافية المكان للثقافة العربية .

ووفق المد أو الجذر الحضارى لأى وطن تبرز أو تختفى الملامح الإيجابية لأى ثقافة ـ وإذا كنا الآن فى مرحلة جذر حضارى، فإن الملامح الإيجابية لثقافتنا العربية يحجبها بعض الحجب، مما يسهل الأمر كثيراً على ثقافة المرحلة الراهنة وهى العولمة .

تلك المرحلة التى تتبلور ملامحها بحكم تعرض البشر فى كل مكان لرسائل إعلامية وثقافية متشابهة تصدر أساساً من المركز الذى هو الآن خصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية، وعموماً مصادر الثقافة الغربية، ومعنى ذلك أننا أمام اخطار تهدد الخصوصيات الثقافية للوطن العربى .
وعلى صعيد آخر فإن أدوات أخرى أكثر انتشاراً ولا يحدها بشدة التقسيم الطبقى أو السكانى أو التعليمى، فالقنوات الفضائية وماتبثه من مواد إعلامية ” معولمة ” تجد أرضاً خصبة فى المنطقة العربية تتفاوت خصوبتها إنطلاقاً من قوة بناء المورد البشرى (الشاب) المستقبل لها، ويمكن تقسيم الشباب إلى ثلاثة فئات رئيسية تبعاً لتأثرهم بأدوات العولمة “المعولمة” التكنولوجية :

الفئة الأولى:

شباب حصل على فرص تعليم جيد وأمتلك مهارات متعددة يتقن أكثر من لغة، هذه الفئة بالطبع تنتمى اقتصادياً إلى الأثرياء القادرين على شراء خدمات تعليمية أرقى من المتاح، وفرص تطوير معرفى أضل ـ وبالتالى فإن أسواق العمل أمامهم متاحة وواسعة، تلك الفئة تجيد استخدام تكنولوجيا الاتصال بمهارة وتستفيد منها فى إنجاز أعمالها .

ولا تصطدم تلك الفئة كثيراً بالقيم المنبثة عبر القنوات الفضائية وإن كانت تنعكس على مظهرهم وسلوكهم وموسيقاهم وسياراتهم وطبيعة علاقاتهم بالجنس الآخر وحتى بمجموعاتهم وأسرهم .

فهم شباب تمتع بقدر كبير من حرية الاختيار ـ مقارنة بنظرائهم ـ تحكمهم علاقات أسرية أكثر مرونة وأقل عبئاً .

بصورة عامة لا ينشغل شباب تلك الفئة بالقضايا السياسية المحلية ولا بتبعات السياسات المتبعة طالما لم تمسه، إلا أن الأحداث الإقليمية الأخيرة قد كشفت عن حس عروبى لم يكن متوقعاً من هذه الفئة حيث شاركوا وقادوا عشرات المظاهرات فى كافة الدول العربية من الجامعات احتجاجاً على الممارسات الأمريكية فى العراق، وعلى العدوان المستمر فى فلسطين . تمتلك هذه الفئة قدرات واسعة على التشبيك على مستوى دولى، فنجد بعض منهم أعضاء فى شبكات دولية غير حكومية .

أمدت العولمة تلك الفئة بأدوات رفاهية جديدة ـ وإمكانات أعلى للمعرفة والمتعة وفرص تعلم ,وخبرات أوسع وقدرات اتصالية هائلة، الأمر الذى أمد هذه الفئة بعلاقات إتصالية أعمق بالعالم، فى حين ضعفت الصلة بعلاقته بوطنه ” إزدواج الجنسية “،

حيث لم تعد هناك فاعليات محلية قادرة على جذبه وانتزاع اهتمامه كتلك الإحداث الوافدة عبر التكنولوجيا ـ وهى الحالة التى يمكن أن نطلق عليها العزل الاختيارى.

الفئة الثانية:
هم هؤلاء الشباب الذين يتعاطون الإمكانيات الوطنبة المتاحة التى غالباً ما تكون محددة العطاء ـ باستثناء دول الخليج ـ والتى تتيح له الحصول على شهادات دراسية متنوعة، إلا أنها لا تمدهم بالمهارات والمعارف التى تفتح لهم سوق العمل وهو ما يفسر أن 53% من طالبى العمل فى الوطن العربى شباب تتراوح أعمارهم ما بين 15 ـ 25 سنة .

تضم تلك الفئة شباب الحضر والريف (القادر على تعليم أبنائهم) والذين يدركون من تكنولوجيا العولمة القنوات الفضائية أكثر من الانترنت لسهولة الوصول للأولى ـ فى حين يكون الثانى غالباً أداة للمتعة واللعب والتمرد على المحظورات أكثر من كونه وسيلة كسب معرفية وإتصالية متاحة.

تتلقى هذه الفئة قيم العولمة عبر القنوات الفضائية وعبر تقليد الفئة الأولى سلوكياً ـ وساهم ذلك فى تغيير ثقافة هذه الفئة التى استطاعت تخطى المحظورات الدينية عبر الزواج العرفى ـ وعبر دعم الأصدقاء ـ كما ازداد إدراك تلك الفئة لمشكلات سوق العمل، فلم تعد ترى غضاضة فى العمل إلى جانب الدراسة أو فى الإجازات، خاصة الدول العربية ذات الكثافة السكانية، وتعاظم طموح هؤلاء الشباب بالثراء والرغبة فى التمتع بالسلع الإستهلاكية المنتشرة .

وبقى هذا الشباب على خط وسطى فى علاقته بالأسرة يظهر وجهاً أقل تمردا من زملائهم فى المجموعة الأولى ويبدى بعض الولاء الأسرى ـ ويحتفظ بآخر سرى يمارس به كل ما يستطيع تجاوزه ـ وليس بمستغرب أن هذه الفئة ينتشر بها إرتداء الحجاب الحديث ـ الذى يغطى الشعر أو جزء منه ـ مع احتفاظ الفتيات بالخطوط الحديثة الضيقة بصورة ملفته ـ فهم فى سعى دائم للوصول إلى حالة توازن بين الثقافة القادمة والثقافة المحلية التى تغلفها بعض القيود .

