إنَّ عرض نتائج الدراسة ومناقشتها عملٌ وجهدٌ لا ينفصل عن مراحل البحث العلمي، وهي مرحلةُ تحليل البيانات وتفسيرها واختبار الفرضيَّات، فالباحث عندما يصل إلى مرحلة تحليل بيانات دراسته، ويختبر فرضيَّاتها في ضوء ذلك فيثبتُ أو ينفي صحَّتها أو صحَّة بعضها، فإنَّه حينئذٍ يعرض ويكتب مادةَ دراسته ونتائجها التي توصَّل إليها والتوصيات التي يوصي بها بشكلٍ يمكِّن القارئ من تفهُّمها فهماً جيِّداً، وزيادة في إيضاح ذلك يمكن تقسيم ما تبقَّى من عمل الباحث وجهده في المرحلة السابقة كالآتي:
نتائج الدراسة:
إنَّ نتائج الدراسة هي خلاصةُ ما توصَّل إليه الباحث من بيانات وما أجرى عليها من اختباراتٍ نتيجة للفرضيَّات التي افترضها والتي صمَّم الدراسةَ لاختبارها ومعرفة مدى صحَّتها من عدمه، وعلى الباحث أن يقدِّم في دراسته النتائج التي انتهـت إليها بغضِّ النظر عن رضاه عنها أو عدمه، وسواء أكانت تتَّفقُ مع توقُّعاته أو تختلف عنها، فالنتيجة نتيجةٌ إن كانت إيجابيَّة أو سلبيَّة، والفائدة منها موجودة على أيَّة حال، فإن كانت إيجابيَّة فقد أجابت عن تساؤلات الدراسة بنجاح، وإن كانت سلبيَّةً فقد تساعد في إعادة صياغة المنهج الذي يُنْظر به إلى تلك الظاهرة المدروسة أو المشكلة المطلوب حلَّها، فتنظيم النتائج يتيح للباحث وللقارئ الاستفادة منها على شكلها الذي توصَّل إليه الباحثُ؛ لذا تتطلَّب كتابتُها من الباحث أن تنظَّمَ على شكلٍ مفهوم لا لبس فيه ولا إيهام مراعياً التوضيح في المعنى والمبنى قدر الإمكان.
مناقشة نتائج الدراسة:
بعد تنظيم النتائج على شكلٍ مفهومٍ واضحٍ يأتي دورُ مناقشتها وتقويمها، والمناقشة والتقويم تتطلَّب من الباحث ضمن ما تتطلَّبه منه الأمور الآتية:
1) تفهُّمه للنتائج بغضِّ النظر عمَّا إذا كانت تتوافق مع هواه أو لا تتوافق.
2) ترتيبه النتائج بصورة تظهر تناسقها وتماسكها وترابطها مع الدراسات والاختبارات التي أدَّت إليها، فعدم ذلك يثير الشكَّ في كيفيَّة وصوله إليها.
3) النظر في مدى تأييد نتائج دراسته التي توصَّل إليها لفرضيَّاتـه التي وضعها، وذلك في أدلَّة تأييدها أو رفضها، وبالتالي ماذا تعني هذه النتائج بالنسبة لدراسته ولفرضيَّاته حتى يتمكَّنَ من مناقشتها وتقويمها.
4) مناقشته لنتائج دراسته وتقويمها ضمن حدود الدراسة التي قام بها، فتلك النتائج لا يمكن تعميمها قبل مناقشتها وتقويمها.
5) الإجابة عن أسئلة دراسته، تلك الأسئلة التي حدَّدها الباحثُ في الإطار الإجرائيِّ لدراسته عند تحديد مشكلتها.
6) تقويم دراسته في ضوء أهدافها الموضَّحة في إطارها الإجرائيِّ، ويكون ذلك بإيضاح المتحقِّق من أهدافها وبيان عوامله، وغير المتحقِّق من أهدافها وبيان أسباب إعاقته.
7) إدراكه أنَّ خصوبة وقيمة دراسته تقاس بمقدار ما تثيره لدى قرَّائها من أسئلة غير تلك الأسئلة التي أجابت عنها، وتكمن تلك الخصوبةُ والقيمة في مساهمتها في تطوير المعرفة ونموِّها ودفعها في مجالاتٍ جديدة لتسهم في اكتشاف آفاقٍ جديدة.
وتعبِّر خطوةُ مناقشة النتائج على القدرة الإبداعيَّة للباحث ومهارته في ربط النتائج التي توصَّل إليها بالحالة الفكريَّة الراهنة لموضوع البحث وتقييم مدى الإسهام الذي حقَّقته دراسته في هذا المجال وطبيعة الجهد البحثيِّ الذي يلزم بذله لمواصلة تطوير المعرفة فيه، كما أنَّ قدرة الباحث على مناقشة النتائج بطريق جيِّدة هي تعبير عن النمو الذي حصل عليه الباحث نتيجة للجهد الذي قام به أثناء إجراء هذا البحث، وتتضمَّن مناقشةُ النتائج نظرةً تحليليَّة ناقدة لنتائج الدراسة في ضوء تصميمها ومحدِّداتها وفي ضوء نتائج الدراسة والبحوث والدراسات السابقة وفي ضوء الإطار النظريِّ الذي تقع الدراسة فيه.
توصيات الباحث ومقترحاته:
يصل الباحث والبحث بعد ذلك إلى خطوة أخيرة، فالباحث في ضوء الخبرة التي اكتسبها أثناء مراحل البحث فيما يتعلَّق بموضوع الدراسة وتصميمها وإجراءاتها يستطيع أكثر من غيره التوصية بالحلِّ أو الحلول التطبيقيَّة لمشكلة دراسته أي بتحديد الجوانب النفعيَّة في مجالها، كما يستطيع تقديم مقترحاته بشأن استكمال دراسة جوانب الموضوع التي لم تستهدفها دراسته، وبشأن دراسات أخرى يتمُّ فيها تجنُّب عوامل الضعف والقصور التي أمكن تمييزها، وتطوير أدوات أكثر دقَّة وإجراءات أكثر تحديداً واشتمال هذه الدراسات على قطاعات أخرى من مجتمع الدراسة، وهكذا ينتهي البحث بنتيجة تعزِّز الطبيعة الحركيَّة المتنامية للمعرفة العلميَّة، وتؤكِّد حاجة الإنسان إلى مواصلة البحث ودوام السعي نحو المعرفة، وبعض الباحثين يفرد لعرض النتائج ومناقشاتها ولتوصياته ومقترحاته فصلاً يعنونه بخاتمة الدراسة يستهلُّه بخلاصة تتناول الدراسة كلَّها بإطارها الإجرائيِّ والنظريِّ وتحليل بياناتها.
الجوانب الفنيَّة للبحث
إنَّ المهارة في إجراء البحوث العلميَّة في ضوء الخطوات والمراحل السابقة جانب تعزِّزه القدرةُ على كتابة البحث بالشكل الصحيح، وتلك القدرة صفةٌ أساسيَّة في الباحث الجيِّد، وليتمَّ تحقيق أقصى فائدة من البحث فإنَّ على الباحث أن يراعي الأصولَ الفنيَّة الحديثة في ترتيب وإخراج محتوياته، وفي توثيق مصادره ومراجعه، وفي أسلوب كتابته وعرضه؛ إذْ لا يكفي جمع البيانات وتحليلها تحليلاً دقيقاً لتظهرَ وتعمَّ الفائدةُ من البحث، فجوانبه الفنيَّة من الأمور التي تسهم في زيادة تفهُّم القارئ له والإفادة منه.