ترجمة مصطفى شقيب-المغرب
chaqib@yahoo.fr
لاحظ الباحثون نشاطا شديدا في الدماغ، قريبا من نشاط الأحلام والذكريات عندما كانوا يسجلون النشاط الدماغي لشخص وهو يحتضر. كما لو أنّ حياتنا كان يتم عرضها أمام أعيننا.
إنها من مصادفات الحياة ! ” يهتف أجمل زيمار، مدير فريق بحث دولي من الباحثين، الذي سجّل للمرة الأولى، النشاط الدماغي لشخص خلال احتضاره. ليضيف زيمار أن الشهادات المعروفة جيدا في تجارب الموت الوشيك، حيث يعلن أشخاص – بعد إنعاشهم من حالة اقترابهم من الموت – أنهم شاهدوا حياتهم تُعرض أمام أعينهم ، هي على الأرجح، في جزء منها، صحيحة.
لماذا هي صدفة ؟ في هذا اليوم، تمّ تسجيل النشاط الكهربائي لدماغ بشري وهو يموت… فقد وصل رجل يبلغ من العمر 87 سنة، وهو في حالة غيبوبة، عقب سقوط تسبّب في ورم دموي دماغي. وعلى الرغم من التدخّل الجراحي الرامي إلى إزالة الورم الدموي، إلا أنّ حالة المريض لم تتحسّن لسوء الحظّ وبدأ في إبداء نوبات صرعيّة. وهو ما سمح للعلماء بتسجيل نشاط الدماغ عن طريق التخطيط الكهرودماغي. إلا إنّ الرجل توفي خلال يومين بعد توقف دماغي. فكانت التسجيلات الكهرودماغية إذن آخر البيانات التي انتجها دماغه قبل – وبعد وفاته – بقليل.
لكن، ماذا نرى في هذه التسجيلات ؟ يقيس التخطيط الكهرودماغي أساسا نشاط خمسة نطاقات ترددية :
موجات دلتا (من 0.5 إلى 4 هرتزHz) التي تمثل حالة النوم العميق، دون أحلام.
موجات ثيتا (من 4 إلى 7 Hz)، وهي تلعب دورا أساسيا في الذاكرة، خصوصا الشفهية والفضائية، وأيضا في حالة الاسترخاء والتأمل.
موجات ألفا (من 8 إلى 13 Hz) التي تمثّل النطاق الأكثر أهمية للدماغ البشري، وهي تتعلق بمعالجة المعلومات، البصرية بشكل خاص خلال اليقظة، ولها فعل تثبيطي على المناطق القشرية غير المفعلة أثناء مهمة ما .
إضافة إلى موجات بيتا (من 14 إلى 30 Hz تقريبا) المعبرة عن الأنشطة العادية للحياة اليومية عبر تثبيط الشبكات غير الأساسية خلال مهمة ما، وهي أيضا نشطة خلال النوم التناقضي مع الأحلام.
وأخيرا، موجات غاما (أكبر من 30 أو 35 Hz) التي تدل على نشاط دماغي شديد واع أثناء عمليات الإبداع وحل المشاكل.
إلا أن الباحثين لاحظوا، خلال خمسة عشر دقيقة بعد توقف القلب، بينما لم يعد دماغه يتلقى الدم، نشاطا دماغيّا شديدا، وعلى وجه الخصوص موجات غاما، مرتبطة ومتزامنة مع خفض في شدة موجات دلتا، وبيتا، وألفا وثيتا. وبشكل أكثر تحديدا، لاحظوا خصوصا تعديلا لنشاط غاما من طرف النطاق ألفا و ثيتا ؛ ولكن هذه الترابطات تشترك في العمليات المعرفية للفكر الواعي، مثل استحضار الذكريات وفي الأحلام لدى الشخاص الأصحاء.
بحيث أنّ زيمار وزملاؤه قدموا افتراضا مفاده أنّ هذا النشاط في حالة الموت الوشيك يماثل الذكريات والأحلام، نوعا ما كما لو أنّ “حياتنا كانت تُستعرض أمام أعيننا”… غير أنّنا لن نعرف أبدا ماذا رأى هذا المريض قبل وفاته. ويضيف الباحثون أنّ الأمر يتعلق بحالة أولى وفريدة لدى الانسان، والتي تتطلب التأكيد، ولو أنّ نتائج مماثلة للتخطيط الكهرودماغي قد تم الحصول عليها لدى القوارض.
مترجم (بتصرف) عن مقال لبينيديكت سالثون-لاصال بالمجلة العلمية (Cerveau & Psycho) العدد 143- مايو 2022.
اطلع عليه بتاريخ 27 أبريل 2022.