برغم ذلك، فهؤلاء الشباب هم الأكثر التصاقاً بهموم الوطن ـ وهم العمود الفقرى لمظاهرات الجامعات الوطنية المعبرة عن رفض بعض السياسات الوطنية (كما حدث فى مصر ولبنان والاردن) فضلاً عن نشاطهم الفاعل فى القضايا العربية المطروحة .

هذه الفئة هى الأكبر حجماً فى الوطن العربى، وهى القوة الشرائية لمنتجات العولمة وهى التى تغذى الطموحات الاستهلاكية .

وإذا كان هناك ثمة صراع ثقافى داخلى يتشكل داخل الفئة الأولى، فإن الصراع الداخلى لدى هذه الفئة أعلى صوتاً، خاصة صراع البحث عن الهوية .
شباب هذه الفئة هم أبناء الطبقة الوسطى بكل سماتها الحافظة للثقافة المحلية والناقلة لها . ويصف د. نادر فرجانى تلك الفئة قائلا 🙁 انها فئة اجتماعية ملتبسة تقوم بدور وسطى بين القمة وبين القاعد ة,فئة يسكنها التوتر
ا لاجتماعى وتعانى من الضمور النسبى نتيجة الافقار الذى صاحب الاقتصادات العربية, ويضيف بان الفئة الوسطى تميل للعمل فى قضايا النهضة فى مراحل المد القومى ,
هذه الفئة من الشباب هم فى الغالب القوة الشبابية الفاعلة فى منظمات المجتمع المدنى العربى خاصة الجمعيات ومنظمات حقوق الإنسان ـ وهم القوة المرصودة من قبل الإجهزة الحكومية الشبابية لاستقطابها )5*

الفئة الثالثة:

وهم الشباب الذين لم يتعلموا أو لم يتخرجوا أو أولئك الحاصلين على مؤهلات متوسطة والخارجين من عمق الفقر والإهمال ـ خاصة القادمين من القرى الفقيرة والمناطق الحضرية الفقيرة ومناطق العشوائيات، هؤلاء إما محرومين حرماناً تاماً من تكنولوجيا العولمة أو مستهلكين للمواد الإعلامية المنبثة عبر الإعلام المرئى والمسموع ـ وهم فئة واسعة يختلف حجمها من بلد لآخر, إلا أن أخطر مشكلاتها , هو هذا التعرض الكثيف لقيم جديدة تقدم بواسطة أنداد لهم من شرائح أخرى، الأمر الذى يدفع شباب تلك الفئة إلى التقليد بدون الاستناد إلى بناء فكرى نقدى يقلص من التقليد ، فتكنولوجيا العولمة تكرس الشعور بالدونية والحرمان لدى تلك الفئة من الشباب، وتدفع بهم إلى اليأس أو العنف ـ هذه الفئة تشكل) القوة الأساسية) للجريمة ـ وللمخدرات ـ وللعنف المنظم فى كل أشكاله .

تلك الفئة من الشباب التى تختنق بين تطلعات مستحيلة, وقدرات عاجزة, تدفع ضريبة التداعيات الاقتصادية للعولمة، فلا تتعاطى مع تداعيات العولمة الثقافية إلا بمنطق ” الفرصة المسروقة ” وهم أكثر العناصر تداولاً للافلام المخلة والتقليد الأجوف، وهم غالباً أبطال حوادث الاغتصاب بكافة أنواعه .

اشار بحث علمى اجرته د.زينب عبده استاذة الاجتماع بكلية الخدمة الاجتماعية جامعة حلوان بمصر 2004 حول مشكلات الشباب فى المجتمعات العشوائية

الى ان 1% من عينة البحث وقعت فى الادمان و 17% قيد ضدهم جرائم سرقة , و 22% صدرت فى حقهم احكام اخرى , بينما اتضج ان 56% منهم اميين . إن التداعيات الثقافية للعولمة لم توفر لهؤلاء إلا مناخاً مستفزاً ـ ولم تتصل بهم سوى من جانبها اللاأخلاقى، ولم تعترف بهم كفئة قائمة بالأساس .

إن الشباب فى العولمة لا يتم بصورة واحدة لدى الفئات المختلفة للشباب الأمر الذى يعزز ويعمق نوعين من الإزدواجية .

إزدواجية داخل المجتمعات العربية ذاتها : تفسرها مشاهد متعددة مثل :
ـ القتل تحت مسمى جرائم الشرف / المطالبة الإعلامية والقانونية بالاعتراف بأبوة طفل بدون زواج .
ـ التسلط والارهاب الحكومى / المطالبة بالاعتراف بشرعية الحكومات .
ـ الفساد الإدارى / الدعوة للانتماء للوطن .
ـ سحق كرامة المواطنين / المطالبة بدعم الحكومات .

إزدواجية داخل الشباب ذاته : تعكسها مظاهر منها :

ـ الإندفاع فى علاقات خارج الزواج / التنديد والاذلال للفتيات خارج الزواج .
ـ التدين / السرقة المقنعة / الفساد .
ـ الفقر / المغالاة فى المظهر .

كلا النوعين من الإزدواجية يتقدم ويتراجع بناءاً على قوة الكيان المجتمعى أو قوة كيان الفرد .

وبصفة عامة، فإن الوعى فى عملية الاتصال الثقافى يحتم توفر النضج النفسى والاجتماعى والمعرفى والاطلاع بما يحدث فى العالم، وهو الأمر الذى يتطلب بحثاً للآليات التى تحقق هذا الوعى .

إن الشاب العربى اليوم مضطر إلى الإنخراط فى العولمة، لكن مشكلة الإنخراط هى التى تحدد لنتائج ومدى القدرة على التكيف والمشاركة فى أوجه النشاط داخل الوسط الاجتماعى المحلى .

إن الشاب العربى الآن تحكمه حالتان :

الأولى : التفاعل مع التكنولوجيا القادمة والتدفق الإعلامى والمعلوماتى القادم إليه عبر الانترنت والاقمار الصناعية والقنوات الفضائية والأدوات التكنولوجية اليومية .

الثانية : الإنعزال عن التكولوجيا والحفاظ على الهوية العربية للشاب العربى بخصويته الثقافية .

-والحقيقة أن الشباب العربى يعيش كلا الحالتين، إنطلاقاً من أن هذا الشاب مجموع متنوع ,وليس كيان كتلى يسهل توصيفه, ورسم ملامحه، فالشباب العربى ينتمى :
إقتصادياً إلى فئة قادرةاقتصادية وهم القلة القليلة، وفئة متوسطة تتقلص إلى الثلث والقطاع الأكبر وهم الفقراء .
وسكانيا إلى الريف الذى يمثل45.4% من سكان الوطن العربى,والحضر العربى الذى يشكل 56.6 %بتنوع إمكانات كل منهما واختلاف القيم المؤسسة لكل منهم .

-وتشير البيانات إلى أن التعامل مع أدوات العولمة والتى غالباً لا تتوفر إلا للقادرين وبعض المنتمين للطبقة الوسطى يبلغ 18 حاسوباً لكل 1000 شخص فى المنطقة العربية مقارنة ببمتوسط عالمى 78,3 لكل ألف شخص، بينما يشير تقرير التنمية البشرية 2002 إلى أن عدد مستخدمى الانترنت فى الدول العربية وصل إلى 4,2 مليون مواطن يشكلون 1,6 من سكان الوطن العربى، ورغم وجود تفاوت , من حيث عدد مستخدمى الشبكة-، وتميل بقوة للزيادة فى منطقة الخليج- فإن الوطن العربى فى مجمله يأتى ضمن أدنى مناطق العالم بهذا الخصوص، وثمة عوامل تفسر إنخفاض عدد مستخدمى الانترنت فى العالم العربى منها انتشار الأمية الإبجدية ( التى قدرها تقرير التنمية البشرية 2002 بــ 60 مليون أمى بالغ، وأمية استخدام الحاسب الآلى ـ بدرجات متفاوتة ـ خاصة أن استخدام الانترنت يتطلب معرفة اللغة الانجليزية باعتبار الغالبية العظمى من المواد على الشبكة بالانجليزية، فضلاً عن تواضع مستويات الدخل لدى القطاع الأكبر من المواطنين فى الوطن العربى مما يحول دون قدرتهم على إستخدام الانترنت .

-يرى نادر فرجانى ان التغيير الحقيقى فى الوطن العربى سوف ياتى من تضامن وتحالف العناصر النشطة لكل الفئات والشرائح الاجتماعية ,ففى كل شريحة اجتماعية هناك جزء اكثر قابلية للحركة ,واذا ما تحالفت العناصر النشطة من كل شريحة اجتماعية امكن تحقيق تحالف راسى
من ناحية اخرى ,يمكن ان يكون هناك تحالف واسع لكافة القوى السياسية , واحدى البدائل الهامة التى يطرحها نادر فرجانى هى فى صيغة التحالف الوطني التحالف الرأسى ,ويؤكد ان تشجيع التحالف بين الفئات الاجتماعية وعبر الحركات السياسية هى إحدى المداخل المهمة للتغلب على حالة الركود السياسي القائم في المنطقة

التداعيات الاجتماعية للعولمة:

يشير تقرير التنمية الإنسانية العربية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2002 حول تشخيص الثغرات الأساسية في التنمية البشرية, أن الناس في المنطقة العربية كانوا اقل استمتاعاً بالحرية على الصعيد العالمي وان الاستفادة من قدرات المرأة سياسياً واقتصادياً ما زالت هي الأقل في العالم وان اكتساب المعرفة وتوظيفها في بناء القدرات البشرية محدودة لا تدعم الرفاة الإنساني ( برنامج الأمم المتحدة الإنمائي 2002) هذه الثغرات هي مؤشرات دقيقة لتفسير بعض عوامل التقهقر الإنساني والاجتماعي للوطن العربي ، ولكن لابد من فهمها ضمن السياق العام وربطها بشكل جدلي مع مشروع الهيمنة الأمريكية الذي سلب الوطن العربي فرصته الحقيقية في تقرير مصيره وبناء ذاته. فحتى شعار نقص الحريات وتمكين المرأة كما هو شعار الإصلاحات الديموقراطية جاء أولاً في مضمون الشروط للاندماج في مشروع العولمة فاقتصاد السوق المبني على الخصخصة يرتكز بالمقابل على تغيب مفهوم دولة الرعاية المسئولة عن الاستجابة للاحتياجات الأساسية للفقراء بما فيهم النساء.
إذا ماذا تعني الحريات في مضمون الاستغلال المبني على عدم تكافؤ الفرص على أساس الطبقة والنوع الاجتماعي أو الإصلاحات الديموقراطية في شكلها البرغماتي والتي لا ترتكز على العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان بل على خدمة النظام العالمي؟
الأسرة في ظل العولمة :

