العلق نوع من الديدان الحلقية، يعيش في البرك والمستنقعات ومجاري المياه، ويتغذى على الديدان الصغيرة والقواقع، ولكنه في نفس الوقت يملك فما حادا يثقب الجلد ويمتص دم الحيوانات والإنسان الذي يتطفل عليها، وقد جاء ذكر استعمال هذه الديدان في أكثر كتب الطب العربية حيث استعمل لامتصاص الدم من الجلد بديلا عن القصد والحجامة في بعض الامراض ولا سيما الامراض الجلدية.
ويعكس الاسم العلمي للعلق الاستخدام الطبي لهذا الحيوان في مهنة فصد الدم او Phlébotomy الحجامة. التي كانت كثيرة الشيوع فيما مضى فلقد ورد ذكر (الفصد بالعلق Leeching في مؤلفات الحكيم الاغريقي جالينوس في القرن الثاني للميلاد، كما توسع الفيلسوف الاسلامي ابن سينا في القرون الوسطى في تفصيل طرائق الفصد المذكور، وكانت تطورت في القرون الوسطى هذهِ الممارسة لتصبح علاجا شائعا لمعظم الامراض الى حد جعل كلمة العلق تأخذ معاني متعددة تتناول جميع الاجراءات الطبية واللبخات والكمادات والعقاقير.
وجاء في مجلة العلوم الأمريكية حزيران 1988 بلغت شعبية الفصد بالعلق اوجها في اواخر القرن الثامن عشر واوائل القرن التاسع عشر، اذ كان يتم استيراد حوالي 30 – 40 مليون علقة في كل عام الى فرنسا وحدها.
وقد ادى الطلب الكثير على العلق الى اصطياده بكثافة حتى كاد ينقرض في كافة ارجاء اوروبا الغربية، وما زالت اعداد العلق ناضبة في تلك المنطقة حتى يومنا هذا. وفي اواخر القرن التاسع عشر واوائل القرن العشرين قل الفصد بالعلق الى حد كبير وأصبح يقتصر بالدرجة الاساسية على ازالة الدم من الكدمات حول العين.
واليوم يجري الكشف مجدداً عن العديد من العلاجات الشعبية. وبالنظر الى التاريخ المطول للفصد بالعلق فاننا لا نستغرب كليا خبر احيائه في الطب المعاصر، ففي اوروبا واميركا يعد العلق اليوم مساعدا بعد الجراحة في عمليات الجراحة التجميلية وفي اعادة الفرز الجراحي للأطراف المبتورة وهنا يزيد العلق في نجاح هذه العمليات عن طريق ازالته للدم الزائد ومن ثم الحيلولة دون موت الأنسجة حين تستعيد الشعيرات نموها ويضاف الى ذلك ان العلق يعد مصدر مادة مضادة للتخثر قوية هي (العلقين Hinudlin ) والتي تم الآن
استنساخ الجين المسؤول عنها، كما ان لعاب العلق قد يوقف انتشار الاورام.
ويشير الدكتور دكنسون استاذ البيولوجيا في جامعة ولاية يوتا الاميركية الى سلوك العلق بقوله: يحتوي العلق على ممص (Sucker) في كل من نهايتيه، الاول يحيط بالفم، بينما يستخدم الثاني وهو الاكبر (عند الذيل) في الزحف، وقد وجدنا ان العلق الجائع يستقر عند حافة البركة على سطح الماء، ويتنبه بفعل تموجات الماء التي تعد المصدر الرئيس لوجبات غذائه من الدم، وتقوم العلقة عند تنبهها بتوجيه رأسها نحو مصدر الموجة ، وتباشر سباحة تموجية باتجاهه. هذا ولا يصيب العلق هدفه دائما، ولكن وجهته صحيحة بما يلفت النظر، اذ يسبح معظمه ضمن نطاق (25) درجة من مصدر الموجة.
هذا وتتوقف العلقة عن السباحة حالما تحقق تماسا مع جسم ما، فتشرع من ثم باستكشافه عبر دبيب ممصيها عليه بوصة بوصة، فاذا وجدت منطقة دافئة فانها تعضها, (وقد اثبتنا انجذاب العلقة الى الدفء من خلال ملاحظتنا ان العلق يتجمع تحت كأس زجاجية أي دورق فيها ماء ساخن كنا وضعناه فوق غطاء حوض للعلق). واذا اخفقت العضة في سحب الدم، فان العلقة تستكشف المزيد وتعض منطقة دافئة اخرى.
ومن اجل دراسة سلوك العض هذا يقول دكنسون: وضعنا علقا علي صفيحة من البرافين فوق سطح دافىء، واحصينا عدد العضات في ذلك الشمع.
ونذكر هنا ان فكوك الحيوان الثلاثة المسننة تترك علامات متميزة تشبه شارة ثلاثية، وقد وجدنا ان العض غالبا ما يحدث عندما تكون درجة حرارة البرافين بين 35 – 40 درجة سلسيوسية (مئوية) وهو مجال درجات حرارة الجسم لدى الثدييات ومن بينها الانسان.
هذا وقد أعلن في المانيا بعد دراسات علمية ان العلق الطبي يعتبر من اهم المسكنات للألم وبالأخص تخفيف آلام المفاصل.
عادل محمد على الحجاج