عدنان لطفي عثمان
تعاني نظم التربية في البلدان النامية من مشكلات مشتركة غدت معروفة ، ويمكن تلخيصها في أمرين رئيسيين :
1. تسارع الطلب على التعلم تسارعا كبيرا في السنوات الاخيرة ، الامر الذي يؤدي الى عجز الحكومات – بسبب عدم كفاية الموارد المادية والبشرية – عن تلبية هذه الحاجات التعليمية المتسارعة.
2. نمو التعليم في جوانبه المختلفة نموا سريعا غير متوازن فليس هناك توازن في النمو بين مراحل التعليم المختلفة ، وبين انواع التعليم (و لاسيا بين التعليم النظري والتعليم الفني ) ، وبين التوسع الكمي والتقدم الكيفي في التعليم ، وبين تعليم الذكور وتعليم الاناث ، او بين التعليم في المدينة وبين التعليم في الريف … الخ
وواضح ان علاج هذه المشكلات اللجوء الى التخطيط التربوي ، غير ان التخطيط التربوي ليس مجرد كلمة تطلق فتغير الأمور . وانما هو مجموعة من الاساليب العلمية والوسائل الفنية التي تسلط على الواقع التربوي لنستخرج منه احسن نتيجة ممكنة .
وليس المجال هنا الحديث عن هذه الاساليب العلمية والوسائل الفنية ، والذي يعنينا هو ان نبين ان اداة هذه الاساليب والوسائل هو الادارة التربوية ، وانها لا تعطي ثمارها ونتائجها الا اذا كانت هنالك ادارة تربوية حديثة وفعالة قادرة على قيادة عملية التخطيط في مراحلها المختلفة . واهم صفات هذه الادارة التربوية المؤهلة لقيادة التخطيط التربوي ولوضعه في اطاره السليم ، ان تملك اولا ، في تنظيمها وادراكها لمستلزمات التخطيط السليم . ما ان يجعلها قادرة على وضع خطة تربوية واقعية قابلة للتطبيق، لا خطة تربوية وهمية او مغالية لا تجد سبيلها الى الحياة وتظل حبرا على ورق .
وأن تعرف ثانيا كيف تربط بين الخطة التربوية الموضوعة وبين العمل الاداري اليومى اي ان تتقن الربط بين التخطيط والتنفيذ وتصرف وسائله وأساليبه السليمة ، وان يكون لها اخيرا وليس آخرا من التنظيم والتكوين ما يسمح لها بان تكون ادارة تربوية فعالة نامية تحقق اهم هدف من اهداف الادارة الفعالة، نعني الوصول الى احسن نتاج ممكن واكبر مردود ممكن باقل النفقات والامكانات المادية والمالية والبشرية.
مثل هذه الادارة التربوية القادرة على تحقيق هذه المطالب الاساسية في عملية التخطيط غدت ضالة الدول الحديثة اليوم ، واصبحت الهم الأول للمخططين فيها ،فهؤلاء يدركون يوما بعد يوم ان عنصر التجديد و الفعالية والتغيير لا يمكن في مجرد وضع الخطة – تربوية كانت او غير تربوية – وانما يكمن في التنظيم المحكم القادر على ان يجعل التخطيط امرا ممكنا ، ويجعل تنفيذ الخطة امرا واقعا , وتزداد اهمية هذا التنظيم الاداري في قيادة عملية التخطيط بعد ظهور الوسائل الحديثة في الادارة – تلك الوسائل التي ولدت في قطاع الصناعة والزراعة وادارة الاعمال الحربية لنحقق فيها نتائج باهرة ونصل فيها الى افضل مردود، وقد اخذت هذه الوسائل الحديثة في الادارة والتسيير تنتقل كما نعلم في السنوات الاخيرة الى شتى الميادين ومن بينها ميدان الادارة التربوية.
ومن هنا كان البحث في تطوير التربية في بلد من البلدان – ولا سيما في البلدان النامية يستلزم اولا وقبل كل شىء البحث في تطوير الادارة التربوية وفي جعلها تساير الركب وتتجه في اتجاه مكتسبات العصر . واذا كان تطوير الادارة التربوية قد غدا على هذا النحو شرطاً لازما من شروط التطوير التربوي في اي بلد من البلدان ، فهو شرط الزم، بل شرط لا يقوم شىء بدونه ، في مثل بلداننا السائرة طريق النمو . فهذه البلدان تعاني اكثر من سواها من ازمة التربية في العالم ، تلك الازمة التي تتلخص فيما يلي : اعباء التربية تتزايد تزايدا سريعا في حين ان الامكانات المادية والبشرية والمالية لا يمكن ان تزداد بالمقدار نفسه، وهنالك هوة تتسع بين حاجات لتربية ومطا لبها و بين امكانات الموازنة العامة للدولة وما يمكن ان يخصص منها للتربية.
مثل هذه الازمة الخطيرة والمتزايدة تحتاج اول ما تحتاج الى رفع الشعار التالي:
ينبغي ان نصل داخل العملية التربوية الى ان نستخلص من الامكانات المالية والمادية والبشرية المتاحة اكبر مردود ممكن ( تعليم اكبر عدد ممكن من السكان وتقديم اجود نوع من التعليم) لا سبيل الى ذلك الا عن طريق اعادة تنظيم الادارة التربوية بحيث نقضى على الهدر والضياع وعلى كل مال ضائع وكل جهد لا فائدة منه ، وبحيث نصل الى زيادة انتاجية العملية التربوية (اي ان ننتج اكثر بنفس القدر من الاموال والإمكانات ). ومن حسن الحظ ان الوسائل التي تملكها الادارة الحديثة لتحقيق هذه الفعالية وهذه الزيادة في الانتاجية اصبحت شائعة ومعروفة.
واذا كان تطوير الادارة التربوية ككل شرطا اساسيا لتطوير التربية في اي بلد – وفي بلداننا النامية خاصة ـ فلا شك ان اهم الاجزاء الجديرة بالتطوير داخل نظام الادارة الكلي هو الادارة التربوية في المحافظات او المناطق ، ويرجع ذلك الى اسباب عديدة نكتفي بالاشارة الى اهمها:
1- من مكتسبات التجربة العالمية التخطيط – تربويا كان او غير تربوي –هذا التخطيط لا يكون سليما ولا يكون قابلا للتطبيق الا اذا انطلق من القاعدة ، واشتركت في وضعه وتنفيذه السلطات المحلية والمؤسسات المدرسية وسواها من الهيئات المتصلة مباشرة بالعملية التعليمية ، والتخطيط المركزي السليم هو الذي لا يكتفي بوضع خطة ورقية ونظرية في المركز استناد الى آراء المناطق وواقعها والى آراء المؤسسات التربوية ( المدارس وسواها ) وحاجاتها.
2- الخطة الناجحة هي الخطة التي يمكن توصف بانها من وضع المجتمع كله، اى تلك التي تشرك معظم المواطنين ولا سمها المعنيين بالتربية منهم في رسم الخطة وتحديد اهدافها كي يسهموا بالتالي في تنفيذها، ومثل هذه المشاركة الواسعة من قبل الرأي العام عامة والرأي العام المهني خاصة من مربين ومعلمين ، وآباء وطلاب وممثلى القطاعات الاقتصادية في وضع الخطة التربوية يستلزم دون شك الانطلاق من الهيئات المحلية ومن المناطق.
3- ان الجهد التربوي الذي تقوم به وزارة التربية او سواها من اجل تقديم الخدمات التربوية الازمة للبلد ينصب كله في خاتمة المطاف في المدارس والمؤسسات التعليمية وفي مديريات التربية في المحافظات لكونها وثيقة الصلة بتلك المدارس والمؤسسات ، فجهود وزارة التربية تظل جهودا مجردة ، ولا تأخذ شكلها المحسوس والواقعي الا فيما تقوم به المدارس اخيرا من عمل وفيما يصل الى الطالب من تعليم وتدريب ولامعنى للخطة واهدافها ولا معنى لسائر التوجيهات والمبادىء التي تضعها الادارة التربوية في مركز الوزارة ، الا اذا انقلبت الى واقع ضمن المدارس . ويتم هذا دون شك عن طريق الهيئات التي تشرف مباشرة على التنفيذ نعني مديريات التربية في المحافظات.
من ذلك يتبين لنا ان اصلاح نظام التربية في البلدان النامية ينبغي ان ينطلق من التخطيط التربوي . وهذا التخطيط التربوي لا يكون سليما وعلميا وفعالا الا اذا قادته ادارة تربوية حديثة فعالة . واهم شروط فعالية مثل هذه الادارة اعادة النظر في بنية الادارة التربوية في المحافظات وفي صلاحياتها وفي عدد افرادها والوصول بها الى مستوى يجعلها قادرة على القيام بمهمتها الضخمة ، نعني المشاركة الفعالية في التخطيط والممارسة الفعلية لتنفيذ والايصال الفعلي نتيجة الجهود التربوية الى المعلم والمدرسة والطالب والبيئة.