هناك عدة تغيرات على مستوى متطلبات الجيل الجديد من الأهل بشكل عام،و فىرصد لبعض هذه التغيرات ومنها مواضيع النزاع بين الجيلين الجديد والقديم
ان التغير الموجود بشكل ملموس في مجتمع كالمجتمع المغربي , يعرف حراكاً مهماً، نلاحظ انه اقل حدة أو هو غير واضح بعد ، في مجتمع كالمجتمع اليمني أو الخليجي عامة حيث لا تزال العادات والممارسات التقليدية هي السائدة.
مع ذلك نلمس لتغير، فإذا كانت مواضيع النزاع بين الجيلين تطال الخروج ومواعيد أو رفقة الجنس الآخر أو اللباس وعصريته في بلدان مثل تونس والمغرب ولبنان إلا أن ,المجتمع اليمني ثابت إذ نلاحظ أن اللثمة مثلاً أو حجاب الوجه هي موضع تساؤل من الكثيرين من الجنسين في بلد كاليمن وحتى أن البعض يجد أنها تدعو الفتنة والسلوك المنحرف وهناك شكوى في اليمن من سن الزواج المبكر وكثيراً ما تعبر بعض الفتيات عن أنها ظلمت هي وزوجها بسبب تزويجهما بعمر 15و16 عاماً بينما لا يوجد طلب فعلي للسماح بالصداقة بين الجنسين في اليمن ، إلا أن هذا تطلب يجده الجيل الجديد محققاً في بلدان مثل تونس ولبنان ومصر.والاختلاط موجود بدرجة أكبر في المغرب على ما يبدو.
على صعيد اخرفان المدن تتعرض لوتيرة سريعة من التغير أكثر من الأرياف، فالعلاقات بين الأقارب عند سكان المدن أقل حميمة وشيوعاً وتنحو نحو التراخي والفتور حتى ما بين الأخوة ويسود نمط علاقات عصري حديث طابعه الالتجاء إلى كنف الأسرة النواتية أكثر فأكثر. لكن يختلف الأمر نوعاً ما في الأوساط الشعبية.
ففي مقابلات ظهر جلياً ندرة العلاقات الواسعة والتكافلية أو المحافظة على وشائج القرابة في الأسر وفي حال وجود علاقات متماسكة نلاحظ أن وفاة الجدين عامة أو أحدهما يضعف الروابط بين الأسر حتى في الريف.
من المواضيع التي تخضع للتغير وللتفاوض بين الجنسين مسألة تقسيم العمل أو من يقوم بالمهام المنزلية فمن الملاحظ ان العمل المنزلي لا يزال بشكل عام منوطاً بالمرأة وان الشاب تمضي وقتاً أطول بكثير من المراهق في ذلك. لكن هناك تغيرات عدة فالفتاة في لبنان خاصة بدأت تعترض على هذا النوع من التمييز ولو ان الفتاة الريفية والمدينية الفقيرة أقل اعتراضاً. لكن من اللافت ان التغيير يحل عند جيل المتعلمات اللواتي اصبحن أكثر تطلباً وظهر جلياً في المسح القومي الذي تم في مصر فلقد ابرز هذا التقرير ميل الفتيات التى تطلب المساعدة والمشاركة فيما يتعلق بميزانية الأسرة (8.71 % للفتيات و3.53% للفتيان) ومشاركة الزوج في تربية الأولاد وترفض الفتاة فرصة للتميز السائد ضد المرأة ولأفضلية الذكور على الإناث في المعاملة..
كذلك نلاحظ في هذه البلدان وجود نزاعات حول الملابس فملابس الفتيات تنحو لأن تقلد الملابس الشائعة عالمياً (فلم يعد مناسباً ان نسميها غربية!) بينما يتطلب الأهل بشكل عام احتشاماً أكثر، ولو أن مفهوم الاحتشام مطاط وغير محدد وهو يتغير بتغير مكان السكن والفئة الاجتماعية,كما قد تعترض فتاة لبنانية حضرية على السماح لأخيها بالسهر حتى الثانية عشرة ليلاً بينما تمنع هي عن ذلك، في مقابل فتاة حضرية فقيرة من حي شعبي أو أخرى ريفية تطلب مجرد السماح لها بالخروج حتى نهاراً من دون مرافقة أخيها كما أن لعدم الاحتشام معن مختلفاً لفتاة مدينية يطلب منها الأهل مجرد عدم “كشف بطنها” وبين أخرى ريفية تمنع من ارتداء البنطلون الضيق دون تغطيته بتنورة.

ظواهر لاحقة:

تعتبر بطالة الشباب في العالم العربي اعلي معدلات البطالة في العالم وقد اشار تقرير صادر عن منظمة العمل الدولية بعنوان ” اتجاهات التشغيل في العالم 2003 الي تفوق معدل البطالة دول الشرق الاوسط وشمال افريقيا حيث تبلغ نسبة البطالة بين الشباب 25.6 % وتعاني النساء من بطالة اكثر من الذكور حيث يبلغ معدل بطالة الاناث31.7 %
وتعتبر لبنان هي الدولة الاعلي في معدل البطالة والتي تبلغ 30 % يليها الاردن 24 % ثم البحرين 24 % في حين تعتبر الكويت هي النسبة الاقل 6.2 %
وقد اشار التقرير الي ان السمات المشتركة المميزة لبطالة الشباب تلخص في:
* بطالة الشباب اكبر من بطالة البالغين
* الاناث اكثر تعرضا للبطالة
* الشباب اكثر عرضة لظاهرة نقص التشغيل
* بطالة الشباب هي بطالة الداخلين لاول مرة الي سوق العمل بالدرجة الاساسية وغالبا ما يكون تشغيلهم ضمن اجور متندية ، كما ان الشباب والاناث منهم علي وجه التحديد يعتبرون من اكثر الفئات الاجتماعية تعرضا لمخاطر التهميش الاجتماعي وقد اكد الهدف الثالث من الاهداف الانمائية للالفية علي وجوب ” تخفيض الفجوة الجندرية وتمكين المرأة ” .
وجدير بالذكر ان بطالة الشباب ايضا لا تعني مجموع الشباب بل تبقي وفقا للتقسيم الاول حول الشباب وهم اولئك الشباب الذين حرموا من عناصر التمكين الملائمة للمرحلة الراهنة بما يعني القدرة علي التعامل مع التكنولوجيا الحديثة والتأقلم معها وامتلاك لغة اجنبية او اكثر وهو ما يعزز التهميش الاجتماعي والاقتصادي ويدفع بهم نحو مخاطر مريعة مثل المخدرات او الجريمة أو الهجرة .

