حتى يتوصل المربون إلى فهم التلميذ كما يجب، لابد من دمج التربية مع علم النفس بشكل يتمخض عن هذا الدمج علم اسمه “علم النفس التربوي”، غير أن هذا العلم الجديد كسائر فروع علم النفس لم يتطور إلا في الثلاثينات من القرن العشرين، حيث تم تحديد موضوع سيكولوجية المواد الدراسية كالقراءة والتهجي والحساب وانتشرت أبحاث كثيرة في طرق التدريس، ففي الستينات تركزت الأفكار الرئيسية حول محتوى علم النفس التربوي وتحدد موضوعه، وأصبح له كيانه المستقل والمتميز.
ويعتبر علم النفس التربوي ميدان من الميادين التطبيقية لعلم النفس، إلا أنه ليس منفصلا عن الميادين الأخرى أو عن فروع علم النفس الأخرى سواء كانت أساسية أو تطبيقية، وفيما يلي نعرض العلاقة بين هذا العلم وبعض تلك الميادين أو الفروع:
1- علم النفس الارتقائي أو التطوري (سيكولوجية النمو) la psychologie du développement :
يهتم علم النفس الارتقائي أو التطوري بدراسة التغيرات التي تطرأ على السلوك الإنساني في مختلف مراحل الحياة. ومن اهتمامات هذا الفرع دراسة نمو الأطفال والمراهقين و هم أكبر فئة تنتمي للعملية التربوية التي يهتم بها علم النفس التربوي. وقد كانت أكبر إسهامات هذا العلم في ميدان علم النفس التربوي ، هي بحوث النمو المعرفي و الانفعالي و الجسمي و الاجتماعي ، و أفاد كذلك في التعرف على الاتجاهات المبكرة و الظروف البيئية التي تؤثر تأثيرا ظاهرا في تنمية القدرات العقلية و سمات الشخصية عند الأطفال و المراهقين و الراشدين.
يمكن اعتبار هذا الفرع من أهم فروع علم النفس جميعا ، لأنه يزود بقية الفروع النفسية الأخرى بحقائق نفسية نمائية عن الإنسان يستفاد منها في جميع الميادين التطبيقية لعلم النفس ، و في الحياة بصفة عامة.
2- علم النفس التجريبي la psychologie expérimentale :
يهتم الباحث في ميدان علم النفس التجريبي بدراسة سلوك الإنسان في المختبر، باستخدام الطريقة التجريبية ووسائل للضبط في غاية الدقة والأهمية. وترتكز اهتمامات علم النفس التجريبي على دراسة المشكلات المرتبطة بالظواهر النفسية مثل دراسة طبيعة استجابات الأفراد للمثيرات الحسية وطبيعية الإدراك والتعلم والتذكر، ضمن موقف تجريبي مضبوط، بحيث يمكن من خلاله التحكم في عامل واحد أو عدة عوامل، وقياس تأثيره أو تأثيرها على طبيعة استجابة الفرد. وهناك بعض البحوث التي أجريت في مخابر علم النفس بدأت تجذب انتباه المهتمين بمشكلات التربية وخاصة ما تقدمه نتائجها من حلول لمشكلات التعلم المدرسي مثل التعليم المبرمج وآلات التدريس، بالإضافة إلى أن بعض هذه النتائج تفسر ظواهر التعلم المدرسي.
يتمثل الإسهام الأكبر لعلم النفس التجريبي إذن في تنمية الاتجاهات العلمية والتجريبية عند المهتمين بمشكلات التربية والتعليم.
3- علم النفس الاجتماعي la psychologie sociale :
علم النفس الاجتماعي هو ذلك العلم الذي يدرس التفاعل الاجتماعي بين الأفراد و الجماعات ، ويسعى إلى دراسة الاتجاهات البشرية و إخضاعها لتجاربه و أبحاثه .و من المعروف على المعلم أنه يقضي جزءا كبيرا من وقته في عمله التعليمي و التدريس و هو يتعامل مع التلاميذ كجماعات ولذلك فهو بحاجة ماسة إلى فهم مبادئ السلوك الجماعي ليصبح قادرا على التعامل مع العوامل التي تؤثر في المواقف الجماعية و التي تسهل التعلم أو تعطله .كما أنه بحاجة إلى ما يقدمه علم النفس الاجتماعي من نتائج تزوده بمعلومات تسهل فهمه لديناميات الجماعة و أثرها في سلوك أعضائها.
-4 علم النفس العلاجي la psychothérapie :
يقوم علماء النفس المهتمون بمجالات الصحة النفسية و الإرشاد النفسي و التوجيه التربوي والطب العقلي و الخدمة الاجتماعية و النفسية و علم النفس العلاجي بكثير من البحوث التي تستخدم المنهج الإكلينيكي و الذي يعتمد على جمع ملاحظات عن سلوك الأفراد الذين يتلقون مساعدات فردية بسبب الصعوبات الانفعالية، وقد أسهمت هذه البحوث في فهم مشكلات و صعوبات السلوك الإنساني في المواقف التربوية سواء كانت تتصل بسلوك التلاميذ أي المتعلمين أو المعلمين.
5- علم نفس الإرشاد و التوجيه la psychologie du conseil et de l’orientation :
يقوم علم نفس الإرشاد والتوجيه على تطبيق مبادئ علم النفس في جميع الخدمات التي يقدمها، سواء كانت دراسة لقدرات التلميذ واستعداداته، أم توجيها تربويا أو مهنيا يعينه على اختيار نوع التعليم أو العمل الذي يتفق مع هذه القدرات، أو إرشادا نفسيا يرمي إلى مساعدة الفرد على التكيف في حياته داخل المدرسة أو خارجها.
6-علم نفس القياس أو القياس النفسي La psychologie des mesures ou La psychométrie.
لقد أسهم علم نفس القياس أو القياس النفسي إسهاما كبيرا في تجديد ميدان علم النفس التربوي منذ البداية، وخاصة مع نشأة حركة قياس الذكاء والقدرات العقلية وسمات الشخصية، ثم ازداد الاهتمام بالقياس التربوي بصفة عامة سعيا لتحقيق أحد مطالب العلم الهامة وهو الدقة الكمية. فمن المستحيل البرهان على حدوث نتائج معينة دون توفر درجة ما من القياس، ولذلك ظهرت البرامج الكمية التي تركز على ما يمكن قياسه في التحصيل المدرسي مثل اكتساب المهارات وحفظ المعلومات.
وقد استطاع علماء القياس النفسي في السنوات الأخيرة ابتكار الطرق التي يمكن أن تستخدم في قياس بعض جوانب السلوك المعرفي التي كانت تبدو مستعصية على القياس (كالتفكير الابتكاري). بالإضافة إلى قياس جوانب السلوك المزاجي والانفعالي والاجتماعي.
7- علم النفس الفيزيولوجي la psychophysiologie :
يركز علم النفس الفيزيولوجي عادة على الشخص بوصفه وحدة بيولوجية متماسكة و متكاملة ، تستجيب لبيئتها الخارجية بوسائل متنوعة ، وتسهم دراسة أعضاء الحس و الأعصاب و الغدد و العضلات من الوجهة التشريحية و الفيزيولوجي في فهم الإنسان ككل.
ويدرس علم النفس الفيزيولوجي كثيرا من الموضوعات ذات الصلة بوظائف الأعضاء، وخاصة تلك التي تؤثر في السلوك الإنساني. ويدرس كذلك الخصائص العصبية وخصائصها، والحواس والعوامل التي تؤثر فيها، كما يدرس هذا العلم أيضا السلوك وتطوره في الطفل ومؤثرات أو مثيرات هذا السلوك.
يتضح من هنا أن لعلم النفس الفيزيولوجي دورا أساسيا في مساعدة جميع أطراف العملية التربوية، ولا سيما المعلم، في تفسير السلوك الإنساني أثناء عملية التعلم والتعليم بناء على أسسها البيولوجية والفيزيولوجية.
إعداد الأساتذة:
فضيلة مقران
كريمة صيام
عبد الرحيم بلعروسي
المراجع
Bandura, A. (1977) Social learning theory. Englewood Cliffs, N.J ; Prentice Hall.
Allaoua, M. (1998). Manuel des methods ET des pedagogies de l’enseignement. Alger, palais du livre.
Mialaret, G. (1991).pédagogie générale. Paris, P U F.
Mialaret, G. psycho- pédagogie. Que Sais je .Paris, P U F.
Thorndike, E.L. Education, psychology. New York: Colombia University, Teachers College Press.
Peterson, C. (1991). Introduction to psychology, New York, Harper Collins Publishers Inc.
Hill, W.F. (1985). Learning: Asurvey of psychological interpretations (4th Ed).New York. Harper and Row.
Skinner, B.F. (1968) .Educational Psychology: Theory into practice, Englewood cliff, New Jersey, Prentice Hall.
Lemaire, P. (2006). Abrégé de psychologie cognitive. Bruxelles, De Boeck Université.
Voizot, B. (1973).Le développement de l’intelligence chez L’Enfant .Paris, Armand Colin.
Ferster, C.B. &Skinner, B.f. (1957).Schedules of reinforcement. N.Y: Appleton Centrury-Crofts.