يرتبط تقدم العلوم الطبيعية لدى أي امة من الأمم ارتباطا وثيقا بثقافة وحضارة تلك الأمة، وقد حث رسول البشرية محمد صلى الله عليه وسلم على التعلم ونشر العلم ونبذ الجهل والأمية، وقد تبنى هذا النهج كافة الخلفاء الراشدين ومن خلفهم في حكم الدولة الإسلامية.
وبعد الاتساع الهائل في رقعة الدولة الإسلامية في عهد الخلافة العباسية ، ودخول العديد من الشعوب في دين الإسلام أفواجا ، اشتد عود الفكر العربي المتوقد ، إذ بدأ العرب يتعرفون في همة على علوم الأقدمين وينقلون إلى لغتهم ما تيسر من المعارف عند الشعوب المعاصرة لهم ، وقد شاركهم في ذلك المسلمون وغيرهم من المنتمين إلى قومیات مختلفة ، ولم يمض زمن طويل حتي رسخت معالم الحضارة الإسلامية وأصبحت الدولة الإسلامية العربية محورا للفكر العالمى وتقدمه .
لقد شغلت العلوم الرياضية والطبيعية مكانة مرموقة في الحضارة الإسلامية والفكر العربي ، ودام هذا النشاط العلمي من منتصف القرن الثاني الهجري إلى منتصف القرن السابع ( من منتصف القرن الثامن الميلادي إلى منتصف القرن الثالث عشر) . وفي أول هذه الحقبة من التاريخ انتقل إلى لغة العرب تراث الأمم المتحضرة القديمة – من اليونان والفرس والهنود ومن غيرهم – وتلت هذا النشاط حركة إنتاج علمي خصيب تميز الكثير منه بالأصالة والابتكار وقد شهد على ذلك عديد من المستشرقين الغربيين ، مثال إدوارد سخاو ، وهولميارد . والدو مييلي ، وفيدمان ، وجورج سارتون . مما كان له دور رئيس في تقدم الحضارة البشرية بشكل عام.
لقد اتصف العلماء العرب والمسلمين بالموضوعية في معالجة الأبحاث في مؤلفاتهم المختلفة . فقد ورث العرب التراث العلمي للشعوب التي سبقتهم على مسرح التاريخ ، وعندما نقلوا ذلك إلى لغتهم قاموا بالعمل بكل أمانة ودقة ولم يألوا جهدا في بيان مصادره ، بعكس ما فعل اليونان الأقدمون الذين أخذوا الكثير عن الحضارات التي سبقتهم . فالعالم مدين للمسلمين وللعرب خاصة بحفظ التراث العلمي القديم من الضياع والنسيان .
تمكن العرب والمسلمون عامة من جمع المعرفة العلمية المتوافرة عند الشعوب المختلفة ونقلوها إلى بوتقة واحدة ، ثم انطلقوا منها قدمة إلى مرحلة أعلى وأشمل من الرقي البشري في هذا الحقل ، فجاء نتاجهم العلمي ، بعناصر غير قليلة من التجديد والابتكار كانت خيرا على الإنسان حقبة طويلة من الزمن .
وقد أخذ عنهم الأوروبيون أسس حضارتهم العلمية والتكنولوجية عند بدء نهضتهم في أواخر العصور الوسطى ، وقاموا بدورهم بترجمة المؤلفات العلمية العربية إلى اللغة اللاتينية التي كانت لغة العلم عندهم ، و بذلك دخل عدد كبير من المصطلحات العلمية العربية إلى لغات أوروبا ولا تزال هذه المفردات قيد الاستعمال عندهم ، وتشكل دليلا واضحا عن مدى تأثير الفكر العربي على ثقافة الغرب .
وقد توصل العرب إلى وضع القاعدة الأساسية في المنهج العلمي الذي يتبعه العلميون في الوقت الحاضر ، و يسمي بعضهم هذه القاعدة المنهج التجريبي . ويقضي هذا المنهج أن يتوخى الباحث دراسة ظاهرة طبيعية ، كما هي موجودة بالفعل في عالم الواقع ، عن طريق ملاحظتها مباشرة أو باستخدام الأجهزة المعينة وإجراء التجارب عليها متى تيسر ذلك ، ثم التوصل عن طريق هذه الدراسة التجريبية للواقع المحسوس إلى وضع قانون عام يفسر تلك الظاهرة .
وإننا لنجد بعضا من العلماء العرب قد اتبعوا هذا المنهج في أبحاثهم وتحقيقاتهم وأوصوا به طريقا ناجحة لدراسة الوقائع المحسوسة .
ويعد جابر بن حیان من أوائل الذين أدخلوا المنهج التجريبي في أبحاثهم . أما الحسن بن الهيثم فيعد من الرواد الذين أسسوا المنهج التجريبي في العلوم . إذ إن أبحاثه في الضوء اعتمدت على هذه الطريقة ، واستخدم لأغراضه عددا من الأجهزة المبتكرة للقيام بتجاربه العديدة ، وهكذا سبق الأوروبيين بأربعمئة سنة تقريبا . ولم يكن أبو الريحان البيروني أقل شأنا من ابن الهيثم في هذا المضمار ، فكان يعتذر عن النقل عن الآخرين قائلا ( وإلى التجربة يلتجأ في مثل هذه الأشياء وعلى الامتحان يعول …). وقد قام ابن النفيس المصري الطبيب العربي الكبير بتشریح الجثث فصحح نتيجة لذلك بعض أخطاء الذين سبقوه .
مصدر الصورة
pixabay.com