المخدرات:
ويشير مكتب الامم المتحدة الاقليمي لمكافحة الجريمة والمخدرات لمنطقة الشرق الاوسط الي ان هناك ما يقرب من نصف مليون شاب عربي ينطبق عليهم صفة ” مدمن ” .
لقد استخدمت الآليات الإتصالية للعولمة في رفع كفاءة تهريب المخدرات ، وبخاصة إلى الدول النامية والدول العربية تحديدا – والتى تجاور مناطق معروفة عالمياً بإنتاج المخدرات مثل”افغانستان” او منافذ عبور منظمة مثل ” اسرائيل ”
كما أن العديد من الانظمة العربية تعتبر مكافحة المخدرات والجريمة ذات اولوية ثانية ، حيث أن الأولوية الأولى لصالح مكافحة الارهاب ـ استجابة لتوجهات الولايات المتحدة الامريكية.
إن الساحة العربية تقدم للشباب البطالة والفقر والاحباط واليأس والفراغ النفسي والوطني فضلا عن وسائل اعلامية فقيرة ومنخفضة المصداقية ، أى أنها تقدم البيئة النموذجية لنمو ظاهرة إدمان المخدرات .
وقد أفاد تقرير عن مصر – صادر من نفس المكتب لعام 2001 – بأن ” متوسط اعمار المدمنين بلغت 26 عاماً بينما متوسط عمر مستخدمي المخدرات للمرة الاولي كان 16 سنة ” ، وفي دراسة عن عام 1996 نفذها المركز القومي … شملت 3 محافظات استهدفت 0.2 % من السكان واشارت الي ان 20 % من العينة جربت المخدرات مرة واحدة في حياتها ، 14 % تعاطوا المخدرات يوميا ، 28 % اسبوعيا ، 38 % شهريا لتكون نسبة من تعاطوا او جربوا المخدرات 1 : 15 ، شكلت الفتيات نسبة 3 % من العينة بينما اشارت دراسة شبيهة صادرة من مكتب الامم المتحدة لمكافحة الجريمة والمخدرات طبقت في الاردن عام 2002 الي ان تعاطي العقاقير المهدئة منتشرة بين طلبة المدارس العليا والجامعات بنسبة 14.8 % بين الشباب من الذكور ، 10.6 للإناث يليه الكحول الذي يتعاطاه 22.5 % من الشباب في مقابل 3 % من الشابات .

الهجرة :
حسب تقرير التنمية الانسانية العربي 2002 فإن 51 % من الشباب العربي ، 54 % من المراهقين الاصغر سنا عبروا عن رغبتهم في الهجرة . ضيقا من الاوضاع السائدة بالنسبة لفرص التعليم والعمل وحيث يعانون قلقاً نحو المستقبل ، وهجرة الشباب العربى تنقسم الي :

هجرة من الريف الي الحضر
يشكل الريف في الوطن العربي النسبة الأضخم من المساحة والسكان معاً ، ويعاني هذا الريف اجمالا من تدنى مستوى الخدمات المتعارف عليها ، ومن قصور وتخلف معظم مؤسساته التعليمية والتنموية ، الامر الذي يغذي رغبة الشباب الريفي في الهجرة نحو مجتمع اكثر انفتاحا واقل قيودا حيث يمكن الاستمتاع بالكثير من المستجدات الحضرية
لا تؤدي الهجرة الي خلل ديموجرافي فحسب ، بل ايضا الي خلل قيمي انعكس في اتساع هوة الغربة داخل الشباب

هجرة من الداخل الي الخارج :
تجتذب الدول الغربية الشباب العربي الواعد ,بطرق وأساليب متعددة حيث يتاح لهم فرص دراسية وبحثية أفضل, ومناخ علمي ومهني أكثر استقرارا ويندر ان توجد كفاءة شابة عربية, خاصة العلمية منها لا يراودها حلم التحقق في بيئة مواتية,
وهكذا تخرج الكفاءات العربية الشابة والقادرة علي تشكيل المستقبل هاربة اما من مناخ اداري خانق او فاسد او من فقر علمي وبحثي او من فقر اقتصادي .
ان لهجرة العقول العربية دوافع كثيرة متداخلة يصعب معها الجزم بحتمية تأثير احدها دون الاخر . ونظريا تقع هذه الدوافع ضمن وجود قوي اما دافعة لهذا الشباب الي خارج الوطن العربي او جاذبة تستقبل هذه العقول .
ان تحليل دفع الشباب الي خارج الوطن العربي لا يتم الا بتحليل قطاع عريض من الواقع العربي تنشط بداخله مسارات النظم السياسية والتقدم المهني وانظمة البحث العلمي .
من ناحية اخرى ,تشيع في الوطن العربي حالات من التحولات السياسية والحروب الاهلية والرقابة الرسمية علي الفكر ,ومحاولات لصهر المفكرين في اجهزة المؤسسات الحكومية, وهي عوامل دفع قوية للشباب العربي لدرجة, تجعل منه, لاجئا اكثر منه عقلا مهاجرا ,هذا في ظل عجزه عن مواجهة التحديات الكبري التي تحدق بالامة العربية بسبب هذه العوامل وغيرها.
اما في مجال انظمة البحث العلمي والسياسات التقنية فيدفع بالشباب العربى الي الخارج, بطء التطور في التعليم الجامعي الرفيع المستوي. بسبب عدم توفير الاقتصاد العربي سوقا للبحث والتطوير ذلك في ظل الخلل الاكاديمي الواضح في الجامعات العربية وعجز المجتمع العربي عن استيعاب الطاقات الابداعية
ان اثر هذه العوامل في دفع الشباب العربى الي خارج الوطن العربي يختلف من قطر عربي الي آخر .
ويبقي بعد ذلك ان عوامل الطرد الاقتصادية وتلك المتعلقة بالاوضاع الاكاديمية والابحاث التقنية هي التي تسهم بصورة كبيرة في تشكيل قوي دفع الادمغة الي خارج الوطن العربي . كما ان الخلل الاكاديمي يؤيد وجوده وجود شبكات ومجموعات للعلماء العرب في المهجر يسعون لاستقطاب طلاب الدكتوراه والدراسات العليا في العلوم الاجتماعية والتطبيقية . ويمكن القول ايضا ان الحضور الفاعل للمفكرين والباحثين والكتاب والعلماء العرب في اوروبا والولايات المتحدة يشكل جزءا مهما في فهم طبيعة دوافع الهجرة وفيه دلالة علي ان المجتمع العربي لا يزال قاصرا عن استيعاب هذه الطاقات والاستفادة من معارفها وخبراتها في تحقيق تقدمه .

ويتضح من التحليل في دوافع ظاهرة هجرة الشباب العربى, انها نتيجة حتمية لوجود عوامل طرد ممثلة بصفة رئيسية في الخلل الاكاديمي بالجامعات العربية وعدم ثقة الشباب العربي في المؤسسات الثقافية الرسمية وعجز المجتمع العربي عن استيعاب الطاقات الابداعية .

التداعيات الاقتصادية للعولمة:

تقرر التوصي رقم 2 من توصيات مشروع الامم المتحدة للالفية انه ينبغي ان تدعم استراتيجية الحد من الفقر المستندة الي الغايات الانمائية للالفية عملية تصعيد الاستشارات العامة وبناء القدرات وتعبئة الموارد المحلية والمساعدة الانمائية الرسمية
وتقرير الغاية “8 ” من الغايات الانمائية للالفية علي حتمية اقامة شراكة عالمية من اجل التنمية وذلك عبر اقامة نظام تجاري ومالي تبسم بالانفتاح والتميز بالاضافة الي ضرورة معالجة الاحتياجات الخاصة لاقل البلدان نموا وتشمل قدرة صادرات اقل البلدان العربية نموا علي الدخول معفاة من التعريفات الجمركية والخضوع للحصص وبرنامجا معززا لتخفيف عبء الديون الواقع علي البلدان الفقيرة المثقلة بالديون والقاء الديون الرسمية وتقديم المساعدة الانمائية الرسمية بصورة اكثر نماءاً للبلدان التي اعلنت التزامها بتخفيف وطأة الفقر

ان التركيز علي التداعيات الاقتصادية للعولمة بتلك الصورة المكثفة منق قبل مشروع الالفية ( M D G . s ) يؤكد عمق وحيوية التداعيات الاقتصادية علي الوطن العربي واعتراف بان المراكز المتقدمة ” امريكا ـ اوروبا الغربية ـ اليابان ” تستهدف تحقيق مصالحها الاقتصادية عبر اعادة صياغة العالم اقتصاديا ، وهكذا فإن الرأسمالية الدولية تمحور كل نشاطاتها خاصة الاقتصادية منها حول القيمة المحورية وهي “القيمة السلعية ”
ان التداعيات الاقتصادية للعولمة لم تشكل الشباب العربي بصورة واحدة ففي حين ساهمت في استبعاد فئات من الشباب فإنها دمجت آخرين الي اسواق العمل علي ان المستبعدين من الشباب في الوطن العربي تأثرا بالتداعيات الاقتصادية هم نفس الفئات المتأثرة من التداعيات الاجتماعية ـ فالاستبعاد والتهميش الاقتصادي ولد التهميش الاجتماعي كشباب الريف وشباب عشوائيات الحضر ومناطقها الفقيرة والشباب من ذوي الاحتياجات الخاصة وابناء العمال والصناع الذين لم ينالوا حظا كافيا من التعليم قد همشوا اقتصاديا حتي الخروج النهائي من سوق العمل او الالتحاق بالمهن الهامشية علي ان هناك استبعادا من نوع اخر وهو الاستبعاد من اسواق العمل الايجابي تلك الاسواق التي تنمي قدرات الشباب العامل وتضيف اليه وتعمل علي تطوير مهاراته وبنائه مهنيا وهي المقابل للاسواق السلبية التي تتضمن المهن الهامشية والاعمال الموسمية .
ان استراتيجية الحرب ضد الفقر المقدمة من قبل المنظمات الدولية تشتمل علي عنصرين لا يتغيران ، اولهما القيام بتوفير الخدمات الاجتماعية الاساسية وهي مسئولية السلطات العامة ولكن من الممكن لها ان تعهد بها للقطاع الخاص او الجمعيات المحلية, او الفقراء انفسهم ,والثاني هو ان الحرب ضد الفقر, التي تقترحها المنظمات الدولية تتمشي بدقة مع صفات العولمة وانفتاح الاسواق, والحكم الرشيد والخصصة والبيئة المناسبة للاستعمارات الاجنبية وسوق العمل المفتوح بلا تقنين .
وفي المنطقة العربية فإن اغلب الدول العربية تتعامل مع عنصري الحرب على الفقر, مستجيبة بصورة اكبر لمقترحات المنظمات الدولية ـ وفيما يخص الشباب فإن أكثر المقترحات التي لاقت رواجا وشيوعا للحرب علي الفقر في المجتمعات العربية النامية وغير النامية هي المشروعات المدرة للدخل والمشروعات الصغيرة من خلال اقراض الشباب قروضا نادرا ما تكون ميسرة .

آلية العلاج المقترحة دوليا:
ان المشروعات المدرة للدخل كألية طرحت من قبل المنظمات الدولية لعلاج مشكلة البطالة والتدهور الاقتصادي للشباب, والعمالة المسرحة والنساء الفقيرات ,من اكثر الاليات قسوة وارباكا للمجتمعات المحلية العربية للاسر العربية.
فالتطبيق العشوائي من قبل الحكومات وتيسير تدخل المنظمات غير الحكومية للعمل في اقراض الشباب ساهم لحد بعيد في تقليص العائد الاقتصادي للقروض فقد تبنت الدول المطبقة ـ وهي اغلب بل كل الدول العربية بما فيها الدول الغنية ـ دول الخليج ـ آلة توزيع القروض علي الشباب بدون رسم استراتيجية عامة لتوظيفها وبدون دراسة حقيقية لاحتياجات الاسواق المحلية والاهم بدون تأهيل مسبق لتلك الكوادر البشرية المديرة للقروض ـ فانتقل الشباب فجأة من انتظار لوظيفة ادارية مهداة من الحكومة الي ادارة قرض خطر ـ يذهب في احسن الاحوال ـ اذا ما فشل ـ الي الهروب من مسكنه للحفاظ حريته وتفادي السجن
وعلي حين زعم متبنوا الاقراَض ,ان القروض, قادرة علي دمج الشباب في اسواق العمل جاءت النتيجة لتدمج فئة قليلة منهم واستبعاد النسبة الاكبر من الواقع الاجتماعي ذاته .
فى وصفه لمعدل نجاح المشروعات المدرة للدخل ذكر مدير منظمة الامداد-احدى المنظمات الاسلامية العاملة فى مشروع الاكتفاء الذاتى – واحد من المشروعات الاقتصادية المدرة للدخل فى لبنان : يقول ان 25% من هذة المشروعات قد حققت نجاحا ولم تشمل حسابات المدير تكلفة العمل والمنح التى قدمتها المنظمات غير الحكومية لهذة المشروعات.
يعد مشروع صناعة الخبز من بين انجح مبادرات المنظمة حيث بلغت نسبة نجاحة 80% وكثير من مخازن البقالة المحلية استمرت فى التوسع حتى وصلت الى نقطة لم تسطتع سداد قرودها. عندئذ فقط كفت عن التوسع و استقرت على عائدات مستقرة يمكن ان تغطى تكاليف معيشتها دون سداد القروض.و فى جميع هذه الحالات لم تحسم المنظمات تكاليف المتابعة، و التدريب و اجراء دراسات الجدوى الآولية و لا حتى القروض المعدومة المتراكمة لدى الأسرة، عند تقييم مدى نجاحها. و ان تثير ما حققته هذه المنظمة من نتائج دهشة من اعتادوا العمل فى او القراءة عن المشاريع المدرة للدخل. فالواقع ان هناك اتفاقا عاما على انه من غير المعتاد ان تؤدى هذه المشاريع
الى زيادة هامة فى دخل المشاركين فيها،بل ان الأكثر ندرة ان تغطى المنافى الأقتصادية الحقيقة تكاليف هذه المشاريع خاصة عندما تستهدف افقر السكان.*

