معلومات تهمك عن بكتيريا قرحة المعدة والاثني عشر

اود عبر هذه المقالة أن القي الضوء على بعض الأمور الهامة المتعلقة بالقرحة الهضمية وعلى التطورات المثيرة وبالتحديد ما نتج عن اكتشاف الجرثومة الحلزونية البوابية «هيليكوباكتر بيلوري» التي تقطن في جدار المعدة. هذا الاكتشاف الذي ادى الى حصول تغيير جذري في المفاهيم التي كانت سائدة سواء المتعلقة بأسباب تكون القرحة او علاجها.

القرحة الهضمية هي عبارة عن تآكل يحدث في الجزء الداخلي من جدار المعدة او الاثني عشر بشكل رئيس وذلك نتيجة لاختلال التوازن القائم بين ما نسميه العوامل الدفاعية الحامية لتماسك وتكامل بنية هذا الجدار لصالح العوامل الهجومية او الضارة بهذا التماسك ومنها ازدیاد عصارة المعدة الحمضية، التهاب الجدار المعوي او تناول الأدوية المسكنة لآلام المفاصل الروماتيزم او التدخين.

كان الاعتقاد السائد في الوسط الطبي وحتى فترة قصيرة هو ان الاصابة بالقرحة الهضمية مرض مزمن ومتكرر عند معظم المرضى ، أي أن القرحة يمكن ان تعود للظهور اكثر من مرة بعد ان تلتئم (ليس بالضرورة مكان القرحة السابقة). ويستدل من الاحصائيات الطبية أن القرحة تعود للظهور عند حوالي 50% من المرضى خلال السنة الأولى بعد التئامها اذا لم يتناول المريض الادوية التي تحمي وتقلل من تكون القرحة، ويمكن ان يصل هذا الرقم الى 100% عند المدخنين.

وكان الاعتقاد السائد ايضا ان العصارة المعدية الحامضية تلعب الدور المركزي والرئيس في تكون القرحة وذلك عند توفر الشروط والظروف المواتية (في الظروف العادية وكما هو معروف فللحامض المعوي دور وظيفي هام ) .

ولكن التطور المثير الذي حصل مؤخرا والذي غير وما زال يغير الكثير من المفاهيم وطرق العلاج التي كانت سائدة هي – اكتشاف الطبيبين الاستراليين مارشال وورين في عام 1983 لجرثومة تقطن الغشاء المخاطي لجدار المعدة وبالأخص الثلث الأسفل من المعدة وتعرف هذه الجرثومة الآن باسم هيليكوباكتر بيلوري» أي «الحلزونية البوابية». وتكمن اهمية هذا الاكتشاف في امرين رئيسيين :

الأول: هو قدرة هذه الجرثومة على التأقلم والعيش في جو المعدة الشديدة الحموضة.

والثاني: والأهم هو ما تم التوصل اليه من معرفة أن هذه الجرثومة تسبب التهابا في جدار المعدة يتحول عند معظم الناس الى التهاب مزمن وان لهذا الالتهاب الجرثومي دورا هاما ورئيسا في تكوين القرحة وتكررها.

وقد تم التوصل إلى هذه النتيجة عن طريق علاج الالتهاب الجرثومي والقضاء على الجرثومة عند المرضى المصابين بالقرحة الهضمية والالتهاب الجرثومي حيث تبين من متابعتهم أن نسبة تكرر ظهور القرحة عندهم كانت ضئيلة بالمقارنة مع المرضى المصابين بالقرحة والالتهاب الجرثومي ولم يتم القضاء على ذلك الالتهاب.

اما عن دور هذا الالتهاب الجرثومي في تكوين القرحة الهضمية فيعتقد ان ذلك وبشكل مبسط يتم عن كون الالتهاب يقود الى ضعف واختلال في تماسك جدار المعدة او الاثني عشر موفرا بذلك، الظرف للعصارة المعدية الحمضية بالتسبب في تأكل الجدار وتقرحه، اما عن كيفية تكوين القرحة الهضمية في الاثني عشر عن طريق الالتهاب الموجود في المعدة فيفسر ذلك حاليا بالتحور الذي يحصل في غشاء الاثني عشر وتغييره ليشابه جدار المعدة حيث يمكن أن تقطنه الجرثومة وبالتالي تتوفر الظروف لتكون القرحة هنا ايضا.

هناك بعض الامور المهمة التي يجب توضيحها للقراء الكرام والمتعلقة بهذه الجرثومة وطرق تشخيصها وعلاجها.

اولا: فيما يتعلق بالجرثومة نفسها فهي حلزونية الشكل ويوجد شعيرات في احدى طرفيها وكما ذكرت سابقا فهي فريدة في خواصها اذ انها تعيش فقط في الغشاء المخاطي لجدار المعدة ولم يثبت وجودها في اماكن اخرى من الجسم. وهي تقدر على العيش في الجو المعدي ذي الحموضة العالية عن طريق افرازها لمواد توفر لها جوا اقل حموضة او قلويا حولها.

ثانيا: بالنسبة للأمور المتعلقة بانتقال الجرثومة أي العدوی للإنسان فحتى الآن لم يتم التوصل بشكل ثابت ونهائي إلى معرفة اماكن وجود وتعايش الجرثومة خارج جسم الانسان وطرق انتقال الجرثومة اليه. ولكن من المعتقد ان العدوى تحصل في معظم الأحيان في الصغر عن طريق تناول الماء او المشروبات الملوثة وهناك ايضا احتمال انتقالها عن طريق الاختلاط الشخصي خصوصا في المحيط العائلي. وتظهر الاحصائيات في البلدان النامية اصابة معظم الأشخاص بهذه الجرثومة (حوالي 60%) وتصل نسبة الإصابة في بعض الدول الافريقية الى 100% من السكان، أما في البلدان الصناعية فتصل النسبة الى 50% من الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 60 عاما. هذه الأرقام تبين مدى الانتشار الواسع للمصابين بهذه الجرثومة، حيث يمكن القول انهم يشكلون معظم سكان الكرة الأرضية.

ثالثا: بالرغم من الانتشار الواسع للمصابين بهذه الجرثومة فهناك فقط نسبة ضئيلة منهم يصابون بالقرحة الهضمية، حيث يستدل من الاحصائيات أن حوالي %15 – 20 % من هؤلاء تتكون لديهم قرحة هضمية خلال حياتهم، والتفسيرالذي يعطي لذلك في الوقت الحالي يتمثل في وجود سلالات من هذه الجرثومة متفاوتة في قدراتها الهجومية ويعتقد ان القرحة الهضمية تتكون عند الذين يصابون بالسلالات الأكثر هجومية (عن طريق افرازات اکثر ضررا). ولكن من المعتقد ايضا ان توفر عوامل مساعدة اخرى وبالأخص تلك المرتبطة بالشخص نفسه ضروري لتكون القرحة.

كل ما سلف ذكره وبالاعتماد على المعلومات الطبية المتوفرة حاليا يقودنا للقول ان معظم المصابين بهذا الالتهاب الجرثومي يعيشون حياة طبيعية ولا يسبب لهم هذا الالتهاب أي آلام او شكوى ذات أهمية ولا ينتج عنه أية مضاعفات او تطورات ذات شأن.

رابعا: هناك عدة وسائل تشخيص وتحديد وجود هذه الجرثومة في جدار المعدة منها: –

أ. عن طريق اكتشاف اجسام مضادة لهذه الجرثومة في الدم.
ب. عن طريق اخذ عينة صغيرة من جدار المعدة عند اجراء منظار للجهاز الهضمي العلوي ويتم تحديد وجود الجرثومة في العينة اما عبر فحصها بالمجهر او وضعها في محلول خام يتغير لونه في حال وجود الجرثومة في العينة او عن طريق الزراعة.
ج. لقد تم مؤخرا ادخال طرق متقدمة اكثر بساطة للتأكد من وجود الجرثومة او عدمه وخصوصا لمتابعة الحالة بعد اخذ العلاج .

خامسا: بالنسبة للعلاج فهو موضوع شائك بعض الشيء لحد الآن حيث لم يواكب الجانب العلاجی نفس درجة التقدم الذي تحقق في الجوانب الأخرى. فبعد الجدل الحاد الذي دار في الوسط الطبي على مدى عدة سنوات تلت اكتشاف هذه الجرثومة، عما اذا كان للجرثومة دور في نشوء القرحة الهضمية، والذي حسم مؤخرا فقد انتقل الجدل الى موضوع العلاج من هم المصابون الذين يجب علاجهم؟ وما هو العلاج الافضل؟

من الضروري البدء بالقول بأنه حتى الآن لم يتم التوصل للعلاج الأمثل لهذه الجرثومة، واعني بالعلاج الأمثل أن يكون مبسطا (من ناحية عدد الادوية والجرعات ومدة العلاج) وفعالا في الغالبية العظمى من الحالات ويكون قليل الكلفة نسبيا وينتج عنه عوارض جانبية قليلة.

أما العلاج المتوفر حاليا فهو عبارة عن عدة أدوية تعطى في نفس الوقت لمدة اسبوع الى أسبوعين وأكثر العلاجات فعالية في الوقت الحالي هي التي تشتمل على مضادين حيويين فعاليين ضد الجرثومة بالاضافة الى عقار مثبط قوي للعصارة المعدية الحامضية. ويمكن القول انه اذا اخذت هذه العلاجات حسب تعليمات الطبيب المعالج ( الالتزام بنوعية الأدوية، طريقة تناولها والمدة الزمنية)، فسيتم القضاء على الجرثومة في 80 – 95 % من الحالات.

أما فيما يتعلق بموضوع من هو الذي يحتاج لعلاج من المصابين بهذه الجرثومة؟ فالرأي السائد في الوسط الطبي ولحد الآن هو ان المرضى المصابين بالقرحة الهضمية ويتم تشخيص الالتهاب الجرثومي لديهم هم بالأساس الذين يحتاجون للعلاج حيث أن القضاء على الجرثومة يؤدي الى شفاء القرحة ووضع حد لتكررها والمضاعفات الممكن ان تنتج عن ذلك مثل النزيف وانثقاب الجدار المصاب بالتقرح او تضيق وتشوه مخرج المعدة او الاثني عشر من تكرر التقرحات.

وماذا عن المصابين بالالتهاب الجرثومي في المعدة دون اصابتهم بالقرحة؟ فكما ذكرت سابقا فهؤلاء يشكلون الأغلبية المطلقة وبالاعتماد على المعطيات الحالية فمعظم هؤلاء الناس لا ويحتاجون لعلاج الجرثومة، حيث ان الالتهاب الموجود (وخلافا الالتهابات اخرى في الجسم) لا يسبب شكوى ذات شأن ولا تتوفر أية دلالات ثابتة بأنه ينتج عن هذا الالتهاب أية مضاعفات ذات اهمية عند الغالبية العظمى من المصابين.

وهنا اشعر انه من الضروري ان اتعرض في هذه المقالة الى موضوع احتمال حصول مضاعفات اخرى لهذا الالتهاب الجرثومي وذلك غير القرحة الهضمية. فكما يمكن ان يقرأ أو يسمع القراء الكرام في الوسائل الاعلامية احيانا معلومات عن تسبب هذه الجرثومة لأورام في المعدة، فللأسف ان هذا الموضوع يطرح في احيان عديدة بطريقة ناقصة وكثيرا ما تكون مغلوطة وليس في اطارها وسياقها الصحيح حيث يقود ذلك الى البلبلة والاستنتاجات الخاطئة وبعض الأحيان المخيفة لدى المستمع او القاريء.


وحاليا تشير كل الدلائل والحجج انه اذا كان لهذه الجرثومة دور في هذا الاتجاه فيجب ان يكون ذلك مترافقا ومتزامنا مع عوامل أخرى عديدة وهامة. ويذكر في هذا السياق أن نسبة الإصابة بالجرثومة في بعض الدول الافريقية كما ذكرت سابقا قد تصل الى 100٪ وبالمقابل فان اورام المعدة الخبيثة تكاد تكون غير معروفة او موجودة لديهم.

وانهي هذه المقالة بخبر مشجع وهو المتعلق بإمكانية التوصل الى تحضير مصل فعال يساعد في القضاء على هذه و الجرثومة ويحد من انتشارها.

د. فايز صبيح
مستشار الجهاز الهضمي والكبد والمناظير

عن فريق التحرير

يشرف على موقع آفاق علمية وتربوية فريق من الكتاب والإعلاميين والمثقفين

شاهد أيضاً

زيت الزيتون وفوائده الصحية ودوره في حماية القلب ومكافحة الأمراض

يُعدُّ زيت الزيتون من أبرز المكونات الغذائية التي تشتهر بها منطقة الشرق الأوسط، ويحتل مكانة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *