تتعدد البحوث العلمية حسب طبيعتها والغاية منها /pixabay

أقسام وأنواع البحوث العلمية حسب طبيعتها

الاستاذ الدكتور ماهر العامري

تقسيم البحوث العلمية حسب طبيعتها إلى :

بحوث أساسية أو بحتة :Pure or basic research

والبحوث الأساسية أو البحتة تسمى أحياناً بالبحوث النظرية وتشير إلى أنواع النشاط العلمي الذي يكون الغرض الأساسي المباشر منه هو التوصل إلى حقائق وتعميمات وقوانين علمية محققة، وأما الغرض البعيد أو النهائي منه فهو تكوين نظام معين من الحقائق والقوانين والمفاهيم والعلاقات والنظريات العلمية. ومن الواضح أن هذا النوع من البحوث يهتم باكتشاف حقائق ونظريات علمية جديدة وهو بذلك يسهم في نمو المعرفة العلمية وفي تحقيق فهم أشمل وأعمق لها بصرف النظر عن الاهتمام بالتطبيقات العملية لهذه المعرفة العلمية.

بحوث تطبيقية Applied research:

وأما البحوث التطبيقية فتشير إلى أنواع النشاط العلمي الذي يكون الغرض الأساسي والمباشر منه تطبيق المعرفة العلمية المتوفرة أو التوصل إلى معرفة لها قيمتها وفائدتها العلمية في حل بعض المشكلات الملحة. ولا يقصد من الحلول والمعرفة العلمية في البحوث التطبيقية أن تكون مطلقة أو أبدية وإنما هي معرفة وحلول تسهم في تحقيق مشكلات ملحة خاصة وهي قابلة للتعديل والتطوير.

ثانياً: تقسيم البحوث حسب مناهج البحث والأساليب المستخدمة فيها:

بحوث تاريخية Historical research:

البحوث التاريخية هي دراسة وفهم وتفسير الأحداث الماضية بغرض الوصول إلى نتائج تتعلق بالأسباب والآثار أو الاتجاهات للأحداث السابقة مما يساعد على تفسير الأحداث الحاضرة وتوقع الأحداث المقبلة. ورغم أن الدراسات التاريخية أقل شيوعاً من أنواع البحوث الأخرى، إلا أن هناك مشكلات وقضايا تربوية معينة (مثل سياسة الامتحانات وتقدير الدرجات) التي يمكن فهمها بشكل أفضل في ضوء الخبرات الماضية. وخطوات إجراء البحث التاريخي هي بشكل عام نفس خطوات إجراء غيره من البحوث، إذ يجب أن يوجه البحث التاريخي فرض معين شأنه في ذلك شأن البحث التجريبي، وإلا تاه البحث في خضم قاع لا يمكن تحديد مساره أو مستنقع لا يمكن الخروج منه.

والبحوث التاريخية لها أيضاً طبيعتها الوصفية فهي تصف وتسجل الأحداث والوقائع التي جرت وتمت في الماضي. ولكنها لا تقف عند مجرد الوصف والتاريخ لمعرفة الماضي فحسب، وإنما تتضمن تحليلاً وتفسيراً للماضي بغية اكتشاف تعميمات تساعدنا على فهم الحاضر بل والتنبؤ بأشياء وأحداث في المستقبل. ويركز البحث التاريخي عادة على التغير والنمو والتطور في الأفكار والاتجاهات والممارسات سواء لدى الأفراد أو الجماعات أو المؤسسات الاجتماعية المختلفة.

ولا يقوم البحث التاريخي بجمع بيانات عن طريق تطبيق أداة معينة، بل يقوم على جمع بيانات متوفرة فعلاً في المصادر، ويشار إلى هذه البيانات بأنها إما أولية أو ثانوية. وتحتوى المصادر الأولية على معلومات من مصادرها المباشرة مثل شاهد عيان أو وثيقة أصلية. أما المصادر الثانوية فهي تلك المصادر التي تحتوي على معلومات غير مباشرة، مثال ذلك وصف حدث معين بواسطة شخص لم يشهد هذا الحدث، وإنما سمع عنه، وإذا أجريت مقابلة شخصية مع فرد شهد بنفسه حدثاً معيناً، فإن هذا الشخص يعتبر مصدراً أولياً، أما إذا أجريت المقابلة مع زوج أو صديق لهذا الشخص ولم يكن حاضراً الواقعة وإنما سمعها من زوجته أو سمعته من زوجها فإن هذا الزوج يكون مصدراً ثانوياً. ومن الصعب العثور على المصادر الأولية، إلا أنها عادة أكثر دقة ويجب تفضيلها على غيرها، ولذلك فإن المشكلة الرئيسية في البحث التاريخي هي وفرة المصادر الثانوية، وندرة المصادر الأولية. ويتضمن البحث التاريخي النقد الداخلي والنقد الخارجي، ويهتم النقد الخارجي بتحقيق أصالة مصادر البيانات. أما النقد الداخلي فيهتم بتقويم جدوى هذه المصادر، وقيمة البيانات المتوفرة، أي درجة دقة وثبات وتحقق الفروض. والنقد الداخلي أمر يتعلق بحكم الباحث نفسه على البيانات، وهذا يجعله مجرد رأي شخصي.

بحوث وصفية Descriptive research:

وتهدف البحوث الوصفية إلى وصف ظواهر أو أحداث أو أشياء معينة وجمع الحقائق والمعلومات والملاحظات عنها ووصف الظروف الخاصة بها وتقرير حالتها كما توجد عليه في الواقع. وتشمل البحوث الوصفية أنواعاً فرعية متعددة تشمل الدراسات المسحية ودراسات الحالة ودراسات النمو أو الدراسات التطويرية. وفي كثير من الحالات لا تقف البحوث الوصفية عند حد الوصف أو التشخيص الوصفي، وتهتم أيضاً بتقرير ما ينبغي أن تكون عليه الأشياء والظواهر التي يتناولها البحث وذلك في ضوء قيم أو معايير معينة واقتراح الخطوات أو الأساليب التي يمكن أن تتبع للوصول بها إلى الصورة التي ينبغي أن تكون عليه في ضوء هذه المعايير أو القيم. وهذه البحوث تسمى بالبحوث الوصفية المعيارية أو التقويمية Normative or Evaluative Research، ويستخدم لجميع البيانات والمعلومات في أنواع البحوث الوصفية أساليب ووسائل متعددة مثل الملاحظة، المقابلة، الاختبارات، الاستفتاءات، المقاييس المتدرجة.

ويسهل فهم طبيعة البحوث الوصفية إذا حصل الفرد أولاً على بعض المعلومات عن خطوات البحث المختلفة، والطرق المتباينة المستخدمة في جمع البيانات والتعبير عنها، والأنواع العامة التي يمكن أن تصنف تحتها الدراسات.

لا يقوم الباحثون في الدراسات الوصفية مجرد اعتقادات خاصة، أو بيانات مستمدة من ملاحظات عرضية أو سطحية. ولكن كما هو الحال في أي بحث يقومون بعناية بـ (1) فحص الموقف المشكل، و (2) تحديد مشكلتهم ووضع فروضهم، و (3) تسجيل الافتراضات التي بنيت عليها فروضهم وإجراءاتهم، و(4) اختيار المفحوصين المناسبين والمواد المصدرية الملائمة، و (5) اختيار أساليب جمع البيانات أو أعدادها، و (6) وضع قواعد لتصنيف البيانات تتسم بعدم الغموض، وملاءمة الغرض من الدراسة، والقدرة على إبراز أوجه التشابه أو الاختلاف أو العلاقات ذات المغزى، و (7) تقنين أساليب جمع البيانات، و (8) القيام بملاحظات موضوعية منتقاة بطريقة منظمة ومميزة بشكل دقيق، و (9) وصف نتائجهم وتحليلها وتفسيرها في عبارات واضحة محددة. ويسعى الباحثون إلى أكثر من مجرد الوصف فهم ليسوا – أو ينبغي ألا يكونوا – مجرد مبوبين أو مجدولين. يجمع الباحثون الأكفاء الأدلة على أساس فرض أو نظرية ما، ويقومون بتبويب البيانات وتلخيصها بعناية، ثم يحللونها بعمق، في محاولة لاستخلاص تعميمات ذات مغزى تؤدي إلى تقدم المعرفة.

أنماط البحوث الوصفية:

لا يوجد اتفاق بين الكتاب حول كيفية تصنيف الدراسات الوصفية، إلا أنه من الأيسر على القارئ أن يتعرف على الأنماط العديدة من البحوث إذا استخدم نظام مناسب للتصنيف. لذلك سوف نصنف تلك الدراسات تحت ثلاثة عناوين اجتهادية: (1) الدراسات المسحية، و (2) دراسات العلاقات المتبادلة، و (3) الدراسات التتبعية.

البحوث المسحية:

يتضمن البحث المسحي جمع بيانات لاختبار فروض معينة أو الإجابة على أسئلة تتعلق بالحالة الراهنة لموضوع الدراسة، إذ تحدد الدراسة المسحية الوضع الحالي للأمور. وقد يبدو البحث المسحي بسيطاً جداً، إلا أنه في واقع الأمر أكثر من مجرد توجيه بعض الأسئلة أو تحديد الإجابات عليها. إذ نظراً لأن الباحث كثيراً ما يستخدم أدوات لم يسبق استخدامها فعلية أن يبني الأدوات التي تصلح لبحثه، وهذه تتطلب وقتاً ومهارة. وهناك مشكلة أساسية تؤدي إلى تعقيد البحث المسحي، وربما إضعافه، وهو نقص ردود أفراد العينة، أي عدم قيام الأفراد بإرجاع الاستبيانات أو الذهاب إلى المقابلات المحددة.وإذا كان معدل الردود منخفضاً، فإنه لا يمكن الخروج بنتائج صادقة من البحث.

كثيراً ما يقوم أناس من ميادين كثيرة بدراسات مسحية، عندما يحاولون حل المشكلات التي تواجههم، فيجمعون أوصافاً مفصلة عن الظاهرات الموجودة بقصد استخدام البيانات لتبرير الأوضاع أو الممارسات الراهنة، أو لوضع خطط أكثر ذكاء لتحسين الأوضاع والعمليات الاجتماعية أو الاقتصادية أو التربوية.

البحوث الارتباطية:

يحاول البحث الارتباطي تحديد ما إذا كان هناك ارتباط بين متغيرين كميين أو أكثر، ودرجة هذا الارتباط. والغرض من البحث الارتباطي تحديد وجود علاقة (أو عدم وجود علاقة) بين المتغيرات موضوع الدراسة. أو استخدام العلاقات الارتباطية في عمل تنبؤات. والدراسة الارتباطية تتناول عادة عدداً من المتغيرات التي يعتقد أنها ترتبط بمتغير رئيسي معقد مثل التحصيل الدراسي. وتستبعد من الدراسة تلك المتغيرات التي لا ترتبط ارتباطاً عالياً بالمتغير الرئيسي، وتستبقي المتغيرات التي تظهر ارتباطاً عالياً، فقد يرغب الباحث في القيام بدراسات أخرى لتحديد مدى وجود علاقات سببية بين المتغيرات وذلك باستخدام البحوث التجريبية. مثال ذلك: إن وجود علاقة بين مفهوم الذات والتحصيل الدراسي لا يعني أن مفهوم الذات “يسبب” أو “يؤدي” إلى تحصيل دراسي مرتفع، أو أن التحصيل الدراسي “يسبب” مفهوم الذات.

وبغض النظر عن أن علاقة ما تعني وجود علاقة علة ومعلول، فإن الارتباط المرتفع، يسمح بالتنبؤ. مثال ذلك أن الارتباط المرتفع بين درجات الطلبة في الثانوية العامة ودرجاتهم في الجامعة، قد يعني القدرة على التنبؤ من درجات الثانوية العامة بالأداء في الجامعة. ويعبر عن العلاقة بين متغيرين بمعامل الارتباط الذي تتراوح قيمته بين صفر و ± 00, 1، وإذا لم يكن هناك ارتباط بين المتغيرين كان معامل الارتباط صفراً، أما إذا كان الارتباط تاماً تبلغ قيمة الارتباط +00, 1 أو -00, 1، وحيث إن من النادر أن يكون الارتباط تاماً، فإن التنبؤ نادراً ما يكون تاماً، ومع ذلك فبالنسبة لكثير من القرارات، فإن التنبؤ الذي يستخدم علاقات بين المتغيرات كثيراً ما يؤدي إلى قرارات مفيدة.

دراسات العلاقات المتبادلة:

لا يقنع بعض الباحثين الوصفيين بمجرد الحصول على أوصاف دقيقة للظاهرات السطحية. فهم لا يجمعون فقط معلومات عن الوضع القائم ولكن يسعون أيضاً إلى تعقب العلاقات بين الحقائق التي حصلوا عليها، بغية الوصول إلى بعد أعمق بالظاهرات. وسوف نناقش فيما يلي ثلاثة أنماط من هذه الدراسات: دراسات الحالة، الدراسات العلية المقارنة، والدراسات الارتباطية.

دراسة الحالة:
تمثل دراسة الحالة نوعاً من البحث المتعمق عن العوامل المعقدة التي تسهم في فردية وحدة اجتماعية ما، فعن طريق استخدام عدد من أدوات البحث تجمع البيانات الملائمة عن الوضع القائم للوحدة وخبراتها الماضية وعلاقاتها مع البيئة. وطبيعة دراسات الحالة هو أن يدرس الأخصائيون الاجتماعيون والموجهون النفسيون عادة شخصية فرد ما، بقصد تشخيص حالة معينة وتقديم توصيات بالإجراءات العلاجية. قد تأتي بيانات دراسة الحالة من مصادر متعددة، فقد يحصل الباحث على شهادة شخصية من المفحوصين، بأن يطلب منهم في مقابلات أو استمارات استرجاع خبرات سابقة متنوعة.

الدراسات العلية المقارنة:

تحاول بعض الدراسات الوصفية ألا تقتصر على الكشف عن ماهية الظاهرية، ولكن – إذا كان ممكناً – كيف ولماذا تحدث هذه الظاهرة، أنها تقارن جوانب التشابه والاختلاف بين الظاهرات لكي تكشف أي العوامل أو الظروف يبدو أنها تصاحب أحداثاً أو ظروفاً أو عمليات أو ممارسات معينة. وتكشف معظم الدراسات الوصفية فقط عن حقيقة وجود علاقة ما، إلا أن بعض الدراسات يتعمق أكثر بهدف معرفة ما إذا كانت هذه العلاقة قد تسبب الحالة أو تسهم فيها أو تفسرها.

3- بحوث تجريبية Experimental research:

وأما البحوث التجريبية فهي التي تبحث المشكلات على أساس من المنهج التجريبي أو منهج البحث العلمي القائم على الملاحظة وفرض الفروض والتجربة الدقيقة المضبوطة. ولعل أهم ما تتميز به البحوث التجريبية على غيرها من أنواع البحوث الوصفية والتاريخية هو كفاية الضبط للمتغيرات والتحكم فيها عن قصد من جانب الباحث. وتعتبر التجربة العلمية مصدراً رئيسياً للوصول إلى النتائج أو الحلول بالنسبة للمشكلات التي يدرسها البحث التجريبي ولكنه في نفس الوقت يستخدم المصادر الأخرى في الحصول على البيانات والمعلومات التي يحتاج إليها البحث بعد أن يخضعها للفحص الدقيق والتحقق من دقتها وصحتها وموضوعيتها.
وفي البحوث التجريبية يعالج الباحث متغيراً مستقلاً واحداً على الأقل، ويلاحظ أثره على متغير تابع أو أكثر. وبمعنى آخر فإن الباحث هو الذي يحدد أي متغير هو السبب وأيها النتيجة، ونوع المعالجات التي يتلقاها أفراد العينة، وأي الأفراد يكونون المجموعة التجريبية وأيهم يكونون المجموعة الضابطة. ومعالجة المتغير المستقل هي الخاصية الأساسية التي تميز البحوث التجريبية عن غيرها من البحوث. والوضع الأمثل في البحوث التجريبية أن المجموعات التي تتم دراستها تتكون بطريقة عشوائية قبل بدء التجربة، وهذا إجراء لا يحدث في الأنواع الأخرى من البحوث، وجوهر التجريب هو الضبط.


أما البحوث السببية المقارنة فإن المتغير المستقل أو “السبب” لا يتم معالجته، بل إنه يكون قد حدث. فالمتغيرات المستقلة هي البحوث السببية المقارنة متغيرات لا يمكن معالجتها، بل هي في الواقع متغيرات تصنيفية، مثال ذلك الجنس (ذكور وإناث)، أو متغيرات لا يجب معالجتها، مثال ذلك الإصابات المخية، أو متغيرات يمكن معالجتها، مثال ذلك طريقة التدريس. وتتم مقارنة المجموعات في مثل هذه البحوث بالنسبة لمتغير تابع، إلا أن هذه المجموعات مختلفة في متغير أو أكثر قبل أن تبدأ الدراسة. فقد تمتلك مجموعة ما خاصية من الخصائص، ولا تمتلكها مجموعة أخرى، وقد تنتمي كل مجموعة مثلاً لمستوى اقتصادي مختلف. وعلى أي الأحوال فإنه من غير الممكن أن يقوم الباحث بمعالجة المتغير المستقل. كما أنه نظراً لأن المتغير المستقل يكون قد حدث فعلاً، فإنه لا يمكن استخدام نفس عوامل الضبط التي تستخدم في البحوث التجريبية.

عن فريق التحرير

يشرف على موقع آفاق علمية وتربوية فريق من الكتاب والإعلاميين والمثقفين

شاهد أيضاً

أهداف التربية أساس بناء المجتمعات وتطوير الأفراد

تُعدّ التربية إحدى الركائز الأساسية في بناء المجتمعات، حيث تسهم في تشكيل الأفراد وتنمية قدراتهم، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *