غازات الاحتباس الحراري الأساسية وتأثيراتها على النظام البيئي

آفاق علمية وتربوية – يعد غاز ثاني أكسيد الكربون هو غاز الاحتباس الحراري الرئيسي. وتتوقف تركيزاته في الهواء على الكميات المنبعثة من نشاطات الإنسان خاصة من احتراق الوقود الحفري (الفحم والبترول والغاز الطبيعي) ومن إزالة النباتات، خاصة الغابات الاستوائية التي تعتبر مخزنا هائلا للكربون. فنحن نعيش في الكرة الأرضية التي تعج بالكربون -مع نباتاتها وحيواناتها وكائناتها الحية الدقيقة وبشرها- ومع كل هذا فنسبته في الهواء الجوي قليلة إذا ما قورنت بالأكسجين (21 % من الهواء الجوي) والنيتروجين حوالي (75 %) أما الكربون (0.3%) فقط والباقي محبوس في جميع المركبات الحيوية المحتوية على الكربون.

كما تتوقف تركيزاته في الهواء على معدلات إزالته وامتصاصه في البحار وفى الغطاء النباتي على سطح الأرض فيما يعرف بالدورة الجيوكيميائية للكربون، والتي تحدث توازنا في تركيزات الكربون في الهواء. و دورة الكربون هي الطرق التي يسلكها الكربون في الطبيعة، فالكل ينفث الكربون في الجو والهواء: المصانع، والمزارع، والمنازل، والمدارس، والسيارات، والطائرات، والحيوان، النبات، والكائنات الحية الدقيقة. والكل يحرق الوقود ويقوم النبات وبعض الكائنات الحية الأولية والطلائعية الأخرى بتثبيت ثاني أكسيد الكربون لإنتاج الغذاء والخشب والأكسجين والمركبات الكربونية الأخرى.

ولقد أوضحت الدراسات المختلفة أن هذا التوازن قد اختل نتيجة لنشاط الإنسان المتزايد. ففي عصر ما قبل الصناعة (عام 1750 – 1800 ) كان تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون في الهواء حوالي 280 جزءا في المليون حجما. أما الآن فيقدر هذا التركيز بنحو 360 جزءا في المليون أي بنسبة 31 % في زيادة لم يسبق لها مثيل خلال العشرين ألف سنة الماضية حتى أصبحت دورة ثاني أكسيد الكربون الطبيعية في الجو غير قادرة على استيعاب هذه الكمية مما يؤدي إلى تراكمها في الغلاف الجوي. وتقدر كمية ثاني أكسيد الكربون التي انبعثت في الغلاف الجوى في العالم عام 1900 بحوالي 1960 مليون طن، ارتفعت إلى 5961 مليون طن في عام 1950 ثم إلى 16902 مليون طن في 1975 ووصلت إلى 22800 مليون طن في1998

وتوضح هذه الأرقام الزيادة الكبيرة في معدلات انبعاث ثاني أكسيد الكربون منذ منتصف القرن الماضي. وتعتبر الدول المتقدمة مسئولة عن حوالي 50% من إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، والولايات المتحدة الأمريكية وحدها مسئولة عن حوالي 23% من إجمالي الانبعاثات في العالم تليها الصين (14.8%) ودول الاتحاد الأوروبي (7.3%) وروسيا (7%) واليابان (5%).

وبالإضافة إلى غاز ثاني أكسيد الكربون، هناك عدة غازات أخرى لها خصائص الاحتباس الحراري وأهم هذه الغازات هي الميثان الذي يتكون من تفاعلات ميكروبية في حقول الأرز وتربية الحيوانات المجترة ومن حرق الكتلة الحيوية (الأشجار والنباتات ومخلفات الحيوانات) الذي سجل زيادة 1060 جزء بالمليون (151%) منذ عام 1750.. وبالإضافة إلى الميثان هناك غاز أكسيد النيتروز (يتكون أيضا من تفاعلات ميكروبية تحدث في المياه والتربة )و الذي قدرت الزيادة في تركيزه بنحو 46 جزء بالمليون (17%) منذ عام 1750 ومجموعة غازات الكلوروفلوروكربون التي تستخدم كمبردات في أجهزة تكييف الهواء والثلاجات، ولإنتاج رغوة بلاستيكية تستخدم في صنع الأثاث ومواد العزل تتسبب في تآكل طبقة الأوزون ، حيث تحول ذرات الأوزون إلى أكسجين عادي وأخيرا غاز الأوزون الذي يتكون في طبقات الجو السفلى ، و طبقة الأوزون تعمل على امتصاص معظم الأشعة فوق البنفسجية الصادرة عن الشمس والمتجهة نحو الأرض ، ومن المعلوم أن الأشعة فوق البنفسجية تمتلك طاقة عالية وقدرة هائلة على إحداث الأمراض السرطانية لدى من يتعرض لها ، كما أن هذه الأشعة وخصوصا UV-B تسهم بشكل كبير في إحداث تشوهات في الجينات الوراثية للكائنات الحية و تمتلك هذه الأشعة قدرة تخريبية تطال مواد البناء والدهانات ومواد العزل والبلاستيك وأجسام السيارات .

وحيث أنه من المتعذر إجراء دراسة مباشرة للتأثير الناجم عن تراكم غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوى، فقد وضعت خلال العقدين الماضيين طائفة من النماذج الرياضية للتنبؤ بما قد يحدث . ولقد أوضحت هذه النماذج أنه لو تضاعفت تركيزات غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوى عن معدلها في عصر ما قبل الصناعة فإن هذا سيؤدى إلى رفع درجة الحرارة على سطح الأرض بمتوسط يتراوح بين 1.5 – 4.5 درجة مئوية خلال المائة عام القادمة. ولقد بينت تقارير الفريق الحكومي الدولي المعنى بتغير المناخ (IPCC ) Intergovernmental Panel on Climate Change والتي صدرت كل خمسة أعوام منذ 1990 ، أنه إذا استمر انبعاث غازات الاحتباس الحراري بمعدلاتها الحالية فمن المحتمل أن ترتفع درجة حرارة العالم من 1.5 إلى 6 درجات مئوية في غضون المائة سنة القادمة (الاحتمال الأكبر هو 3 درجات مئوية).

وقد جرى التنبه إلى حدوث ظاهرة الاحترار العالمي من خلال مقارنة التسجيلات السابقة لدرجات حرارة سطح الأرض والغلاف الجوى ، حيث بدأ تسجيل هذه القراءات علمياً منذ عام 1860 وبمقارنة هذه التسجيلات بدرجات الحرارة الحالية ، مع ربط ذلك بظواهر أخرى مثل تقلص حجم الغابات ، وزيادة عدد موجات الأيام الحارة وأيام المطر الشديد ، فقد تكون اقتناع، من كل ذلك، بأن هناك تغير في المناخ في اتجاه الاحترار العالمي، عززته حقيقة ارتفاع متوسط درجة حرارة سطح الأرض بنحو 0.3 – 0.6 درجة مئوية مقارنة بعام 1860 . ولكن هناك بعض العلماء يرون أن هذه الزيادة هي في حدود التغيرات الطبيعية التي تحدث للمناخ، وبذا لا يمكن اعتبارها زيادة حقيقية خاصة وأن التحليل المفصل لدرجات الحرارة خلال المائة سنة الأخيرة يوضح أنه كانت هناك فترات انخفضت فيها الحرارة عن معدلاتها (من 1950 – 1960 ومن 1965 – 1975 مثلا) .وقد تبين من الدراسات بأن المتوسط العالمي لدرجة الحرارة السطحية أرتفع منذ منتصف القرن التاسع عشر حتى الآن بحوالي 0,6 درجة حرارية حتى عام 1994 بالإضافة إلى ارتفاع أخر منذ عام 1995 حتى الآن بفارق 0,15 درجة حيث كانت عقد التسعينات من القرن الماضي من أشد العقود حرارة وأن عام 1998 كان من أشد الأعوام حرارة منذ عام 1861 م وفعلا فقد سجلت أعلى درجة حرارة عظمى قياسية في الكويت في 20 أغسطس 1998 وكانت الحرارة 51,3 درجة مئوية وفيما يتعلق بالشتاء- كان شتاء 1999- 2000 الأعلى حرارة وكان خريف 2001 هو الأحر.

كما تشير الدراسات الأخيرة بأن تناقص الغطاء الثلجي وانحسار الرقعة الجليدية بالقطب الشمالي والتي رصدتها التوابع الاصطناعية قد تناقصت بنسبة 10% منذ أواخر الستينيات كما تناقصت المدة السنوية للغطاء الجليدي فوق البحيرات والأنهار في المناطق ذات خطوط العرض الوسطى والقطبية في نصف الكرة الشمالي قد انخفضت خلال القرن العشرين و تلك التغييرات ليست واضحة في القطب الشمالي وحده فهنالك تغييرات واضحة تحدث أيضا في القطب الجنوبي، في القارة القطبية الجنوبية ففي العام 1995 انفصلت عن القارة الجليدية كتلة جليدية عملاقة، سميت لارسن A ، بمساحة 8000 كيلو متر مربع. هذه الكتلة العملاقة ذابت وتفككت في المحيط. ولم تكن هذه الحادثة وحيدة. كتلة جليدية أخرى،سميت لارسن B ، والذي تبلغ مساحتها 3250 كيلو متر مربع، تفككت أيضا وذابت في المحيط. هذه العمليات الدراماتيكية لا تحدث فقط في القطبين إنما في الكتل الجليدية على اليابسة أيضا. إحدى الحالات المقلقة هي ذوبان الجبال الجليدية في الهيمالايا التي تغذي كل الأنهر الكبيرة في جنوب آسيا وجنوب شرق القارة، ويعيش حول هذه الأنهر مئات الملايين من البشر..

كما أرتفع المتوسط العالمي لمستوى سطح البحر حيث تشير بيانات مقياس المد إلى أن المتوسط العالمي لمستوى سطح البحر قد أرتفع بما يتراوح بين 0,1 و 0,2 متر خلال القرن العشرين وهي على ارتفاع خلال هذا القرن أيضا. كما ارتفعت درجات الحرارة للمحيطات منذ أواخر الخمسينيات مما زادت في نسبة الأمطار والأعاصير في السنوات الأخيرة أما القطب الشمالي فقد واصل تقلصه بمعدل يصل إلى 2.7% في العقد الواحد.


وفي دراسات التغيرات الأخرى في جوانب مناخية في العالم من الواضح تزايد هطول الأمطار بنسبة 0,5 و 1% في العقد الواحد من القرن الماضي فوق معظم المناطق ذات خطوط العرض الوسطى والقطبية في النصف الشمالي للكرة الأرضية ومن المرجح كذلك زيادة هطول الأمطار بنسبة 0,2 إلى 0,3% للعقد الواحد في المناطق المدارية ( 10 ْ شمالا و10 ْ جنوبا)

خلود حمودة

عن فريق التحرير

يشرف على موقع آفاق علمية وتربوية فريق من الكتاب والإعلاميين والمثقفين

شاهد أيضاً

النمو السكاني وتأثيراته البيئية.. تحديات وفرص

النمو السكاني Population Growth موضوع يشغل العالم اليوم لما يحمله من تأثيرات كبيرة على البيئة، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *