د. عِبَر عبدالكريم الموسى
أصول التربية – الجامعة الأردنية
إن السلام مبدأ من مبادئ الدین الإسلامي، وھذا یتجسد في قوله صلّى ﷲ علیه وسلّم: ” لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على ما تحابون به، قالوا: بلى یا رسول ﷲ، قال: أفشوا السلام”. وقال صلى ﷲ علیه وسلم: “المسلم من سلم المسلمون من لسانه ویده”، لیؤكد على كیفیة تعامل المسلمين مع بعضهم بعضًا. وقد حث الإسلام على التعامل بقیم السلام مع غیر المسلمين أيضاً، فالإسلام ھو دین عالمي، احتوى على تشریعات یمكن أن تعیش الشعوب في ظلھا في سلام مھما اختلفت انتماءاتهم الدینیة، أو الطائفية أو الثقافية أو العرقية، وهذا بالتأكيد یعكس مفھوم التعایش السلمي.
وتعرف منظمة الیونیسیف “تربية السلام”: بأنھا تنشئة الأفراد على تفضيل الممارسات السلمية في حیاتھم الیومیة؛ التي تتطلب تشجيع الطلبة على: التفكير الناقد، والثقة بالنفس، والشجاعة في إبداء الرأي، والنقد الذاتي، والوعي بحقوقهم وواجباتهم في المجتمع الذي یعیشون فیه، وتحمل الاختلاف، وتقبل الآخر، والمرونة الفكریة.
وقد عمدت المؤسسات التربویة كلها إلى التأكید على قیم السلام وكیفیة تطبیقھا إلّا أننا نجد دوما أن الأسرة تشكل أھم المؤسسات التربوية للاهتمام بالنشء، والعنایة بمختلف جوانب شخصيته، وتعزيز قیم السلام التي دعت إليها الديانات السماوية، ومن أھم تلك القیم: الإیثار، التعاون، العدل، والقوة. وذلك بهدف تحقيق سبل السلام المتعددة مثل: سبل السلام النفسي، وسبل السلام العقلي، وسبل السلام الأسري، وسبل السلام الاجتماعي، وسبل السلام الاقتصادي، وسبل السلام الحضاري، إضافة إلى سبل السلام السياسي.
وهذا ما أكدت علیه الیونسكو – إحدى منظمات الأمم المتحدة والتي تعنى بالتربیة والعلم والثقافة والتي أعلنت في میثاقھا أنه: “لما كانت الحروب تتولد في عقول البشر ففي عقولھم یجب أن تبنى حصون السلام”، وساھمت بكل السبل والجھود لتحقیق التفاهم والسلام الدولیین، وقامت بإنشاء المدارس المنتسبة للیونسكو، وأندیة الیونسكو التي تھدف جمیعھا إلى ضرورة التعایش السلمي، والتسامح، واحترام الآخر، ونبذ العنف والتطرف بكل أشكاله، وأن یكون التواصل بالحوار الھادف البناء.
فالتعلیم ھو أعظم قوة من أجل السلام؛ حيث إنّ التعليم حق أساسيّ من حقوق الإنسان ویساھم في التنمیة المستدامة على كافة الأصعدة، كما أّنه أعظم القوى المرنة لتحقیق السلام، وقوّة لدرء التطرف والعنف، وزیادة الاحترام والتسامح. وھذا ھو السبب الذي جعل من التعليم محورا لخطط التنمية، بوصفه ھدفا قائما بحد ذاته، وضروريا لبلوغ الأهداف الأخرى. إضافة إلى أنه لا یمكن اعتبار التعليم الیوم مجرّد تعلّم القراءة والكتابة والحساب؛ وإنما أيضا تعزيز قیم الإدماج، والسلام، والمواطنة العالمية، والتسامح. فالتربية والتعليم ھما من أھم الوسائل لنشر السلام عن طریق تیسیر الوعي والفھم، وإعداد الفرد وتھیئته وتوجیھه لتربية دولية.
لذلك یجب الاهتمام بالانتماء العالمي، وتنمية مسؤولية الأجیال وتربیتھم بما یحقق البعد الإنساني الذي یقوم علیه المجتمع الدولي، بحيث یتضمن المنھج التربوي عدداً من الموضوعات التي يمكن عن طریقھا تحقيق أھداف تربية السلام، على أن یتم تنفیذھا عن طریق التدريب والممارسة في مواقف إجرائية حیاتیة تتم داخل المدرسة وخارجها، كما يجب أن یتضمن المنھج التربوي تعليم الطلبة المعرفة بحقوق الإنسان، ونبذ العنف، ورفاھیة الإنسان من خلال وضع الطلبة في مواقف تفاعلية حقیقیة يدركون من خلالها أھمیة الانتماء للوطن، وتعليم الطالب اتجاهات التسامح واحترام البيئة، وربط الطلبة بفكرة أن المجتمعات الإنسانية تكرّم الإنسان مھما كان جنسه أو عرقه أو لونه، إضافة إلى تعليمهم الخبرات الإنسانية مع مراعاة دراستها بدءً من المرحلة الابتدائية وامتدادا للمرحلة الثانوية.
وفي هذا الإطار، ينبغي نشر ثقافة السّلام بین جميع فئات المجتمع، التي تسهم بتوحيد الجھود في مواجهة صنوف التطّرف الفكري المتعددة مثل: إقصاء الآخر، والدعوة إلى التخلص منه، وما إلى ذلك. والاهتمام بتربية النشء الجدید على القیم الفاضلة والعظيمة، واستغلال التعليم في ذلك. كما یجب تفعيل دور وسائل الإعلام المختلفة، والوسائل التقنية الحديثة، وشبكة الإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعيّ التي تغلغلت في سائر نواحي الحیاة، التي تُعد شديدة الصلة بفئة الشباب، تلك الفئة الأكثر استھدافاً من قبل أصحاب الأفكار المنحرفة. ومن جانب آخر، فإنّ على قادة الرأي، والعلماء من ذوي الاختصاص دعوة الناس إلى التقارب، وتوحيد الصفوف، وزیادة التلاحم الاجتماعي، فكلما تقارب الناس من بعضهم أكثر امتلكوا القدرة على مواجهة العنف، وتعاظمت محبتهم لبعضهم بعضًا، وھذا كله سیؤدي في نھایة المطاف إلى إحلال ثقافة السلام.
ولعله من المفيد أن نؤكد على أھمیة السلام في الحیاة، فمن خلاله یمكن للإنسان بث الحياة في أفكاره التي قد تكون اندثرت خلال الحروب بالعنف والتدمير، أو على الأقل تم تشویھھا. ویُمكّن الشعوب من التعلمّ، واكتساب ونشر الثقافة، وبناء الحضارات، والنهوض بالدول اقتصادیاً واجتماعیاً؛ فالبناء لا یكون إلا في أوقات السّلم والأمن. وإيجاد بیئة مشجّعة للإبداع ووسائله؛ فھو الذي یُحفز النّاس على الإبداع، وزیادة الجمال، والإنتاج – على عكس الحروب – التي تُنتج الدمار والخراب والفساد. وینقل الإنسان إلى آفاق سماویّة روحانیة عالیة، إذ یشجع على انتشار الروحانیات والسكینة ویشیعھا بین الشعوب، ویقرب بین الناس ویجمعھم على المحبة والتعایش، ویرفع الإنسانیة إلى مستوى الوجود الاجتماعي المتحضر، في حین تقود الحروب الشعوب نحو الانزلاق صوب الھمجیة.
واستخلاصا لما سبق، یجب أن تبذل كل الجھود من كل المؤسسات التربویة والمجتمعات المحلیة والإقليمية والمنظمات الدولية والعالم بأسره لترسيخ السلام بمفهومه الواسع، وأبعاده المختلفة وقیمه في عقول النشء، لأن ھذا بالتأكيد سیسھم في زیادة الإبداع والابتكار الذي یحتاجه التعليم المستدام الذي یشكل جزءًا من التنمیة المستدامة التي ستفید لیس فقط الأجیال المعاصرة ولكن أيضاً المستقبلية، وذلك بوجود أرضية صلبة وبیئة صحیة لتربیة قائمة على مفاھیم التواصل والحوار والتعاون والتفاهم والاحترام والتعايش السلمي ونبذ العنف والتطرف والكراھیة ورفض الآخر.
المراجع
أحمد، عبدالفتاح؛ محمد، عبدالقوي والصاوي، محمد (2006). التربية من أجل السلام في القرآن الكريم والسنة النبوية: دراسة تحليلية. رسالة دكتوراه، جامعة الأزهر، مصر.
ابن مطر، هبة ومحمد، حياة (2013). دور الأسرة في تعزيز قيم السلام لدى الناشئة من منظور إسلامي. رسالة ماجستير، جامعة أم القرى، السعودية.
عطية، أحلام؛ سليمان، فتحية وحسن، أمينة (1989)، الجهد التربوي لمنظمة اليونسكو لدعم التفاهم الدولي والسلام العالمي. رسالة دكتوراه، جامعة عين شمس، مصر.