الشباب والتداعيات السياسية للعولمة :

الخريطة السياسية :
ان خريطة النظام الاقليمى العربى بالغة التعقيدفهناك بعض الدول العربية مثل مصر وسوريا ولبنان والعراق مرت بتجربة ليبرالية اكتسبتها من بعد الانقلابات العسكرية ، حيث سادت فيها نظم شمولية أو سلطوية، وبعضها تسعى الآن إلى العودة إلى الليبرالية ومن أبرز هذه الدول مصر.
وهناك دول تسودها نظم ليبرالية مقيدة مثل تونس والمغرب تسعى تحت الضغوط الدولية من ناحية ،وخضوعاً لمقتضيات التحديث السياسي من ناحية أخرى، لتطوير هذه الليبرالية المقيدة.
وهناك نظم سياسية شمولية بالكامل مثل العراق وليبيا . وهناك نظم سياسية تقليدية تسود في بعض البلاد العربية مثل السعودية وعمان ، وهناك نظم تطبق الشريعة الإسلامية بطريقتها الخاصة مثل السودان.
ولعله يظهر من هذه اللوحة متى تعقد وتشابك صورة النظم السياسية العربية المعاصرة . ولكن بغض النظر عن تعدد الأنماط، فان هناك ضغوطاً عالمية تدفع الى الحداثة السياسية، غير ان استجابات الدول العربية تتفاوت في مدى سرعة وعمق الاستجابة لهذا المثير العالمي.
وبالتالى فان تأثيرات العولمة ستختلف ,حسب التاريخ الخاص بكل قطر عربي. ومما لا شك فيه ان هذا التاريخ الاجتماعي هو الذي سيحدد مستقبل التحديث السياسي في كل بلد عربي على حد.*
ان الوطن العربي بشكل عام يمر الان بحالة من الاغتراب والغموض لما يخبئه المستقبل, فالدلائل والحقائق تعبر عن بروز خطين متعارضين سيسود أحدهما وسيشكل الإطار المرجعي لعملية التنمية المستقبلية
فالخط الأول سيفرز مشروع تنمية يُبنى علي أساس صيانة وحماية الأمة العربية لأهدافها الوطنية والديموقراطية وذلك من خلال تحديثها ومقاومتها لمشروع الهيمنة والعولمة الأمريكية، فيصبح تحدى ومقاومة المشروع هو جزء لا يتجزأ من المشروع التنموي والحل الوحيد للأمة العربية لكي تحيا من خلاله المجتمعات المدنية وتقوم بهدفها في ارتقاء الشعوب وصيانة حقهم في العيش الكريم. أما الخط الثاني فيسعنىالاندماج الكامل بأيدلوجية العولمة, وتحويل الأنظمة العربية بشكل طوعي, الى أدوات ترويج للنظام العالمي الاستهلاكي والذي يعبر عن نمط من الحياة لايمت بصلة الىالمجتمعات العربية وتكون أدواته الأساسية هي الشركات العملاقة التي يصب هدفها الأساسي على الربح من خلال استغلال كل ما هو إنساني.
ان البيئة السياسية العربية شانها شان اى بيئة سياسية تتشكل من مواطنين, واطر حزبية.- او تكاد تكون- ومجتمع مدنى , وبقدر فاعلية ووعى هذة الكيانات بقدر تطور الممارسات السياسية وتفاعل المواطنين فيها ,وفى الواقع السياسى العربى بنظمه الحالية فان المشاركة السياسية للمواطن العربى ,بالغة الضعف خاصة الشباب منهم .فالاحزاب الساسية فى اغلبها ضعيفة او هرمة, والاستبداد السياسى افرغ مفهوم المشاركة اساسا, وبالتالى فان الامل مازال متعلق ,بقدر بمؤسسات المجتمع المدنى
المجتمع المدنى :
الا ان المجتمعات المدنية العربية حديثة التشكل اجمالا وان كان لبعض البلاد العربية تراث عميق فان عدد اخر من الدول يخطو خطواته الاولى لتكوين المجتمع المدنى او لتحديث المجتمع المدنى .
ويعتبر المجتمع المدنى العربى الحديث من المرتكزات الاساسية للديمقراطية . حيث لا يمكن تصور وجود ديمقراطية مستقرة دون وجود منظمات غير حكومية فاعلة تعمل كحلقات وصل مؤسسية بين الحاكم والمحكوم وتقوم بدور فى عملية التنشئة الاجتماعية والسياسية ,فضلا عن دورها فى تدريب االمواطنين على المشاركة ,و تجميع المصالح والتعبير عنها واعداد الكوادر الساسية والنقابية , وبالمقابل يصعب ان ينمو المجتمع المدنى ويزدهر فى ظل غياب الديمقراطية وهكذا تبدو العلاقة جدلية ومعقدة بين الديمقراطية والمجتمع ,*2
والمؤكد ان المنظمات الاهلية هى الاكثر قدرة على التاثير نظرا لتخلصها التلقائى من قدر من جمود الاطر التنظيمية العربية كالنقابات والاحزاب التى يسطير عليها فى الاغلب كوادر هرمة.
فالاوعية القادرة حاليا على استيعاب طاقات الشباب هى المنظمات غير الحكومية ,التى انطلقت منها اغلب الحركات الشبابية العربية المناهضة للعولمة. فما الذى جعل حركات الشباب تنتشر فى معظم الدول العربية ؟
قدمت عدة تفسرات :
اول هذه التفسيرات ان عامل التقليد او المحاكاة قد اسهم في شيوع حركات الشباب وثوراتهم من مجتمع لاخر
وهناك تفسير اخر وهو ميل الشباب الي الطيش وقلة الصبر والاحتمال ,الذي يتميز به الشباب ويشيرهذا التفسير الي عدم تسامح الشباب حين يواجهون بالاعراف السائدة الجامدة التي يقبلها من هم اكبر سنا منهم .
وهناك تفسير ثالث يرد حركات الطلبة الي رغبتهم في تعديل اوضاعهم ونظم الامتحانات وغيرها . غير ان هذا التفسير لا يصلح لتفسير كل حركات الطلبة في مختلف البلاد .
وهناك تفسير بالغ الاهمية يرد تحركات الشباب الي الازمة المجتمعية الحالية والتى تخنق طاقات الشباب
ان الاسلوب الذي استخدمه الشباب في القيادة ضرب المفاهيم القديمة عن ” الزعيم الاوحد ” او ” السلطة الابوية ” حيث لم تعد مقبولة . والنمط الجديد ,ان السياسي الشباب ينظر لنفسه باعتباره واحدا من كل ، وانه قابل للتغيير والتبديل وكذلك ينظر اليه زملاؤه . واذا تكلم فهو لايعبر عن وجهة نظره الشخصية كفرد ، ولكنه يتحدث باعتباره صوتا معبرا عن زملائه.
ومن ابرز السمات التي لوحظت مرونة وكفاءة الشباب فهؤلاء الشباب الذين كانوا يتهمون بالسلبية وعدم الاكتراث ، اظهروا مقدرة فائقة علي العمل والتنظيم .
لقد ظهرت كل المنظمات الشبابية بصورة جادة , فاجأت المجتمعات العربية , بقوة تنظيم المظاهرات وتنوع مشاركيه من الشباب , والاليات الجديدة المتبعة للحفاظ على النظام العام وعدم الاحتكاك بالسلطات الامنية وقد كانت اسباب المظاهرات الاخيرة التى نفذت لعام 2005 فى مصر والجزائر ولبنان واليمن.
لمواجهة التشريعات التي تعصف بحقوق الفقراء من عمال وفلاحين ومعظم فئات الطبقات الوسطى, فضلا عن ثورة الشباب لمقاومة الفساد السياسى والتدخل العسكرى والسياسى ..
وبرغم تزايد جهود الشباب في المجتمع المدني العربى, إلا أنهم يمثلون عددا قليلا جدا من شباب الوطن العربى, الذي مازال معظمه لا يشارك في أي عمل اجتماعي مدني أو تطوعي خاصة في القرى الريفية التي تفتقر لأي نشاط مدني.
ان اغلب القضايا التى يعمل عليها الشباب فى الوطن العربى تتعلق بالسعى الى تدعيم بعض من حقوق المواطنة المنقوصة , والتى يتراوح معدل تناقصها بين العدم كما فى ليبيا والعراق المحتل حاليا , وبين ضوء صعيف خجل كما فى المغرب والاردن ومصر ولبنان.
ان الشباب العربى فى سعيه لحفر موقع له فى المجتمع المدنى العربى يسعى لاثبات حقوقه الاولية فى دولته الحديثة , حقه فى المشاركة الفعالة , حقه فى التعبير عن رايه , حقه فى تكوين تنظيمات , حقه فى تعديل السياسات ,


مبادرات إيجابية للعمل الأهلي الحكومي المشترك

في الوقت الذي لم تحدث فيه تطورات إيجابية ملموسة باتجاه تحديث وتطوير الأطر القانونية التي تنظم العمل الأهلي؛ بحيث تفسح الطريق أمام ظهور مؤسسات ومنظمات جديدة تعمل في مختلف المجالات، يكشف التقرير عن وجود عدد لا بأس به من المبادرات الإيجابية للتعاون والعمل المشترك بين الدولة ومنظمات المجتمع الأهلي، وخاصة في مكافحة الفقر، وفي تنفيذ بعض المشروعات التنموية.
فضلا عن أن هذه المنظمات قد أتيحت لها فرصة المشاركة في وضع إستراتيجيات مواجهة الفقر والبطالة وتعبئة الموارد لخلق فرص عمل جديدة، وتحسين مستوى معيشة الفئات المهمشة. ويذكر التقرير أن أبرز مبادرات الشراكة في هذا الميدان شهدتها كل من السودان، والمغرب، والأردن، ومصر.

إشكاليات المنظمات الشبابية العربية :

– تسيس المنظمات الحكومية الشبابية
– التعامل مع الشباب ككيانات مفعول بها و تكثيف جهود المنظمات فى تنمية الشباب رياضيا و سلوكيا و ربما سياسيا (فى اطار سياسة الحكومة)
– التميز ضد الفتيات
– ضعف امكانيات المنظمات الشبابية
– ضعف الصلة بين المنظمات الشبابية و باقى اجهزة الدولة
– الأدارة الروتينية التقليدية لمنظمات الشباب
– سيادة القيم الثقافية

جيهان ابوزيد

عن فريق التحرير

يشرف على موقع آفاق علمية وتربوية فريق من الكتاب والإعلاميين والمثقفين

شاهد أيضاً

أهداف التربية أساس بناء المجتمعات وتطوير الأفراد

تُعدّ التربية إحدى الركائز الأساسية في بناء المجتمعات، حيث تسهم في تشكيل الأفراد وتنمية قدراتهم، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *