هل يسبب التلفزيون ظهور السلوك العدواني عند الأطفال ؟

يتمثل العدوان عند الإنسان في معاني متعددة، منها انه فعل عدواني وهو محاولة تدمير الغير وممتلكاته.
وفي ضوء النظرية التي ترجع العدوان الى شعور الكائن بالإحباط والفشل في تحقيق إشباع حاجاته يشير هذا المصطلح الى اي اسلوب ناتج عن الإحباط من وجهة نظر عالم النفس (الفريد اولر) وهو تعبير عن ارادة القوة.

اما (سيجمود فروید) فيعبر عن العدوان بأنه أي سلوك واع شعوري ناتج عن غريزة الموت التي افترض (فرويد) وجودها والمسؤولة عن سلوك العدوان والتدمير.

وهناك اشكال من العدوان، منها العدوان المباشر وهو العدوان الذي يوجه مباشرة الى الشخص او الشيء الذي سبب الاحباط والفشل، ويقابل هذا النوع العدوان المزاح او المستبدل، وفيه يوجه الفرد العدوان الى شخص آخر خلافا لمن تسبب له في الإحباط.

ويذهب (انتوني ستور) إلى القول بان العدوان سمة طبيعية في الإنسان، فالإنسان أكثر الأجناس تدميرا لبني جنسه، وأكثرها حبا واستمتاعا بممارسة القوة مع بني جنسه.

عدوان الأطفال

في مرحلة الطفولة لا يشجع الآباء أطفالهم على السلوك العدواني لكن حين يشب الطفل يجد ان العدوان أساس، بل انه يعد من أسس النجاح في المجتمع المعاصر، فالشخص الراشد الذي يتسم بالطموح والشدة وتوكيد الذات يحرز كثيرة من النجاح في مجتمع التنافس الحر من زميله الهادیء المتأمل المنطوي الذي يتخلف في السباق إلى القمة، ويبدو أن النزعات العدوانية يوافق عليها المجتمع اذا كانت مستترة Latent وان اتخذت اشكالا معقدة، ولكنه يستنكرها اذا كانت ظاهرة سافرة Manifest وبدائية وفيزيقية، وغير ذلك من الاشكال التي يتميز بها عدوان الاطفال الصريح فيها، عدا بعض الإشكال المنظمة كالمباريات الرياضية والحروب الدفاعية.

ويصعب على الدارس تحديد العمر الذي تبدأ فيه هذه النزعات العدوانية في الظهور لدى الطفل، فيلاحظ الطفل انه يحمر وجهه بسرعة عندما يتعرض لاحداث تسبب له الاحباط أو تقيده او تسبب له التهيج والثورة، لذا يستخدم الطفل اي وسيلة في متناول يده للتخلص من المثيرات غير السارة أو التي لا يرغب فيها، ولدى الطفل الصغير غالبا ما تكون هذه الوسائل بكاء او صراخا او هجوما طبيعيا مباشرا.

فالطفل الصغير لا يستطيع ان يستخدم وسائل رمزية مقنعة واساليب عقلية مجردة.

التلفاز وأثره في السلوك العدواني

ان إرادة التكلم عن العنف في المجتمع والقول بانه موجود قبل التلفاز، وكذلك حصر هذا الموجود في الصور العنيفة والاستنتاج الخفي انه في حال خفضها او تحسين نوعيتها يخفف من آثارها، أن هذا الاستنتاج يفضي إلى نوع من سوء نية، ولو ظهر العكس، لأن هذا قد يدفعنا إلى القول بأنه ما يعرضه التلفاز من عنف ليس الا انعكاسا للواقع.

لقد أجريت ألاف الدراسات والبحوث في حقول معرفية عديدة تناقش العلاقة بين وسائل الاتصال والعنف.

فالعنف في المجتمعات الحديثة ليس ظاهرة جديدة في شكلها او أهميتها، أن ما تغير هو إدراكنا للعنف وآثاره على سلوكنا، لذا ترى أصحاب نظرية النزعة العدوانية الذين يعتقدون بالعدوانية الفطرية ويقولون ان رؤية العنف في التلفاز تجرد الطفل من عدوانيته الداخلية، ومن قلقه، ومن ثم يتم تحويلها الى الخارج تحت شكل عدوان غير مؤذ، وبالتالي تصبح مناظر العنف علاجا للكثير من الأزمات النفسية لديه.

ولعل المسألة هنا تتجاوز دور التنفيس Catharsis، لان التنفيس أو التطهير يزيل التوتر فحسب، ولا يعالج الأزمة الكامنة في دخيلة النفس.

لقد جرت كثير من الأعمال التجريبية التي انطلقت من دراسة العلاقة المباشرة بين عروض أفلام العنف ونمو السلوك العدواني عند المشاهد، بعضها انتهى الى ان ثمة ترابطا تأثيريا بين المتغيرين وبعضها لم يتحقق من الترابط التأثيري.

وهنا يبرز عدد من الأسئلة: هل الأفلام العنيفة هي التي تجعل الطفل عدوانيا؟ أم ان الطفل العدواني هو الذي يبحث عن افلام عنيفة تتناغم مع بيئته الداخلية؟

أم أن المسألة يعتريها تداخل، ومن الصعب عزل العوامل المؤثرة، وخاصة أن هذه العوامل تمر بما يسمى «الوسائط النفسية».

في دراسة «لایرون وهوبسمان» انتهيا إلى أن رؤية العنف لدى ۸۷5 طفلا في سن ثماني سنوات تلازم مع العدوانية بعد الضبط الإحصائي لما يعرف بالعامل الثالث المحتمل بعد عشر سنوات.

فالعدوانية تتبع العنف المرئي وليس العكس، فأثار العنف المعروف ليست فورية بل تضاف بشكل تعزيزي، ولا يمكن فهم سلوك الانسان العدائي، الا برده الى اطاره الاجتماعي والعلائقي، اذ ان السلوك العدواني هو احد الاساليب للتعامل مع الغير في اوضاع معينة.

وتعد نظريات التعلم العدواني سلوكا يمكن اكتسابه مثل أي سلوك اجتماعي آخر في حالة دعمه ومساندة قوی اجتماعية مع تقييم لصورة الذات.

وأظهرت دراسات التعليم الاجتماعي ان للنموذج العدواني تأثيرا حاسما على سلوك الشخص الذي يتعرض له.

ومن الدراسات الشهيرة في هذا الحقل، اعمال (باندورا ) Bandura التي بحثت مسألة اكتساب السلوك العدواني عند الطفل انطلاقا من تعرضه لمشاهدة نموذج عنيف.

لعل هذا المشكل المتمثل بتلازم السلوك العدواني والتلفاز، افضي الى ان يعقد المجلس القومي الأميركي لقضايا الأحداث مؤتمرات سنوية، خلصت الى ان ثمة ضررا بليغا يعود على الشباب الأميركي من بعض المواد التي تعرض، ومن ثم تسليط الضوء على قصص الجريمة والعنف والروايات البوليسية، وصور المحاكمات، وهذا من شأنه أن يرسخ في الأذهان ولا سيما عند الأحداث صورا ثابتة، وتأثيرات ضارة . تنتهي الى ان ينمو الشباب نموا غير طبيعي او غير سوي.

وبعد: فان التقديرات التي يحصدها المجتمع من تعزيز ثقافة العنف في النفوس، تأخذ أشكالا وصورا بعيدة الأثر، وأن كنا لا نملك أدلة قطعية مباشرة عن زيادة العنف نتيجة مشاهدة الأطفال للتلفاز، وان كانت الأفلام العنيفة تتقبل لدى العدوانيين من الأطفال والشباب أكثر من غيرها.


لذا تبدو المسألة متشعبة الأبعاد، فمن الصعب اتخاذ إجراء بفرض رقابة صارمة حول ما يعرض، وحرمان فئة من مشاهدة لهذه الأفلام لأجل مجموعة / او اقلية لديها استعداد عدواني كامن.

فالمشاهد العدوانية تفضي الى الانحراف آن تهيأ لها استعداد نفسي للفرد او تعززت من البيئة التي يحيا فيها الأفراد، وغيرها من الوسائط النفسية المؤثرة في تشكيل السلوك العدواني، لذا تبرز الأدوار الفاعلة للأسرة والمجتمع والمدرسة لتعديل سلوك الأفراد، ووزرع قيم التراحم والتسامح فيهم.

الدكتور عيسى برهومة

عن فريق التحرير

يشرف على موقع آفاق علمية وتربوية فريق من الكتاب والإعلاميين والمثقفين

شاهد أيضاً

طرق التربية بين الماضي والحاضر

لطالما كانت التربية أحد الأسس الرئيسية لتشكيل شخصية الإنسان وتطوير المجتمع. ومع تغير الزمن، شهدت …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *